أمي وأبي سبب كراهيتي للدين والمتدينين!
د. جاسم المطوع
أمي وأبي سبب كراهيتي للدين والمتدينين !
بدأ كلامه بقوله (إني كرهت الدين والمتدينين)، وصرت لا أحب الصلاة ولا الحديث حول الدين وأحكامه، فسألته: وما سبب كراهيتك لهما؟ فنظر إلى أخته وقال لها: تحدثي واشرحي ما سبب كراهيتنا للدين والمتدينين، فقالت: دعني أشرح لك القصة من أولها، فانا عمري الآن خمسة عشر عاما، وأخي هذا أكبر مني بسنتين، وقد جئنا إليك نشكو لك والدينا، لأنهما سبب كراهيتنا للدين والمتدينين، فأمي امرأة محجبة وملتزمة بالدين ظاهرا، ولكن سلوكها وأخلاقها ليس له علاقة بالدين، ولما كنا صغارا كثيرا ما كانت تردد علينا عبارات كرهتنا بالدين من حيث لا تشعر، فكانت تقول لنا (الذي يكذب فإن الله يحرقه بالنار)، وبالمقابل هي تكذب كثيرا أمامنا، فنتساءل: لماذا الله يحرق الأطفال بالنار عندما يكذبون ولا يعذب الكبار! وكلما عملنا شيئا أنا وأخي قالت: الله لا يحب من يفعل كذا، فصار عندنا شعور بأن الله لا يحبنا، وأنه يحرق الأطفال بالنار، فلماذا نعبده ونصلي له!
كانت تقول لنا (الذي يكذب فإن الله يحرقه بالنار)، وبالمقابل هي تكذب كثيرا أمامنا، فنتساءل: لماذا الله يحرق الأطفال بالنار عندما يكذبون ولا يعذب الكبار! وكلما عملنا شيئا أنا وأخي قالت: الله لا يحب من يفعل كذا، فصار عندنا شعور بأن الله لا يحبنا، وأنه يحرق الأطفال بالنار، فلماذا نعبده ونصلي له!
فقاطعها أخوها قائلا: ومع ذلك فهي تصرخ علينا وتشتمنا وتضربنا ونراها تنصح الناس بالدين، فما هذا الدين الذي تتحدث عنه؟ أما والدنا فهو رجل أعمال ناجح وهو مصلٍ وملتزم، ولكننا رأيناه أكثر من مرة يشاهد أفلاما اباحية، وفي جواله علاقات نسائية غير شرعية، ونعرف أنه يستغل أموال الشركة لحسابه الخاص، ومع هذا كله فهو يضربنا إذا لم نصلِ أنا وأختي، فكرهنا الصلاة وكرهنا الدين كله وكرهنا النفاق الديني الذي نشاهده يوميا في بيتنا.
ثم بدأت أتحدث معهما عن الفرق بين الدين والمتدينين، فالدين منهج للحياة وهو عبارة عن أوامر ربانية للإنسان لو التزم بها يسعد في دنياه وآخرته، أما المتدين فهو انسان ينتسب للدين وليس هو الدين، فإذا كان هذا الإنسان قدوة حسنة قدم صورة طيبة للدين، وإذا كان قدوة سيئة مثل هذين الوالدين قدما صورة سيئة، والمشكلة هنا ليست في الدين بل في المتدين وهناك فرق كبير بينهما
ثم تحدثت معهما عن دورهما في أن يكونا سببا في تغير والديهما نحو التدين الصادق، إلا إن أكثر ما أثر بي من حديث هذا الشاب وأخته عندما وصفا والديهما بالنفاق الديني، فهما أمام الناس قدوة دينية مثالية ولكنهما في الحقيقة ليسوا كذلك، وكأنهم يستغلون الدين لتحقيق أهدافهم الخاصة في الحياة، حتي صار هذا الشاب يكره الدين ويفكر في الإلحاد.
ولهذا فإني أتساءل: هل نحن نربي أبناءنا على كراهية الدين أم نحببهم فيه؟ فانا أعرف أمًا تكذب ابنتها دائما عندما تجيبها عن سؤالها هل صليت؟ فتخبرها ابنتها بصدق بأنها صلت، فترد عليها الأم بقولها لا تكذبين علي، فتركت هذه البنت الصلاة وصارت تكذب على أمها بسبب سوء ظن أمها لها،
وأعرف أما أخرى متميزة في تعاملها مع أبنائها، وكان أسلوبها سببا في صدق أبنائها وحبهم للصلاة، وتروي لي ابنتها فتقول: إن أمها كلما سألتها عن الصلاة تجيبها بأنها لم تصل بعد، فترد عليها (شكرا على صدقك يا ابنتي، وأتمنى حرصك على الصلاة)، فقدمت المدح على الذم، وقدمت التشجيع على النقد، فكان هذا الأسلوب سببا في حب الفتاة للدين وتعلقها بالصلاة.
إن أقوى أسلوبين مؤثرين يجعلان أبناءنا يحبون الدين، ويتعلقون به (الأخلاق الصادقة، والقدوة الحسنة). فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، الموطؤون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف). فالدين ليس تجارة نتكسب من ورائه، أو شكلا نخدع الناس به، أو كلمات نستخدمها لكسب من أمامنا، أو لباسا يظهر التزامنا، وإنما الدين هو اسلوب حياة نابع من قناعة داخلية، وايمان بالغيب، وأخلاق صادقة، وتعامل حسن، وشكل طيب، فكلما كانت أخلاقنا راقية وقدوتنا عالية أثرنا فيمن أمامنا، وصرنا نقدم للآخرين نموذجا للدين رائعا، وهذا ما نفتقده في مجتمعنا وبيوتنا في هذا الزمان.
المصدر: جريدة اليوم.