الجامعة الإسلامية وحوار أتباع الأديان والثقافات

سعد البلوي

الدور المهم الذي حملته مبادرة خادم الحرمين للحوار بين أتباع الأديان والثقافات فرصة كبيرة لنشر ثقافة الحوار الإنساني، لما يمثّله الحوار من حالة فريدة تتيح للبشر التواصل الطبيعي إلى علاقة سوية متجاوزة لأزمة "الاختلاف"

بداية، تجدر الإشارة إلى جهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز التاريخية في تكريس الحوار المحلي والعالمي، والتي انطلقت منذ أكثر من سبع سنوات بإنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وما أعقب ذلك من مبادرات ولقاءات انتهت إلى الإعلان عن إنشاء مركز عالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في العاصمة النمساوية فينا.
وانطلاقاً من هذا الفعل التاريخي المهم، نظمت الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة يوم الثلاثاء الماضي "الندوة الدولية الثانية لمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات" في العاصمة الإندونيسية (جاكرتا) بالتعاون والتنسيق مع مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، والجامعة الإسلامية الإندونيسية، وذلك بعد أن أقيمت الندوة الأولى العام المنصرم في العاصمة الماليزية (كوالالمبور).
وانطلاق هاتين الندوتين هو محاولة جيدة للتعريف بهذه المبادرة المهمة التي سبق أن أعلنها خادم الحرمين الشريفين وأخذت طريقها لأرض الواقع من خلال إنشاء مركز عالمي للحوار بين أتباع الديانات والثقافات، ولذلك أشار معالي مدير الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الأستاذ الدكتور محمد العقلا أن الندوة تأتي تأكيداً للجهود الخيِّرة لخادم الحرمين الشريفين في ترسيخ مبدأ الحوار، وأن ما عاشه العالم طوال قرون ماضية من حروب ونزاعات وصراعات دينية وإساءات لرموز الديانات السماوية وأنبيائها وكتبها، هو نتيجة لغياب النظرة الهادئة والتعامل الحكيم الذي يضع في مبادئه أن ثمة قواسم مشتركة تلتقي عندها كافة الأطراف المختلفة.
كما أكد معالي الأستاذ فيصل بن معمر، الأمين العام لمركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، بأن المركز انتقل فعلياً من مرحلة التنظير إلى مرحلة التطبيق.
ومن جانبه أكد معالي وزير الشؤون الدينية في الجمهورية الإندونيسية الدكتور الحاج سوريا درما، على أن الحوار هو الطريق الصحيح للتعايش والسلام، ومثّل لذلك بموقف حواري طويل حدث له مع رجل دين بوذي في دولة أخرى، انتهى الحوار إلى قناعة كل طرف بقبول الاختلاف الديني للطرف الآخر.
وربما أن هذه الندوة-وسابقتها- تتيح للمتأمل أهمية وجود الحوار في حياة الشعوب، فحالات الاختلاف لا تتعارض مع حالة التعايش والسلام، وقد تحقق هذا الأمر بشكل ملحوظ لأهم دولتين ذواتي أغلبية مسلمة في قارة آسيا التي هي أكبر القارات وأكثرها سكاناً، فرغم الاختلافات والتعددية التي تعيشانها في الاثنيات والأديان والطوائف والثقافات، كان بإمكان المجتمع التوصل إلى حالة إنسانية من التعايش والسلم أساسها قبول الاختلاف الديني والاثني والثقافي.
وربما لم يكن الأمر كذلك فقط، بل تجاوزه إلى الاتحاد الاجتماعي حول نقطتين رئيستين: الأولى هي تركيز أفراد الشعب على "المواطنة"، فهم يبنون بلدهم ويناضلون لصناعة مستقبل أفضل. والنقطة الأخرى- وهي الأهم ربما- أن السلم والتعايش لا يتحققان من دون قناعات راسخة لدى أتباع الأديان والثقافات أنفسهم بأن لديهم حقوقا وعليهم واجبات وطنية وإنسانية يفترض الاتفاق حولها.
ولذلك يمكن القول إن الدور المهم الذي حملته مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والثقافات هو في قيمتها الإنسانية العالمية التي هي تكون فرصة كبيرة لنشر ثقافة الحوار الإنساني ودعم السلم العالمي بين الشعوب، لما يمثّله الحوار من حالة إنسانية فريدة تتيح للبشر التواصل الطبيعي إلى علاقة سوية متجاوزة لأزمة "الاختلاف" بينهم.
إلا أن توجيه المنطلقات الدينية والثقافية والفكرية نحو اتجاهات عنصرية يوجِد أتباعاً عنصريين كارهين لديانات وثقافات غيرهم؛ ليؤدي الأمر بالتالي لمزيد من الكراهية والإلغاء، المؤدي إلى تكريس وهم التفوق، والذي يؤدي بدوره إلى محاولة تحقيق هذا الوهم بإلغاء الآخر المختلف من الوجود، واستمرار الكراهية يهدد فرص التعايش والسلام في المجتمعات في العالم اليوم الذي زالت فيه الكثير من الحواجز الثقافية.
من هنا يكون البحث عن المواقف الإنسانية التي جسدها دين ما أو ثقافة معينة- بعيداً عن الخطابات الأيديولوجية المتشنجة- مهماً لاستمرار هذا التعايش، إذ لا يستطيع البشر غرس بذرة الحوار ما لم يكونوا قادرين على التحاور مع ذواتهم بقدر تحاورهم مع الآخرين، وما لم يكونوا قادرين على مواجهة اختلاف الثقافات بالإيجابية والتقبل والاحتواء، فاليوم لا يستطيع الإنسان الاختباء والانعزال في عالم يعيش داخله.

المصدر: http://www.amnfkri.com/news.php?action=show&id=23076

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك