شمولیة الإسلام

ماكوتو مزتاني
لا ریب فی أنّ الإسلام سیبقى أكثر الدیانات مرونة لأجیال مقبلة.

أقدم فیما یلی رؤیة لهذا الدین بأشد الكلمات صراحة من منظور آسیوی، أو لنكن أكثر تحدیداً، من منظور رجل یابانی بوذی أذهلته حیویة الإسلام وحاول تعلّم العربیة منذ خمسة وثلاثین عاماً.

أود أولاً أن أشیر إلى عنصر المثابرة الدینیة لدى السامیین والعرب، الذی یمكن للمرء أن یسمیه هبة، یعرف الدین، هنا، كعقیدة تجیب على أسئلة (المطلق) الملهمة. یبتعد الإسلام عن فكرة (الشعب المختار) الیهودیة عبر كونیته، كما یبتعد عن فكرة (الثالوث المقدس) المسیحیة، ویدلل هذا التطور على اتكاء بعید وواضح إلى (المطلق) ولیس إلى شیء آخر.

یتقوّى ذلك من واقعة شمول الشریعة الإسلامیة لكلّ مناحی الحیاة وعدم نصبها على الكهانة (الرهبانیة)، فیترك، بذلك، لكلّ مسلم أن یبذل وسعه للإلتزام بالأمر، وأكثر ما أ ثّر بی بخصوص المسلمین أنهم ینعمون بتلك الموهبة الدینیة، وأنهم یتمتعون بعبقریة دینیة، إلى حدّ أن لدیهم جهوزیة عقلانیة لیعوا المسائل الدنیویة فی ضوء (المطلق) وفی علاقتها به.

رغم الإختلاف بین مسلم وآخر فی هذه النظرة، كما فی مجالات الإهتمام الإنسانی الأخرى، یمكن القول إنه حین یتعلّق الأمر بالیابانیین فمن المؤكد أن مثابرتهم وحماستهم تتركز على مجالات أخرى.

أستطیع أن أصل إلى هذا الاستنتاج على أمل أن تتوصل الدراسات الحدیثة فی علم الأعصاب مثلاً إلى كشف وتحلیل وشرح هذه الثغرة فی الموهبة الإنسانیة.

أرید أن أشدد، ثانیاً، على أنّ هناك توتراً شدیداً یربط معتنقی الإسلام بالمطلق. لقد تلطخ التاریخ المسیحی الحدیث بالنفی المستمر لوجود اللّه‏، وجاء التطور العلمی لیصب فی الخانة نفسها. (داروین) نفى الخلق الإلهی بنظریته عن الإرتقاء، و (نیتشه) أعلن أن اللّه‏ قد مات، و (فروید) وجد أنّ علم النفس هو الّذی یقود تصرفات الإنسان ولیست إرادة اللّه‏. وفی نهایة الأمر، بشّر (ماركس) بأن الدین أفیون الشعوب.

انكمشت المسیحیة فی مواجهة هذه الهجمات الضاربة، إذ رجحت التعالیم الأخلاقیة والمعنویة عوضاً عن مواجهة المطلق عبر الإلهام الذی هو جوهر الدین.

من المعلوم أن أحداً فی تاریخ الإسلام لم یتجرأ على إنتقاد أو نفی وجود اللّه‏، فی المقابل، عمل البوذیون بكد لیقدموا المطلق أو (بوذا) على أنه كینونة مقرّبة وحمیمیة بالنسبة إلى أتباعه، یقال إن ذلك أدى إلى ضعف وروتینیة اصابة مقاربتهم. وتقسم البوذیة إلى مدرستین أساسیتین هما: (الأرض الطاهرة) و (الزان). تبشر الاُولى بأن كلّ إنسان یتمتع بممیزات (بوذا) وأنه یمكن عبر ذكره الدائم أن یتحول هو نفسه إلى (بوذا). أما (الزان) فیعرف بتمارینه القاسیة، لكنه یبشر بأن هناك شكلاً من أشكال التأمل تمثل (بوذا). رغم أن ذلك قد یحیلنا إلى التوحد مع اللّه‏ أو وحدانیة ابن عربی، إلاّ أن (الزان) لم یلق أی انتقاد ومازال یمثل المدرسة الطاغیة فی الیابان.

بناءاً على ذلك، یمكن الإستنتاج أنّ المسلمین ینعمون بعلافة توتر مرغوبة مع اللّه‏ تتسم بالحمیة والتقوى والمؤانسة، كما هو مذكور فی الفاتحة.

لا أقصد بما سبق أن أقصر عوامل المرونة فی الإسلام على هذین العنصرین، إذ أن حقیقة الحیاة الإنسانیة نتاج معقد لمجموعة من المقومات، ولا یمكن استثناء الدین من هذه القاعدة. أود فقط أن أعرب عن اعتقادی بأن ملاحظاتی، كآسیوی، یمكن أن تساهم فی رؤیة مقارنة للأمور تكاد تقتصر على بعض المراقبین فی العالم الذین یضعونها فی سیاق سیاسی.

ترجمتة عن اليابانية رولا الأیوبی ـ لبنان.
المصدر: http://science-islam.net/article.php3?id_article=660&lang=ar

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك