سعادتك.. بيدك وحدك
أتاني شاكياً متبرّماً من كل شيء حوله، فهو يرى أنه لم يحظ بما يستحق من تقدير في عمله، وهو في بيته يعاني من زوجة لا تهتم إلا بما يقوله الناس وهو بين أقاربه مُحارَب. حاولت مقاطعته مستفهما ولكنه لم يمهلني. قررت أن أستمع إليه حتى ينتهي. وهكذا واصل صاحبي سرد محطّات وقصصا مما عاشه من معاناة مؤكدا قِلّة نصيبه من السعادة منذ طفولته. لم يترك صاحبي حادثة أو موقفا تعثّر فيه في مشاوير حياته إلا وسرده مدلِّلا على استدامة تعاسته ونكد الدنيا التي عاشها.
لم أستطع الصبر على تعمّق صاحبي في تصديق حالة البؤس التي سيطرت عليه وهو يشكو من كل شيء. بحثت عن مدخل آخر للحديث فقلت له: لقد علمت أنك ترأس مجموعة التطوير في إدارتك.. أخبرني هل تمكنت من طرح الرؤى التي حدثتني عنها؟ انتفض صاحبي وقال – بالله عليك - كيف اطرح الرؤى والتصورات ومن معي في الفريق غير مؤهلين ومن أشركهم "بالواسطة" في فريق العمل كان غرضه أن يحظوا بمكافآت خطة التطوير.
لم تفلح كل محاولاتي طوال ذلك المساء لاكتشاف أيّة منطقة إيجابيّة حول صاحبي حتى يمكن التوسع من خلالها في حوار مجد يجنّبه المزيد من تلبّس حالة اليأس والإحباط.
المؤكد أنّ حالة صاحبي ليست فريدة أو شاذّة فكلنا تعتريه حالات الإحباط والشعور بخيبة الأمل والقنوط نتيجة مواقف سلبيّة في مكان العمل أو في المشاريع المشتركة أو جراء علاقة إنسانيّة صادمة ولكن المواقف مهما كانت قاسية ينبغي أن ندعها تمر لتستقر في الذاكرة عبرة وخبرة. والإشكال هنا ليس في مثل هذا الوضع الطبيعي الذي نواجه فيه المشكلات والإحباطات ونتعامل معهما بقدر حجمهما ثم نواصل طريقنا مؤمنين أن العثرات جزء أصيل من طبيعة الحياة (الدنيا). الإشكال الحقيقي أن هناك من بيننا من يستهلك موارد سعادته وينفق مجهوده العصبي والعقلي لجمع (والتقاط) هذه المواقف ثم يتابع تردادها حتى تصبح سمة شخصيّته وسدّا منيعا في طريقه إلى غد أفضل.
كيف تريد أن تقترب السعادة من بابك وأنت لا تستقبلها إلا بالضجيج والشكوى ولا تستضيفها إلا ليتسنّى لك أن تعرض عليها (موهبتك) في جمع وسرد المواقف والإساءات التي يواجهها ملايين البشر مثلك كل يوم؟
يأتيك من يشكو من رئيس متعنّت، أو شريك مرهق أو حتى من زوجة/ زوج مقلق أو من صديق خوّان ثم يبدأ سرد قصصه ومعاناته وحينما تحاول استيضاح دوره في هذه التعاسة والدوّامة التي يعيشها يعود فيكرّر ذات "القصص" التي تسبّب فيها طرف العلاقة على الجانب الآخر. أنت قد لا تملك سُلطة تغيير سلوك الآخرين ولكنّك بكل تأكيد تملك تعديل نظرتك للحياة وتبديل أساليبك في التعامل مع الناس وفق موازين تسمح لك أن تعيش بصفاء دون أن تتخلى عن مبادئك.
يا صاحبي كثيرون منا يصطنعون التعاسة ويجلبون الشقاء لأنفسهم بما يقررون من الخيارات الخاطئة ثم يتبعون ذلك بالعجز عن تعديلها.
* مسارات:
قال ومضى: مَنْ أَنْصفَ النَفْس والنَاس.. عَاشَ (السعادة) (عادة)