مساهمة في التربية الوطنية
أضافه الحوار اليوم في
علي الشرقاوي
كانت الأناشيد الحماسية حاضرة في الحرب والسلم، بل إن كثيراً من هذه الأناشيد والأغنيات اصطبغت بطابع سياسي.. ومؤخراً فاز محمد عساف بجائزة عرب آيدل ووجد البعض أنه حضور لصوت فلسطين.
فهل حقاً تعد الأغنيات الوطنية امتداداً للأناشيد الحماسية في القرون القديمة؟
الأغاني الحماسية معروفة من خلال ما نقلته لنا المرويات العربية عبر ما كانت تقوم به النسوة العربيات من الغناء، خصوصاً أيام الحروب، وهي كثيرة بين العرب وإخوانهم العرب، في تحميس وتحفيز الرجال لدخول الحرب وعدم التراجع. وكلنا يذكر دور الكلمة في إشعال حماسة الرجال للانشغال بالدفاع عن نسائهم، فهذه هند بنت عقبة زوجة أبي سفيان بن حرب، والدة معاوية بن أبي سفيان، في أيام الجاهلية وهي تحارب جيش المسلمين، توجهت إلى كفار قريش وهي تهددهم بأن نساءهم لن يقبلن بالرجال إذا لم يقتلوا المسلمين:
نحـن بـنات طـارق نمشي على النمـارقِ
والمسك في المفارق والـدرُّ فـي المخـانـق
إن تـقـبـلـوا نعانـق ونفـرش الـنـمــارق
أو تـدبــروا نـفـارق فـمات غـيـر وامـق
من هنا أرى أن المرأة لعبت دوراً كبيراً في هذا النمط من القول، ولكن الحروب التي كانت تجري بين القبائل، تحولت إلى أماكن بعيدة، بين المسلمين وغيرهم من القوميات والأجناس.
وقد عاد النشيد الوطني إلى مرحلة الاستعمار، ربما في الثلاثينات من القرن الماضي، حيث وجدنا بعض الشعراء العرب يرون أنه من خلال شحن قلوب الأطفال بالروح الوطنية، تدخلهم في معرفة واقعهم والتحرر من الاستعمار الذي ناح على الأرض العربية.
وفي أغلب الدول العربية قرأنا لشعراء كتبوا أناشيد مهمة، منها نشيد (نحن الشباب من) وهي من كلمات الشاعر الكبير بشارة خوري وألحان الأخوان فليفل، وكلماتها تقول:
نحن الشباب لنا الغد.. ومجده المخلد
شعارنا على الزمن.. عاش الوطن
بعنا له يوم المحن.. أرواحنا بلا ثمن
يا وطني عداك ذم.. مثلك من يرعى الذمم
علمتنا كيف الشمم.. وكيف يظفر الألم
(موطني) من كلمات: إبراهيم طوقان وألحان: محمد فليفل يقول فيها:
مَــوطِــنــي مَــوطِــنِــي
الجـلالُ والجـمالُ والسَّــنَاءُ والبَهَاءُ
فـــي رُبَــاكْ فــي رُبَـــاكْ
والحـياةُ والنـجاةُ والهـناءُ والرجـاءُ
فــي هـــواكْ فــي هـــواكْ
هـــــلْ أراكْ هـــــلْ أراكْ
سـالِماً مُـنَـعَّـماً وَغانِـمَاً مُـكَرَّمَاً
هـــــلْ أراكْ فـي عُـــلاكْ
تبـلُـغُ السِّـمَـاكْ تبـلـغُ السِّـمَاك
مَــوطِــنِــي مَــوطِــنِــي
إن هذه الأناشيد وغيرها كثيرة أسهمت في تربيتنا الوطنية وجعلتنا نشعر بضرورة الوحدة العربية، وبدون أن يكون العرب يداً واحدة وقلباً واحداً وهدفاً واحداً، لن يكون لهم أي دور في بناء العالم الحديث.
وعن مدى تأثير الأغنية السياسية، وهل تكتسب شهرة مثل بقية أنواع الأغاني؟، فالأغنية السياسية لها تأثير كبير في دفع المتلقي إلى أن يتخذ موقفاً معيناً من قضية ما، في مرحلة ما، كما يراها الشاعر والملحن، وقد تكسب شهرة طاغية وبالذات على الشباب الجامعي، أكثر من الأغاني العادية، ودعني أحيلك إلى تجربة كل من الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، التي خرجت رداً على هزيمة حزيران 1967م، وتجربة خالد الشيخ ومحمد يوسف في البحرين والكويت في النصف الثاني من سبعينات القرن المنصرم، وكذلك تجربة فرقة أجراس البحرينية ولا ننسى تجربة اللبناني مارسيل خليفة وغيره من الفنانين الذين دخلوا التجربة وخرجوا منها.
وقد كان هناك دور للفرق التي كرست نشاطها للأغنية السياسية والوطنية، وأغلب تلك الفرق قد تلاشت أو تراجعت، لأن الأغنية السياسية مرتبطة بحدث، فإذا حلت أو تغيرت الظروف الاجتماعية تجد هذه الفرق نفسها أمام هذه التغيرات. تجد أنها فقدت الموضوع أو القضية التي ترهقها، ولا تملك جديداً، مختلفاً أو مغايراً في تجربتها، أيضاً تلك الفرق نجد أنها تتفرق بسبب عدم استطاعتها المواصلة، خصوصاً أنها تملك الروح الوطنية الكبيرة ولكنها لا تملك الوعي الكافي للاستمرارية، بمعنى أنها قادرة على أن تكون متواجدة وحاضرة وقوية، هذا إذا امتلكت الوعي، وهو التحول من الأغنية الفردية إلى الأعمال الكبيرة مثل الأوبريتات أو المسرحيات الغنائية، بهذه الصورة من الممكن أن تكون أكثر أهمية في رحلتها الوطنية الحالمة بمجتمع أفضل وأجمل وأروع.
الحوار الداخلي: