رباعية التعامل مع أخطاء أبنائنا
«التربية الملائكية» هي من اكبر الاخطاء التربوية عندما نتوقعها من ابنائنا، ونقصد بها التربية المثالية التي يمارسها الوالدان على ابنائهما وينظران اليهم وكأنهم ملائكة لا يخطئون، فأكثر ما يزعج الوالدين ارتكاب ابنائهما للخطأ، كأن يرفض الطفل اوامرهما او ان يضرب اخوانه او ان يتلفظ بألفاظ بذيئة كالسب والشتم، فهذه امثلة لأخطاء الصغار، اما الكبار فتحايلهم ومراوغتهم لوقت الدراسة او تأخير الصلاة وعدم الالتزام بها، او اظهار السمع والطاعة لكلام الوالدين، بينما هم يفعلون عكس ذلك، فإذا ما كبر الطفل وصار مراهقا فإن الوالدين ينزعجان كثيرا لو اكتشفا انه يرتكب خطأ سلوكيا، او يفعل ذنبا مع اصدقائه او معصية سرية بغرفته او في جواله، فهذه بعض الامثلة التي توتر الوالدين في علاقتهما مع ابنائهم.
وقد مرت علي قصص كثيرة رأيت فيها قطعا للعلاقات بين الوالدين وابنائهما بسبب خطأ ارتكبوه او ذنب عملوه، ولعل من اغرب القضايا التي مرت علي ان أما قطعت علاقتها بابنتها لمدة خمس سنوات بسبب مماطلة الفتاة في ارتداء حجابها، وأبا قطع علاقته بابنه المراهق ست سنوات لانه تارك للصلاة ولديه علاقات نسائية، ووالدين قطعا علاقتهما بابنهما عشر سنوات لاسباب تافهة لا تذكر، وغيرها من القصص التي يتخذ فيها الآباء عقوبة ظالمة كالقطيعة ويعتقدون ان هذه العقوبة ستنقل الطفل من بشريته الى ان يصبح ملاكا.
انا لا ادعو في هذا المقال الى ترك توجيه الابناء اذا اخطأوا او الى الفرح بأخطائهم، ولكني ادعو الى الواقعية وعدم المثالية في نظرتنا لابنائنا، لان نظرتنا المثالية تجعلنا دائمي التوتر والعصبية لكل خطأ يفعلونه، وتجعلنا كذلك سريعي العقوبة والحرمان لاقل خطأ يرتكبونه، فلا نعطيهم فرصة لتصحيح الخطأ، او نعطي انفسنا فرصة لتعليمهم كيف يتجاوزون الخطأ، فالتربية الملائكية تحرمنا من كل هذه الفرص التربوية، ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم علمنا منهجا قيما في التعامل مع بشريتنا بقوله «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم».
فلماذا نقبل بتطبيق هذا المنهج التربوي على انفسنا ولا نقبله لابنائنا؟! ولماذا لا نربي ابناءنا عليه؟! فليس الخطأ في ارتكاب الخطأ وانما الخطأ في الاستمرار على الخطأ، فنحن لسنا كالنصارى لا نغفر الخطأ الا عند قسيس بيده مفتاح الجنة، بل يجب ان نربي اطفالنا على المبادرة بالتوبة لو كان الخطأ في حق الله، والمبادرة بالاعتذار لو كان الخطأ في حق الناس، فهذه هي التربية الصحيحة وليست التربية الملائكية، ولهذا نلاحظ ان القرآن الكريم ذكر لنا اخطاء ارتكبها الانبياء عليهم السلام في لحظات ضعفهم، ليوصل لنا رسالة مفادها اننا بشر ومعرضون للخطأ والضعف، فقد قال الله عن آدم (وعصى آدم ربه فغوى) ونوح (قال رب اني اعوذ بك ان اسألك ما ليس لي به علم)، وداود (وظن داود انما فتناه)، وسليمان (ولقد فتنا سليمان) ويوسف (ولقد همت به وهم بها) وموسى (قال رب اني ظلمت نفسي فاغفر لي) ومحمد صلى الله عليه وسلم ورد في حقه (عبس وتولى ان جاءه الأعمى)، ومن الصحابة من شرب الخمر وهو يعلم بحرمتها مثل نعيمان بن عمر الانصاري رضي الله عنه وقد اقام النبي صلى الله عليه وسلم عليه حد شرب الخمر، وكذلك قدامة بن مظعون رضي الله عنه وقد اقام عمر الفاروق عليه الحد كذلك وكلاهما شهدا غزوة بدر.
كل هذه الامثلة من القرآن وسيرة الصحابة ترشدنا الى المنهج التربوي الصحيح بقواعده الاربعة وهي: اولا: ان الاصل ان نربي ابناءنا على الاستقامة ونقبل خطأهم لو اخطأوا، ثانيا: نعلم ابناءنا في حالة ارتكاب الخطأ ان يبادروا بالتوبة او الاعتذار، ثالثا: نعلم ابناءنا الا يجاهروا بالمعصية، رابعا: نعلم ابناءنا ان يستعينوا بأحد الوالدين أو بخبراء او بمستشارين ليساعدوهم في تجاوز الخطأ، فهذه هي رباعية التعامل مع اخطاء ابنائنا، واهم قاعدة ان نتجنب قطيعتهم كما تجنبها يعقوب عليه السلام مع ابنائه عندما ألقوا اخاهم يوسف في الجب.