الإسلام ينهى عن الجدل العقيم

قال أبو بكر بن العربي: عند قوله تعالى: {ومن الناس من يعجبك قولُه في الحياة الدنيا وُيشهدُ اللَّه على ما في قلبه وهو ألدُ الخِِصامِِ} (سورة البقرة، الآية: 204) مانصه:

 قوله تعالى: {وهو ألد الخصام}، يعني ذا جدال إذا كلمك وراجعك رأيت لكلامه طلاوة وباطنه باطل، وهذا يدل على أن الجدال لايجوز إلا بما ظاهره وباطنه سواء. وقد روى البخاري وغيره أن النبي  عليه الصلاة والسلام  قال:> أبغض الرجال  إلى اللَّه الألدُّ الخَصِم <.

وقال عند قوله تعالى: {... وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} (سورة الأنعام، من الآية: 121).

قوله تعالى: {ليجادلوكم} المجادلة دفع القول على القول على طريق الحجة بالقوة، مأخوذ من الأجدل، طائر قوي، أو لقصد المجادلة، كأنه طرحه على الجدالة، ويكون حقاًً في نصرة الحق وباطلاًً في نصرة الباطل،

 وقال عند قوله تعالى: {ولا تُجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم* وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن لهم مسلمون،*وكذلك أنزلنا إليك الكتاب* فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحدُ بآياتنا إلا الكافرون *وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطُّه بيمينك، إذاً لارتاب المُبطلون..} (سورة العنكبوت، الآيات: 48-46).

قد كانت للنبي عليه الصلاة والسلام ، مجادلات مع المشركين، ومع أهل الكتاب، وآيات القرآن في ذلك كثيرة، وهي أثبت في المعني.

وقد قال لليهود: {إن ْكانت لكمُ الدارُ الآخرةُ عند اللَّه خالصةً من دون الناسِِ فتمنوا الموتَ إن كنتم صادقين* ولن يتمنَّوهُ أبداً بما قدَّمتْ أيديهم} (سورة البقرة، من الآيتين: 95-94)، فما أجابوه جواباً.

وقال لهم: {إن مثلَ عيسى عند اللَّه كمثل ِآدَم خَلَقهُ من تُرابٍٍ} (سورة آل عمران، من الآية: 59)، أي إن كنتم عبدتم ولداً من غيرأب فخذوا ولداً دون أب ولا أم.

وقال : {يا أهل الكتاب تعالوْا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألا نعبدَ إلا اللَّه ولا نشرك به شيئاً } (سورة آل عمران، الآية: 64).

وقال : {وقالتِ اليهود والنصارى نحن أبناءُ اللَّه وأحباؤه قل فََلِمَ يعذبُكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق  يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} (سورة المائدة، من الآية : 18).

ذلكم هو منهج الإسلام في الحوار وموقفه منه وأدبياته بشأنه.

وإذا كان لنا أن نختتم هذه الكلمة بنموذج حي من كلام سلفنا من العلماء في أسس ومنهجية وأدب الحوار في الإسلام، فإن أحسن مثال لذلك قول الإمام الشاطبي في مقدمة كتابه الموافقات :" إياك وإقدام الجبان، والوقوف مع الطرق الحسان، والإخلاد إلى مجرد التصميم من غير بيان، وفارق وهن التقليدي راقياً إلى يفاع الاستبصار، وتمسك من هديك بهمة تتمكن بها من المدافعة والاستنصار، إذا تطلعت الأسئلة الضعيفة والشبه القصار، والبس التقوى شعاراً، والإنصاف بالإنصاف دثاراً، واجعل طلب الحق لك نحلة، والاعتراف به لأهله ملة، لاتملك قلبك عوارض الأعراض، ولاتغر جوهرة قصدك طوارق الأعراض، وقِفْ وقفةََ المتخيرين لا وقفة المتحيرين، إلا إذا اشتبهت المطالب  ولم يلح وجه المطلوب للطالب، فلا عليك من الإحجام وإن لج الخصوم، فالواقع في حمى المشتبهات هو المخصوم، والواقف دونها هو الراسخ المعصوم، وإنما العار والشنار على من اقتحم المناهي فأوردته النار، لاتدر مشرب العصبية، ولاتأنف من الإذعان إذا لاح وجه القضية، أنفة ذوي النفوس العصبية، فذلك مرعى لسوامها وبيل، وصدود عن سواء السبيل".

المصدر: http://1bac.medharweb.net/modules.php?name=News&file=article&sid=246

الأكثر مشاركة في الفيس بوك