المدرسة ليست حقل تجارب
هناك مثل إنجليزي معناه بالعربية"إنه من المتأخر إغلاق باب الإسطبل بعدما سرق الحصان" والمقصود أن التحرك للإصلاح بعد حدوث المشكلة لن يجدي نفعا، فإغلاق الباب بعد فقدان الفرس لم يعد له معنى، هذا المثل ينطبق على كثير من محاولات التصحيح التي تجرى بعد الخراب.
إن إعادة العمل بالاختبارات التحريرية في المرحلة الابتدائية بعد إيقافها لسنوات هي محاولة لإصلاح ما جنته عشوائية وأخطاء تطبيق التقويم المستمر، وهو النظام الذي قرر قبل استيفاء الظروف المناسبة له، الأمر الذي أدى برأي كثير من الأهالي إلى ضعف أبنائهم في القراءة والكتابة والحساب، وانتقالهم من سنة دراسية إلى أخرى دون امتلاك المهارات الأساسية.
التعليم ليس مجالا للمراهنة، ولا حقل تجارب لأن ضحاياه سيكونون من الطلاب، وقد تأثر الطلاب سلبا من تتابع التغييرات على مدى سنوات، والمفترض من الآن أن تدرس كل خطوة تطويرية بتأن وبعد نظر، وأن يجري تقييم شفاف لكل برنامج أو مشروع بعد تطبيقه، يتبعه إعلان للنتائج ومحاسبة على الأخطاء.
لقد تعرضت المدرسة عبر السنوات الماضية إلى كثير من التغييرات القسرية والتعسفية أحيانا سواء في مجال المناهج والمقررات الدراسية أو طرق التدريس وأنظمة الاختبارات وغير ذلك من التعليمات التي كان يلتبس فيها الناسخ والمنسوخ، تسببت تلك المتغيرات المتلاحقة في إرباك العاملين فيها والضغط على نفسياتهم، وكان من الأولى إعطاؤهم فرصا للمشاركة واختيار الأنسب لهم ولطلابهم وطالباتهم بعد تمكينهم من الكفايات المهنية.
من ناحية أخرى فإن الناظر إلى مشاريع وبرامج تطوير التعليم التي تنفذ حاليا يشعر بكبر حجم الطاقات البشرية والمادية المرصودة لها، ومع التسليم بصدق النوايا ونبل الأهداف إلا أنه لا يملك أي شخص معني بالتعليم إلا أن يتساءل عن النتائج التي أفضت إليها، وما مؤشرات تلك النتائج خصوصا مع اتساع أفق تلك المشاريع وكبر رقعة تطبيقاتها.
فهناك حديث مستمر عن تأهيل أعداد كبيرة من موظفي وموظفات وزارة التربية في حقول وتخصصات مختلفة ممن تستهدفهم المشاريع، عن طريق إلحاقهم بدورات وورش عمل لعدد من الأيام، ولأني على دراية بدهاليز وكواليس التدريب فإني أتساءل عن واقعية ذلك التأهيل وإلى أي مدى يمكّن المتدربين من القيام بالمهام المطلوبة منهم؟
وهل يتوازى الجهد والوقت والإنفاق المالي مع المكاسب؟
وهل برمجة تلك المشاريع تمت باتفاق العاملين بالحقل التعليمي والتربوي أم أنها قررت بعيدا عنهم؟ وما إذا كانت ستتكفل بحل مشكلات التعليم أم أنه سينطبق علينا قول (كأنك يا أبو زيد ما غزيت)؟
قد يجد البعض أن نقد تجارب التطوير المطبقة من سنوات نوع من التشاؤم وجلد الذات، ولكن من يتأمل الواقع يجده مطابقا للحقائق التي تقال إلا في بعض التحسينات المحدودة التي تظهر هنا وهناك، وما إعادة طرح هذه الأفكار إلا للتأكيد على أن الإصلاح ممكن أن يتحقق برؤية واقعية شاملة ومتأنية وبتكاليف أقل.
المصدر: http://riy.cc/913702