الصحوة العربية: الإسلام والشرق الأوسط الجديد

 

Ramadan, T. (2012) The Arab 

Awakening : Islam and the New Middle East, London, Penguin Books Lts

تأليف : طارق رمضان 
عرض : د. محمود الذوادي

عالم الاجتماع – جامعة تونس

يُعتبر طارق رمضان اليوم من أشهر المفكرين المسلمين في أوربا والعالمين العربي والإسلامي. ويأتي كتابه (الصحوة العربية :الإسلام والشرق الأوسط الجديد ) كآخر أحد مؤلفاته. يحتوي هذا الكتاب على مقدمة وأربعة فصول وخلاصة ومجموعة من الملاحق وقائمة من المراجع والملاحظات وذكراً وشكراً لمن أعان المؤلف على إنجاز هذا العمل الفكري.

يبدأ طارق رمضان مقدمة كتابه بتحديد موضوعه. فيقول إنه يسعى فقط إلى تقييم الحقائق ودراسة الوقائع لطرح بعض الدروس ليس فقط للعالم العربي وللمجتمعات ذات الأغلبية المسلمة وإنما أيضا للملاحظين لتلك التطورات المفاجئة والمدهشة. يعترف المؤلف بأنه يرحب مثل معظم الناس بسقوط الأنظمة الدكتاتورية، لكنه يفضل أن يكون صاحب تفاؤل حذر إزاء تغيرات الربيع العربي. فرغم أن الأحداث الجارية في العالم العربي تعتبر تاريخية بأتم معنى الكلمة إلا أنها لا تزال غامضة بحيث يمكن القول إن الانتفاضات لم تتحول بعد إلى ثورات (صXI). يدعي رمضان أن كثيرا من الانتفاضات العربية تؤكد ما سبق أن ذكره مرارا في السنوات الماضية.

يفتتح رمضان الفصل الأول من كتابه بالقول «لا أحد استشرف وتنبأ بقدوم الانتفاضات العربية التي حار الكثيرون في وصفها (ص1)». فبين ديسمبر 2010 ومارس 2011 وصيف 2011 وما بعد ذلك انتشر حريق الانتفاضات العربية في المغرب والشرق العربيين. يستعمل رمضان كلمة «انتفاضات» Uprisings عوضا عن مفردة تمرد أو ثورة بالنسبة لظاهرة الربيع العربي وذلك حرصا منه ليكون حذرا في تفاؤله إزاء هذه الظاهرة كما سبقت الإشارة (ص3). يذكر صاحب الكتاب أن هناك ثلاث مؤسسات غير حكومية أمريكية قد موّلت تدريب عدد مهم من الناشطين والمدونين من الشباب العربي. لكن الربيع العربي ليس حصيلة لتأثير غربي كما يعتقد معظم المتشائمين بهذا الصدد (ص6). ومن ناحية أخرى، يبرز رمضان بوضوح أن الصحوة العربية (الربيع العربي) لم تكن نتيجة لأعمال حركات إسلامية (ص 10). ومن ثم، يجدر القول إن انتفاضات الشعوب العربية تمثل شكلا جديدا لمعارضة تنادي بقيم الحرية والعدل والمساواة ورفض الفساد والولاء للمقربين (ص11). يؤكد المؤلف أن هناك علاقة بين الإسلام كدين الأغلبية في المنطقة العربية والطموح إلى الحرية والديمقراطية الليبرالية وحتى الاقتصادية. وسوف تظهر هذه الأمور في مستقبل المجتمعات العربية (ص12). ويعتقد رمضان أنه سيكون للربيع العربي أثر كبير على كل المجتمعات الغربية (ص13). فيخلص صاحب الكتاب إلى القول بأن الربيع العربي قد أحدث تغييرا في الرؤية الغربية للعالم العربي متمثلا في النظر إلى العرب أصحاب قيم مشابهة لقيم الغرب (ص15). ينهي رم ضان هذا الفصل بالتأكيد على أهمية اعتماد المسلمين على مرجعياتهم التي تجعلهم قادرين على أن يكونوا الفاعلين المستقلين في مسيرة تاريخهم (ص19).

