عرب لا يشبهون أنفسهم وعجزوا عن أن يكونوا غرباً
الفكر في العالم العربي يشبه الى حد كبير موارده الاقتصادية، لا تكون ذات نفع الا اذا استقلت عنه وابتعدت بحكم الضرورة الى مصانع الغرب وعادت اليه على شكل منتجات حضارية تساعده للانتقال من مرحلة بائسة الى مرحلة تتحرك فيها الحياة في اتجاه الحياة.
قبل خمسين عاما كان في العالم العربي اشياء تشبه اشياء التنمية والتطوير، لا يوجد في العالم العربي تعليم ولكن يوجد به شبه تعليم، وشبه اقتصاد وشبه تنمية.. فقد عجز الفكر العربي عن انتاج حركة اصيلة لانتاج الفكر حتى في الامور التي تمس عقائده، اليوم العالم العربي خسر حتى اشباه الاشياء وغدت حياته في غالبها حياة مزورة في التعليم والاقتصاد والانجاز، وقضى على التشابه مع التنمية، فالتزوير في العالم العربي ليس محصورا على تزوير الشهادات ولكنه شمل تزوير الحياة بأكملها، فمن يريد ان يسجل له حضورا مؤثرا في هذه البيئة عليه ان يمتلك ادوات التزوير، التي تبدأ بصناعة الوقاحة وبناء العلاقات الفاسدة ليس فقط مع الاشخاص بل مع الافكار، فتعاليم الدين السمحة لا تكون تعاليم الا بتفخيخها، والاستثمار النافع لا يكون نافعا الا اذا كان استثمارا بالذمم.
لماذا فشلت الثورات العربية؟ فشلت لان الذين قاموا بها اشخاص مزورون ضد اشباه القادة، فالبطولات التي كنا نشاهدها لم تكن بطولات قائمة على الاخلاق والاعتبارات الانسانية الراقية، بل كانت بطولات تقوم على التزييف والكذب، وماذا كانت الحصيلة ؟ إفلاس قضى على شبه الحياة التي صنعها اشباه الحكام. حتى في الموت اصبحنا خلقا مزيفا.
لعبة التزييف التي كان لا يجيدها الا النخبة المحترفة، اصبحت الآن لعبة الجمهور، فعندما اكتشف الانسان العربي زيف النخب، رأى ان الحكاية بمنتهى البساطة، ولا تحتاج الى تعليم أو سنوات طويلة لبناء الخبرات المفيدة لكي تكون له حياة محترمة، فقط تظاهر بأن لديك شيئا مفيدا تكن مفيدا، فالمجتمع العربي اصبح خفيف الحركة لانه تخلص من كل شيء ثقيل، وأول هذه المحذوفات كانت الاخلاق، وهنا أصبح خفيفا في ضميره ووعيه، وإنتاجه.
في الماضي كان التعليم، تعليم الكتاتيب معلومات بسيطة في الحساب واللغة، والدين، ولكن هذه البساطة صنعت المعجزات، من درس الكتاتيب تم مقاومة المستعمر، وبنيت اساسات الحياة على اساس الصدق والامانة، فكان كل شيء يبدأ بالأخلاق وينتهي اليها، اما اليوم فالاخلاق هي الغائب عن الانتاج والتعليم وحتى العبادات، وعندما اردنا البحث عنها لم نجدها في حياتنا، وانطلقنا للبحث عنها في حياة الغرب، نقول عنهم: انهم صادقون يا ليت نتعلم منهم وعندهم امانة، وضمير، وعندما اردنا ان نتعلم منهم الضبط الاخلاقي عجزنا، والسبب بسيط للغاية لان تلك البضاعة بضاعتنا ونحن الذين تخلينا عنها، فخفة الضمير يتعبها ثقل الاخلاق.
المصدر: http://riy.cc/914857