أهذا دين أم سياسة؟!

محمد بن علي الهرفي

عندما نتحدث عن الدين ــ خصوصا الدين الإسلامي ــ فإننا نتحدث عن قواعد شرعية ثابتة مهما اختلفت الأزمنة والأمكنة، كما نتحدث ــ أحيانا ــ عن مفاهيم عامة للدين يمكن أن يختلف المسلمون حولها بحسب أفهامهم.. وفي الأديان السماوية الأخرى ما يشبه الدين الإسلامي، وإن كانت المفاهيم العامة هي الغالبة عليها.. أما السياسة، فهي ــ كما يقول البعض: (فن الممكن)، وبالتالي، فعلاقتها بالأديان ضعيفة؛ لأن صاحبها يضع مصالحه فوق كل الاعتبارات الأخرى، ولكن هذا المفهوم يتنافى تماما مع الإسلام الذي جعل ثوابته لا تتغير مهما كانت الأسباب والمبررات، ولهذا فإن وضع المسلم الذي يتعاطى السياسة يجب أن يكون مغايرا للآخرين ممن لا ينتمون للإسلام، فهو ثابت على مبادئه يسعى لتطبيقها مهما كانت الصعوبات، هذا هو الأصل، لكن الزمن والأزمات كشفت لنا واقعا آخر! هناك حكام غيروا، وهناك (مشايخ) تغيروا، وكل ذلك باسم الإسلام وخدمته!! ويعلل الأفعال المخالفة للإسلام بحاجة بلده إلى دعم الاقتصاد، فإن كل ذلك أمر مرفوض في عرف الإسلام!! لست أدري هل الاقتصاد متوقف على هذه المخالفات؟! ألا يعرف من سمح بكل ذلك أنه يخالف الشرع الذي يفترض فيه تطبيقه؟! وعندما يقف حاكم مسلم إلى جانب روسيا وإيران في القضية السورية مع أنه كان شيئا آخر قبل ذلك إلى جانب علمه بالمجازر البشعة التي يرتكبها النظام السوري، فإنه يخالف بذلك تعاليم الإسلام، ربما كانت براميل البترول التي أمرت إيران بشحنها له من العراق للتخفيف من أزمة بلاده وراء ذلك الموقف الذي يتنافى مع الإسلام ومع الإنسانية، ولعل دماء السوريين لا تساوي شيئا عنده بقدر براميل البترول التي جاءت من دولة ولغت في دمائهم وأعراضهم.
بعض المنتسبين إلى طبقة (المشايخ) فعلوا الشيء نفسه، استهوتهم السياسة ومناصبها فالتفتوا إلى فتاواهم السابقة، فنقضوها من قواعدها، واستبدلوها بأخرى تتفق مع واقع العصر ومتغيراته ــ كما قالوا!!
السلفيون ــ الذين يوصفون بـ «الجاميين» أحيانا ــ كانوا يقولون: إن الدخول في أي مجلس منتخب هو دخول في مكان لا يحكم أهله بشريعة الله، وبالتالي، فهذا العمل كفر بواح!! لكن التزامهم بهذه الفتوى التي كانوا هم مصدرها زال سريعا، فإذا بهم يتسابقون إلى المجالس التي لا تحكم بشرع الله ــ كما قالوا ــ مجاراة للواقع الذي لا بد منه!!
وقال هؤلاء أيضا: إن الأحزاب بدعة وهم يتبرؤون إلى الله منها!! ثم ما لبث القوم أن دخلوا في البدعة من أوسع أبوابها فأنشأوا أحزابا وتفاخروا بها كثيرا!! وحرم القوم الانتخابات بحجة عدم وجودها في عهد الرسول الكريم وأصحابه، وقالوا: إنها قد تقود إلى الديمقراطية المحرمة التي تساوي بين جميع الناس مهما اختلفت أديانهم ومذاهبهم!! ولكنهم تناسوا هذا التحريم وتداعوا إلى (وقعة الصندوق)، ولم يأبهوا كثيرا بهذا الصندوق الذي قد يأتي بحكومة ليبرالية أو علمانية عليهم أن يسمعوا ويطيعوا لها في كل شيء!!
استغلال الدين في القضايا السياسية تجاوز الفكر السني إلى الفكر الشيعي، فقتل السنة في سوريا والتمثيل بهم أمر مشروع؛ لأنه دفاع عن الإسلام وعن آل البيت ومراقدهم المقدسة!! وقد تكرر الأمر قبل ذلك في العراق وأرى بوادره تعود إلى العراق مرة أخرى، أعرف أن الإسلام بريء من هذا الفكر، كما أعرف أن التسامح ديدن كثير من الشيعة وعلمائهم؛ لكن الجهل والتطرف دفع هؤلاء لارتكاب تلك الجرائم وهم في غاية السعادة؛ لأنهم يطبقون شرع الله ــ كما يظنون. أعرف أن بعض جهلة السنة يفعل الشيء نفسه ودفاعا عن الإسلام وأهله ــ كما يعتقدون!!
إن الفهم غير الصحيح للإسلام هو الذي جعل صاحبه يؤمن أنه وحده على الحق، وأن الآخرين على الباطل، وهذا الفهم هو الذي يقود إلى التطرف وإلى ارتكاب أفعال شنيعة لا تتفق مع مفاهيم الإسلام، مع أن مرتكبها يعتقد أنه يتقرب إلى الله بهذا العمل، كما أن النفاق وحب المناصب هو الذي يجعل البعض يخالف ما كان يعتقده ويفتي به سابقا، ولكي يريح ضميره يجتهد في البحث عن فتوى جديدة تبيح له ما كان يحرمه سابقا.
الذي أعتقده أن المسلم ــ مهما كان منصبه ــ يجب أن يستخدم شريعة الإسلام لإصلاح واقعه، لا أن يجعل الإسلام مطية يركبها لتبرير واقع لا يتفق مع الإسلام.
الدين والسياسة يكمل بعضهما الآخر، ولكن استخدام أحدهما من أجل تطويع الآخر واستغلاله هو أمر يسيء لهما جميعا.

المصدر: صحيفة عكاظ.

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك