ويبقى الحوار الديني "الأمين" هو السبيل للتعايش

ويبقى الحوار الديني "الأمين" هو السبيل للتعايش
د.زينب عبد العزيز

د.زينب عبد العزيز : بتاريخ 7 - 7 - 2007
من المهم أن نتوجه إلى كل الذين يشتركون في عملية الحوار الديني ، من الجانب الكنسي ، وخاصة إلى الأمناء منهم ، الذين ضجوا من الحروب والصدام ويسعون إلى السلام العالمي بموضوعية وأمانة ؛ فالجانب الكنسي - كما رأينا - أصبح لا يضم رجال اللاهوت وحدهم وإنما كافة المسيحيين الذين فرض عليهم المجمع الفاتيكاني الثاني عام 1965م الاشتراك في عملية تنصير العالم .. إلى كل هؤلاء نقول : إن الإسلام لا يفرض نفسه على أحد ، فالنص القرآني يقول بوضوح : {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف : 29] ، ويقول: { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ} [البقرة : 256].
وفي ضوء هذا لا يحق لرجال الكنيسة أن يفرضوا عقائدهم على أحد ، وبدلاً من هذا التعنت القهري لاقتلاع الإسلام ندعوهم إلى أن يعودوا - بموضوعية وأمانة - إلى النصوص والوثائق والأصول المخفية المحرّم الإطلاع عليها في خزائنهم السرية ، والى كل ما كشفت عنه وثائق البحر الميت التي لم يسمح الفاتيكان بنشرها إلا بعد ترحيل تواريخها ..
إننا لا ندين ولا نحاسب غيرنا ، لكننا نطالب بأمانة وموضوعية ، بناء على كل ما نشره رجال اللاهوت الأمناء الذين تخلوا عن مناصبهم بسبب كل ما رأوه من عبث فأمْلتْ عليهم ضمائرهم أن يكشفوا ما قامت به الأصابع التي ظنت نفسها خفية ، وأتعبت الناس على مر العصور وجعلتهم يخرجون عن الدين ويكفرون به ؛ ويكفي أن نطالع ما تم نشره في السنوات الأخيرة من أبحاث ؛ وأغلبها بأقلام كنسيين خلعوا رداء الكهنوت ، وراحوا يكشفون ويؤكدون كيف أن "السيد المسيح كما تقدمه الكنيسة لا سند تاريخي له" ! (أي أنه أسطورة !!).
وعلى كل هؤلاء الأمناء ، الذين كفروا بالحروب سبيلاً ، أن يدركوا أن الإسلام لم يقدّم إليهم في الغرب ، منذ القرن الثامن ، إلا مشوّهاً ، بدءاً من كتاب " يوحنا الدمشقي ، المعنون "نبع المعرفة" والفصل الذي يضمه حول "الهرطقة" الذي خصه للإسلام والمسلمين ، ولسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وراح يكيل فيه أحط العبارات والصور المشوّهة ، وتبعه (نيستاس) في بلاط قيصر بيزنطة ، ميشيل الثالث ، وتبعهما سيل من المفسرين البيزنطيين ، ثم سيل آخر من المستشرقين، لينالوا جميعاً من القرآن والمسلمين . الأمر الذي كون لدى القارئ الغربي ، الذي يطالع هذا التشويه المتعّمد نفسه في كتبه المدرسية والجامعية ، نوعاً من النفور التلقائي تجاه الإسلام والمسلمين .
فعلى كل هؤلاء الأمناء تقع مهمة المواجهة لمختلف عمليات التحريف والتصدي لها بموضوعية وأمانة علمية .. وصولاً إلى حوار موضوعي بين أكثر الديانات السماوية عدداً في العالم.
كما نتوجه هنا إلى كل الذين يشاركون في عمليات الحوار من جانب المسلمين ، وأول ما نناشدهم به هو أن يتزودوا بكل تلك الحقائق والوثائق المعلنة والتي تعينهم على معرفة حقيقة من يحاورونهم ، لكي يناقشوهم مناقشة موضوعية . كما يتعين عليهم الأخذ في الاعتبار ما يمكن تلخيصه في النقاط التالية :
 إن التنصير والحروب الصليبية بأنواعها جزء لا يتجزأ من التاريخ الكنسي وأحد الموضوعات الرئيسية في السياسة البابوية.
 أن يصّروا على أنه لا توجد موضوعات خارج المناقشة ، وأنه لابد من مناقشة العقيدة المسيحية كما تقدمها الكنيسة ، فالخلاف القائم بين المسيحية والإسلام خلاف عقائدي متعلق برسالة التوحيد كما نرى؛ وما أكثر الدراسات الحديثة التي أصبحت تكشف وتدين التلاعب الذي قامت به الأيادي العابثة على مر العصور
 وأن يواجهوا رجال اللاهوت الذين يحاورنهم بدور الكنيسة ومسئوليتها في غرس الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين ، والمطالبة بأن يقوموا بدورهم نحو تحرير هذه الأرض المغتصبة.
