الشرق العتيق والغرب الساحر

زكي الميلاد

كنت أظن أن المكاشفة التي أشار إليها الكاتب السوري المقيم في باريس هاشم صالح، في مقدمة كتابه (مدخل إلى التنوير الأوروبي) الصادر سنة 2005م، والتي شرح فيها تجربته الفكرية، وما حصل فيها من تحول وانعطاف نفسي وفكري، زمني ومكاني،
وكيف أنه أدار ظهره كليا للشرق العتيق ــ حسب وصفه، وأعلن العصيان على كل ما أسسه منذ نعومة أظفاره، وعد نفسه مثقفا منشقا، إلى باقي تتمة المكاشفة المثيرة للجدل.
كنت أظن أن هذا النمط من الآراء والمكاشفات قد تراجع وتلاشى، ومن دون عودة، ولم يعد له أساس ووجود، بعد كل التجارب التي مرت من قبل على الأدباء والمثقفين في المجال العربي، الذين كانوا على حالة هاشم صالح أو أقل من حالته أو أكثر، ثم تغيروا وتراجعوا، وانتقلوا إلى حالة أخرى مغايرة، وكتبوا عن تجاربهم، وعرفوا بها في كتابات ومؤلفات.
ويكفي النظر في هذا النطاق إلى مصر، التي مرت عليها في أزمنة متعاقبة،
الكثير من هذه الحالات والتجارب البارزة والمهمة، وارتبطت بأسماء لامعة ومعروفة هناك، مثل: منصور فهمي وإسماعيل مظهر وطه حسين ومصطفى محمود، وصولا إلى عادل حسين وعبدالوهاب المسيري،
وليس آخرا مع زكي نجيب محمود وعبد الرحمن بدوي، إلى جانب آخرين في مجتمعات عربية أخرى.
وما يثير الدهشة أن جميع هذه الأسماء، وهذه الحالات والتجارب، يعرفها هاشم صالح عز المعرفة، وليست بعيدة عن ذاكرته، ولا غريبة أو مفارقة عن حالته، ولا هي قليلة الشأن بالنسبة إليه،
مع ذلك لم تمثل له مصدر إنذار وعبرة واتعاظ، وكأنه يعيد ويكرر من جديد الحالات والتجارب التي مرت على أولئك، وغيرت من سيرتهم.
مع ذلك، فقد وجدت أن هناك قدرا من التغير حصل في رؤية صالح،
كشف عنه في مقدمة كتابه (من الحداثة إلى العولمة.. رحلة في الفكر الغربي وأثرها في الفكر العربي) الصادر سنة 2010م، بقوله:
(إني لا أدعو إطلاقا إلى الاستغراب، أو التخلي عن تراثنا العربي الإسلامي العريق، فهو تراثي منذ نعومة أظافري، ولا أستطيع التنفس إلا داخله، إني أموت إذا ما حرمت منه، أو خرجت عنه، كما تموت السمكة إذا خرجت من الماء، فخارج الإسلام واللغة العربية لا حياة ولا أمجاد ولا مستقبل)
.والملاحظ أن الروح التي سرت في هذا الكلام، هي غير الروح التي سرت في مقدمة كتابه (مدخل إلى التنوير الأوروبي)،
ولم يعد هاشم صالح في هذا الكلام، بذلك الاندفاع والانبهار والافتتان، وبتلك المشاكسة والمساجلة والمجادلة التي كان عليها في تلك المقدمة المثيرة للجدل والاختلاف.

المصدر: http://www.amnfkri.com/news.php?action=show&id=22750

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك