أول المدعوين.. وآخر المرحب بهم

                                                                                                      فهد عامر الأحمدي

    غني عن القول أنه كلما زادت نسبة الصحف (الورقية) في بلد ما كلما دل ذلك على مدى الحرية الذي يتمتع بها.. وهذه الحقيقة يمكن التأكد منها بقسمة عدد السكان على عدد الصحف الموجودة في أي دولة.. وليس أدل على هذا من مناخ الحرية الذي ساد هونج كونج تحت الاستعمار البريطاني حيث كانت تصدر 50 صحيفة باللغة الصينية لعدد سكان لم يتجاوز 10 ملايين نسمة - وفي المقابل كانت في الصين 6 صحف رسمية فقط لعدد سكان فاق المليار نسمة!!

.. على أي حال يبدو أن الصينيين اكتشفوا خطأهم متأخراً وحاولوا تعويض ذلك بإنشاء مستشفى خاص بالصحفيين فقط في مدينة شنينج. فمهنة الصحافة تعد حالياً ثالث أخطر مهنة في الصين بعد عمال المناجم ورجال الشرطة.. والصحفيون هناك - مثل زملائهم في بقية العالم - يتعرضون للسجن والاتهام والعنف والإيذاء النفسي الأمر الذي يتطلب علاجهم وإيواءهم ضمن رعاية خاصة..!!

وبوجه عام تعد مهنة الصحافة من أكثر المهن خطورة هذه الأيام بحكم طبيعتها الاستقصائية (التي تتطلب من الصحفيين حشر أنوفهم قبل صدور العدد التالي).. وبدءاً من تفجيرات سبتمبر 2001 انتقلت من كونها "مهنة المتاعب" إلى "مهنة المخاطر" بسبب العدد المتزايد من الصحفيين الذين يقتلون في مواقع الأحداث أو تحت مظلة مكافحة الإرهاب.. ففي كل عام يقتل أو يختفي عدد كبير من الصحفيين الميدانيين والطواقم الإعلامية في مواقع ملتهبة كالعراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان. وخلال العشر سنوات الماضية قتل أكثر من 500 صحفي واختفى أكثر من 300 وسجن أكثر من 15 ألفاً في أنحاء متفرقة من العالم.

وكان احتلال أفغانستان والعراق قد أثبت عدم تردد أمريكا في تكميم الأفواه وملاحقة الصحفيين وقتل المراسلين وقصف المراكز الإعلامية والمحطات الفضائية "عن طريق الخطأ".. وهذه الممارسات الجريئة ضد الصحفيين جعلت دولاً عديدة تحذو حذوها تحت مظلة مكافحة الإرهاب (في حين ان الهدف الفعلي منها إخفاء الحقيقة وتغييب الواقع وتزييف التاريخ)!

.. وأصدقكم القول أنني شخصياً لا أتمنى لأي من أبنائي ممارسة مهنة الصحافة مستقبلاً؛ ليس لسوء في ذاتها بل لأنها أصبحت من أكثر المهن خطورة وأكثرها تعرضاً للظلم وسوء التقدير من المجتمع (وأرجو أن تدرك الفرق بين صحفي يشقى في الميدان، وكاتب يسطر مقالاته مثلي من خلف مكتب مكيف).. ولا أعتقد أن الأمر قاصر على مجتمعنا فقط كون الصحفيين يأتون دائماً في مقدمة المدعوين لحضور اللقاءات والمؤتمرات المهمة - وفي نفس الوقت - يحتلون ذيل القائمة بخصوص أكثر المهن احتراماً في معظم استطلاعات الرأي!!

.. من المؤسف فعلاً أن يحدث كل هذا رغم أن وجود الصحافة (كوسيلة للرصد والنشر) سمة من سمات المجتمعات الحرة وحق من حقوق المواطن ذاته في الاطلاع ومعرفة الحقيقة..

المصدر: http://www.alriyadh.com/2014/01/12/article900282.html

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك