الإصلاح الوطني واجب على كل مواطن
بداية, دعونا نعرّف الوطن كما جاء في قاموس المعاني: «و ط ن : الوَطَنُ مَحَل الإنسان, وأَوْطَانُ الغنم مرابضها, وأَوْطَنَ الأرض ووَطَّنَها, واسْتَوْطَنَها, واتَّطَنَها, أي اتخذها وطنا, وتَوْطِينُ النفس على الشيء كالتمهيد, والمَوْطِنُ المشهد من مشاهد الحرب», قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ﴾.
ومن هنا نُدرك بأن الوطن لا يعني الدولة فحسب, ولا المساحة الجغرافية المحيطة. الوطن هو أيما كان من محل قد حل به ذلك المواطن, وكان منفرداً به أو شريكاً فيه, وهو أيضاً ما إستوطنتهُ نفسه فصار لها موطناً تتمتع بحقوق المواطنة فيه, ومن هنا, فإن الفكر وطن, والبيت وطن, والحي وطن, والمدينة وطن, والدولة وطن, والعالم بأسرهِ وطناً, وقد قال سقراط الحكيم: «أنا لست أثِني (نسبةً لمدينة أثينا), ولست بإغريقي (نسبة لدولة الإغريق والمعروف الجزء الأكبر منها الآن بـ اليونان), ولكن أنا مواطنٌ للعالم», ولا يكون لمواطن أن يقول بأن هذا الكيان وطناً لي إلا بأمرين: (الأول) أن يقوم بواجباته تجاه ذلك الوطن, و(الثاني) أن يتمتع بحقوقه كمواطنٍ فيه.
وكما نعلم بأن العقل هو ما يفرق الإنسان عن الحيوان, فإن المواطن الذي لا تتعدى مواطنته حدود بيته لا يكون له شبيهاً إلا الغنم كما جاء في تعريف الوطن, أما الذي تتعدى حدود مواطنته ذلك, فتجده يتصرف بإحترام وتقدير ما دام يشعر بأنه يسير في موطنه ويدافع عنه في كل موقف حتى ولو كانت حدوده العالم كما قال وفعل سقراط.
من يلقي القمامة في الشارع فقد أساء لكل مواطن يعتبر ذلك الشارع واقعاً ضمن حدود وطنه, ومن سرق ميزانية ذلك الشارع فقد سرق كل مواطن, ومن لم يوبِّخ الأول ويحاسب الثاني فقد أخل بالشرط الأول من شروط المواطنة, حيث أنه لم يقم بواجبة تجاه ذلك الوطن ولم يدافع عنه, وبالتالي فهو لا يستحق أن يتمتع بحقوق المواطنة.
التخريب والتدمير لا ينحصر على الوطن الملموس, ولكن يتعدى ذلك حتى يصل إلى الوطن الفكري الذي يوطِّن النفس على الفساد وما أشبه.
هناك من يتعمّد تشوية الأفكار وهدم العقول لتحقيق مآربة التي يضن أنها تجلب له السعادة والرضى, وهو بذلك لا يفعل شيئاً سوى ظلم نفسه وظلم الآخرين, لذلك فإن من فرّط بحقة في الدفاع عن وطنه الفكري ولم ينتصر له ويحافظ علية من شوائب إبليس وأعوانه, فإنه يفقد بالتالي ذلك الوطن ويصبح عقله مستوطنةً بدلاً من وطن.
ختاماً , الإصلاح يبدأ من إصلاح الفرد لنفسه, ومن هناك تتسع رقعة الوطن..
فمن كَثُرَ صلاحه كَبُرَ وطنه والعكس صحيح, ومن لم يدرك في عقلِهِ وطناً فلا وطن له.