 يعطي المؤلف عبارة «تفاؤل حذر» كعنوان للفصل الثاني من كتابه. أنشأت ظاهرة الصحوة العربية نظريات وتأويلات وتسميات عديدة طالما كانت متناقضة، الأمر الذي ترك كثيرا من الأسئلة دون إجابات. يسرد رمضان العديد من الملاحظات والأحداث. فيصف شباب الربيع العربي بأنه استفاد كثيرا من وسائل التواصل الحديثة غير العنيفة مثل الإنترنت والفيس بوك في هجومه على الدكتاتورية (ص23). فيذكر بأن الإطاحة بنظام بن علي كان مفاجأة لفرنسا وأن وزير الخارجية الأمريكي الحالي (جان كيري) تنبأ أن سقوط بن علي سيمتد إلى أقطار عربية أخرى (ص25). وهو ما حدث فعلا في مصر عندما دعت أسماء محفوظ، الناشطة السياسية الشابة، في 18/01/2011 المصريين لكي يكونوا كالتونسيين (ص26)، وهو سلوك تفسره نظريتنا للدومينو الثقافي التي تعطي أولوية بارزة لتأثير العوامل الثقافية ( اللغة العربية والدين الإسلامي) على الحركة الجماعية للانتفاضات العربية منذ 2011. أي إن تشابه المجتمعات العربية ثقافيا (عصبية ثقافية) يجعلها تتعاضد مع بعضها البعض حتى في الانتفاضات.

من ساعد الثورات؟

يرى رمضان أن أحداث سقوط النظامين السياسيين في تونس ومصر لها خلفية أكثر تعقيدا من كونها حصيلة فريدة لحركات جماعية وليدة ظروف محلية فقط. يشير المؤلف إلى الأخذ بعين الاعتبار إلى ما يقال عن تدريب ناشطين شباب عرب في وسائل الإعلام الحديثة منذ 2004 في الولايات المتحدة وبعض البلدان الأوربية لتكوين مدونيين في الشرق الأوسط والمغرب العربي. ويعتقد أن بعض المؤسسات الخاصة لعبت دورا هي الأخرى في هذا الموضوع مثل YahooوGoogle وFacebook وTwitter (ص29). لكن رمضان يذكر أن هؤلاء الشباب العرب قد رفضوا المحاولات الأمريكية الساعية إلى التحكم فيهم وتوجيه مسيرتهم (ص30).

 يقدّم صاحب الكتاب في الصفحات 31-46 مقارنة بين معالم الانتفاضات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسورية. فيذكر في هذا الصدد أن حركة الاحتجاج التي عرفتها إيران قبل الربيع كانت مختلفة جدا عما شهدته تونس ومصر في 2010 و2011. فالسند الشعبي للاحتجاجات في هذين البلدين كان أقوى مما حدث في إيران. أما في ليبيا فالأمر كان مختلفا عندما اندلعت الانتفاضة في 15 فبراير 2011. يتحدث رمضان عن تعقيد الوضع الليبي بسبب تدخل الحلف الأطلسي إلى جانب الثوّار وما لذلك من أهمية بالنسبة للرهان الاقتصادي الذي تطمع فيه الحكومات الغربية المشاركة في الهجوم على نظام القذافي. كما يصف رمضان الثورة في سورية بأنها معقدة هي الأخرى على مستوى تركيبة المجتمع السوري حيث تتولى نظام الحكم منذ عقود أقلية شيعية علوية في بلد يمثل فيه المسلمون السنة الأغلبية (ص40).

ثورة تونس الأنجح!

يخلص صاحب الكتاب إلى القول إن ثورة تونس فقط هي المؤهلة للنجاح أكثر من بقية ثورات الربيع العربي في مصر وليبيا واليمن وسورية (ص46). يتحدث المؤلف عن دور وسائل الإعلام في مسيرة الثورات العربية، فيرى أن قناة الجزيرة قد لعبت دورا حاسما في ثورة تونس ومصر (ص48) وهي أيضا المحرك الرئيسي للصحوة العربية. يختم صاحب الكتاب هذا الفصل بالحديث عن المصالح السياسية والاقتصادية للغرب في المنطقة العربية. ففي رأيه، يعتقد أن نشر الديمقراطية في العالم العربي لم تكن أبدا غاية فلي حد ذاتها (ص56).

 وخلاصة القول التي ينهي بها المؤلف الفصل الثاني من كتابه قائلا: «وكيف ما يكون تحكم القوى الكبرى، فإن مستقبل الصحوة العربية سوف يعتمد على قدرة كل مجتمع على أخذ مصيره بين يديه لإنشاء طرق جديدة وفتح آفاق مستحدَثة»(71).

يتحدث المؤلف في الفصل الثالث عن الإسلام والإسلام السياسي والعلمانية، فيبادر بالقول: «يتمثل هدف هذا الكتاب في تحديد موقع الإسلام كمرجع ديني وإيديولوجي في أحداث الصحوة العربية» (ص72). ثم يحدد هدف صفحات هذا الفصل في أنها تسعى إلى التعرف على دور الإسلام في هذه الفترة الحاسمة في تطور العالم العربي. يرى رمضان أن تيار الإسلام السياسي ظهر في أواخر القرن التاسع عشر مع جمال الدين الأفغاني (1838-1897) ومحمد عبده (1849-1905). يدعو الإسلام السياسي إلى تبني المرجعية الإسلامية للتحّرر من نير الهيمنة الأجنبية وذلك بالرجوع إلى القرآن الكريم باستعمال التراث الإسلامي الغني بالاجتهاد العقلي المستقل واستعمال اللغات الوطنية مثل العربية والتركية وغيرهما من لغات العالم الإسلامي. فالمفكرون المسلمون المصلحون أتوا من عديد المجتمعات الإسلامية مثل السوري عبدالرحمن الكواكبي (1855-1902) واللبناني المصري محمد رشيد رضا (1865-1935) والتركي سيد نورسي (1878-1960) والجزائري عبدالحميد بن باديس (1889-1940) والتونسي محمد الطاهر بن عاشور (1879-1973) والهندي الباكستاني محمد إقبال (1817-1938) والمغربي علالة الفاسي (1910-1974). ففي عيون هؤلاء المفكرين، كان على المسلمين أن يكتشفوا النبض الحي في دروس دينهم لكي يتبنوا رؤية نقدية لتحرير أنفسهم من حالة الاغتراب الناتجة عن الاستعمار. وبناء على هذا، فالإسلام كدين مدعو للقيام بدور رئيسي في التحرر في المستقبل السياسي والثقافي والاقتصادي للمجتمعات ذات الأغلبية المسلمة (ص75).

يعرّف حسن البنا (1906-1949)، مؤسس حركة الإخوان المسلمين، الإسلام السياسي بأنه حركة تسعى إلى تحقيق الأهداف التالية : عودة إلى الإسلام، تعليم جماهيري، إصلاح اقتصادي واجتماعي، تطبيق الشريعة وتأسيس دولة إسلامية على المدى البعيد (ص76). ووجدت داخل حركة الإخوان المسلمين عدة توجهات فكرية : فالسيد قطب صاحب فكر ثوري والتحق بالحركة في 1951. غادر البعض الحركة وأنشأوا مجموعات إسلامية أخرى : الجماعة الإسلامية، تنظيم التكفير والهجرة وتنظيم الجهاد الإسلامي (ص78). اتفق الجميع على الأهداف لكن اختلفوا كثيرا في فهمهم للإسلام وفي مناهجهم للعمل. وهكذا يجوز القول بأنه من الخطأ النظر إلى الإسلام السياسي على أنه لون واحد. وتوجد الانقسامات نفسها والتنوع في الرؤى في كل المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة مثل المغرب والجزائر وتونس وليبيا وسورية ولبنان وتركيا وإندونيسيا وماليزيا وبلدان أخرى (ص79). وخلاصة القول: فالإسلام السياسي الشديد العنف يمثل تناقضا للحركات السلمية التي عرفها العالم العربي.

دور العلمانية

يرى المؤلف أن مفهوم العلمانية Secularisation هو من أعمق معالم سوء الفهم بين الغرب والشرق (ص81). يتلخص هذا المفهوم في العقلانية المشتركة ومساواة المواطنين والحريات الكونية. ففي المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة والعربية اتخذ التاريخ وجهة مختلفة كما هو الأمر في كل المحررين: من بورقيبة إلى جبهة التحرير في الجزائر ومن عبدالناصر إلى أنظمة حزب البعث العلماني في العراق وسورية أو الحكم البهلوي في إيران. فكلهم أقاموا تنظيما علمانيا وفصلوا بين الدولة والدين. لكن أنظمتهم كانت في الواقع أنظمة دكتاتورية. طالما كانت سياساتهم أكثر عداء للدين من القوى الاستعمارية السابقة (ص85).

يبرز المؤلف اهتمام الغرب بابن رشد لقربه من فكر الفيلسوف لوك Locke (1805-60)، وبتقليد النخب العربية المقتربة للصورة الغربية للمفكر، تُنسى العقلانية النقدية والاستقلالية السياسية للمفكرين المسلمين مثل مالك ابن أنس وأحمد ابن حنبل اللذين قادتهما شجاعتهما إلى السجن لسنين عديدة (ص91). يدعو هذا التراث الثقافي الإسلامي لمصالحة المسلمين مع تاريخهم. وفي رأي صاحب الكتاب، إن الكثير من القضايا الخلافية التي يثيرها العلمانيون هي مسائل قليلة الأهمية. ويتمثل التحدي الحقيقي لمجتمعات الربيع العربي في اختيار المعركة الحقيقية لتحريك الطاقة الخلاقة للشعوب العربية في محاولتهم العثور على الحلول الواقعية للمشكلات الواقعية الحساسة على الخصوص (ص97).

يتطرق الفصل الرابع والأخير إلى ما يسميه المؤلف المرجعية الإسلامية The Islamic Reference فيؤكد أن المتظاهرين لمصلحة الانتفاضات العربية كانوا في أغلبيتهم مسلمين ثائرين ليس على دينهم ولكن به وكثيرا ما كانوا يفعلون ذلك باسمه (ص106). وهذا ما جعل عالم الاجتماع الفرنسي Olivier Roy يقول: «لم ننته من الإسلام»، وحتى يكون المسلمون قادرين وفاعلين على المساهمة في أحداث العالم عليهم أن ينجحوا في مجابهة تحديات العصر. تنبأ في العقود الأخيرة كل من O.Roy وG.Kepel بنهاية الإسلام السياسي (ص208). وفي نظر المؤلف فشل علماء الاجتماع والسياسة في تعريف الظاهرة، ولعل ذلك يعود إلى التغيرات الكبيرة التي عرفتها وتعرفها الحركات والمنظمات الإسلامية في القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين في إيران وتركيا وغيرهما في العالم العربي الإسلامي (ص109-113).

أما بالنسبة لتأسيس دولة إسلامية فيراها الإسلام السياسي تتمثل في ثلاثة محاور: الديني والسياسي والثقافي.

أما بالنسبة لعلاقة العالم العربي مع الغرب فالمؤلف يرى أن علاقة التبعية والهيمنة لم تتغيّر.

الخلاصة

يقول صاحب الكتاب في الخلاصة (ص158-162) إنه سعى في صفحات كتابه إلى إلقاء الضوء على بعض التحديات وتجاوز المواجهات الدائرة في مجتمعات الربيع العربي الذي يمثل فرصة عزيزة لمطالبة الشعوب العربية بقوة باسترجاع هويتها. فيجب النظر إلى الإسلام من داخل زخم تراث ثقافاته التي، كمنظومات قيم، أنشأت هويات جماعية وأذواقا وقوات وتصورات وأهدافا أخلاقية، يجب على الناس سبرها من جديد واستغلالها وتنميتها (ص161). والأمانة والمسئولية أمر ضخم أمام الشعوب العربية. «فكتابي هو دراسة للحقائق وتحليل لها واستشراف لاحتمالات المستقبل»، فلا شيء في حالة استقرار ولا شيء نهائيا. وكل شيء ممكن، وعليه، فجوهر الأمور يتطلب النظر إلى داخلنا والقيام بنقد الذات والتعرّف على معالم قوتنا وضعفنا وتحاشي التشكيك في أنفسنا والتطرق إلى كل شيء وبأمل (ص162).
المصدر: 
http://www.alarabimag.com/Article.asp?Art=12332&ID=297

 

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك