تقديم
انطونيو كاسيلّي “Antonio Casilli”:
محاضر في العلوم الإنسانية الرقميّة في جامعة باريس لتكنولوجيّات الاتّصال “Telecom ParisTech” وباحث في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعيّة “EHESS”، وهو متخصّص في علم اجتماع الشبكات.
اهتمّ في بدايات أعماله بتأثير التكنولوجيّات الصناعيّة على متخيّل الجسد، متأثّراً بأعمال دونّا هاراواي “Donna Haraway” وأنطونيو نيغري “Antonio Negri”، ودرس العنف الاتصالي والثقافات الرقمية. وفي كتابه الاتصالات الرقمية. نحو تأنّس جديد؟ يحلّل استخدامات تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات ومدى تأثير ممارسات استعراض الذّات الشّعارات، الصّور، السرديّات المتعلّقة بالسّيرة الذاتيّة على الهياكل الاجتماعيّة ورموز الاتّصال والرأسمال الاجتماعي. وقد تركّزت العديد من دراساته في تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات على مجال الصحّة، واستخدم في ذلك أساليب بحث تجمع بين الملاحظة بالمشاركة واستخدام الأدوات المتقدّمة في العلوم الاجتماعيّة على غرار جهاز المحاكاة المعلوماتي وتحليل الرّسوم البيانيّة.
وقد نشر كاسيلّي عدداً من أعماله لعلّ أهمّها كتابه الاتّصالات الرقميّة، نحو تأنّس جديد؟ الصادر عن دار سُويْ “Seuil” في سبتمبر 2010، وهو كتاب جيّد التوثيق ينمّ على غزارة معارف الكاتب الأكاديميّة ومدى ثراء تجربته الشّخصيّة. ولعلّ أهمّ ما في هذا الكتاب، أنّ كاسيلّي يقوم فيه بتفكيك ثلاث أساطير شائعة حول الإنترنت. فهو يبيّن أنّ الواقعي والخائلي غير متمايزين كما يُشاع، بل متداخلين؛ ويوضّح أنّ الآثار التي يتركها الحاسوب على أجسادنا إنّما هي وسيلة تعبير وتحقيق استقلال الذات، أي استراتيجيّاتها؛ ويؤكّد أنّ تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات لا تفكّك أواصر الاجتماع بل هي تعيد تشكيل نمط وجودنا في المجتمع.
وقد اخترنا ترجمة هذا الحوار الذي صدر له في صحيفة لوموند الفرنسيّة بتاريخ 10 سبتمبر 2010 والذي تركّز على مناقشة دور تأنّساتنا الرقميّة والواقعيّة ومكانتها، من أجل فهم أفضل لطريقة تمفصلها وتداخلها، كي تصنع مجتمعاً. وقد قمنا تسهيلاً على قارئنا، بالتّعليق على بعض ما يستحقّ التوضيح في الهوامش.
نصّ الحوار
لماذا اكتسبت الحواسيب مكانة حميميّة أساسيّة في حياتنا؟
أدّى تصغير الحواسيب الفائق وقد قام دانيال بيلّ Daniel Bell بتحليل هذا الأمر (1) إلى أقلمتها مجدّداً، ممّا أتاح لها أن تندمج تدريجيّاً في الفضاء المنزلي. فالتّغيير الأوّل الذي أدّى إليه التصغير أصاب الفضاء المادّي، حيث تغيّر ترتيب الغُرَف والأثاث مع وصول هذا الجهاز المنزلي الجديد، وكان لا بدّ من تخصيص حيّز له كما خُصِّص من قبل حيّزٌ لجهاز الراديو أو لجهاز التلفزيون. ولكنّ التغيير لم يمسّ الفضاء المنزلي فحسب، بل طال أيضاً الفضاء التكنولوجي للمنزل مع دخول معدّات تفوق جميع ما سبقها من حيث المحتوى التكنولوجي الذي بات يسمح بالقيام بكلّ شيء تقريباً تشغيل الموسيقى، مشاهدة الأفلام، اللعب، التواصل، الخ.
كما أدّت تلك المعدّات أيضاً إلى إعادة تشكيل الفضاء الاجتماعي. فمع دخول أجهزة الحاسوب الأولى إلى المنازل، أحسّ عدد من الآباء والأمهّات بارتفاع رأسمالهم الاجتماعي والثقافي. كما مثّل الحاسوب لـ“أطفال الحاسوب” خلال ثمانينات القرن الماضي، فرصة لتحقيق استقلاليّتهم عن ذويهم، أو لنقل إعادة النظر في الدور الذي كانوا يضطلعون به داخل الأسرة.
وجاء الحاسوب المحمول كي يمدّ في زخم عمليّة التصغير وإعادة التأقلم. لقد أضحى الحاسوب الآن أكثر التصاقاً بأجسادنا، وكثيراً ما يكون المحمول على أفخاذنا أو يحتكّ بأوراكنا متدلّياً من محفظته التي تُثقل أكتافنا، بحيث أضحى من سمات المستخدمين الجسديّة. لقد أصبح مثل هذا التحليل الآن مبتذلاً، إذ سبق لبروس ستيرلينغ “Bruce Sterling” أن توقّع منذ ثمانينات القرن الماضي في مقدّمة كتابه مختارات البونك الخائلي (2) مثل هذا الأمر من خلال مراقبة الأجهزة النقّالة الأولى، والعدسات اللاصقة الأولى... لقد غزت الآلة أجسادنا واستقرّت على حدود جلودنا.
أشرت في كتابك إلى أنّ التكنولوجيات الجديدة للمعلومات والاتّصالات أضحت وسيلة تأنّس “متمّمة” لتأنّس المواجهة والمشاركة الاجتماعيّة، ولا تحلّ محلّه. ومع ذلك فإنّ هذا التأكيد لا يزال قاصراً عن إقناع جميع الناس. فكثير منهم، على سبيل المثال، لا يزال يعتقد أنّ الاستغراق في الحديث على الهاتف المحمول أثناء التسوّق أو في وسائل النقل العمومي قد أدّى إلى إنهاء التبادلات التي كنّا نقيمها سابقاً في تلك الأوقات وتلك الفضاءات.
لم أكتب هذا الكتاب من أجل الإقناع، بل من أجل تحويل وجهة البحث الذي لا يزال متوقّفاً عند لحظة الاستقطاب بين ثنائيّة الولع بالتّكنولوجيا والخُواف التكنولوجي. ولفهم ما إذا كانت أشكال التواصل الجديدة بصدد الحلول محلّ أشكال التبادل “الأصيلة”، يجب علينا أن نفهم ماذا نعني بالأصيل.
إنّنا نعيش في بيئة بمساعدة آلات تقوم بتغيير شكل علاقاتنا الاجتماعيّة. لقد أضحينا لا نقتصر خلال الندوات العلميّة على تبادل كلمات “رسميّة” فحسب، بل نتبادل كذلك كلمات أخرى عن طريق الإنترنت، وهو ما يُتيح استعادة أشكال تواصل أصيلة، قادرة على حفر أنفاق تحت واقعنا. إنّنا نتبادل رسائل بريد إلكتروني ورسائل نصيّة ورسائل فوريّة أو تغريدات، لديها قوّة عاطفيّة لافتة للنّظر، وفي زمن واقعيّ، وقد تفوق أهميّتها أشكال التواصل الواقعي الأكثر تحضّراً.
وتساعدنا هذه التكنولوجيّات على التحكّم في “تموقعنا الاجتماعي” بشكل أفضل، ويوجد طموح لاستخدام التكنولوجيا التي تذهب في هذا الاتّجاه، بقصد تخفيف وطأة تموقعنا الأوّلي لصالح تموقع اختياري.
وهذا هو الرهان الأكبر لمسألة الولع بالنّظير “Homophilie”. ففي علم الاجتماع، يتمثّل الولع بالنّظير في خطاب يتّصف بالحتميّة ومفاده أنّنا نميل إلى من نتشارك معهم في أشكال تكامل تتعلّق باللّغة والجنس والمستوى الثقافي أو العرق... ولطالما كان الاعتقاد سائداً في دراسة الصداقة بوصفها عمليّة اجتماعيّة، أنّ النّاس يطوّرون صداقتهم حسب الجنس، وحسب البيئة الجغرافيّة والاجتماعيّة، وما إلى ذلك. إلاّ أنّنا توصّلنا مع الإنترنت إلى إنشاء مجالات أفضل للتحكّم في ذلك التموقع.
وبالطّبع، فإنّ أعمالي في مجال علم الاجتماع المعلوماتي ترتكز على تحليل الولع بالنّظير من أجل فهم ما إذا كان لهذه الخصائص المشتركة تأثير على خلق روابط في الشبكات الاجتماعيّة، مثل الفايسبوك، وبغرض فهم ما يحدث حين نتحدّث عن التموقع الاجتماعي، وعن البنية الاجتماعيّة. ومن هنا، أنتجتُ نموذجاً متعدّد الفاعلين “multiagent” قادر على الجمع بين شبكات الصداقات. والمهمّ في هذا، هو أن نرى كيف يمكن لهذا النموذج أن ينتج دوماً، ومهما كان المؤشّر المستخدم، نتيجة هامّة مفادها أنّ الولع بالنّظير لا دور له، أو أنّه يلعب على الأقلّ، وفي جميع الحالات، دوراً أقلّ بكثير ممّا تلعبه الخصائص الثقافيّة والخبرات أو الأذواق الظاهريّة، كما سبق أن شرحتُ في الدراسة التي أنجزتها مؤخّراً مع باولا طوبارو “Paola Tubaro”(3.
وعلى سبيل المثال، فقد أظهرت دراسة أنجزتها حول شبّان مدونّين ديمقراطيّين أقاموا حفل تعارف في مدينة باسادينا “Pasadena” في كاليفورنيا، وجوداً بدهيّاً للولع الشديد بالنّظير بين المشاركين: لقد كانوا في نفس العمر، وينحدرون من نفس البيئة الاجتماعيّة، ولديهم نفس الاهتمام السّياسي... رغم أنّ مدوّناتهم الخاصّة تسمح لهم بالانفتاح على فضاء عامّ أكثر رحابة، إذ تسمح لهم ممارساتهم بالوصول إلى شرائح من النّاس كانوا سيفشلون حتماً في التقائهم في مجتمع شديد التشظّي على غرار مجتمع جنوب كاليفورنيا.
حسب رأيك، فإنّ خلق مساحات مشتركة حميميّة مدعومة بأجهزة الحاسوب، قادر على تغيير العلاقات الإنسانيّة. وأنت تشرح في كتابك أنّ التكنولوجيّات الجديدة تخلق “التزاماً حميمّاً منتشراً، قد يكون في نهاية المطاف أشدّ تخريباً أو أكثر عمقاً من الالتزامات النضاليّة القديمة”. فيم تتميّز الحميميّة بأنّها “أعمق” من الالتزام النضالي القديم؟
هذه التكنولوجيّات هي مجرّد ذرائع ثقافيّة. لأنّ ما نتحدّث عنه هو، في نهاية المطاف، عمليّات اجتماعيّة وتفاعلات اجتماعيّة مدعومة بالحواسيب.
أمّا مسألة الالتزام الشخصي والمنتشر، فتعود إلى ستّينيّات القرن الماضي، حين بدأ امتزاج الالتزام السياسي بالالتزام الشخصي. وقد كانت ولادة الحركة النسويّة، أو حركة ماي 1968، أو إن شئنا الحركة العماليّة من أجل الاستقلال، هي من تبنّى هذه العناصر وكرّسها في نضاليّة يساريّة ثوريّة لم تكن تبحث عن القيام بمظاهرات قدر البحث عن تشويش الحياة اليوميّة. لذا، فإنّه ليس من قبيل المصادفة أن تشهد هذه البيئات النسويّة، وجماعات الهيبي، والفوضويّة الماركسيّة... ظهور أولى تجارب التكنولوجيّات المطبّقة على النشاط النضالي، كما هو الحال عند جماعات “ذاكرة المجتمع” “Community Memory” في كاليفورنيا(4)، والمناضلات النسويّات على الإنترنت، وصولاً إلى بعض منظرّي الماركسيّة المستقلّة على غرار فرانكو بيراردي “Franco Berardi”.
وقد أثّرت هذه الأشكال الجديدة من الالتزام السياسي بعمق في نحت أشكال الالتزام السياسي التي بتنا نعرفها الآن، وذلك بإدخال الاهتمام بالجانب الإعلامي وعمليّات إسقاط الرغبات والتوقّعات والمشاعر... مبتعدة عن الالتزام التقليدي المنحصر في المشاركة في مظاهرات ورفع شعارات، ثمّ العودة إلى المنزل. لقد كانت الحياة في حركات النضال التقليديّة، مجزّأة، مثل البيضة التي لا تخلط محّها بآحها. لقد كان اليوم مقسّماً إلى ثماني ساعات للعمل، وثماني ساعات للرّاحة، وثماني ساعات للنّشاط السياسي. أمّا اليوم، فقد أضحى جميع ذلك متراكباً.
هل العلاقات الاجتماعيّة المتواسطة من خلال المعلوماتيّة بسيطة؟ نحن نعرف أنّ الحاسوب يغربل العلاقات الإنسانيّة ويعدّلها، لكنّنا غالباً ما نعتقد أنّ قطع الاتّصال يكفي لاستعادة السيطرة. و“الحلول التكنولوجيّة تغدو حلولاً اجتماعيّة” كما تقول. لدينا انطباع بأنّ المجتمع يتلاشى وراء التكنولوجيا...
أنا أقول هذا بصفة خاصّة من أجل الإشارة إلى ما يقوله بعض الناس الذين لم يمكنهم بعد التحكّم في علاقتهم بالتّكنولوجيا. فكلّما وجب عليهم إيجاد حلّ لمشاكلهم الاجتماعيّة، إلاّ واستبدلوه بحلّ تكنولوجي: إنّهم يقطعون الهاتف بدلاً من رفع السمّاعة والإجابة.
وفي الواقع، فإنّ الأمور أكثر تعقيداً. فالحلّ التكنولوجي والحلّ الاجتماعي يتداخلان ويثيران اللبس، كما في حالة قطع الصداقة في الفايسبوك. فكلّما قطع شخص صداقته بشخص آخر، فإنّ ذلك يبدو لنا بمثابة إهانة لشخصه، في حين أنّ هذا الأمر قد يعود إلى مجرّد خطأ أو بسبب إعادة تنظيم الصفحة الشخصيّة. إلاّ أنّ ذلك يؤثّر علينا لأنّنا نُسْقِط على شيء تكنولوجي، مجموعة رغبات ذات طابع اجتماعي. إنّنا نرغب في التقرّب من السيّد فلان أو السيّدة فلانة من خلال إسقاط تلك الرغبة على ارتباط رقميّ.
هو ارتباط لامتناظر في الغالب...
نعم، قد يكون في العديد من الشبكات الاجتماعية لامتناظراً، وهذا متغيّر لا بدّ من أخذه بعين الاعتبار في هذا النوع من التفاعل. وسأقوم في المدّة القادمة بمقاربة هذا الاختلال في علاقة الإعجاب أو الشهرة الصغيرة “microcélébrité”. فبفضل هذا النوع من الوسائط الإعلاميّة، وعلى غرار تلفزيزن الواقع، يخلق الناس بؤر شهرة تولّد سلسلة طويلة من العلاقات الإنسانيّة. لقد أضحى بإمكاننا اليوم أن نكون من محبّي زميل لنا في العمل كما كنّا في تسعينات القرن الماضي من محبّي أحد المشاهير.
كما تثير العلاقة الرقميّة أيضاً مسألة التحكّم في الهويّة. فإلى أيّ مدى يتماثل هذا الزميل الذي نعاين ما ينشره من صور على موقع فليكر Flickr، وما يستمع إليه من موسيقى على موقع ديزر Deezer، وما ينشره من تعليقات على الفايسبوك، مع الصورة التي يرى بها نفسه؟ توجد سيميائيّة كاملة للهويّة على الإنترنت، على ما تُشير فاني جورج (Fanny George(5، تمرّ عبر التحكّم في مسرحة الذات، والتلاعب بين الهويّة المعروضة والهويّة المحسوبة. وتحديداً، فإنّ مسألة الخصوصيّة على شبكة الإنترنت إنّما تُطرح في العلاقة الجدليّة بين الهويّة المعروضة والهويّة المحسوبة. فالخصوصيّة ليست كُلاًّ أكون فيه إمّا شفّافاً وإمّا معتَّماً تجاه الآخرين: توجد طبقات من الشفافيّات، وجوهٌ أودّ إظهارها لبعض الناس، وأخرى لغيرهم.
وفي هذه العلاقات تنخرط الحياة الخاصّة. فمثلما يوضّح عالم الاجتماع الأمريكي إيروين ألتمان Irwin Altman، وهو رائد نظريّة ضبط الحياة الخاصّة، فإنّ الشرخ القائم بين الحياة الخاصّة والحياة العامّة ليس صريحاً ونهائيّاً، بل هو يبرز في تفاصيل صغيرة بين كلّ علاقة. وتنفجر أزمات الحياة الخاصّة حين نكشف لفلان ما نتقاسمه مع علاّن.
حين تقارن مثلاً بين مجتمع فاقدي شهوة الطعام “Anorexiques” المرتبطين عبر الإنترنت وبين مجتمع فاقدي شهوة الطعام غير المرتبطين بها، نجدك تقول إنّ “المجتمع المرتبط عبر الإنترنت هو أكثر تطرّفاً، وأفضل تنظيماً، وأكثر التحاماً اجتماعيّاً”. ما هي السمات الفارقة بين مجتمع واقعي ومجتمع افتراضي؟
الفرق بين المجتمعات المؤيّدة للآنا Pro-ana مؤيّدي فقدان الشهيّة (6) على الانترنت والمجتمعات غير المرتبطة عبرها، يستند أساساً على حقيقة أنّ هؤلاء الناس، خارج الإنترنت، كانوا في حكم المعدومين اتصاليّاً. فقد كان فاقد الشهيّة قبل بروز الإنترنت، في وضعيّة يتمّ فيها إضفاء الطابع المؤسّسي على علاقاته مع المرضى الآخرين، لأنّه نزيل المستشفى أو يعاني أعراضاً لا تسهّل ربطه علاقات مع الآخرين. ومع شبكة الإنترنت، أضحى بإمكان فاقدي الشهيّة التعرّف على أشخاص في حالات مماثلة، وباتوا قادرين على تبادل الخبرات معهم.
بل إنّ هذه التبادلات قد تنتهي بخلق ثقافة فرعيّة متطرّفة في مظاهرها: تبادل الأغاني المؤيّدة للآنا، ومنتجات استهلاك يوميّة مثل معجون أسنان أكثر قدرة من غيره على إخفاء ما يلحق الأسنان من ضرر بسبب التقيّؤ المتكرّر. ويتمّ تبادل المعلومات من خلال منتديات تساهم في إنشاء قاعدة معارف مباشرة قائمة على تبادل الممارسات. وهكذا يمكن للمرء أن يتعلّم كيف يكون فاقد شهيّة جيّد أو نُهاميّ (Boulimique (7 جيّد على شبكة الإنترنت، مع التمتّع بالإدراج ضمن تصنيفات ودرجات...
فشبكة الإنترنت لا تفكّك أواصر الاجتماع بقدر ما تعيد تشكيل طريقة تأنّسنا. لقد ظلّت الحاشية والعائلة والعيادة لفترة طويلة المرجع الوحيد لفاقد الشهيّة في مواجهة المرض. أمّا الآن، فقد أضحى فاقد الشهيّة على اتّصال مع فاقدي شهيّة آخرين، وأضحت المجتمعات متعدّدة الأبعاد، أي أضحى لها في نفس الوقت وجود واقعي ورقمي.
الهوامش:
النصّ الأصلي للحوار:
Hubert Guillaud, « Entretien avec Antonio Casilli : Le Web ne désocialise pas plus qu’il n’hypersocialise », Le Monde, 10 septembre 2010.
1 - Bell (Daniel), « Teletext and Technology: New Networks of Knowledge and Information in Post-Industrial Society », Encounter, April 1977, pp. 9–29.
2 - Sterling (Bruce) & Shiner (Lewis ), « Mozart in Mirrorshades », in: Mirrorshades: A Cyberpunk Anthology, Ace Books, New York, 1988.
3 - Tubaro (Paola) & Casilli (Antonio), « Légitimation intersubjective de la présence en ligne et formation de réseaux sociaux : Une approche ethno-computationnelle », II Journées d’études du RT 26 (Réseaux sociaux) de l’Association Française de Sociologie « Les réseaux sociaux: quoi de neuf ? », 16-17 mars 2010, Université de Toulouse II – Le Mirail.
4 - ذاكرة المجتمع (Community Memory): هو أوّل نظام لوحة إعلانات محوسبة في العالم. رأى النور سنة 1973 في جامعة بيركلي في كاليفورنيا. وهو نظام حاسوبي يُمكّن المستخدمين من الاتّصال فيما بينهم باستخدام محطّات طرفيّة. وقد مكّن هذا النظام لأوّل مرّة في التاريخ من تحميل برامج وبيانات وإرسالها، وقراءة الأخبار والنشرات، وتبادل الرسائل مع مستخدمين آخرين.
5 - George (Fanny), « Représentation de soi et identité numérique : Une approche sémiotique et quantitative de l’emprise culturelle du web 2.0 », Réseaux, n° 154, 2009, pp. 165-193.
6 - الحركة المؤيدة للآنا: حركة تضمّ أشخاصاً يزعمون أنّ فقدان الشهيّة العصبي (l’anorexie mentale) ليس مرضاً، بل هو بالأحرى أسلوب حياة. وينشر أعضاء هذه الحركة أفكارهم بشكل رئيسي على شبكة الإنترنت، من خلال المنتديات أو المدوّنات. وقد تطوّرت هذه الحركة بخاصّة منذ بداية القرن الحالي، وهي تتألّف في معظمها من النساء، إذ أنّ فقدان الشهية العصبي يشمل النساء في تسعة أعشار الحالات. ويحمل مؤيّدو الآنا عادة سواراً أحمر في معاصمهم اليمنى، على أن يتخلّله لون أرجواني إذا كان الشخص علاوة عن ذلك نُهاميّاً. وقد أدّت التغطية الإعلاميّة الواسعة للحركة المؤيّدة للآنا إلى تعرّف الجمهور العريض على مشاكلها وبالتالي اهتمام المنظمّات الصحّية بقضيّتهم.
7 - يمثّل النُّهام أو الشَّرَه المرضي (boulimie)، إلى جانب فقدان الشهيّة، أحد أشدّ أشكال اضطرابات الأكل حدّة. وتتميّز نوبة النُّهام بإحساس المريض برغبة لا يمكن السيطرة عليها في تناول الطعام دون الشعور بالجوع بالضّرورة. وغالباً ما يتبع ذلك شعور قويّ بالغضب أو كراهيّة الذات. وقد يلتجئ النُّهامي إلى بعض الممارسات بهدف تثبيت وزنه، مثل تحفيز القيء واستخدام المسهلاّت ومدرّات البول، والإفراط في ممارسة الرياضة والتقيّد بحمية غذائيّة صارمة.
المصدر: http://alawan.org/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D8%AA%D8%B1%D9%86%D8%AA-%D9%8...