سلفية القبيلة
يتحسس الكثير عندما يتطرق الكاتب إلى نقد القبيلة وكأنها كيان مقدس لا يحق لأحد أن يمسه أو ينتقده نقدا موضوعيا، وليس نقدا مسيئا أو جارحا، وهذا ما لا يرضاه أو يقبله أحد. وبما أننا نعيش في وطن لا زالت القبيلة حاضرة فيه وبقوة، فلا بد أن يكرس الكتاب – خصوصا من داخل ذلك الكيان – اهتماما في نقد القبيلة لتطويرها إلى ما يواكب العصر، فليس من المعقول أن نقبل أن تكون بيننا «سلفية قبلية»، وأقصد هنا محاولة أفرادها أن يمارسوا كل سلوكيات الماضي – مهما كانت – وبظروفها التي تختلف كثيرا عن ظروف حاضرنا، فبعضها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقبلها الدولة المدنية، وسيشكل تطبيقها خطرا كبيرا على المجتمع.
فإذا رأينا أحدهم يتغنى بأمجاد أحد أجداده، وأنه قاتل وقتل العشرات لأي سبب كان، فجرم كبير إن حاول السير على خطى جده في ظل وجود الأنظمة والقوانين المدنية الحديثة. وهناك آخر يرى أن وقوفه مع أبناء عمومته واجب، وأن نصرتهم واجبة – سواء أكانوا على صواب أم خطأ – وإلا كان ذلك عارا عليه، صحيح أنها كانت من القيم لدى القبائل في الماضي ولكن وجودها في مجتمعنا الحاضر يسبب معضلة كبيرة خصوصا إذا كان أحدهم صاحب منصب أو مكانة في المجتمع. الكثير من هذه الأمثلة موجودة وحاضرة لدينا وهي تكرس نوعا من العنصرية البغيضة وتحصر الانتماء في مساحة ضيقة مهما حاول البعض إخفاءها.
نقد القبيلة أو تمحيص بعض سلوكياتها وقوانينها المتبعة في الوقت الحاضر لا يعني الانتقاص منها أو من أفرادها، بل يدل على أهمية تطويرها نحو الأفضل بقيم تتماشي مع العصر الحديث، مع الإبقاء على تاريخها مرجعا يستند عليه أفرادها، ولكن ليس بالمنظور «السلفي» الذي يوجب عمل ما كان عليه الأجداد دون إعادة نظر وتمحيص. عندما نتكلم عن القبيلة ليس معناه أن ما سواها ناضج وليس به عيوب، ولكن بما إنها كيان مهم في مجتمعنا، فلا بد أن يكون هناك من يعمل على إصلاحها وتقويمها بالشكل الملائم، خصوصا من داخل أفرادها. فليس من المعقول أن نعيش في القرن الحادي والعشرون وهناك من تثور ثائرته على قبيلة أخرى بسبب أن أحد شعراءهم استحقر قبيلته، وربما كان ذلك الشاعر ليس له قيمة مجتمعية أو من أرباب السجون مثلا. وليس من المعقول أن ننتمي إلى هذا العصر في حين ينظر بعضنا لأفراد المجتمع على أساس الأصول والانتماءات العرقية، وليس على أساس ما قدمة للوطن والمجتمع، أو على أساس تحصيله العلمي. الأمثلة على هذا الأساس تطول ويجب أن نتكلم عنها بشفافية مطلقة، وأن نستطرد في سردها لكي نتمكن من معالجتها والقضاء عليها، في نفس الوقت الذي يجب علينا أن نحافظ فيه على كثير من القيم الجميلة في منظومة القبيلة، والتي لست بصدد ذكرها الآن. لا بد أن ينظر إليها باهتمام بالغ من قبل السلطة السياسية، وكذلك من قبل مثقفي المجتمع ومفكريه، من أجل تطويرها، ومعالجة النعرات وكل ما يؤججها من قنوات تلفزيونية شعبية أو مسابقات شعرية تقوم على هذا الأساس. صحيح أن الأمر معقد جدا، ولكنه ليس مستحيلا، خصوصا وأن الكثير من أبناء القبائل بات يدرك ضرورة ذلك الأمر، ولكن الخوف الاجتماعي دائما ما يثنيه كثيرا عن الإقدام والمضي في مبادئه الحضارية التي اكتسبها من تعليمه وعيشه في المدن، وهذا لا يعني أن أساسه لم يكن متينا، بل ربما إن قيمه أصبحت أكثر نضجا عندما اختلطت أصالة القبيلة بالعلم والمعرفة والمدنية.
إن عدم الإيمان بالتغيير والإتكاء على الماضي لا يعني أن الوضع مناسب وصحي، بل يدل على الضعف والخوف من التقدم والمضي إلى الأمام