توسيع مظلة الحوار وتجاوز الأطر النخبوية والأطروحات النظرية ضرورة لتحقيق أهدافه في إرساء قيم العدل والسلام

نايف آل زاحم

 

    توج مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات عامه الأول بعقد المؤتمر العالمي "صورة الآخر" التعليم المشترك بين الأديان والذي نجح من خلاله أن يجمع أكثر من 500 شخصية من القيادات الدينية والثقافية والخبرات التربوية من 90 دولة لبحث أفضل الممارسات التعليمية التي تثري الحوار بين أتباع الأديان والثقافات وتسهم في تصحيح صورة الآخر بعيداً عن أساليب التنميط والتشويه التي طالما كانت معوقاً للحوار بين أتباع الأديان والثقافات.

وحول أهداف هذا المؤتمر العالمي، الذي ينظمه المركز خلال الفترة من 18-19 نوفمبر الجاري بالعاصمة النمساوية فيينا، وحول رؤيته لمسيرة المركز على مدار عام كامل وما تحقق من إنجازات التقت "الرياض" وفي هذا الحوار مع الأمين العام لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات الاستاذ فيصل بن عبدالرحمن بن معمر، الذي تطرق إلى الخطط والمشاريع المستقبلية للمركز.

* بداية نسأل عن المؤتمر العالمي "صورة الآخر" التعليم المشترك بين أتباع الأديان والثقافات والأهداف التي تسعون لتحقيقها من خلاله؟

- هذا المؤتمر العالمي يهدف بالأساس إلى التوصل لأفضل الممارسات التربوية والتعليمية التي يمكن من خلالها إثراء الحوار بين اتباع الأديان والثقافات ومراجعة المفاهيم الخاطئة وتجنب ممارسات التنميط السلبية بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة والعمل على تصحيح القصور في صورة الآخر لدى أتباع الأديان والثقافات عبر الحوار الهادف إلى التعاون والتفاهم والالتقاء حول المشتركات الإنسانية.

كما يناقش هذا المؤتمر التوصيات التي توصل إليها القيادات الدينية وخبراء التربية خلال الملتقيات وورش العمل التي ينظمها المركز على مدار العام ضمن فعاليات برنامج "صورة الآخر" في كل من النمسا وأثيوبيا والهند والأرجنتين وشارك فيها ممثلون من دول أوروبا والبحر المتوسط ودول الاتحاد الإفريقي ودول آسيا وأمريكا الجنوبية وسبل صياغة هذه التوصيات والاستفادة منها من خلال ممارسات عملية في المناهج التعليمية وطرق التدريس عبر الاتفاق على رؤية واضحة لذلك، وكلنا تفاؤل بأن يسهم هذا المؤتمر الذي يشارك فيه أكثر من 500 شخصية من القيادات الدينية والثقافية والتربوية من 90 دولة في التوصل إلى تعليم أكثر إثراءً للحوار بين أتباع الأديان والثقافات من خلال آليات عملية.

* ما هي أبرز الموضوعات والمحاور التي يناقشها المؤتمر سعياً للتوصل إلى هذه الرؤية وآليات تنفيذها؟

- يتضمن جدول أعمال المؤتمر عددا كبيرا من الجلسات العلمية وورش العمل والحلقات النقاشية، التي يتم من خلالها مناقشة عدد من المحاور الأساسية، مثل صورة الآخر وأثرها في نجاح الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والتدريب على مهارات الحوار ودور المنظمات الدولية في علاج أوجه القصور والتشويه في صورة الآخر بين أتباع الأديان والثقافات وأفضل الممارسات والتطبيقات في السياسات التعليمية التي تثري الحوار، بالإضافة إلى مناقشة (صورة الآخر: نظرة تاريخية وسبل الاستفادة من التقنيات الحديثة في تقديم صورة موضوعية صادقة عن الآخر) لدى أتباع الأديان والثقافات كافة، إلى جانب مناقشة المؤتمر تأثير الدين بين الصراع وصناعة السلام، بالإضافة إلى تنظيم عدد كبير من الفعاليات التدريبية على مهارات وأساليب الحوار وتصميم وتدريس المناهج الداعمة للحوار وآليات تقييمها بهدف إيجاد حلول عملية قابلة للتنفيذ من خلال طرح كافة الإشكالات التي ترسخ صورة الآخر مثل صورة الآخر في التعليم وإختلافها من ثقافة لأخرى ومدى قدرة التعليم بصورته الحالية على التعامل مع الاختلافات المرتبطة بالتنوع الثقافي، بالإضافة إلى سبل تفعيل دور الأسرة ووسائل الإعلام في تقديم هذه الصورة الموضوعية وبحث إشكاليات العلاقة بين التعليم الديني والمدني وكيفية ترسيخ قيم الإحترام المتبادل بين الرؤى الدينية والمعارف والعلوم الحديثة.

* يكمل مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات عامه الأول، فكيف تنظرون إلى مسيرة المركز خلال هذا العام؟

- دعنا نتفق أولا أن الحوار بين أتباع الأديان والثقافات ضرورة من ضرورات هذا العصر وواجب إنساني ولا أبالغ عندما أقول أن غياب الحوار العقلاني كان سبباً في نزاعات كثيرة دفع الجميع ثمناً باهظاً لها، فضلاً عن إتاحة الفرصة للترويج لدعاوى الصراع والصدام بين أتباع الأديان والثقافات، التي لا يمكن تجاهل ما يغذيها من مصالح سياسية أو اقتصادية أو ما يتخفى خلفها من رغبة للهيمنة أو فرض نموذج ثقافي على غيره من الثقافات، قبل أن يدرك الجميع أن الحوار المتكافئ والعقلاني هو الوسيلة المثلى لتحقيق السلام العالمي وتجنب الصراعات.

وكلي أمل وتفاؤل في أن يستطيع مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات فتح آفاق رحبة للحوار وإلقاء الضوء على القيم المشتركة التي يلتقي حولها أتباع الأديان والثقافات والبدايات لهذا العمل مشجعة جداً وليس أدل على ذلك من تأييد المجتمع الدولي لمبادرة خادم الحرمين الشريفين – يحفظه الله – للحوار بين أتباع الأديان والثقافات والتي كانت البداية الحقيقة لإنشاء المركز ليكون أول حاضنة عالمية مستقلة للحوار.

وقد استمر ذلك التأييد للمبادرة وتجلى في تفاعل القيادات الدينية والسياسية مع أنشطة وبرامج المركز والتي تم تنفيذها طوال عام 2013م وكلنا ثقة أن ذلك التفاعل سوف يتضاعف يوماً بعد يوم، مع التأكيد على أن التأخر الكبير في مد جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات لا يمكن علاج آثاره بين يوم وليلة، وأن هناك اشكاليات حقيقية تؤثر سلباً في فعالية الحوار، وهو ما ندركه جيداً ونعمل على إيجاد حلول عملية لهذه الإشكاليات ونسعى جاهدين لتعويض تأخر الحوار الموضوعي بين أتباع الأديان والثقافات.

* ما هي استراتيجية المركز لتنفيذ هذه الرؤية وهذه القناعات من أجل تحقيق أهدافه عملياً؟

- تتلخص استراتيجية مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في قراءة وتحليل الظاهرة الحوارية الإنسانية وتفعيلها بشكل جاد ومثمر بحيث تخرج الحوارات من إطارها النخبوي النظري إلى إطار أكثر ملامسة للواقع وإشكالياته، وفق أسس موضوعية وإنسانية بهدف تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات وتشجيع الاحترام والتفاهم والتعاون المشترك بين الناس وترسيخ العدل والسلام والتصدي لسوء استخدام الدين في تسويغ أو تبرير الإضطهاد والعنف والصراع والسعي لإيجاد طريقة أفضل للتعايش بين الأفراد والمجتمعات وإحترام قدسية المواقع والرموز الدينية وإيجاد علاجات ناجحة للتحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة في مجالات الكرامة الإنسانية والمحافظة على البيئة، والاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والتربية الدينية والإخلاقية وتعزيز دور الأسرة والحد من الفقر ليكون المركز، كما أشرت سلفاً حاضناً للمؤسسات الحوارية العالمية وميداناً للحوار الموضوعي الصادق وصولاً إلى أن ندرك جميعاً القيمة الحضارية المثلى لتنوعنا وضرورة العيش المشترك.

* هل ثمة محاور أساسية لعمل المركز لتحقيق أهدافه في مد جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات؟

- تتركز استراتيجية المركز في ثلاثة محاور أساسية الأول هو "احترام الرأي والرأي الآخر" من خلال فتح قنوات التواصل بين مؤسسات أتباع الأديان والثقافات والتعلم التطبيقي والتعامل مع المفاهيم الخاطئة والتصورات المسبقة بين أتباع الأديان، أما المحور الثاني فيتضمن تأسيس قواسم مشتركة بين مختلف الجماعات لتشجيع التوافق والتعايش فيما بينها حول القضايا الإنسانية مع التركيز على الشباب والناشئة عبر باقة من البرامج والفعاليات، بالإضافة إلى إطلاق حزمة من الأنشطة التدريبية لتنمية مهارات الحوار والإتصال لديهم في حين يهدف المحور الثالث إلى تحقيق المشاركة الدينية والحضارية والمدنية بين القيادات الدينية والسياسية وتوفير محافل لمناقشات رفيعة المستوى لإشراك صانعي السياسات في الفعاليات الخاصة بالتصورات المسبقة والخاطئة بين أتباع الأديان والثقافات ومن ثم صياغة منتج فكري استراتيجي يقدم من خلالها المركز إسهامات متميزة في مجال الحوار عالمياً ، سعياً إلى إيجاد حلول للنزاعات الدينية بحيث يصبح الدين جزءً من الحل وليس سبباً لتفاقم النزاع.

* أطلق المركز في عامه الأول ثلاث مبادرات لتمهيد الطريق لحوار فاعل ومثمر.. فهل تلمسون حجم الاستفادة من هذه المبادرات؟

- هناك استجابة كبيرة مع برامج ومبادرات المركز التي تم إطلاقها في بداية عام 2013م لاسيما في تجاوز آثار المفاهيم الخاطئة وغير الموضوعية وممارسات التنميط السلبية بين أتباع الأديان والثقافات وتوسيع مظلة الحوار بين القيادات الدينية لتشمل فئات أخرى من الشباب وطلاب الجامعات والنخب الفكرية والثقافية، وبدا ذلك واضحاً في برنامج صورة الآخر والذي يهدف إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة بين بعض أتباع الأديان والثقافات بنظرة أكثر موضوعية ومصداقية وإحتراماً، من خلال اللقاءات والمؤتمرات وورش العمل التي عقدت في النمسا وأثيوبيا والهند والأرجنتين وشارك فيها المئات من القيادات الدينية والتربوية من جميع قارات العالم وتوصلوا إلى عدد من النتائج لتصحيح هذه المفاهيم عبر القيادات الدينية والمناهج التعليمية والممارسات التربوية ووسائل الإعلام، التي تم مناقشتها خلال المؤتمر العالمي عن صورة الآخر سعياً لتعليم أكثر إثراءً في مجال الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، كما تجلت هذه الاستجابة - أيضاً - في مشروع الزمالة الدولية، الذي يستهدف الشباب الطامحين للعمل في مجال الحوار بين أتباع الأديان والثقافات من أجل تعميق معرفتهم بالمشترك وتقوية التزامهم بالحوار وتعزيز الإحترام والتعايش فيما بينهم، وتزويدهم بالأدوات المعرفية والخبرات الثقافية التي تضاعف من إسهاماتهم في نشر ثقافة الحوار بما يمهد لوجودهم القيادي المستقبلي كسفراء للحوار في مجتماعتهم.

ومن البرامج التي أطلقها المركز ولاقت قبولاً كبيراً عندما تم تنفيذ أولى فعالياتها في أفريقيا برنامج "تعاون أتباع الأديان والثقافات من أجل سلامة الأسرة والأطفال وحمايتهم" والذي يعد من البرامج المبتكرة للتعاون بين القيادات الدينية للعمل على تحسين السلامة العامة وحماية ملايين الأطفال دون سن الخامسة وضمان سلامتهم كنموذج لمحاولات التعاون والتلاقي حول المشترك لما فيه خير الإنسانية. وليس أدل على نجاح هذه البرامج من عقد شراكات مع عدد كبير من الهيئات والمؤسسات الدولية والإقليمية في تنفيذها مثل منظمة اليونيسكو واليونيسيف ومنظمة الأديان من أجل السلام، ونطمح بمشيئة لله تعالى إلى مزيد من الشراكات بما يتفق واستراتيجية عمل المركز.

* وما هي الخطط المستقبلية لمركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات؟

- سوف يتواصل بمشيئة الله تنفيذ البرامج الثلاث التي أشرنا إليها "صورة الآخر" و"مشروع الزمالة الدولية" و"التعاون بين القيادات الدينية من أجل سلامة الأطفال وحمايتهم" في بعض دول العالم لمدة تتراوح من 3 – 5 سنوات، بالإضافة إلى تبني عددٍ من المشروعات الجديدة والأفكار المبتكرة مثل إقامة معرض متنقل للحوار وإنشاء مدونة سلوكية لأعضاء المركز والمنتمين إليه، بالإضافة إلى دراسة توسيع نطاق العضوية للدول الأعضاء ودعم كل جهد يثري الحوار بين أتباع الأديان والثقافات وبما لا يمس من استقلالية المركز وحياديته لأداء رسالته على الوجه الأكمل

كما أننا نعمل على توسيع نطاق نشر ثقافة الحوار عبر المؤسسات الدينية والتعليمية وكذلك المساهمة في حل النزاعات وتخفيف الاحتقان والنزاعات القائمة على أساس ديني وثقافي وهذا المشروع يعمل المركز من خلال خبراء لوضع آلية تساعدنا على تطبيقه في أماكن وفترات زمنية لاتتحمل غياب الحوار العقلاني.

المصدر: http://www.alriyadh.com/2013/11/18/article884891.html

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك