التلفزة الدعوية الإسلامية و التلفزة الإنجيلية: وجهان لعملة واحدة

بقلم: هاجر زروق 

مكّنت تكنولوجيات الإرسال المجتمع العربي من اكتشاف التلفزة الدعوية التي أفضت إلى تغيّر جذريّ في نمطه الاستهلاكي: فمنذ أن كان المشاهد غالبا ما يقتصر على برنامج ديني يُبث كلّ يوم جمعة على القناة الحكومية، أصبحت في شاشته باقة من القنوات الدينية التي تبث على مدار الساعة. تسعى هذه القنوات، مبدئيّا، إلى تعميم الثقافة الدينية عبر ترسانة من البرامج و من “شيوخ” ذوي بلاغة خطابية، يجيدون تبسيط المسائل الدينية و خلق مناخ من الترابط بينهم و بين المشاهد. و لو أنّنا قمنا بجولة حول القنوات العالمية لوجدنا أنّ التلفزة الدعوية الإسلامية ليست الاستثناء في العالم السمعي البصري، بل لعلّها لا تختلف عن نظيراتها الإنجيلية في الولايات المتحدة الامريكية و أمريكا اللاتينية، و في بعض الدول الإفريقية و الآسيوية. انطلاقا من هذه الفرضية، يحاول هذا المقال تحديد وجوه الشبه و الاختلاف بين الشاشتين الدعويتين الإسلامية و الإنجيلية.



التلفزة الانجيلية: التجربة الرائدة
ظهرت الدعوة الإنجيلية على شاشات التلفزة في الخمسينات بالولايات المتحدة الأمريكية قصد تشجيع الناس على اعتناق التيّار المسيحي البروتستانتي. تعمل هذه التلفزة على التبشير، أي على نشر الإنجيل و الثقافة الإنجيلية بين “الضالين” (الجاهلين برسالة المسيح)، لما ترى فيه حقّا إلاهيا و امتثالا للتعليمات اليسوعية التي تقول: “اذهبوا إلى العالم أجمع و بشّروا الخليقة كلّها بالإنجيل” (مرقس 16،16). من جانب آخر، ظهرت التلفزة الدعوية الإسلامية في التسعينات، أي مؤخّرا مقارنة مع التلفزة الإنجيلية، مما جعلها تتأثر بالأنموذج الأمريكي السبّاق في أساليب التبشير الحديثة و الرائد في مجال الدعوة عبر التكنولوجيا الرقمية. استفادت، إذن، التلفزة الدعوية الإسلامية من التجربة الإنجيلية أوّلا، من خلال استغلالها التقنية اللّوجستية الغربية. ثانيا، من خلال ثقافة “عالم النجوم” المهيمنة على المجتمع الامريكي.




نجوم الدّعوة: صناعة مربحة
عمدت التلفزة الإنجيلية على خلق شهرة العديد من الدعاة، نذكر من أبرزهم القسّ البروتستانتي بيلي غراهم من الولايات المتحدة الأمريكية. عادة ما يقوم هؤلاء الدعاة بمساندة الأحزاب السياسية والمترشحين إلى مناصب عليا لما لديهم من تأثير على الرأي العامّ (خصوصا الطبقة الوسطى و المجتمع الريفي). في المقابل، أنتجت القنوات الدينية الخاصّة في العالم العربي جيلا جديدا من الدعاة، لعلّ من اشهرهم عمرو خالد و معز مسعود و محمّد حسان الذين يتميّزون عن سابقيهم بصغر سنّهم و بفعّالية تعاملهم مع الجمهور من فئتي الإناث و الشباب. لفهم هذا التغير الكمّي و النوعي في الانتاج الإعلامي الديني، يجب الرجوع إلى المقاربة الماركسية في تحليل هيكل الأنظمة الرأس مالية. يرى ماركس أنّ البنية التحتية الاقتصادية تؤثر على البنية الفوقية الإيديولوجية، يعني أنّ النظام الاقتصادي يؤثر على كلّ أشكال الثقافة (السياسة، الدين، الفنّ، الأخلاق ...)(1). انطلاقا من هذه القاعدة، تأثرت معظم المنظومات الدينية بالنظام اللّبرالي الذي جعلها أسيرة سوق العرض و الطلب. و بالتالي، أصبح الدُعاة - من أيّ طائفة كانت - نجوما، أو بالأحرى، صناعة ترضخ تحت دكتاتورية الربح و الصورة، إذ تُقدّر ثرواتهم سنويّا بملايين الدولارات، كما يُنظر إليهم كشخصيات “في آي بي” عند حلولهم في بلد آخر أو عند حضورهم ملتقى حزب سياسي أو عند أداءهم مناسك الحجّ.




الشكل قبل الجوهر
على خطى نجوم التلفزة الإنجيلية، يحظى الدعاة المسلمون الجدد باهتمام المعجبين. و لكي يستمرّ هذا الإعجاب الجماهيري، يتفانى الدّاعية في تطبيق ديباجات التواصل المرئية و اللّغوية المُقتبسة من أحدث البحوث الأنجلو سكسونية. من المستحسن أن يجيد الداعية -حتى نسبيا- اللّغة العربية و أن يكون ملمّا بأبجديات الفقه و أن يكون حافظا للقرآن بغية ابهار المشاهد بمدى ثقافته الدينية و الفقهية. كما يجب عليه أن يحضر بمظهر لائق و أنيق، كأن تكون لحيته و ملابسه مرتّبتين و أن تكون ابتسامته “مشرقة” (إن لزم الأمر تلميع أسنانه أو إعادة تركيبها). يريد الداعية، عبر هاته الملامح المُصطنعة، تجسيد شخصية وصلت إلى درجة من الإيمان أصبح فيها “النور الإلاهي” يشعّ من وجهه و مبسمه. إلا أن هذا المظهر الجذّاب و المغري يخفي جملة من النقائص. فعدد كبير من دعاة التلفزة الإسلامية و الإنجيلية لم يتّبعوا تعليما فقهيا أكاديميا، بل هم من الطلاّب العصاميّين الذين كوّنوا “معرفتهم” الدينية عبر بعض الجلسات و القراءات، نذكر منهم أحمد ديدات و عمرو خالد و معزّ مسعود و الإنجيلي كينيث هاجن. الشيء الذي يدعونا إلى نوع من التحفّظ فيما يخص دقة تأويلهم و جودة تعاليمهم الدينية و نوعية خطابهم.




خطاب دعوي متزمّت و عدواني
يرى الباحث باسكال بوفييه أن الشاشات الدعوية ليست سوى “الخلفيّة اليومية التي تسمح للأصولية الدينية أن تعبّر عن أفكارها في سياق عاطفي”(2). تظهر هذه الأصولية من خلال خطابات تستند على تفاسير حرفية لا تحثّ المشاهد على القراءة بين السطور، بل تحثّه على التشبث بتأويل أوّلي للنص. في تغييب شبه تامّ للعقل و للاجتهاد، يشجع الداعية على النظر في المسائل الدينية من ناحية عاطفية، إذ يقول عمرو خالد في مسألة الحجاب: “اللؤلؤة تحفظها المحارة”(3) مستخدما بذلك تعبيرا مجازيا “شعريا” و “رومنطيقيا” هدفه إجبار المرأة على الحجاب عبر إغواءها و مسّ نقاط ضعفها. في نفس الوقت، يدعو الخطاب الإنجيلي المسيحية “الصالحة” إلى الاحترام و طاعة زوجها عبر إشكاليات من نوع “في تحريم المكياج” أو عبر نصائح في العلاقات الزوجية. ففي حصّة من حصص بات روبرتسون الشهيرة، أجاب الداعية امرأة تشكو من خيانة زوجها كالتّالي: “السرّ يكمن في التكتم عن خيانته. خانك زوجك؟ هذا أمر عادي، إنّه رجل”(4).. في الخطاب الإنجيلي كذلك مداعبة للنرجسية الدينية التي تبلغ ذروتها حين يبدأ الداعية في شنّ حملة ضدّ الديانات الاخرى، إذ يقول الداعية جيري فالويل بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر: “في نظري، الرسول محمّد إرهابي (...) قرأت بما فيه الكفاية لمعرفة أنه كان عنيفا و رجل حرب” أو “أشار يسوع إلى طريق الحبّ بينما أشار محمّد إلى عكس ذلك”(5). من ناحية أخرى، يوجه بعض الدعاة المسلمين إلى معتنقي الديانات الاخرى شتّى الشتائم و التهم أمثال الداعية محمد الزغبي الذي يقول: “و إنّ التاريخ يشهد بسماحة الإسلام و يشهد على سماحة المسلمين في كافة الأزمان و الايام، و يشهد التاريخ على اليهود الملاعين و على الصليبيين المعتدين و على أعداء الأمة بالإرهاب (...) أبدأ بإرهاب أبناء القردة و الخنازير (...) لذلك يتحكم في مصيرنا أربعة ملايين من الكلاب”(6). يعكس هذا الخطاب المتحمّس و العدواني مدى تلاقي الفكر المتطرف مهما كان دينيه ليصل أحيانا إلى دعوات إلى القتل، حيث نادى الإنجيلي بات روبرتسون باغتيال الرئيس الفينزويلي السابق هوغو شافيز باعتباره من “أعداء الله”، كما يصدر دعاة التلفزة الإسلامية سنويا عددا من فتاوي هدر دم “اعداء الله و الأمة”.



 



بيـنت المقارنة الشبه الكبير بين التلفزة الدعوية الإسلامية و التلفزة الإنجيلية. كما كشفت عن إشكالية عولمة الدين في زمن العولمة الاقتصادية، أو ما عبّر عنه أوليفيه روا بمصطلح “الجهل المقدّس”(7). لقد أسفر هذا النظام العالمي الجديد على تشابك في الهويات الدينية و تماثل في طريقة نشرها حتى أصبح الإسلام يقترب من المسيحية الإنجيلية، و ذلك عبر جملة من الأساليب الدعوية و المصطلحات الدخيلة على الثقافة الإسلامية و التي تروجها قنواتنا الدينية منذ حوالي عقدين من الزمن.



 



الهوامش:



1- ماركس و انجلس ،“مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي” ، 1859
 2- بوفييه باسكال، الالفية و عقيدة الخلاص و الأصولية : تواصل الخيال السياسي، الهرمتان للطباعة، 2008، ص.74
3- http://www.islamdoor.com/k5/loloah.htm
 4- CBN، The 700 Club، 15/05/2013
 5- CBS، “60 دقيقة”
 6-http://www.islameyat.com/post_details.php?id=3081&cat=28&scat=20&;
7-  يقول الباحث في ملخص كتابه: “كلّ”متدين“اصبح يختار دينه من بين أسواق المعتقدات و الطقوس الدينية، في زمن العولمة، غدى الدين نتاجا لبرمجة في قطيعة كلية من جذورها الثقافية الأصلية”.

المصدر: http://alawan.org/article12531.html

 

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك