العنف الأسري نشخص الداء وننسى الدواء
إذاً فالأب والأم كلاهما شركاء في مسؤولية الرعاية، ومن لطف الله ورحمته وآياته أن جعل الزواج سبيلاً وسبباً للتآلف بين الأزواج، وجعل بينهم مودة ورحمة وسكينة.
وقد وضعت تعاليم ديننا الحنيف أسس التربية الصحيحة، ووصفت للآباء والأمهات سبل التنشئة الطيبة، ولم تدع شاردة ولا واردة إلا ذكرتها.ولكن حين يجنح رب الأسرة عن هدي الإسلام الحكيم في التربية الصحيحة، وتنسى الأم مسؤوليتها التي حملتها في كونها مصدر الدفء والحنان، فهنا تختل الموازين، ويميل مركب الأسرة نحو الغرق، ويتشتت شمل الأسرة، ويصبح أفرادها مصدر قلق واضطراب في مجتمعهم.
إن حوادث العنف الأسري - التي تكشف لنا وسائل الإعلام بعضها بين حين وآخر - ما هي في المقام الأول إلا نتيجة لقلة الوعي من الآباء والأمهات بمسؤوليتهم الأسرية، وجهلهم بأبسط القواعد التي تبنى عليها البيوت.وعلى الرغم من كثرة هذه الحوادث إلى درجة يمكن وصفها بالظاهرة إلا أننا نشخص الداء، غافلين عن أن الدواء في متناول أيدينا، وهو الالتزام بالأسس التي وضعها ديننا في تكوين الأسرة وتربية الأبناء.
وقد يخطئ البعض حين يظن أن المقصود بالعنف الضرب، فالضرب هو نوع من أنواع العنف الأسري، وربما لا يكون أعظمها، فبعض الآباء،وأخصهم بالذكر لأنهم القوامون على أسرهم وهم من يتحملون المسؤولية أولا وآخراً، قد يعمدون إلى تحقير أبنائهم أو حرمانهم من حقوقهم كاللعب والترفيه أو حتى إهمالهم كنوع من العقاب لهم أو لأمهاتهم.وكل هذه الأفعال لا تقود في النهاية إلا إلى الانحراف والجريمة ثم الندم.
إن الإحصائيات والدراسات التي تتناول موضوع العنف الأسري تزودنا بأرقام خطيرة عن تزايد العنف الأسري بشتى أنواعه، وفي رأيي أن من أخطر أنواع هذا العنف هو الموجه ضد الزوجات، فالأم التي من المفترض أن تكون منبع الحنان والحب حين تعيش تحت وطأة العنف تفقد هذا الحنان وهذا الحب، وبالتالي ينعكس ذلك على كل من في البيت، ويتحول الأبناء والبنات إلى أشخاص عدائيين مضطربين، ومن ثم ينقلون هذه العدوى إلى خارج المنزل، وكلنا نعرف ما لذلك من آثار سلبية.
أما الأطفال فليسوا أقل تضررا من العنف، وهم أكثر من يعاني ويلاته ونتائجه، والسبب أنهم بحاجة إلى العطف والحنان والأمان، ولا يعرفون بطبعهم لغة العدوان والقسوة، فإذا ما فقدوا الأمان داخل المنزل اضطروا للبحث عنه خارجه، وهنا تكمن الكارثة التي يغفل عنها كثير من الآباء والأمهات.فالطفل عندما يمارس العنف ضده فإنه يضطر للهرب إلى الشارع محاولا البحث عما افتقده، وللأسف يجد بسرعة من يلتقطه، وهنا تستغل الطفولة بأبشع الصور، حيث يستغل الطفل في التسول والسرقة وفي الشذوذ الجنسي وفي ترويج المخدرات، أو يلتصق بمن لديه فكر إرهابي أو ضال، وبهذا نكون قد فقدنا أحد أعمدة الوطن وأملا من آمال الأمة.وأنا - كرجل أمن - أؤكد على خطورة هذا الأمر وضرورة الالتفات إلى هذه المشكلة وعلاجها قبل وقوعها بمزيد من التوعية وإيجاد دورات تدريبية للمقدمين على الزواج، كما يجب أن يكون هناك مزيد من الرقابة والمتابعة بإيجاد مراكز تهتم بشؤون الأسرة وتتابع قضايا العنف حتى لو وصل الأمر إلى حد معاقبة المسيء، وقبل ذلك كله أدعو الجميع إلى الالتزام بما شرعه لنا ديننا الحنيف من تعاليم سمحة، وما وضعه لنا هدي نبينا الكريم – صلى الله عليه وسلم – في كيفية التعامل مع الزوجات والأبناء، وكلنا نذكر حديثه – صلى الله عليه وسلم – في خطبة الوداع وتشديده على الرجال بأن يستوصوا بالنساء خيرا، كما كان – صلى الله عليه وسلم – يسلّم على الأطفال ويداعبهم ويقبلهم، وقال لمن سأله عن ذلك متعجبا:\"هذه رحمة يضعها الله في قلوب من يشاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء\"، وكان – عليه الصلاة والسلام – يخفف الصلاة حين يسمع بكاء الصبي، ولن نجد أكمل ولا أحسن من هدي الإسلام في بناء الأسر وتربية الأبناء، فهو الدواء لما نشكو منه، وحريٌّ بكل زوج وكل زوجة قبل أن يعقدا نكاحهما أن يقفا على ما جاء من شرع حكيم وهدي كريم في الحياة الزوجية والأسرية، ويلتزما به مهما كانت الظروف، ومهما كانت مصاعب الحياة، وليتذكروا قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :\"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته\".