المنهج الدعوي في الهدي النبوي
كتبه : الشيخ سامي النهابي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين وإمام المتقين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد......,
فإن الناظر في حال الدعوة والدعاة يجد أن مجال الدعوة من أعظم المجالات وأفضل السبل.
فالدعوة إلى الله سبيل الأنبياء وطريق الرسل ومنهج المصلحين الذين يحملون هم الأمة الإسلامية في قلوبهم وأرواحهم كيف لا ؟ وهم يعلمون أن هذا هو سبيل الرشاد وطريق النجاة ولهذا استمر نبينا صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله منذ أن بعث إلى أن آواه
التراب بعد أن نزل عليه قول الله تعالى (يا أيها المدثر & قم فأنذر & وربك فكبر),فقام بها خير قيام وصدع بها بلا استسلام بحكمة ونور من الإسلام ممتثلا كلام الرحيم الرحمن
( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنةوجادلهم بالتي هي أحسن ) ومطبقا أمر الله تعالى (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة ) فأشرقت دعوته وذاع صيتها ورفع الله ذكره لرفعة ما يدعو إليه فكثر أتباعه وأحبه القريب والبعيد لحسن تعامله وأخلاقه .
فذاك رجلٌ يجر ردائه من عند رقبته بغلظة حتى ظهر أثر جره على رقبته وهو يقول للنبي صلى الله عليه وسلم ( أعطني يا محمد من مال الله الذي أعطاك )
فيلتفت إليه ذو الخلق الراقي والابتسامة الفياضة والكرم الجم وهو يضحك
قائلا :
(أعطوه من مال الله الذي أعطانا) , فيدخل الرجل في الإسلام.
وآخر يبول في المسجد فيجتمع الناس عليه وينهرونه ويثربونه , فيأتي المربي عليه الصلاة والسلام فيقول : \" دعوه حتى ينتهي \" فلما انتهى علمه إن هذا المكان إنما هو للذكر والعبادة فيقوم الأعرابي من عجبه وهوله من هذا الخلق النادر والقلب الواسع فيدعو الله قائلا : \" اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحدا \" الله أكبر !!!
أنها أخلاق الكبار ونفوس العظماء التي حملت هم الإسلام وتجاوزت مكائد الشيطان.
فالدعوة إلى الله إذا كان باعثها الإخلاص وخارطتها ودليلها الكتاب والسنة وخالط ذلك الحكمة والموعظة الحسنة بلباس من الصبر والتواضع أثمرت وأينعت وحصل الخير الكثير .
فالداعية الناجح هو الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم لعلمه بأن الداعية الأول صلوات ربي وسلامه عليه قال ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) فالناس أجناس وإحساس تأسرهم البسمة وتفتح قلوبهم الكلمة كما قال من بيده الرحمة
( وقولوا للناس حسنا إن الشيطان ينزغ بينهم.....الآية )
فالداعية الحكيم هو الذي يحتوي المدعوين ويكسبهم ولا يصادمهم قد يتأخر خطوة معهم لكنه بحكمته ومداراته يتقدم عشرات الخطوات رائده في ذلك قوله تعالى ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه ولي حميم ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه ).
والدعاة على نوعين :
1- داعية إلى الله وهو الذي يخلص في عمله ويكون حاله حال النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته وصبره ونحو ذلك.
2- داعية إلى نفسه وهو الذي انعدمت عنده المعاني المتقدمة فتجده يغضب على القليل والكثير حال دعوته ويغضب إذا لم يُجَب ليس غيرةً على الدين وإنما لأنه لم يُسمع كلامه ولم يكثر أتباعه وهذا النوع قليل إن شاء الله .
إن الداعية الموفق هو الذي يحرص على هداية الناس و بذل الخير لهم وصد الشر عنهم محتذياً قوله صلى الله عليه وسلم ( إن من الناس من هو مفتاح للخير مغلاق للشر ومن الناس من هو مغلاق للخير مفتاح للشر ) فهو يصلح بين الناس ويقرب بينهم وجهات النظر لتعم الأُلفة بين القلوب ويحصل الاستقرار في النفوس ومن كان هذا حاله في الدعوة إلى الله فله
الخير العظيم والفضل الجسيم كما قال اللطيف الرحيم ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ...الآية ) وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم (من دعا إلى هدى فله من الأجر مثل أجور من تبعه....الحديث ) وكما قال : ( الدال على الخير كفاعله).
والداعية المسدد بحرصه على هداية الناس يهيئ الله له من يحرص على أهله وأولاده لأن هذا سلف ودين فكما تدين تدان.
ولا زالت الدعوة إلى الله ولله الحمد مستمرة وقائمة كما قال صلى الله عليه وسلم( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة )
ففي هذا العصر وفي هذا البلد المعطاء بلد التوحيد هُيئت بفضل الله صروح للعلم والدعوة ومراكز للتوجيه والإرشاد كمراكز الدعوة التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف ومراكز الدعوة للجاليات الإسلامية ومكاتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي التي لها الأثر البالغ في توجيه الشباب المسلم داخل هذه البلاد وخارجها وقد وقفت على ذلك فرأيت الأداء المتميز والإخلاص في العمل والأمانة في الطرح والمحبة في إيصال الخير للغير وفق منهج وسطي لا غلو فيه ولا تفريط نحسبهم كذلك والله حسيبهم .
وفي منطقة الجوف المباركة تقوم هذه المكاتب والمراكز على اختلاف أنواعها يكمل بعضها بعضا في كافة المدن بجهود مشكورة وخطوات مدروسة على زف وإعداد الدعاة الناصحين والمخلصين الذين لهم الأثر الملموس في مجتمعاتهم وما زالت ولا تزال هذه المكاتب والمراكز تواصل هذا العمل الخيري الذي تنطلق منه هذه الجهود وتحمل مطايا الركب التي شعاعها ينبثق نوره على مختلف المستويات بجهود مباركة تنير الطريق وتحمل أجندة الدعوة بركائز دعوية مثمرة .
وما هذه الأنشطة الدعوية التي نراها في الميدان على مختلف الأصعدة إلا ثمرة من ثمار هذه المراكز والمكاتب الخيرية التي نسأل الله أن يديمها ويسددها إنه جواد كريم .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
المصدر:http://www.aljoufnews.com/sa/articles.php?action=show&id=185