عسكرة المذاهب
تجمهرت الآمال حول الكثير حتى كادت تخنقهم، وأوصلتهم إلى مواقف خادعة اصطف معظمهم خلف الأشخاص والمواقف الخطأ، وتبعوهم زمناً طويلاً لكي تملأ كلماتهم وخطبهم رؤوس البسطاء والمنساقين خلفهم بمحض إرادتهم، اختبأت أفكارهم ومعتقداتهم وأحزابهم بين حاجات الناس، فكانت ثقافة العامة مركبة بشكل مباشر على معجم المصطلحات التي يطلقونها، وتنفصم مقاصدهم عن مظهرها الحقيقي، وتظهر العصا المغمورة في الماء منكسرة للعيان.
قال علي حرب:(إن المهم ليس الانتماء بحد ذاته بل طريقة التعامل معه، فلكل منا قبيلته وطائفته أو حزبه، أي بيئته الاجتماعية، ولا جدوى من إنكار ذلك).
إن وعي الإنسان يحرره من استعمار الواقع، ويكشف تسرب الحقائق من بين يديه، التي تستحث سعيه نحو حياة أفضل وأقوم، ولكن الناس حملت على عاتقها هموم السياسة، وتابعت مستجدات العديد من الأحداث الطائفية، وانتقلت إلى حياة أخرى- انتقال من حياة البساطة إلى حياة الكماليات - بل إلى حياة الواجبات السياسية والدينية والاقتصادية، بوصفها غاية وإشباعها شرط الفاعلية، والعقول في العصر الحالي لا تستطيع أن تتحرر من هذه المسؤولية.
إن أغلب الأسماء المعروفة التي تصدرت قائمة مشاهير الإعلام المحلي والعربي، ظهرت بألوان متعددة أولاها المجتمع اهتماماً كبيراً، وعوّل عليها كثيراً باستثناء البعض، ومع ابتداء ثورة التقنية انشغل الكثير في التسويق لنفسه، وجمع الحشود حوله، وتكاثرت الأفكار ومسوغاتها، وتشعبت الأهداف والرؤى، فلم يعد هناك شيء محدد تُعرف علته الظاهرة، أو بيانه، إلا مشاهد عفوية تكشف عن رغبة حائرة بين النقص والحاجة.
فيقول على حرب معلقاً على معسكرات المذاهب: (ليست المشكلة في مضامين العقائد والمذاهب والأحزاب والشعارات، بل في سياسة الحقيقة بالذات، أي في كيفية التعامل مع الهويات وفي طريقة إدارة العقول والأفكار).
بيد أن طرح النقاش المتكرر حول الفرد والمذهبية والسلطة والتعايش والإرادة، يكشف ثقافة الاختلاف من الخلاف، ويفرض على الطبيعة أن تزهو بجميع ألوانها وحقائقها التي وهبها الله تعالى، ومن ثم اختيار كثير من القيم لإتاحة حوار منطقي تحيط به الفضيلة والعقلانية، ونقاش غاية الجدل فيه، هي المصلحة العامة، وإن السعي لكل ما هو إنساني بالدرجة الأولى يؤكد سد ثغرات المعاناة بين الناس، ويجمع انقسامهم ويوحد أهدافهم، ويعطي معنى جميلاً للحياة بدلاً من نفي الحياة برمتها، والاختباء خلف أجندة توجه ضربات غادرة في الظهر، تقتضي الرغبة والهروب من الواجبات وظاهر الحياة، والتظاهر بفرض أخلاق جديدة على المجتمع تحرم وتحلل وتقدم حدوداً جبرية للسلطة على الأفراد، وربط الحياة بإرادتهم.
اعتمد الكثير من الناس على السير خلف الأسماء وبناء سيكولوجية للدين خاصة تنحاز إلى تراث من الاعتقاد الديني بشخصية رجل الدين ومرافقته في كل المستجدات وبناء حصن منيع حوله، والسير خلفه بكل دوافعه، فليس الإنسان بما يفعله بل هو معطى من العلاقات المعقدة أحياناً.
مما جعل لسيكولوجية الدين نفوذاً يتساوى مع سلطة الدولة أو المجتمع أو الأسرة وفرض الولاية كنوع حر من الحراك في الخفاء مؤخراً من البعض، ومعه تضاءلت نسبة إدراك الذات ودور الوعي بين العامة، مما جعل للسلطة والرقابة دوراً كبيراً في معالجة هذه الثغرات، وربط النية بالقصد لإحلال الأمن الاجتماعي،والتعايش السليم، وتوطيد العلاقات السلمية بين المجتمعات.
المصدر: http://riy.cc/917093