المرأة والحوار الديني "1/ 2"

الحضور النسائي لايزال محدودا في المؤسسات الدينية إسـلامية ومسيحية
بقلم: نبيل عبد الفتاح.
عدم ترحيب الثقافة السائدة عربياً في الأوساط الشعبية - ولدي غالب أبناء الطبقة الوسطي - بدور المرأة في المجال الديني والإفتائي. وتزايد هذا العائق مؤخراً مع انتشار ثقافة "الفتنة"، والشقاقات الدينية والمذهبية، التي انتشرت في أعقاب الموجات الدينية الراديكالية
أو المتشددة عربياً. بأي معني نتحدث عن دور المرأة في الحوار الديني؟
إن ما يطرح هذا السؤال هنا، وفي إطار مجتمعاتنا العربية عديد الاعتبارات:
أولها:
أن السؤال عربي بالأساس، وهو أمر غير مطروح للنقاش الواسع أوروبياً وأمريكياً بل وفي نطاق ثقافات أفريقية وآسيوية ولاتينية عديدة. ثمة حضور مشاهد للمرأة ومميز في الحوارات الدينية - الدينية داخل ذات الديانة أو داخل ذات المذهب، أو في الحوار البيني داخل الأديان مثل: الإسلام والمسيحية واليهودية.
ثانيها:
المؤسسات الدينية الرسمية الإسلامية والمسيحية لا تزال ذكورية التكوين، والرموز، والأدوار، والسلطات، ومن ثم الحضور النسوي فيها لا يزال محدوداً وفي نطاق أدوار محددة لا تتعداها، علي خلاف بعض المؤسسات البروتستانتية الألمانية التي يمكن للمرأة أن تتقلد في إطارها "رتبة الأسقف"، وهو أمر لا تزال تقف دونه التقاليد الاجتماعية والدينية والمؤسسية في منطقتنا التي يقتصر دور المرأة فيها علي الرهبنة، والخدمة في الكنائس.
ثالثها: المؤسسة الإسلامية لا تزال تتحفظ كثيراً علي تولي المرأة موقع الإفتاء عموماً، والإفتاء للمرأة علي وجه الخصوص، بل لا نغالي إذا قلنا إن ذلك يوافق عليه قلة من العلماء والدعاة ورجال الوعظ وعلي مضض.
إن محاولات بعض أستاذات الجامعة الأزهرية في الإفتاء للنساء ما زال موضع تحفظ شديد من البعض، ورفض من البعض الآخر.
رابعها:
الاستثناءات أن نجد نساء يشاركن في الحوار الديني وقصاري ما وصل إليه الوضع، هو دور بعض السيدات والآنسات في مجال الحوار المسكوني المسيحي - المسيحي، وهو لم يعد أمراً مقبولاً، وغالباً في أمور تدور حول القيم والعقائد المسيحية المشتركة العابرة للتمايزات والحدود المذهبية، وهو أمر إيجابي لابد من ذكره في هذا الإطار.
خامسها:
التركيز علي الحضور النسائي في الحوار الديني يثير سؤالاً حول أي نمط من الحضور؟
هل هو الحضور بالاستماع لخبراء أو محترفين في الحوار؟ وهو بعد وحيد في معني الحضور أو المشاركة.. هو أمر متحقق إلي حد ما، وإن كان محدوداً.
هل هو الحضور بالمشاركة الفعالة عن طريق المحاضرة، والكتابة، والتداخل والتعليق والسؤال؟
لا شك أن المعني الأخير هو الأكثر قرباً إلي الإدراك. ويقف في مواجهته عديد المشاكل، منها:
1- نقص عدد المتخصصات في الدراسات الدينية المقارنة، وتاريخ الأديان، واللاهوت والفقه وأصول الدين الإسلامي، ومن الشيق ملاحظة أن عدد المتخصصين من رجال الدين في الأديان المقارنة جد محدود، ولاسيما في مصر وغالب الدول العربية.
2- نمط الثقافة الفقهية واللاهوتية التي يهيمن عليها الفكر والعظات الدينية ذكورية الطابع، والتي ترفض أي دور نسوي في العمليات الحوارية بين الأديان.
3- عدم ترحيب الثقافة السائدة عربياً في الأوساط الشعبية - ولدي غالب أبناء الطبقة الوسطي - بدور المرأة في المجال الديني والإفتائي. وتزايد هذا العائق مؤخراً مع انتشار ثقافة "الفتنة"، والشقاقات الدينية والمذهبية، التي انتشرت في أعقاب الموجات الدينية الراديكالية أو المتشددة عربياً.
4- إحدي أكبر العقبات أمام انخراط فعال للمرأة عموماً في الحوار عموماً، والديني خصوصاً هو ضعف ثقافة الحوار إزاء هيمنة ثقافة الاتباع والقبول والطاعة والامتثال التي ترتكز علي جذور طغيانية شرقية لا تزال بعض ركائزها شائعة في أطر اجتماعية، وهياكل السياسة والتعليم في دولنا ومجتمعاتنا "الأهلية".
محور ثقافة الاتباع والانصياع سياسي، ولكن عماده الديني محوري لتسويغ التسلطية السياسية، والأهم نمط التسلطية الدينية والأصولية الشائعة في المؤسسات الدينية الرسمية، والأهلية التي تعتمد علي إنتاج الخطابات الدينية التي تحض علي الطاعة واتباع التعاليم الدينية، والأحري التأويلات الوضعية "لطبقة رجال الدين" المحترفين.
5- الخطاب الديني التعليمي، الوعظي يقوم علي مفهوم قد يبدو ظاهرا حيناً، أو مستورا في أحيان أخري، وهو أن رجل الدين في مقام سلطوي يأمر وعلي "الأتباع" والمؤمنين الطاعة والقبول. أي نحن أمام سلطة ترسل وأتباع - مؤمنين - يستقبلون "الرسالة / الخطاب" ويطيعون. نحن إزاء نزعة تسلطية في عملية التعليم والوعظ وشرح الأحكام والتعاليم. نحن أيضاً إزاء عملية تلقينية وانصياعية ترمي إلي التعبئة الدينية، وشحذ الطاقة الروحية / الاعتقادية لجماعة المتلقين، ومن ثم تبدو النزعة الحوارية غائبة، والحاضر دائماً هو نزعة الأسئلة من المتلقين إلي رجل الدين الذي يجيب عليها. وغالباً ما تكون الإجابات إعادة إنتاج للفقه والفتاوي، واللاهوت في بعض مراحل تشكله التاريخي التفسيري والتأويلي والوعظي، وعن أسئلة وليدة مراحلها التاريخية ومشاكل مجتمعاتها أو جماعاتها آنذاك.
6- الحوار يبدو شاحباً في المؤسسات والدوائر الدينية العربية علي اختلافها، لأنه يفترض الإقرار بالنسبية أو بالأحري النزعة النسبوية التي تلحق الحقائق والآراء، ومن ثم الحوار كعملية تتأبي علي النزعة الإطلاقية، والحقائق المطلقة التي يحاول بعض رجال الدين، أو السياسة أن يزعم احتكارها وحده.
7- المرأة تبدو الطرف الأكثر وهناً في معادلة ثقافة التلقين والاتباع، وذلك بحكم المواريث التاريخية القيمية التي دارت حول علاقة المرأة بالرجل، والتصورات النمطية حول أدوارها الوظيفية في مجال الأسرة، وفي الأطر الاجتماعية الأوسع. إن حجب الأدوار التشاركية للمرأة من قبل الثقافة الذكورية الدينية، يجعلها محور موضوع ثقافة التلقين والاتباع الدينية، لأن رجال الدين، والسياسة، والبطريركية، التقليدية والمحدثة تعتبر أن المرأة وجسدها هما مادة الهوية، التي يتم ربطها في نزعة لا تاريخية بالمرأة.
من هنا تقف ثقافتنا الذكورية والدينية والوضعية عائقاً إزاء دور حواري للمرأة في المجال الديني كطرف مكافئ للرجال عموماً، وبالطبع لرجال الدين.
8 - ثقافة الحوار عموماً والديني خصوصاً هي ثقافة الاختلاف، لأن الحوار أحد مفترضاته الخلاف والتمايز بين المتحاورين الأشخاص بقطع النظر عن اتحادهم الديني والمذهبي، أو في الانتماء السياسي أو الجنسية ... إلخ.
9- دور المرأة الحواري في المجال الديني لا ينبغي أن يقتصر علي الدائرة النسائية علي أهمية ذلك القصوي، لأن ذلك يعني حصار المرأة وأدوارها في الأطر الوظيفية التقليدية علي نحو ما تذهب إليه العقلية والنظرة الذكورية التقليدية، أو التقليدية المحدثة.
انحصار دور المرأة في الحوار الديني عموماً والإسلامي - المسيحي خصوصاً، يعني إعادة إنتاج الحدود بين عالمي الذكورة والأنوثة في الدوائر الحوارية.
المصدر: http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=83865&eid=824
 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك