الإسلام وحوار الحضارات

 

الأستاذ الدكتور / محمد عبد المنعم خفاجي

الإسلام دين الله الذي بشّر به رسول الإسلام محمد بن عبد الله - صلوات الله عليه - هدى للناس ورحمة ودعوة إلى كل القيم الإنسانية الرفيعة التي يجب على الإنسان أن يحافظ عليها ويلتزم بها ، ويتخذها دستوراً له في الحياة . 
  وناموس الإسلام أو قانونه ، أو دعوته ، ذلك مفصّل في كتاب الله الحكيم ، الذي نزل به الروح الأمين ، على نبي الله ومصطفاه ورسوله إلى خلقه ، وإلى العالمين كافة ، محمد صلى الله عليه وسلم .    رسالة شريفة واضحة سامية ، يقول محمد فريد وجدي : "الإسلام أن تسلم وجهك لله ، مجرداً نفسك عن علمك وعقلك وحولك وقوتك وتقاليدك كلها ، الخشوع دثارك ، والتقوى والرجاء والضراعة صفاتك ، متجرداً له كيوم ولدتك أمك على الفطرة ، لتتحقق عبوديتك" ، ومن قبل قال عمر بن الخطاب لبعض أصحابه : لقد أعزكم الله بالإسلام فمهمها تطلبوا العزة من غيره يذلكم الله ومن بعد قال مستشرق غربي هو "ولز" : "الإسلام هو الدين الحق الذي يساير المدنية" والهرمز الفارسي قد عرف الحقيقة ، فقال لرسول عمر بن الخطاب : إنما غلبتمونا بالإسلام . 
 إن التوحيد هو الدعامة الكبرى لشريعة الإسلام ، وهو الزاد الذي يستمد منه المسلم كل قوته ، يقول الله - عز وجل - في محكم آياته : {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خـالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل} (الأنعام /102) .    ويقول - عز وجل - :{يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيراً لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السموات والأرض وكان الله عليمـًا حكيمـًا}(النساء /170) . 
  ويقول تولستوي : خلاصة الإسلام كما نادى به محمد هو أن الله واحد لا إله إلا هو ، وأن الله رحيم عادل ، وأن مصير الإنسان النهائي متوقف على الإنسان نفسه ، فإذا سار حسب شريعة الله ، وأتم أوامره واجتنب نواهيه ؛فإنه في الحياة الأخرى يؤجر أجراً حسنـًا ، وإذا خالف شريعة الله وسار على هواه ؛فإنه يعاقب في الحياة الأخرى عقابـًا شديداً .    في عام 1938م عقد في لاهاي مؤتمر "القانون المقارن" وفيه قد قرر المجتمعون اعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً مهمـًا من مصادر التشريع ،بعد أن أشاد الأعضاء الأجانب على اختلاف مللهم بأحكام الشريعة الإسلامية .  
 وفي عام 1951م عقدت شعبة الحقوق من المجمع الدولي للقانون المقارن مؤتمراً للبحث في الفقه الإسلامي في كلية الحقوق بجامعة باريس تحت اسم "أسبوع الفقه الإسلامي" ودعت إليه عدداً من المستشرقين وأساتذة القانون في الدول الغربية والشرقية ، وقد حاضر الأعضاء في موضوعات محددة حددها مكتب المجمع الدولي للقانون المقارن وهي : إثبات الملكية - المسؤولية الجنائية - الاستملاك للمصلحة العامة - تأثير المذاهب الاجتهادية بعضها في بعض - نظرية الربا في الإسلام . وخلال المناقشات قال النقيب السابق للمحامين في باريس : أنا لا أعرف كيف أوفق بين ما كان يحكى لنا عن جمود الفقه الإسلامي وعدم صلاحيته كأساس للتشريع يفي بحاجات المجتمع العصري المتطور وبين ما نسمعه الآن في المؤتمر مما يثبت خلاف ذلك تمامـًا ببراهين النصوص والمبادىء .. وفي ختام الأسبوع قرر المؤتمر أن الفقه الإسلامي يقوم على مبادىء ذات قيمة أكيدة لا مرية في نفعها وأن اختلاف المبادىء في هذا المجال التشريعي الضخم ينطوي على ثروة من الآراء الفقهية وعلى مجموعة من الأصول الفقهية التي تتيح لهذا الفقه أن يستجيب بمرونته لجميع مطالب الحياة الحديثة . كما قرر المؤتمر أن تؤلف لجنة لوضع معجم للفقه الإسلامي المؤتمر يساعد على تسهيل الرجوع إلى مؤلفات هذا الفقه في موسوعة فقهية تعرض فيها المعلومات القانونية الإسلامية وفقـًا للأساليب الحديثة . 
   وفي بحوث عديدة بيّن الباحثون أن الفقهاء المسلمين شرَّعوا المحاكم الدستورية العليا ، واختصاصات هذا النوع من القضاء كما فصلها أبو الحسن الماوردي هي : 
1- النظر في القضايا التي يقيمها الأفراد والجماعات على أجهزة الحكم في الدولة. 
2- النظر في تظلم موظفي الدولة ضد تطبيقات القانون . 
3- تقرير الأحكام التي يعجز القضاء العادي عن إصدارها . 
4- ما يختص بتقرير حقوق الإنسان . 
 وقد يملكنا الذهول عندما نعرف أن عمر بن الخطاب وقف يومـًا يودع أحد ولاته قبل سفره إلى الإقليم الذي سيحكمه ، وألقى عليه هذا السؤال : ماذا تفعل إذا جاءك سارق أو ناهب ؟ وكان رد الوالي : أقطع يده . فاستدرك عمر الحديث معه قائلاً : وإذن فإن جاءني منهم جائع أو عاطل فسوف يقطع عمر يدك . إن الله قد استخلفنا على عباده لنسد جوعتهم ، ونستر عورتهم ونوفر لهم حرفتهم . فإذا أعطيناهم هذه النعم تقاضيناهم شكرها ، يا هذا إن الله قد خلق الأيدي لتعمل ، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً ، فأشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية .       
 وعندما ألّف "روسو" كتابه "العقد الاجتماعي" وقرر فيه أن الأمة هي مصدر السلطات وهي سيده الحاكم الذي يستمد منها قوته وسلطته ، لعله كان يعرف أن الإسلام قرر هذه المبادىء تقريراً وطبقها تطبيقـًا ، وهذا هو عمر بن الخطاب يقول : إن من استرعاه الله على المسلمين فقد وجب عليه ما يجب على العبد لسيده ، ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم [كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته] - رواه البخاري ومسلم - أليس هذا المفكر الغربي على صواب وعلى هدى من الإسلام حينما تقرؤه يقول : ولز : الدين الحق الذي يساير المدنية هو الإسلام .    أوروبا تخاف الإسلام ، وتخاف من الإسلام ، ليس ذلك على مستوى الحكومات فحسب ، بل على مستوى الأفراد والجماعات ، وحرب الأقليات الإسلامية في الغرب مستمرة اليوم ومن قبل وستستمر في الغرب مستمرة اليوم ومن قبل وستستمر من بعد أيضـًا .
 ولقد وقفت الإمبراطورية الرومانية في وجه الإسلام منذ معركة اليرموك حتى فتح القسطنطينية على يدي السلطان محمد الفاتح في أواسط القرن التاسع الهجري تشن عليه الحرب وتدبر له المؤامرات ، وتؤلب عليه القوى المختلفة ، وما حديث الحروب الصليبية بسر … وكانت بيزنطة إحدى القوى المحركة للأحداث في غزو التتار للعالم الإسلامي وفي تدميرهم لبغداد وقضائهم على الخلافة العباسية .
 وحسبنا دليلاً على ذلك ما يرويه التاريخ من أن هيتون ملك أرمينية المسيحي كان العامل الرئيسي في إقناع الملك المغولي "مانجوخان" (646-655هـ - 1248-1257م) بإرسال حملة هولاكو المشؤومة بل إن هولاكو نفسه زوج ابنه من ابنة إمبراطور القسطنطينية المسيحي . ومذابح الصرب في الهرسك وفي كوسوفا أثر لهذا الشعور الغربي المستحكم بالعداء للإسلام وللمسلمين .  
 على أن في الغرب منصفين يدعون ولا يزالون يدعون إلى الحوار بين الشرق والغرب ، الحوار بين الحضارات ، ومن أبرز هؤلاء الدعاة ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز والإسلام منذ عصر الرسالة حتى اليوم لا يعرف طريقـًا إلى الحضارات والأديان الأخرى غير طريق الحوار والمجادلة بالحسنى ، والله - عز وجل - يقول في كتابه الحكيم : {ولا تجـادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أُنزل إلينا وأُنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون} (العنكبوت/46) . 
  إن الأصوات المنصفة في الغرب ، مع قلتها ، تنفر من حرب الحضارات ومن كل ذلك نفوراً شديداً . فتشارلز ولي عهد بريطانيا ينادي بضرورة الحوار بين الحضارات ، لا الصراع بينها . 
 ووزير الخارجية البريطانية السير روبين كوك ينادي في كلمته التي ألقاها منذ نحو عامين في أحد المراكز الثقافية الشرقية بلندن : بأن الثقافة الغربية مدينة للإسلام وحضارته ، وبأن الغرب في حاجة إلى الإسلام كصديق لأنه دين السماحة والحب والوئام ، وبأن من الظلم أن نلصق الإرهاب بالإسلام ؛لأنه دين السلام (صحيفة الأهرام - صفحة الفكر الديني - 19/10/1998م) .. قال روبين كوك : إن جذور ثقافتنا الإنجليزية ليست يونانية أو رومانية الأصل فحسب ، بل هي إسلامية أيضـًا فالفن الإسلامي والعلوم والفلسفة الإسلامية قد ساعدت على تشكيل تطورنا ، والأرقام الإسلامية ما زالت يعتمد عليها .
 إن ثقافة الغرب مدينة للإسلام … والبعض يقول : إن الغرب بحاجة إلى عدو بعد انتهاء الحرب الباردة وإن الإسلام هو العدو الجديد ، كما يقولون : إن صراع الحضارات قادم ولا مفر منه ، وأنا أقول : إنهم مخطئون خطـًأ فادحـًا ، فنحن لسنا بحاجة إلى الإسلام كعدو ، بل نحن في حاجة إليه كصديق ، قد تكون حضاراتنا أو أدياننا مختلفة ، ولكن هذا لا يعني أننا لا نستطيع أن نتعايش معـًا ، إن علينا أن نتعاون معـًا لإفشال هذه الإدعاءات ، فالقرآن الكريم يدعو في سورة الحجرات (الآية 12) إلى التعارف بين الشعوب . إن القائل بأن ثقافتنا غير متجانسة مخطىء ، فهناك قدر كبير من المعارف يمكن أن نتعلمه من بعضنا ، والغرب مدين للإسلام بالشيء الكثير ، فالإسلام وضع الأسس الفكرية لمجالات عديدة وكبيرة في الحضارة الغربية ، ومن أكبر الأخطاء التي يمكن للغرب أن يرتكبها هو الظن بأن الثقافة الإسلامية شيء غريب عنا فهي ليست كذلك فإن ثقافتنا قد تشابكتا عبر التاريخ والأجيال . وما زالتا تتلاقيان أيضـًا في وقتنا الحاضر ، إني أقترح إجراء حوار جدي حول القضايا العديدة التي تهم الجانبين .
  وأمامي كذلك كتاب "بين شتى الجبهات" للمفكر الألماني عبد الهادي هوفمان الذي عمل في الحقل السياسي الألماني فترة طويلة ، وعند بلوغه سن الواحدة والأربعين اعتنق الإسلام (أي عام 1989م لأنه من مواليد 1949م) ، ويجاهد في إزالة الوهم العدائي بين المسلمين والألمان .. وهو غير مراد هوفمان السفير الألماني السابق في المغرب ومؤلف كتاب "الإسلام كبديل" . وهما يلتقيان في الإيمان بالإسلام كدين صحيح وشامل لكل مناحي الحياة ، وقد أصبحت أوروبا في أمس الحاجة إليه . 
  إن الكتاب "بين شتى الجبهات" بصفحاته ألـ 250 حافل بالتنويه بدعوة الإسلام إلى حرية العلم وحرية الفكر وحرية العبادة ، وإلى الشورى ، ويقول : إن صورة الإسلام في الغرب صورة عدو لدود ، وهو وضع مقلوب للحقيقة ، وإن الإيمان بإله واحد يجمع بين المسلمين والنصارى ، كما يؤكد عظمة الحضارة الإسلامية وقيامها على أساس المسؤولية الفردية ، والوحدة والتعاون والإخاء وحقوق الإنسان .
  هل نسي الغرب أن الإسلام وحضارة الإسلام وعلماء الإسلام هم الذين أحيوا التراث اليوناني القديم وقدموه محققـًا ومشروحـًا إلى أوروبا ؟ وهل نسي الغرب أن الإسلام هو الذي حمى اليهودية واليهود في العالم من بطش وجبروت العصور الوسطى في أوروبا ؟ وهل نسي الغرب أن الإسلام هو الذي حمى المسيحية ، وحمى مصر المسيحية من جبروت الدولة البيزنطية وطغيانها ؟ وهل نسي الغرب أن الإسلام دعوة سلام إلى العالم وإلى الدنيا جميعـًا ، ودعوة أخوة وتعاون دولي لمصلحة الشعوب . وكيف يعادي الغرب المدجج بكل أنواع التدمير النووي وغيره ، الشرق  الإسلامي الذي جعل السلام شعاره في كل شيء وفي كل وقت ، بل في كل عبادة ، بل في كل عمل لم يصنع ما صنعته الصرب في البوسنة والهرسك ولم يصنع ما صنعته روسيا والصين في بلاد الإسلام وفي مسلمي بلادها .    
إن الإسلام والغرب ، يجب أن يلتقيا ، وبلا ريب فهما يمكن أن يلتقيا لو حافظ الغرب على روح الأخوة البشرية ، وعلى حق كل منهما في أن يعيش في سلام وتعاون مع الآخر ، وعلى أن الخروج على الشرائع السماوية باسم الحضارة والحرية خطأ لا يغتفر وشرك ما بعده من شرك .
والسلام على من اتبع الهدى
المصدر:  مجلة الأزهر:المحرم14

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك