حوار الثقافات.. فكرة إيرانية
حوار الثقافات.. فكرة إيرانية
محمد ناصري - طهران
إن حوار الثقافات - كما يبدو من اسمه - يعني حوار المثقفين - قبل غيرهم - من الشعوب المختلفة ذات الحضارات المتنوعة، وعبر طرح هذه الأداة يحاول طارحوها التقريب بين الشعوب التي مزقتها السياسات المتعارضة المبتنية على المصالح المادية غالبًا. ومن هذا المنطلق فإن المثقفين هم نجوم هذا الحقل، ولهم دور رئيس بصدد الحوار بين الشعوب.
إن نظرية حوار الثقافات أو الحضارات التي أصبحت حديث اليوم، ويُتحدث عنها في المحافل الدولية، طرحها محمد خاتمي رئيس الجمهورية الإيرانية في سبتمبر عام 1997 خلال كلمة ألقاها في المجمع العام للأمم المتحدة، وهي تبتني في الحقيقة على خلفية نظرية "تصادم الحضارت"، التي كانت طرحت قبلها بعام بواسطة "ساموئل هانتينغون" الخبير السياسي الأمريكي المعروف أستاذ العلاقات الدولية في إحدى المقالات الشهيرة.
خاتمي وفكرة حوار الحضارات
أولاً: ظروف المسلمين:
ما دفع محمد خاتمي لطرح حوار الحضارات والثقافات يتمثل في الظروف الضيقة على المسلمين وما يجري عليهم من مجازر وانتهاكات لحقوقهم في كل مكان، والغزو الأمريكي تحت اسم العولمة بعد زوال التعادل الدولي، وأسباب أخرى داخلية في إيران…
يقول الأستاذ "زيبا كلام" أستاذ جامعي إيراني شهير: إن ما سبب أن تفتح نظرية حوار الثقافات طريقها إلى إيران هو وجود تيارات سياسية وفكرية في داخل البلد والتي تعتقد بتنوع وتضارب الثقافات.."، مشيرًا إلى أن إيران كانت تفتح أحضانها للتعايش السلمي بين شتى التيارات السياسية والدينية..
ثانيًا: تقريب بين المسلمين:
ويرى الآخرون أن "محمد خاتمي" شخصية فلسفية علمية أكثر منه سياسية؛ ولذلك وعندما قصد زيارة اليابان في أواخر شهر أكتوبر 2000م، نصحه الخبراء الاقتصاديون الإيرانيون بالخروج من ثوبه الفلسفي ليكون واقعيًّا معتنيًا بالمشكلات المادية، فطرح فكرة الحوار منه يكون بصفة كونه مثقفًا لا سياسيًّا. ومن هنا نرى خبراء إيران فكروا أن يترجموا الفكرة الفلسفية إلى العمل، ونلاحظ فكرة تشكيل "سوق إسلامي مشترك" تراه إيران، وتعزيز السياحة بين الدول الإسلامية من أجل تقريب بين الأمة الإسلامية من حصيلة هذه المحاولة. وقد تبنت إيران شعار "السياحة ذريعة لإبلاغ السلام والتعرف على الثقافات" في مجلس وزراء السياحة لأعضاء المؤتمر الاسلامي في شهر أكتوبر 2000م، كما اقترحت وزارة السياحة الإيرانية تسمية عام (2001 ) "عام الحضارة والسياحة الإيرانية"، حيث يرى المحللون الإيرانيون أن السيّاح خير سفراء لحل المعضلات الثقافية بين الشعوب المختلفة.
ثالثًا: فتح حوار مع الغرب:
أراد خاتمي بذلك فتح حوار مع الولايات المتحدة والغرب عمومًا في إطار الإصلاحات التي يراها لإيران؛ كي يخرجها من شبه العزلة التي وقعت فيها منذ عام 1979؛ إذ إن التيار المحافظ بزعامة آيت الله خامنئي كان وما زال يرفض الانفتاح والتعامل مع الولايات المتحدة - الشيطان الأكبر على حد تعبيرهم - ويعتقدون أن التصادم والتضارب أمر لا مفرّ منه، وأنه من سنة الله في الأرض بين البشر، وأنه ليست أكثر من أمنية لا سبيل لتحقيقه عملاً. بيد أن محمد خاتمي يرى أن فكرة حوار الثقافات محاولة من أجل التفاهم بغية دحض التصادم.
رابعًا: ديمقراطية عالمية:
ومن ثمرات الحوار المرجوة هو الاعتقاد بأن لكل شعب حقه في انتخاب دينه والاحتفاظ بثقافاته المحلية، وذاك من صميم الديمقراطية، وما يحبذه الشعوب.
ويتساءل محمد خاتمي: "إن الثقافات هي أداة التعارف والتفاهم، فكيف يحاولون محوها؟ لماذا نركز على التصادمات، بينما بوسعنا المحادثة والحوار في ظل ثقافاتنا، إننا نحترم أدياننا ونعلم أن اختلاف الثقافات لا يؤدي بالضرورة إلى التخاصم والتصادم… وإن في غياب ثقافة حوار الثقافات يعطي البلاد التي تتمتع بقوة اقتصادية وتفوق في مجال التقنية العسكرية الحق في فرض إرادتها وآرائها على الشعوب الأخرى.. وإن نظرية الحوار تريد تغيير هذه القاعدة الجائرة، وإنها تبتني على أسس عدة:
ـ أن كل الشعوب محترمة وسيدة نفسها.
ـ كلها متساوية، على الصعيدين البشري والقانوني.
وهذا الأمر يؤدي إلى ديمقراطية دولية، على غرار الديمقراطيات على مستوى الشعوب والدول. فكما أن للأفراد في المجتمع حقوقًا متساوية، هكذا للشعوب حقوق متساوية، وهذه الديمقراطية الدولية تتضمن الصلح والسلام الدوليَّين في العالم. وإذا اعترفنا بهذه القاعدة فسيكون الحوار - بدلاً عن الصدام - من أدوات علاقاتنا، وإذا اعترفنا بهذه القاعدة عندئذ يستقر السلام الدائم، وكل الشعوب والأمم تشارك في تطوير العالم، وفي ظل مشاركة كل الشعوب فقط يمكن أن يستقر السلام..".
أدوات الحوار
أولاً: المثقفون:
ويكون الحوار الأداة الوحيدة للتفاهم بين الشعوب، تلك التي يملكها المثقفون وأصحاب الفنون قبل غيرهم؛ إذ تبتني نظرية الحوار على خلفية عدم حصر الشئون العالمية بأيدي السياسيين، وإنما تبتني على المثقفين والجامعات وأصحاب الفنون الأخرى كنجوم السينما والصحف.. فيجب أن يلعبوا دورا في هذا الصدد ويشاركوا في إدارة شئون العالم، ويبنوا جسر العلاقات عبر الحوار بين الشعوب.
ومن هذا المنطلق نجد أن الأمر وقع موضع اهتمام المثقفين. لكن هل عمليًّا أفسح المجال للمثقفين ليقوموا بلعب أدوارهم؟
في نظرة خاطفة نلاحظ استعداد الكتاب والمثقفين وترحيبهم بالحوار وتشكيل جسر بين الشعوب. وخير مثال على ذلك الرسائل التي قام بإرسالها المثقفون إلى السيد محمد خاتمي، وكذلك لقاء محمد خاتمي بطلاب وأساتذة الجامعات في أثناء زيارته للبلدان المختلفة.
لكنّ المحللين يرون أنه لا يجد المثقفون - عمليًّا - طريقهم في لعب أدوار لحل الصدامات الدولية. نظرًا لأن ما أفسدته السياسية ليس بيسير بحيث يستطيع المثقفون تصحيح مساره بسرعة. وهذه النقيصة تلاحظ في إيران نفسها، كما تلاحظ في الدول الأخرى. والدليل على ذلك ما يستدل به المثقفون أنفسهم من أن حوار الثقافة لا يزال يغلب فيه الجانب السياسي على البعد الثقافي. ومن هذا المنطلق ولكي يستطيع المثقفون القيام بمهمتهم يجب توفير إمكانيات مادية ومعنوية لهم. ويكاد يجمع السياسيون أنفسهم أنه من دون مشاركة المثقفين لا معنى لحوار الحضارات والثقافات.
ثانيًا: السينما والفنون الأخرى:
والدراسات كذلك تحكي أن السينما لا تزال بعيدة عن لعب دور في حقل تبادل الثقافات، حيث يغلب هنا أيضًا الجانب السياسي على الزوايا الفنية والثقافية.
يقول سينمائي إيراني: "عين عام 2001 من قبل العالم عامًا لحوار الثقافات.. وكان من المفروض أن يكون أصحاب الفن والثقافة على وعي بالأمر، إلا أن شريحة كبيرة من السينمائيين يجهلون الأمر".
أما "بهمن قبادي" المخرج السينمائي والحائز على ميدالية ذهبية لأحسن تصوير سينمائي لعام 2000 يقول: "إن معظم نجوم وممثلي السينما والفنيين لا يُبدون أية رغبة في التعرف على هذا الأمر؛ إذ إنهم لا يعرفون شيئًا بهذا الخصوص، نظرًا لأن مؤسسة حوار الثقافات تهمل هذا الجانب".
وأبدى "محسن دامادي" كاتب أفلام إيراني آخر جهله بالنشاطات الثقافية والفنية لمؤسسة الحوار. ويضيف: "إن الفنون تقارب بين الشعوب، حيث إن الثقافة والفن هما اللذان يهيئان مناخ السلام بين الشعوب. بيد أن بحث الحوار له وجهة سياسية أكثر منها ثقافية. ومن هذا المنطلق يمكن أن تكلل نشاطات الحوار بالنجاح إذا ما خرجت من صبغتها السياسية لتدخل حيز الصبغة الثقافية".
حوار ذاتي قبل حوار دولي
وعلى الصعيد الداخلي، يرى المراقبون أنه يجب أن تستعد إيران لحوار الثقافات والاعتراف بها على المستوى الداخلي، ويرون هؤلاء ضرورة التغيير في الموقف الإيراني والتسامح للأقليات الدينية الأخرى على رأسهم أهل السنة الذين لم ينالوا حقوقهم السياسية والاجتماعية في إيران يومًا ما، وذلك قبل أن تدخل في حوار فاعل مثمر مع الغرب. فأهل السنة لا يملكون مسجدًا واحدًا في طهران، بخلاف معظم أصحاب الأديان الأخرى من الآشورية والكلدانية - برغم انقراض هاتين الطائفتين - واليهودية والأرمينية، والزرادشتية، التي تملك معابد لها في طهران؛ إذ كل طائفة تجد من تدافع عنها وعن كيانها ومصالحها.
وإن حوار الثقافات يجب أن يشتمل أولاً الأقليات الدينية داخل إيران، ثم تتسع ليشتمل التفاهم مع البلاد المجاورة فالعالم الإسلامي، وأخيرًا مع العالم أجمع.
المصدر: http://www.islam-online.net/arabic/a...rticle15.shtml
المصدر: http://www.atida.org/forums/showthread.php?t=10