 وأن البحث فقط عن نقاط مشتركة كما يصر المسيحيون في حوارهم ، ليس إلا استبعاداً لمناقشة العقيدة ، وشعوراً بالخوف من الحوار في هذه المنطقة الحساسة.
 وأن الحوار لدى الكنيسة هو مجرد أداة لشغل الوقت إلى أن تتم عملية الارتداد وقبول "سر المسيح" .. ويكفي أن نطالع ما نشر على صفحتين كاملتين من جريدة لومند الفرنسية الصادرة ليومي الأحد والاثنين 6 ، 7/3/2005 م حول تنصير ثمانمائة مسلم في المغرب هذا العام ، وشكواهم من ضآلة هذا الرقم بالنسبة للتعداد البالغ 32 مليوناً !!
 كما يتعين على الجانب المسلم أن يوضح في تلك الحوارات أننا لسنا "مأمورين بالدخول في المسيحية" وقبول ما يطلقون عليه "سر المسيح" ، فالسيد المسيح هو نبيّ من الأنبياء عليه وعليهم جميعاً السلام ، وهو حلقة في سلسلة أنبياء التوحيد.
 وآخر ما يمكن إضافته لفريق المسلمين من المتحاورين هو أن يتمسكوا بالحق ، فقد جاءكم الحق من ربكم والله عَزَّ وجل ، لا يستحي من الحق ، وألا يقعوا في الشرك الذي نصبه لهم القس زويمر حين قال : لن يقتلع الإسلام إلا على أيدي مسلمين من الداخل : فالصمت على كل هذه الحقائق يعد نوعا من التواطؤ .
وأخيراً : فإن الطريق إلى حوار إنساني موضوعي أمين يجب ألا يقوم إلا على الحوار ، وعلى تناول كافة القضايا الأساسية والنقاط الخلافية ، الجذرية منها والهامشية بموضوعية شديدة بغية التوصل إلى حلول حقيقية عادلة تحد من هذه الخلافات !!
ولابد من الأخذ في الاعتبار أن ما يقوم به النصارى بمختلف فرقهم من أفعال ، سواء أكان ذلك في لجانٍ الحوار ، أم في المؤتمرات ومختلف المحافل الدولية والمحلية ليس إلا نوعاً من الإصرار والتمسك الغاشم بالرأي لتنصير العالم بأي وسيلة وبأي ثمن ..
وثاني قضية اختلافية لا بد من إدراجها في لجان الحوار بين عقلاء الجانبين هي ضرورة وقف الأعمال العسكرية أو إضفاء الصفة العسكرية على أفعال الكنيسة وتدخلاتها السياسية الحربية ، تلك التدخلات التي باركها مجمع لاتران عام 1139م وأباح استخدام السلاح في حروبهم الصليبية لفرض التنصير موضحاً : "أن الجندي الذي يَقْتُل يؤدي مسئوليته وبالتالي فهو لا يخطئ ولا يكفر. إنه يخدم الله بقتل الأشرار والكفرة" ! وذلك تحت مسمى "الحرب العادلة"..
ولا يتسع المجال هنا لتناول كل تلك الحروب التي قادتها الكنيسة ، أو تلك التي تسببت في اندلاعها ، ومنها على سبيل المثال الحربان العالميتان وحرب الجزائر طيلة 130 سنة والتي أودت بحياة ثمانيةملايين مسلم بطرق بشعة!!، وتدخلها في محارق اليهود وكل ما كشفت عنه الوثائق الحديثة من أدلة دامغة ، وتدخلها في يوغسلافيا السابقة ، وما قامت به الكنيسة في كل من كرواتيا وكوسوفو من مجازر في حق المسلمين في البوسنة بمباركة الخوذات الزرقاء وتحت أعينهم ، وإسهامها في حرب رواندا وما ثبت من أدلة باشتراك القساوسة في إشعالها ، إلى غير ذلك مما تسببوا فيه من قتل جماعي.
وهنا في هذا المقام نقول شيئاً عن موقف الكنيسة من مرض الإيدز فثلثا المصابين يوجدون في إفريقيا ، وثلاثة أرباع الأطفال المصابين من الأفارقة ، و95% من مجمل المصابين يعيشون في فقر مدقع ، ومع ذلك فقد تكبّد نيافة البابا يوحنّا بولس الثاني مشقة الانتقال إلى بورندى وأوغندا لتجريم استخدام العازل الطبي والأمر بالاستيلاء على كل ما أرسلته الجمعيات الأهلية من كميات وحرقها في الميادين العامة ..!! (وهذا سلوك غريب حقاً !!)
إن كل ما نرجوه من عقلاء البشر ، ومن يقوم منهم أو يشارك في عمليات الحوار ، أن يتمسكوا بالحق ، وأن يعملوا جاهدين لاستبعاد المفاهيم العقيمة أو اللولبية التي تلجأ إليها الكنيسة ، والعمل على أن تكون العلاقة بين مختلف البلدان والشعوب ليست علاقة تصارعية كاسحة لاقتلاع الإسلام والمسلمين ، أو اقتلاع البوذيين أو أي دين آخر، وإنما علاقة إنسانية تكاملية بمعنى الكلمة لتأمين السلام العالمي لكل البشر
http://www.almesryoon.com/ShowDetails.asp?NewID=35709

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك