آداب الحوار والاختلاف وأهميته اليوم
الحوار هو لغة المتحضرين من البشر الذين يجلسون على طاولة واحدة كي يحلوا مشاكلهم وخلافاتهم مهما بلغت من التعقيد بعيداً عن الوسائل الأخرى كاللجوء إلى القوة أو الدسائس أو الحيل أو المؤامرات .وللحوار آدابه وشروطه التي يأتي في مقدمتها الاحترام المتبادل ومراعاة مصالح كل طرف وحق الكل في التعبير وبحرية تامة وشفافية عن آراءه وتصوراته بعيداً عن التخوين أو التكفير أو التهديد . وقد قال الإمام الغزالي رحمه الله " رأيي صحيح يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصح ".
وما أحوج اليمنيون في هذه الأيام إلى الحوار الشفاف والبناء والصريح بعيداً عن القناعات والأحكام المسبقة والوصفات الجاهزة .. فليس في السياسة ولا الحياة أي شيْ ثابت ومقدس عدى ديننا الإسلامي الحنيف .. وتظل حياة الناس ومعيشتهم وحريتهم وكرامتهم هي الثابت المقدس .. وما عدى ذلك فهو قابل للحوار والتفاوض للوصول إلى حلول موضوعية ومنطقية وبناءة .هذه الأيام ومنذ 18 مارس الماضي بدأت القوى السياسية اليمنية مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي من المؤمل إذا توفرت الشروط الموضوعية والذاتية أن يخرج بمخرجات للقضايا الجوهرية الحيوية وفي مقدمتها قضية الجنوب التي تعتبر قضية شعب ودولة تم إقصائها والقضاء على مكوناتها المادية والثقافية والحضارية وإلحاق القهر والذل والظلم بشعبها قيادات وكوادر وقواعد.. وعلى حل هذه القضية المحورية حلآً عادلاً ومنصفاً لأبناء الجنوب سيتوقف نجاح مؤتمر الحوار الوطني الشامل ومستقبل اليمن وأمنه واستقراره ووحدته .
وعلى القوى السياسية والاجتماعية اليمنية وخاصة حزبي المؤتمر والإصلاح أن تغادر ثقافة الاستعلاء والمكابرة والهروب من الاعتراف بهذه القضية الحيوية والاعتذار عن حرب 1994م وحروب صعدة الستة .. لأن حل أي مشكلة يبدأ بالاعتراف بها ومن ثم الاعتذار عنها والوعد بعدم تكرارها في المستقبل .لم يعد لدى اليمن متسعاً من الوقت للتسويف والمماطلة والتأجيل والتمديد ... فقد بلغت الأزمات ذروتها وللصبر حدود وحان الوقت لرد الجميل للشعب اليمني عامة والجنوبي خاصة الذي صبر وكابد عشرات السنين من عمره ومن مستقبل أبناءه .
الحوار هو فرصة ذهبية لابد من اغتنامها لمواجهة الحقائق وتقديم الحلول الجريئة لها دون التفات لمصالح القوى التقليدية الأنانية والضيقة وحملة التعبئة الجوفاء التي عطلت كل محاولات بناء الدولة في الشمال وقضت على مقومات الدولة في الجنوب .. وتريد بقاء الحال على ما هو عليه .. خدمة لمصالحها الذاتية .