المُجَلّى قديماً = المنفِي حديثاً
يتساءل البعض عند فضولهم، أو استحداث طرفة، هل تنطبق معاقبة المذنب في سويسرا مثلا أو الدول الإسكندنافية التي تنص على منعه من السفر على أهالي تلك البلدان؟
ولا أظن ذلك العقاب موجودا؛ لأن السكان هناك مرتاحون . ولربما كان فرض عقاب مُعاكس أجدى. أي يُطلب من المحكوم عليه مغادرة البلد. ومتأكد أنا أن الأخير أشد وقعا وأمضى. وقد كانت الجزيرة العربية قديما تضع عقاب الإبعاد ضمن الجزاءات. ويقولون فلان "مْجَلّى" من الجلاء.
نابليون مثلا نُفيَ مرتين، وغيره، ولكن إلى جزر جميلة، والغرض كان احتواؤه لكي لا يقوم بانقلاب . وفي الستينيات وما بعدها سمعنا عن دول عربية إذا أرادت أن تتخلص من سياسي مشاكس عينته سفيرا، لأنه سيُصبح محدود العلاقات، وخطره أقل ويمكن مراقبة ما يقول وما يعمل وماذا ينوي (والأعمال بالنيات).
وكان من ضمن الإجراءات العقابية في نجد - قديماً - أن يجري إبعاد المنتهك أو المدان الذي اعتبر مذنباً أو "اللي ممشاه غير مرضيّ عنه" أي سلوكه غير مقبول أو له آراء وتوجهات لا تتمشى مع النماذج والمعايير والقواعد التي ارتآها المجتمع صحيحة ومُقرة.
ولنأت إلى المفردة أو الجملة التي درجت في زمن مضى. فنقول: فلان مجَلّى (بسكون الميم وفتح الجيم وتشديد لام الألف) وتعني أن فلاناً طُلب منه مغادرة البلدة.. إلى حيث يختار، ولا يعود.. واستعمل المفردة الاستعمار الانجليزي، لكنه سماها "نفياً" عندما نفى عدداً من الشعراء إلى جزر خارج بلادهم. ثم ظهرت عبارة "النفي الاختياري" أو SELF-EXILE ومعناها أن الملاحقة والضجر والكدر جعلت المرء يختار مكاناً غير وطنه.
وكلمة"مجلّى" هي اشتقاق فصيح من الجلاء أي المغادرة أو الرحيل.
آتي الآن إلى المفارقة. فقد كان العقاب نفياً أو إجلاء؛ لكنه الآن لم يعد قائماً، وقد حلّ محله "المنع من السفر" فكثير من الدول أصبحت تحتفظ بقوائم اسمها "قوائم الممنوعين من السفر" أي عكس العقاب القديم.. الجلاء، أو النفي.
المصدر: http://riy.cc/903068