الدجل الديني .. العبادات النيابية مثالاً
- احمد الكناني
-
عنوان المقال مقتبس مما تألف عليه فقهاء الشيعة من ابراز مقدرتهم الاجتهادية وابداء وجهات نظرهم المختلفة مع بقية الفقهاء وتدوينها بشكل تعليقات على متن الرسالة العملية للسيد كاظم اليزدي المسماة بالعروة الوثقى، وهذا العنوان ستدخل تحته مجموعة من المواضيع المختارة ذات الطابع النقدي للتشريع الاسلامي كنت قد دونتها في سالف الايام عندما كنت ادرس الفقه، وقد حان الوقت لنشرها، علها تساهم في ترسيخ الوعي لواقع الدين في حياة الناس لئلا يقعوا فرائس لتجار الدين .
الموضوع الاول يتناول مسألة العبادات الاستأجارية او النيابية، وهذه المسألة بالذات تدر ارباحا لا يستهان بها للفقهاء، ولا اقصد طلبة العلوم الدينية ممن يعتاشون على هذه العبادات، وما اقصده جباة الاموال والوكلاء المعتمدون لدى المراجع الدينية عندما يجولون البلدان بحثا عن صيد سمين، وتمثل مراسيم اداء فريضة الحج والعمرة لهؤلاء موسم الحصاد ينتظرونه طوال العام ليجنوا من خلاله ما يكفيهم من الارباح الى حين حلول موسم الحج القادم ومن دون بذل اي جهد يذكر سوى تذكير الزبائن البسطاء بخطورة ما يقترفوه تجاه الاباء اذا لم يؤدوا عنهم ما فاتهم من الصلوات والصيام والحج، وبأمكانهم انقاذ هؤلاء الاموات من عذاب جهنم ان هم بذلوا مقدارا من الاموال للنيابة عنهم في اداء الفرائض . وبالطبع سيكون الدفع بالريال السعودي .
و عند العودة الى الديار ستوزع هذه العبادات على البؤساء من طلبة الحوزة بالدينار العرقي او بالتومان الايراني وبثمن بخس دراهم معدودة، والقسم الاعظم سيصب في حساب هؤلاء الجباة حلالا طيبا.
و اخيرا ابتدعوا طريقة عصرية تعتمد التكنولوجيا الحديثة بالاستفادة من شبكة الانترنيت، حيث يضعوا رقم الحساب البنكي وتعرفة العبادات بالدولار الامريكي، وللتسهيل على الزبائن وضعوا خيار الدفع ببطاقة الائتمان "Credit Card"، وما عليك الا ان تدفع رسوم العبادة من الصوم او الصلاة بالفيزا كارت، وستبرأ ذمة الميت ان شاء الله تعالى .
و اليك نموذج من هذه الطريقة :
موقع الشيخ محمد تقي الذاكري
اجرة الصلاة والصيام للعام الواحد600$ مع صلاة الايات
اجرة الصوم لشهر واحد 250$
اجرة الصلاة (من دون صيام )350$
لتأجير شخص مطمئن يمكنكم دفع المبلغ عبر الكريدت كارد (اضغط على مفتاح المساهمات المادية)
كما يمكنكم ارسال شيك بالمبلغ (بعد التنسيق معنا) على العنوان التالي
" العنوان في الولايات المتحدة الامريكية "
للوقوف على هذا الاعلان يراجع الرابط التالي :
http://www.alzakery.com/index.php?option=com_content&view=article&id=30&Itemid=95
لكن السؤال ان هذه العبادات الاستئجارية هل لها اصل في التشريع الاسلامي او لا ؟
فلنرجع الى الادلة الشرعية ونتحرى الجواب عن السؤال المتقدم .
يبدو ان مسألة الاستئجار في العبادات لم تكن مطروحة اصلا في كتب الفقهاء قديما، ولم تكن متداولة عندهم كما هو الحال اليوم، وانما هي من ابداعات الفقهاء المتاخرين . صرح بذلك صاحب الذخيرة ـ وهو من اعلام فقهاء الامامية ـ كما نقل عنه السيد الحكيم في مستدرك العروة الوثقى (١):
قال في الذخيرة :" لم اجد تصريحا به في كلام القدماء، ولم يكن ذلك (اي الاستئجار في العبادات) مشهورا بينهم قولا ولا فعلا، وانما اشتهر بين المتأخرين ".
و لذا عبر عنه السيد الحكيم بأنه " مشهور بين المتأخرين "
و هذه الشهرة المتأخرة لا اعتبار لها كما هو المحقق في اصول الفقه، والعبرة في شهرته عند القدماء وهي غير متحققة .
فهل معنى هذا ان المسألة لا دليل عليها في اصل التشريع ولذا لم يتطرق اليها القدماء من الفقهاء، او ان الدليل موجود لكنه غاب عن القدماء واكتشفه المتأخرون؟
احتمالان ...
هنالك مجموعة من الروايات عن ائمة اهل البيت تتعرض لهذه المسألة صنفها الحر العاملي تحت عنوان "باب استحباب التطوع بالصلاة والصوم والحج وجميع العبادات عن الميت، ووجوب قضاء الولي ما فاته من الصلاة لعذر"، من ابواب قضاء الصلوات، في كتابه " وسائل الشيعة، اعتبرها الفقهاء المتأخرون ادلة على صحة الاستيجار في العبادات .
سأناقش اول رواية في المجموعة واترك البقية الباقية لانها لا تخلو من الاشكالات السندية مما يجعلها ساقطة من الاعتبار .
الراوي لهذه الرواية محمد بن يعقوب الكليني صاحب كتاب الكافي يرويها عن" عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد بن خالد عن محمد بن علي عن الحكم بن مسكين عن محمد بن مروان قال : قال ابو عبد الله (ع): ما يمنع الرجل منكم ان يبر والديه حيين وميتين، يصلي عنهما ويحج عنهما ويصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك فيزيده الله عز وجل ببره وصلته خيرا كثيرا ".
الرواية تبتدأ" بعدة من اصحابنا " وعدة الكليني كما يسمونها في كتب الرجال والتراجم هي مجموعة من الرواة ينقل عنها الكليني يتصدرها علي بن ابراهيم صاحب تفسير القمي وهو احد اعلام خط الغلو في المذهب الشيعي وتفسيره شاهد على ذلك، فالرواية من حيث السند ظاهرة البطلان .
اما من حيث الدلالة والمفهوم فانها مخالفة للقواعد الفقهية المتسالم عليها وهي الصلاة والصوم والحج عن الوالدين حيين وميتين، ولم يقل احد من الفقهاء بأداء العبادات عن الاحياء .
و لعل اعراض قدامى الفقهاء عن هذه الادلة لعدم تماميتها وصلاحيتها كأدلة على الاستيجار في العبادات .
و منهم من صرح بعدم وجود النص، او ان النص وارد في الحج ولا يصح تعديته الى باقي العبادات، كما نقلت اقوالهم المدونات الفقهية، ولا داعي للاطالة ...
دع عنك كل ذلك ولنفترض ان الادلة قائمة على صحة العبادات النيابية، لكنها تخالف المنطق السليم، فلو فرضنا ان شخصا غنيا لم يسجد لربه قط، وشخصا اخر بائس افنى عمره في عبادة الله توفي في مرض موته وفاتته بعض الصلوات لذلك، هل معنى ذلك ان يدخل الاول الجنة اذا وجد من ينوب عنه في العبادات من ماله، ويدخل ذلك البائس المسكين النار لعدم وجود من ينوب عنه . اين عدالة الله
و دع عنك هذا وذاك، فالواقع يثبت من دون ادنى شك ان العبادات الاستيجارية تثير جشع جباة الاموال من وكلاء المراجع الدينية مما يسئ الى الدين كله، اليس هذا كاف للردع عن ابتزاز اموال الناس والاسقواء بها على الضعفاء .
....................
المصادر:
(١) محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ط 1404 هجري نشر مكتبة المرعشي النجفي،ج7 ص105
(٢)الحر العاملي، وسائل الشيعة،كتاب الصلاة، ابواب قضاء الصلوات، الحديث 10647
المصدر: http://mail.almothaqaf.com/index.php/tanweer/76851.html