لوأد التطاول والتجديف بحق المقدس الديني

عبدالعزيز قاسم

علينا المبادرة إلى سنّ قوانين صريحة حيال التجديف والتطاول على المقدسات، أو تفعيلها إن وجدت، وإشهار ذلك إعلاميا، حتى لا نؤاخذ دوليا من جهة، ونخرس المنظمات الحقوقية

لم أتفاجأ أبدا بالقضية المثارة حيال تغريدة منسوبة إلى إحدى السيدات، وردّة الفعل الشعبية حولها، و"الهاشتقات" التي أنشئت للمطالبة بمحاكمتها، بل وذهاب بعض الدعاة لوصف فعلها بأنه ردة وكفر.
من خلال معايشتي لأحداث الساحة المحلية، ووجودي في صميمها، انتبهت لتزايد هاته الحوادث، ولو أخذنا عينة بسيطة، عبر استعراض للعامين الفارطين؛ لألفينا أنفسنا أمام مجاهرة تتوالى، وتطاول متزايد، بغض النظر عن مرامي ودوافع من تطاولوا، إن كانوا يقصدون حقيقة ما كتبوا، ومن ثم يتملصون عن ذلك التطاول، أم هي زلات أقلام وسبق ألسنة؟.
وبعض النظر أيضا إن كانت ردّات الفعل العنيفة تنبجس من غيرة وحميّة لدين الله وشريعته وأنبيائه، أم هي دوافع حزبية بما يرمي المتهمون دفاعا عن أنفسهم؟، إلا أننا في كل الأحوال إزاء كتابات أو مقولات بها كثير من الشبهة، وتحتمل بشكل كبير التأويل الذي أثار أولئك المعترضين، خصوصا وأن الأخيرين يقومون بربط تلكم الكتابات أو المقولات بحوادث سابقة لأولئك المتطاولين، ويسقطون مظهرهم وسلوكهم الحياتي، وما يرددونه في المجالس الخاصة من آراء صادمة لما هو عليه المجتمع من قيم.
ما أود تسجيله هنا، أننا إزاء مرحلة مقبلة سيكثر فيها المتطاولون على الذات الإلهية، وعلى رسولنا الأكرم ـ صلى الله عليه وسلم ـ بل على شريعتنا الإسلامية وتعاليمها بشكل عام، والسبب برأيي يعود للانفتاح الكبير في وسائل إعلام التواصل الاجتماعي.
سيتزايد هؤلاء المتطاولون بمتواليات هندسية، لأن كل فرد في المجتمع أتاحت له التقنيات الحديثة أن يشارك إعلاميا بما شاء وكيف شاء، صوتا وصورة، كاتبا باسمه الصريح أو متسترا خلف اسم وهمي، ليغرد ويكتب ما أراد وبأي أسلوب أو مشهد، ومن يطالع الـ"كيك" سيرى ما يذهله من حركات ومشاهد فاضحة لفتياتنا وشبابنا، ولن يستطيع أن يصدق ما يحدث أبدا هناك، لكنه ـ للأسف ـ الواقع والوجه الحقيقي لمجتمعنا، بكل طهره ورذيلته، بكل نقائه وتلوثه، بكل رقيه وتوحّله.
مما يجعلني مؤمنا بتزايد التطاول في المستقبل القريب؛ تزايد أعداد الملحدين للأسف، وهذه حقيقة يجب الاعتراف بها، خصوصا في جيل الشباب. فهي مرحلة عمرية حساسة، يريد فيها الشاب التمايز عن أقرانه ومجتمعه، ويريد الشهرة بأقصر طريق، حتى لو سلك مسلك "أعرابي زمزم"، فقد رأينا نماذج منهم للأسف، ولغوا في كتب الفلسفة، دون أي تحصين عقدي حقيقي، يستطيعون به تفكيك الأسئلة الوجودية التي تصادفهم، فيقعون في الشك والحيرة وسؤالات الوجود والخلق، وتراهم أسارى لفكر سارتر ونيتشة وهيجل وبقية الفلاسفة، فينزلقون رويدا رويدا للإلحاد ـ عياذا بالله ـ وينتهون إليه في أعمارهم الفتية تلك، وهؤلاء لا يستطيعون كبت ما قرؤوا، بل بهم نهمٌ للظهور والتمايز، بما نراهم في بعض المجالس، متبجّحين ـ بتباهٍ كريه ـ في طرح آراء غاية بالقبح ومصادمة عقيدة الإسلام، ولن يرتاح هؤلاء الشباب إلا بكتابات يكونون فيها حديث المجتمع، وسيكتبون بتطاول على المقدس الديني لدينا.
العارفون بأرضية الحراك المجتمعي، خصوصا النخبوي منه، يعرفون أن هيئات حقوق الإنسان، ومنظمات حقوق المرأة، وبقية تلك المنظمات الغربية؛ احترمت كثيرا من النشطاء والناشطات، بل ويحظى بعضهم بعضوية تلك المنظمات، التي تتدخل بالطول والعرض في القضايا السجالية التي تحدث عندنا، وتصدر البيانات الشاجبة تلو البيانات، ونتعرض لتشويه متعمد هناك في وسائل الإعلام لديهم، التي تضغط على حكوماتهم؛ كي تضغط بدورها علينا، ولا غرو أننا بتنا في أعين القوم هناك مجتمعا مغلقا، ضد حرية الرأي والتعبير، وقائمة اتهامات بطول حقدهم على وطننا وديننا، بفعل التشويه الذي يقومون به ضدنا.
لزاما علينا، المبادرة إلى سنّ قوانين صريحة حيال التجديف والتطاول على المقدسات، أو تفعيلها إن وجدت، وإشهار ذلك إعلاميا، حتى لا نؤاخذ دوليا من جهة، ونخرس أمثال هذه المنظمات الحقوقية، التي لن تستكين بالتأكيد، ولكننا على الأقل احتكمنا لنصوص قانون صريحة يعرفها الجميع. وأيضا من جهة أخرى يكون الفرد منا على معرفة واضحة بما ينتظره، ويكون مسؤولا عن كل كلمة يخطها، أو لفظة يفوه بها، فمسألة العقيدة والمقدسات هي في صميم إيماننا، وفي كل شرائع العالم، وحتى النظم الليبرالية؛ تحترم القوانين التي اتفق المجتمع عليها، وارتضوها حكما.
من المهم هنا تنبيه أحبتنا الذين يقومون بالاحتجاج، غيرة منهم وحمية لديننا، في الانضباط الكامل بتعاليم السنة المطهرة في إنكار المنكر، وعدم تجاوز حدودهم التي وضعها لهم ولي الأمر، والاحتكام إلى الجهات الرسمية في وقف التطاول، أو التواصل مع العلماء الكبار، ووضعهم أمام أمانتهم وعهدهم الذي أخذه الله عليهم، وينتهي دورهم هنا، فأخشى ما أخشاه، أن يتجاسر شاب غرّ، وتدفعه الحماسة إلى ردة فعل خاطئة، تؤدي لمفسدة كبيرة تقسم المجتمع، وتتذكرون حادثة فرج فودة في مصر. لذلك سلوك الطريق الصحيح، هو أسلم الطرق لوأد الفتنة، وردع المتطاول.
سنّ قوانين صريحة وواضحة تجاه التجديف والتطاول، وتنفيذ حكم قضائي واحد تجاه أي مجدف أو متطاول، كفيل بإغلاق أو تحجيم ما سيدهمنا في المستقبل القريب.

المصدر: http://www.amnfkri.com/news.php?action=show&id=26133

الأكثر مشاركة في الفيس بوك