هل الاسلام هو الحل؟

الكاتب: 

 

المفكرون العرب أو الإسلاميون الذين يدرسون القضايا الفكرية الغربية والحداثة يظلون عربا لأنهم يفكرون فيها من داخل الثقافة العربية أو الإسلامية، إنهم في هذه الحالة يعبرون عن وجهة النظر العربية أو الإسلامية في قضايا غير عربية أو إسلامية. من هنا نتساءل، أين يكمن حق المسلم العربي في دراسة موضوع ما وإسقاط أحكامه المسبقة العربية والإسلامية على موضوع لا هو بالعربي ولا الإسلامي؟

إن نقد تجربة ما يوجب التجرد من الأحكام السابقة التي تؤطر العقول وتحجبها عن رؤية الحقيقة النقدية لهذه التجربة أو تلك. يعرف الجابري العقل العربي بالتالي: “إنه جملة المبادئ والقواعد التي تقدمها الثقافة العربية للمنتمين إليها كأساس لاكتساب المعرفة أو لنقل تفرضها عليهم كنظام معرفي”. وبتطبيق القول السابق على ما نواجهه يوميا من متغيرات تفرض علينا بصورة أو أخرى أن نتعامل معها نجدنا نُسقط ثقافتنا وديننا على هذا الشيء حيث ينحصر النظر فيه إلى زاوية ضيقة فنُسقط العروبة أو الإسلام ونجعله إطارا لما هو غير عربي وغير إسلامي.

بعد مقدمة كهذه دعونا نُسقط عبارة الإسلام هو الحل على واقعنا الآن حيث تبنت حركات إسلامية هذا الشعار  وهي عبارة موجودة وضمنية عند المسلمين جميعا سواء بوعي أو بغيره، فالمعظم مقتنع تماما أن الإسلام يصلح لكل زمان و مكان ويكمن حل مشاكلنا في الإسلام وسبب تدهورنا هو البعد عن الإسلام إذا “الإسلام هو الحل”. ألا يكمن في العبارة إشارة خطيرة تدل على أن من  يحملها يقول بأن الإسلام بتفسيري وبتطبيقي له هو حل لمشاكل مجتمع غاب عنه التفسير العصري للإسلام الذي توصلت أنا إليه. إن الإسلام هو الحل ولا أجادل في صحتها.

إن تجارب الاحتكار لأيديولوجيا ما أو لنص ديني مقدس باءت على مر التاريخ بالفشل من الدولة الإسلامية التي قدست الخليفة باسم الدين وجعلته حاكما باسم الإسلام إلى أوروبا الكنسية التي حُكمت باسم الإله أيضا، انظر كيف ثارت الشعوب الأوروبية على تلك المنظومة من الحكم بل وأدت ثورتها تلك إلى القطيعة التامة بين ما هو ديني ونص مقدس وبين ما هو واقعي علمي حياتي.

الفرق بين ما هو إسلامي وإسلاموي شاسع جدا فالإسلاموي هو إسقاط وجهة النظر الخاصة وتطبيقها حيث بُنيت تلك التجربة على تفسير وتجربة وثقافة ما. فالكل يدعي امتلاكه للحقيقة سواء كانت هذه الحقيقة متجسدة في كتب سماوية أو هي فلسفة وأفكار بشرية توصل إليها باحث ومفكر ما. ولتفسير ذلك أكثر يقول محمد اركون في كتابه (أين هو الفكر الإسلامي المعاصر): إن القارئ – كل قارئ- يتصف بما يسميه علماء النفس والألسن باستراتيجية الرفض، وذلك لأن كل قارئ أو مستمع لخطاب ما هو ذات مشكّلة بواسطة عقائد ومبادئ يقينية ومقدمات أيديولوجية ومقاييس موروثة، وكلها راسخة في العقل والمخيال ومكونة للوجدان وموجهة ومكيفة للإدراك وهذه العوامل المركبة تكوّن نسق الذات وعندما يطرأ على هذا النسق المجهز القوي مفهوم غير مألوف أو نظرة للعقل غير متلائمة مع الموروث والمعتقد يلتجئ القارئ أو المستمع إلى وسيلة من وسائل الرفض لحماية نسق ذاته حتى لا ينحل ويتفتت، فنتحل بذلك الشخصية وعندئذ تبطل شروط المناظرة وتستحيل المواصلة بين العقول والضمائر وتبقى البنيات الفردية على ما هي عليه ويستمر المجتمع مكررا لتقاليده ومولدا للأنساق الذاتية نفسها.

ما معنى إذن إسقاط شعار يؤطر عقولنا وتجارب البشرية غير المتناهية في بوتقة أنه هو الحل وبتفسيرنا وتطبيقنا له. ألم يشكل العقل العربي الإسلامي في عصور التدوين باتفاق جميع الفلاسفة والمؤرخين، وهل دُرست تلك الحقبة إبستمولوجيا بمعنى مجمل المسلمات الضمنية التي تتحكم بكل الإنتاج الفكري في فترة معينة دون أن تظهر إلى السطح كما ترجمها هيثم صالح أو بعبارة أخرى اللاوعي المعرفي لفترة بأسرها؟

إن الجرأة على استخدام شعار الإسلام هو الحل يشوبه الكثير من المخاطر والإقصاء وأتفق بلا شك مع أن الشعار صحيح وخاطئ في الوقت نفسه، لإيماني العميق بقوله تعالى “ونحن اقرب إليه من حبل الوريد” أي أعرف وأحكم منه بشؤون نفسه ولكنني في الوقت نفسه لن أدعي أن تفسيري لما هو إسلامي هو الصحيح، أليس من الممكن أن تفسيري للإسلامي هو المشكل بحد ذاته؟ ألم يتلخص الصراع بين مختلف الحركات الإسلامية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بل ألم يتصادم الإسلام مع العالم كله بتبرير أن تفسيرا معينا للإسلام هو الصحيح؟

إن إقامة العدل وضمان الحرية  من مقاصد الشريعة الإسلامية ولن أؤطر شخصيا عقلي بما هو إسلامي أو بالأحرى إسلاموي. هنا يتضح معنى المطالبة بدولة مدنية على سبيل المثال. إن إعمال العقل لإقامة العدل هو من مقاصد الشريعة وتطبيق فعلي للإسلام كمنهج لكن لماذا نسميه إسلامي ونحتكر ذلك التفسير ونؤطره ونضيف عليه هالة من القدسية بحيث أن مجرد نقده بعد ذلك يكون تعدي على الدين ذاته أو على الإله؟ إذن، أين ذلك العقل الذي كُلّفنا أن نُعملُه في شؤوننا؟ ويتبادر للذهن الآن التساؤل التالي: إن إيماننا العميق بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يملي علينا أنه لم ينطق عن الهوى، إذن، ألم يكن هو صلى الله عليه وسلم وربنا عز وجل قادرين على تفسير النص القرآني بصورة قاطعة لا تقبل الشك أو التأويل والاختلاف؟! لماذا لم يفعل ذلك ربنا عز وجل على لسان نبيه صلى الله وسلم عليه ؟!

إن التجرد من الأحكام المسبقة والحكم على تجارب الآخرين وادعاء امتلاك الحقيقة لهو مكمن المشكل الحقيقي. فالعالم هو مجموعة التجارب المشتركة التي تخوضها البشرية وتكاملها هو المطلوب والحقيقي والإسلام هو جزء من هذا العالم وهذه التجارب ولا يستطيع أحد أن ينادي بالعزلة التي يفرضها على نفسه بوعي أو بدونه عندما يؤطر عقله بشعار ما.

 

المصدر: http://www.almqaal.com/?p=1354

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك