اللغة هوية

تهاني السبيعي

أطلق الباحث الدكتور عبدالله البريدي عدة صفارات إنذار, ورسالات تحمل هم أّمة, ليعود صداها في وجدان كل ‏محب للغتنا التي تعني هويتنا ووجودنا. وذلك من خلال كتاب العدد 436 الذي حمل عنوان (اللغة هوية ناطقة). ‏

هو إنذار طالما قُرعت أجراسه بمقالات وكتب تحدثت عن الخطر الداهم على لغتنا العربية, لكن الباحث قرّبه ‏ووضعه تحت مجهر الفحص لتبدو تفاصيله واضحة جلية من خلال ربطه اللغة بالهوية. فاللغة وما يتهددها من ‏خطر قد يبدو للبعض موضوعاً مكروراً وممجوجاً طال وكثر الحديث عنه, حتى وصل البعض إلى قناعة أن هذا ‏الأمر لا يعدو كونه فزاعة لا تستحق عناء التفكير, وأن اللغة تشق طريقها مهما بدا لنا الأمر عكس ذلك, فمع كل ‏ثورة وتغير عالمي تنطلق صيحات محذرة من الخطر على اللغة, ابتداء من الثورة الصناعية قبل قرون, ومروراً ‏بالثورة التقنية خلال القرن المنصرم, وليس انتهاء بثورة الاتصالات الحالية وما صاحبها من مصطلحات جديدة ‏أفرزتها بحوث الغيورين على اللغة العربية.‏
جاء كتاب الدكتور البريدي ليبعث السؤال في نفسي: هل هناك فعلاً صدى واقعي لتلك الصيحات؟ هل زُرعت ‏بذرة في الضمير القومي منذ قصيدة (هي البحر في أحشائه الدر كامن) التي لخصت مخاوف المثقفين في العصر ‏المنصرم؟ ربما يرى البعض أن تلك الصيحات أنتجت معاجم وبحوثاً لولاها لما رأت النور. ‏
وقد يكون كتاب البريدي صيحة على شكل كتاب وليس قصيدة هذا المرة, تفجر ضمير الأمة من جديد لبحث ‏وضع معاجمنا وقراراتنا حول اللغة رمز الهوية, ومعنى وجودنا. ‏
هذا ما يحيلها إلى رسالة كما قلت في أول كلامي, رسالة ختم بها الدكتور البريدي دراسته تحت عنوان توصيات ‏عملية في صفحة (117).  وهي تكرس مفهوم أن التغني والتوجع على حال اللغة يخلو من أي هدف؛ إذا لم تعقبه ‏أعمال فعلية تفعّل هموم المثقفين الذين يمثلون بجهودهم وغيرتهم وتوجعهم ضمير الأمة, ومايثبت هذا التوجع هو ‏الخاتمة التي أنهى بها الباحث البريدي كتابه, فجاءت وجدانية شاعرية بدأت بمقطوعة ذات لغة شاعرية تحت ‏عنوان  (توجع لغة). أعقبتها عناوين جميعها تكرر في كل مرة كلمة (لغة). وهذه الخاتمة تبرز حجم الهم الثقافي ‏لدى كاتب غيور ولديه إحساس قوي بخطر داهم يهدد (الهوية), وهي كلمة جامعة مانعة تحمل في طياتها ‏مدلولات عديدة أبرزها الدين, وكيان الإنسان ووجوده, واعتزازه بأنه متفرد في ثقافته وحضارته, كلها معانٍ ‏تغلفها اللغة.‏
فهل ما وصلت له لغتنا يستحق تلك التوجعات؟ وهل ماتم عمله لها يوازي ذلك الخوف على مستقبلها؟
أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك