أهم أسباب الاختلاف
إن احترام قواعد الحوار ومنهجه على النحو السالف قد لا يصل إلى توحيد الرأي والتقاء الفكرة حول المسألة موضوع الحوار، وهكذا فإن الأمر قد يفضي إلى اختلاف بين أوجه الرأى، لأن الاختلاف من طبائع العقول، وقد كان الفقهاء والمحدثون يختلفون دون أن يكون لاختلافهم أي أثر في العلاقات الطيبة القائمة بينهم، ودون أن يزدري أحد منهم صاحبه؛ بل إن الاختلاف لم يزدهم إلا محبة وتلاحماًً أكثر.
وما ذلك إلا أن أسباب الاختلاف بينهم لم تكن أسباباً شخصية قائمة على أمور ذاتية، بل إنها كانت تقوم على أمور موضوعية؛ وكتب الأصول زاخرة بأسباب الاختلاف، وبتتبعها يتضح أن تلك الأسباب ترجع إما إلى اختلاف في معنى النص عندما يحمله البعض على الحقيقة، ويحمله البعض الآخر على المجاز، أو في مدى ذلك النص حينما يحمله البعض على العموم، ويحمله البعض الآخر على الخصوص، أو يعتبره البعض مطلقاً ويقيده البعض الآخر، وهكذا.
على أنه ينبغي أن لا يفهم مما سبق أن الأمر فوضى في فهم النصوص، بحيث يسوغ لكل من انتسب إلى الفقه أن يقول بأي رأي يراه دون ضوابط ولاشروط؛ بل إن للاختلاف ضوابط أهمها:
التسليم بآراء الأئمة المجتهدين، لأن هذه الآراء لم تصدر إلا بعد تمحص ومعاناة، فصارت ثوابت أقيمت على أسس متينة من قواعد استنباط الأحكام.
وتجنُّب اللََددِ والإنكار في المسائل الخلافية، لأن احترام الرأي الآخر أمر محمود، ولأن التعصب في الرأي يؤدي إلى التفرق والشـــقاق المنهي عنـه، بقـوله تـعالى: {ولاتكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ماجاءهم البينات} (سورة آل عمران، من الآية: 105).
عدم اعتبار الخلاف وسيلة للاحتجاج، لأن المحاججة إنما تقع بالقول المستند إلى نص أو إجماع وليس إلى مجرد الهوى.
احترام منهج العلماء في الاختلاف، لأنه السلم الذي يرتقي فيه من يروم فهم النصوص، وهي القناة التي يتعين المرور منها للارتقاء في سلم الفهم والنقاش.
الإنصاف في العلم، لأن الاعتراف بالحق فضيلة، وفي هذا قال الإمام الشاطبي، رحمه اللَّه "اجعل طلب الحق لك نحلة والاعتراف به لأهله مِِلََّةِ، لاتشرب مشرب العصبية، ولا تأنف من الإذعان للحق إذا لاح وجه القضية...".
مراعاة حاجة المجتمع والناس في الاختلاف، لأ من القواعد الكلية أنه "لاينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان".
المصدر: http://1bac.medharweb.net/modules.php?name=News&file=article&sid=248