وقفات مع نهاية العام
الشيخ : عبداللطيف بن هاجس الغامدي |
|
اعتاد أهل التجارة من أهل الدنيا في نهاية كلِّ عام أن يحاسبوا أنفسهم ، ويجردوا بضاعتهم ، ويضعوا ميزانيتهم لعامهم الجديد ، وهذا من حقهم ، فبالمحاسبة يتعرفون على وجوه المكاسب ومصادر الخسائر . وتجار الآخرة أولى منهم بهذه المحاسبة ، فهم يرجون تجارة لن تبور ، ويكاثرون في بضاعة لن تكسد ، ويرابحون في سلعة لن تخسر ، فلا بُدَّ لكل مسلم أن يحاسب نفسه محاسبة الشريك الشحيح ، فيربيها على الإقلاع عن معصية الله وما يسخطه ، ويعودها علىالمبادرة إلى طاعة الله وما يرضيه . ولا شك أن كل مسلم قد عمل أعمالاً صالحة وأخرى طالحة ، فالواجب المتحتم على كل مسلم نحو ما عمل من خير وما اكتسب من حسنات أمور ، منها : أولاً : أن يعلم أنها من توفيق الله تعالى له ، فليست الطاعة من كسبه ، وإنما هي من هداية وتوفيق ربِّه . ثانيًا : أن يحمد الله تعالى على الطاعة والتوفيق إليها والإعانة عليها ، فهي نعمة دونها كل النعم ، ومحمدة دونها كل المحامد . ثالثًا : أن يفرح بها في غير إعجاب أو كبر . رابعًا : أن يحذر أن يُدل على الله تعالى بها ، أو يركن إليها ، أو يعتمد عليها ، فالله تعالى غني عنه وعن طاعته ، فإنها لا تزيد في ملكه سبحانه . خامسًا : أن يسأل مولاه أن يقبلها منه ، وأن لا يردها عليه ، فليست كل الأعمال مقبولة ، فما أكثر النواقض والمحبطات . وكان يقول بعض السلف : والله لو أني أعلم أن الله تعالى قبل مني حسنة واحدة لتمنيت الموت الساعة ، لأنه من قبلت منه حسنة دخل الجنة ، فضلاً من الله وعطاء ومِنَّة . سادسًا : أن يدعو ربَّه بالثبات عليها والاستقامة على فعلها ، فما أسرع تقلب القلوب ! وما أكثر تغير النفوس ! وكم من عبدٍ صالح زاغ قبله وراغ عقله ، وزلت قدمه بعد ثبوتها ! وأدبر عن الخير بعد أن كان من أهله ، وأقبل على الشر بعد أن كان يحارب أهله . فعليه أن يلح على الله أن يثبت الإيمان في قلبه ، وأن يكره إليه الكفر والفسوق والعصيان ، وأن يثبته على الخير حتى يتوفاه عليه . قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" إذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله " قيل : وما استعمله ؟ قال :" يهيئ له عملاً صالحًا يقبضه عليه " سابعًا : أن لا يقنع بما فعل ، ولا يرضى بالدون ، ولا يقبل باليسير ، فالمؤمن لا يشبع من الخير ، فهو يسابق في كل معروف ، ويضرب بسهمه في كل مجال ، ويضرب بقدمه في كل ميدان . ثامنًا : أن ينوي فعل الخير ، ويعزم على بذل المعروف ، والمسابقة إلى مايرضي مولاه عنه ، فإن العبد يدرك بنيته ما لا يدرك بعمله ، ولا يزال الرجل يعمل بالخير ما دام ينوي فعله ويعزم على بذله . أولاً : الإقلاع عنها ، والتوبة منها ، والندم على ما فرَّط في جنب الله ، والعزم على عدم العودة إليها ، وعقد القلب على عدم الوقوع فيها . ثانيًا : أن يرد المظالم إلى أهلها ، ويرجع الحقوق على أصحابها ، وأن يبرئ ذمته مما تعلق بها . ثالثًا : أن يكثر الاستغفار منها ، فطوبى لمن ملئت صفحته استغفارًا كثيرًا ! رابعًا : أن يعوض ما فاته من خير ، وأن يحاول أن يسد ثغرات ماضيه ، وأن يصلح ما انعوج عليه من حاله . خامسًا : أن يصلح ما بينه وبين الله ، وما بينه وبين الناس ، حتى يقدم على الله و ليس في ذمته واجب قد قصر فيه ، وليس لأحد عليه مظلمة تتعلق به ونسأل الله تعالى أن يجعل عامنا هذا عام خير وصلاح وعزٍّ ورفعة للإسلام والمسلمين ، والحمد لله رب العالمين . |