الشعور بالاخرين

 

كاتب ليبي

 

لا احد يستطيع ان يعيش آلام وجراح غيره حتى وان من اقرب الناس اليه وانما يمكن ان يشعر ببعض آلامه وجراحه فيواسيه ويخفف عنه ويشد ازره ويصبره الى ان تبرد المواجع ويرحل الحزن ويخف الالم يوما بعد يوم وكانما تلك العيون ما بكت وتلك القلوب ما توجعت وعادت الحياة الى طبيعتها شيئا فشيئا وهذا امر طبيعى ونطقى فلا الفرح يدوم ولا الحزن كذلك ولا بد للانسان من ان يشرب من كؤوس الحياة جميعها حلوها ومرها طوعا او كرها .
وان كان للحزن الم قاس على نفس الانسان ومشاعره فان بلسم مواساة الناس له هو الكفيل بان يرفع عنه ذلك الالم ليدرك ان حكمة الله فى خلق المجتمعات البشرية هى التى انجزت هذا الواقع الاجتماعى الجميل واقع التواصل والتكافل والتعاضد والشعور بافراح الناس واتراحها .
والشعور بمن حولنا لا يقتصر على الشعور باهلنا وذوينا بل يتجاوز كل ذلك ليشمل الجيران والاصدقاء والمعارف وكل من لهم علاقة بنا من قريب او بعيد فالخير الذى فى عقل الانسان وضميره اقوى من الشر الذى فى نفسه .
واذا كانت النفس امارة بالسوء كما يعلم الجميع فان قيم الانسان النبيلة ومبادئه الانسانية واخلاقه على صلة دائمة بالشق العلوى من كيانه المتصل بالروح والسمو وبفطرة الله التى جبل عليها خلقه لهذا نجد انفسنا وبشكلتلقائى نسارع الى مساعدة من يحتاج المساعدة وشد ازر من يستحق المؤازرة ونحن نشعر بالارتياح لذلك بينما نشعر بالقلق والخوف وتانيب الضمير ونحن نقدم على فعل ما يمكن ان يضر بالغير او يزعج الاخرين . فكان التعود على مساعدة الناس والشعور بهمومهم هو بمثابة التمرين الذى يمكن ان نعتمد عليه فى تنقية انفسنا من شرورها وغرورها وكبريائها وجهلها وطيشها وانانيتها وفساد اخلاقها وسوء تصرفها عملا على تحرير ذواتنا من قيود واعباء حب النفس و جموحها .
يمكن ان يتحقق ذلك اذا ما افلح الانسان فى اداء هذا التمرين وعود نفسه على العيش فى ضل واقع اجتماعى رشيد يوفر للانسان الحماية والرعاية الاجتماعية والاطمئنان والاستقرار النفسى الذى غالبا ما تعجز المجتمعات المتفسخة اجتماعيا عن توفيره لابنائها بالرغم من تطورها وتقدمها فى حقل العمل الاجتماعى وجمعيات العمل الاهلى ، فالانسانية تعيش لا محالة مازقا حقيقيا اذا ما تجاهلت مشاعر بعضها البعض لان ذلك سيؤدى حتما الى تجاهل مصالح بعضها البعض وبالتالى الى الانانية وحب النفس وكراهية الاخرين والشعور بالغرور والاختلاف والتميز عن بقية الاجناس الامر الذى يؤدى الى تبنى الافكار العنصرية التى تنبذ الغير وتحتقره .
ان خاصية الشعور بالغير هى نعمة من اعظم نعم الله التى ادب بها اخلاق الانسان وهذب مشاعره وهى مرتبطة بشكل فطرى مباشر بصفاء ونقاء العقيدة ومعرفة الله وحبه والايمان به فما اجمل ان تتبادل الانسانية مشاعر الفرح وتتقاسم همومها واتراحها لتبدوا وكانها كيان آدمى واحد يجمع اطرافه تراث انسانى مشترك خالد الى ان يرث الله الارض ومن عليها .

المصدر: http://www.swmsa.net/articles.php?action=show&id=63

 

 

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك