أهل الكتاب في القرآن

تأليف د. فؤاد حمادة

باحث في القضايا اللغوية والدينية

 

 

تقديم

غالبا ما تكون لدينا أفكار أو معتقدات أو مفاهيم مسبقة عن الأشياء نصدر الأحكام على الأمور بناء عليها  ,وليس من السهل علينا أن نغير أحكامنا على الأشياء ما لم نغير مفاهيمنا وتصوراتنا عن هذه الأشياء ,وهي مفاهيم وتصورات تراكمت عبر الزمن , وأصبحت متحكمة في رؤانا وأحكامنا على الأشياء و أصعب ما يواجه الإنسان هو أن  يغير مفاهيمه وتصوراته بأخرى مضادة أو مخالفة دون أن يكون لديه مرونة في التفكير أو قدرة على التكيف مع الحقائق .

وفي مثل هذه الحال يكون الأمر أصعب على المعد أو المؤلف إذ لا بد له من أن يهدم المفاهيم السابقة قبل أن يقدم المفاهيم الجديدة إذا يصعب على العقل أن يستقبل بناء متناقضا بين مفهومين أحدهما أصل للآخر أو متفرع عنه .

ونخن حين نقدم هذه الدراسة بين يدي القارئ الكريم نأمل أن نكون قد أثرنا فيه القدرة على تقبل غير المألوف إذا كان مشفوعا بالدليل والحجة وإن خالف تصورا أو مفهوما سابقا فالحكمة ضالة المؤمن أنّا وجدها أخذها .

أمر آخر متعلق ببعض مفاهيمنا وتصوراتنا ألا وهو الحكم على الأمور كلية أو جزئية من خلال الاستدلالات الجزئية أو من خلال مفاهيم وتصورات غير تامة كإصدار حكم ما من خلال آية أو حديث أو أثر أو رواية أو رأي دون استيفاء  كل الأدلة قبل إصدار الأحكام .

 

أهمية الدراسة

لا شك أننا اليوم لم نعد معزولين عن العالم ولا يمكننا أن نكون كذلك ,فقد فرض علينا العالم أن نكون جزءا منه,كما فرض علينا الاطلاع على ثقافته ,وفرض على نفسه الاطلاع على ثقافتنا,ولم نعد قادرين على أن نفكر بمعزل عن ما يحيط بنا من العالم ,ولم يعد بمقدور أحد أن يفرض فكرا غير مقنع على أحد ثم يلزمه به إلا أن يصنع أمرا أشبه بالعبودية أو النفاق .

ولأننا اليوم نواجه العالم دون حجاب وجب علينا أن نحسن تقديم أنفسنا لهذا العالم متسلحين بالعلم والأيمان مقدمين للعالم ما يقنعه وينفعه بكل مودة وحب وإخاء للكافر قبل المسلم فإنما حالك منه حال المشفق على من يحب لا حال الخصم الحاقد الذي يجعل من نفسه قاضيا وجلادا في نفس الوقت .

وعلينا أن ندرك اليوم أننا على كل المستويات نعيش صحوة و نهضة تجدد خلالها الكثير من المفاهيم بما في ذلك بعض المفاهيم الدينية التي تغيرت  بتطور إدراكنا أو بقراءة أخرى أكثر عمقا أو أكثر استقراء وفي أحيان أخرى بقراءة جديدة غير مسبوقة وتقبلنا في بعض الأحيان أن نعمل العقل مؤمنين أنه وسيلتنا لإدراك الحق وفهم النص .

أهداف الدراسة :

تهدف هذه الدراسة إلى التعرف بموقف القرآن الكريم من أهل الكتاب عموما ومن اليهود والنصارى خصوصا .

 

منهج الدراسة

تعتمد هذه الدراسة على المنهج الاستقرائي حيث اعتمد الباحث منهجية محددة تقتضي استقراء جميع النصوص القرآنية  التي ذكر فيها أهل الكتاب عموما واليهود والنصارى خصوصا ,وحاول أن يقابل بين هذه النصوص ويعرضها على بعضها من باب تفسير القرآن بالقرآن متجردا من أي هدف مسبق غير الوصول على الحق و الاستبصار به .

 

تساؤلات الدراسة:

تعرض هذه الدراسة عددا من التساؤلات وتحاول الإجابة عنها ومنها :

هل أهل الكتاب كفار ؟ وما كفرهم؟

وهل هم مشركون أم لا ؟

وهل تصحيح اعتقادهم يستوجب عفو الله عنهم؟ وإن بقوا على دياناتهم وإن لم يسلموا!

أم أن لا فائدة من تصحيح عقائدهم ما لم يسلموا ويقروا بعقيدة المسلمين والانضمام إلى لوائهم والتسليم لهم .

هل القرآن للمسلمين فقط أم أنه للمسلمين وأهل الكتاب جميعا ؟ وهل يجوز لأهل الكتاب الإطلاع على القرآن الكريم والقراءة فيه ؟ كل هذه التساؤلات وغيرها ستحاول هذه الدراسة أن تجيب عنها .

 

أولا: أهل الكتاب والقرآن :

ويجيب هذا القسم عن التساؤلات التالية:

لمن أنزل القرآن ؟ أ أنزل للمسلمين ؟أم للعرب أم أنزل لأهل الكتاب؟ الحقيقة أنه أنزل لهم جميعا, وأنه حين نزول القرآن لم يكن على الأرض مسلمون يخاطبون به ولذلك كان الخطاب في البدء لأهل الكتاب لأنهم الأقرب على التوحيد والألوهية و خطابه للعرب يدعوهم إلى فكرة التوحيد والخروج من فكرة التجسيد في الأصنام إلى فكرة التجرد والتواصل مع الله مباشرة .ولذلك لا يحق لأحد أن يمنع أحدا من أن تصل إليه كلمة الله دون حاجب أو حاجز أو واسطة أو وصاية ,ومن العجيب أن جميع  أصحاب الدعوات حين يتقدمون لأحد بدعوتهم  يقدمون مع هذه الدعوة كتابها ,إلا المسلمين ,فإنهم  يعتقدون أن وجود كتابهم عند غير المسلم جريمة , وأن الإنسان يجب أن يقر للمسلمين بالإسلام ليمنحوه حق التواصل مع الله , ومن ثم الاطلاع على كتابه مع أن هذا القرآن أنزل للعالمين أي لجميع البشر دون استثناء ويجب أن يطلعوا عليه جميعا دون استثناء فتقوم عليهم حجة الله ولهم الخيار من ثم فيم يعتقدون وحسابهم على الله .

 

خطاب القرآن لأهل الكتاب

حين نقرأ في القرآن الكريم تستوقفنا آيات كثيرة تخاطب أهل الكتاب خطابا مباشرا دون وسيط بين القرآن و بينهم هكذا: "يا أهل الكتاب " وهو أسلوب نداء يستدعي منادى مخاطبا ومن هذه الآيات:

"يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77)

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70)

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98).

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99).

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71).

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ

وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ... (171).

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65).

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19).

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65).

 

وهنا نجد تساؤلا مطروحا يقول هل يجوز لأهل الكتاب الاطلاع على القرآن  ؟وهل يجوز للكتابي أن يلمس القرآن ؟

لهذه الأسئلة أجوبة مسبقة مشهورة . فأهل الكتاب كفار مشركون أنجاس ألم يقل الله" لا يمسه إلا المطهرون " ؟, ولذا لا يجوز لهم أن يلمسوا القرآن.

هذه إجابة متسرعة تفتقر إلى العلم الصحيح والفهم الصحيح ,فلفظ المشركين قصد به في القرآن الكريم مشركو العرب خاصة دون غيرهم ,ولا يجمع معهم أهل الكتاب لذلك عطف لفظ المشركين إلى اليهود في قوله تعالى :" لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا " ولا يعطف الشيءُ على ذاته.

وبذا لا ينطبق النجس على أهل الكتاب لاختصاص المشركين بذلك في قوله تعالى:" إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا " والمراد هنا مشركوا العرب من عبدة الأصنام ,وليس أهل الكتاب .

وهنا يتبادر سؤال ألا وهو: ما حكم من وجد في حوزته مصحف من أهل الكتاب ؟

الحقيقة أن وجود المصاحف لدى أهل الكتاب واجب على المسلمين إذ كيف تدعوهم على ما تمنعهم منه وأن المنع أو المعاقبة تكون بناء على الإساءة ,وليس على الرغبة في الاطلاع ,وهو أمر ينطبق على المسلمين أيضا إن أساءوا والحقيقة أن معظم النصارى القريبين من العرب والمسلمين مطلعون على القرآن ويحتفظون بنسخ منه .

ومنع نشر الكتاب فيه الكثير من التحجر والانغلاق والبعد عن الدعوة الصريحة إلى الله إذ ليس عندنا ما نخاف منه عند إطلاع غيرنا عليه .

 

مواقفنا من أهل الكتاب

مواقفنا من أهل الكتاب كغيرها من المواقف السطحية البعيدة عن العمق و والتجرد , بل هي محاطة بالمواقف الشخصية حينا أو الوطنية أو القومية في أحيان أخرى وتوظف بعض آيات القرآن الكريم لصالح هذه المواقف , ولدعمها فتجد التركيز في وقت ما على آية بعينها, فتطفوا على السطح وتختفي بقية الآيات ,ولا تُسمع ,ومن أمثلة ذلك التركيز على قوله تعالى: " لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا " وهي آية موظفة للعداء بين المسلمين واليهود لوجود صراع وطني وقومي بيننا وبين اليهود  . ثم غابت هذه الآية أمام موقف أكثر اعتدالا  يقول بأن العداء بيننا وبين اليهود ليس عداء دينيا يعود إلى ديانتهم ,بل هو عداء عائد إلى احتلالهم لفلسطين ,وليس بيننا وبين اليهود الذين لا يقيمون في فلسطين أي عداء أصله الاعتقاد بل أصل العداء عائد إلى فكرة الاحتلال واغتصاب ملكية الغير بالقوة من أرض وممتلكات  وليس عائدا إلى المعتقد.

وتوظف بقية الآية "وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82)  مع نصارى فلسطين لمشاركتهم لأهل فلسطين في مقاومة الاحتلال أو عند دعم الغرب لقضية من القضايا العربية .

وبسبب الحروب المتواصلة التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها على العالم الإسلامي وظفت آيات  الولاء والبراء وتقدمت على غيرها من نحو قوله تعالى: " وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ "(120)

وقوله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ" (100)

وساد اعتقاد لفترة طويلة بأن كفر أهل الكتاب كفر ألوهية وربوبية, حتى خرج صوت لا يكفر أهل الكتاب كفرا تاما, بل يجعل كفرهم كفر نبوة مع أن القرآن لا يشير إلى كفر أهل الكتاب جميعا لا كفر ألوهية ولا كفر ربوبية .

ثم تطور الفكر الإسلامي المعاصر فغير في مفاهيمه نفسها و انعكس هذا على نظرته إلى الآخر إذ ساد اعتقاد طال زمنه بأن أركان الإيمان ستة وهي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والقضاء والقدر واليوم الآخر.

 

ثم تراجع هذا المفهوم أمام بعض الدراسات الحديثة وآراء بعض العلماء الموثوقين لدى الأمة بأن كفر أهل الكتاب كفر نبوة أي  كفر بمحمد, وليس كفرا بالله فاقتربت المسافة بين المسلمين وأهل الكتاب ,فهم متفقون في الألوهية و الربوبية و مختلفون في الإيمان بالأنبياء .

وظهر رأي ثالث متأخر يقول بأن أركان الإيمان ثلاثة وهي الإيمان بالله واليوم الأخر العمل الصالح .

وسنعرض هذه الآراء على النص القرآني للتعرف على مدى صوابها ونناقش ذلك إن لزم .

ولما كان الاتفاق قائما بين المسلمين وأهل الكتاب في بعض أصول الإيمان مع وجود الخلافات في الأخرى وجب تحديد مواضع الاتفاق و مواضع الخلاف موضع البحث .

 

1- الإيمان بالله

الإيمان بالله ليس أصلا من أصول الخلاف بين المسلمين وأهل الكتاب ,بل التصور عن الله هو موضع الخلاف ,وليس معهم جميعا ,ولذلك نجد اليهود اليوم موحدين لا يشركون بالله شركا معلوما ظاهرا ,وبعض الفرق المسيحية أيضا لا تؤمن بالتثليث ,ولا تؤمن بان عيسى ابن الله ,وبعضها خلاف ذلك, فبعض فرق اليهود ورد أنها أخلت في تصوراتها عن الله إذ افترضت بأن الله كالبشر يتزوج وينجب , قال تعالى :" ) وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ (30)التوبة

ويقال بأن هذه الفرقة لم تعد موجودة وبذلك يكون الإيمان بالله عند المسلمين واليهود واحدا .

أما المسيحيون فعند بعضهم أيضا تصورات خاطئة عن الله إذ يعتقدون بأن الله كالبشر يتزوج وينجب وله أبناء . قال تعالى :"َقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)التوبة

وتصور آخر مرتبط بهذا التصور وهو كون الله ثالث ثلاثة فيما يزعمون .قال تعالى : " لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة"73   المائدة

وقوله جل ذكره :إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171)النساء

هذه هي التصورات التي خالف فيها أهل الكتاب المسلمين, وعلى كل من الفريقين إقناع الآخر بصحة رأيه وصواب منطقه إن استطاع ,وكلهم مكلف بالبحث عن الحقيقة والإيمان بها وحسن تصورها .

وقد استعمل القرآن أسلوبا فيه الكثير من الاحتياط والتقريب في خطابه لأهل الكتاب فخاطب أهل الكتاب في كل المواقف الاعتقادية بأسلوب التبعيض فهذه الآيات تتجه إلى محاسبة القول أكثر مما تتجه إلى القائل ,وهذا من أدب الخطاب وربط أواصر الاتصال بالمخاطب ,وليس تقطيعها ,إذ المقصود هو تصحيح العقائد لا تكفير المعتقدين.

 

2- اليوم الأخر

يعد هذا الركن الثاني من أركان الإيمان إذ جاء في معظم المواضع مقرونا بالإيمان بالله

أركان ثلاثة هي الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح ,وهذا ما عليه الخطاب القرآني في مجمله ومن ذلك قوله تعالى :" مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)البقرة

) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (126)البقرة

لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) البقرة

وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ(228) البقرة

ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)البقرة

لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114)آل عمران

وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39) النساء

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)النساء

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)النساء

لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)النساء

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69)المائدة

إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ...(18)التوبة

لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)التوبة

وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ (99)التوبة

الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ...(2)النور

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ... (21)الأحزاب

) لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (22)المجادلة

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ (6)الممتحنة

ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)الطلاق

 

فاليوم الآخر هو الركن الثاني لا من حيث الترتيب وحسب ,بل من حيث  الأهمية والحقيقة أيضا.

 

 

3- الإيمان بملائكة

لم تثر هذه القضية ضمن قضايا الإيمان بين المسلمين وأهل الكتاب اليوم لأنهم متفقون عليها فيما يبدوا لي ولكن هذه القضية كانت سببا شركيا عند اليونان إذ كانوا يعتقدون بأن الملائكة آلهة صغيرة إلى جانب الإله العظيم الله وأحسب أن ذكرهم في القرآن جاء تصحيحا لهذا التصور.

 

4- الإيمان بالرسل

الإيمان بالرسل واجب على المتبعين فليس كل البشر حكماء متدبرين مفكرين ويحسنون التفكير والتدبير ويدركون الحكمة لذلك أرسل الله الرسل ليقيم عليهم الحجة بأنه الخالق الرازق......

الإيمان بالرسل قضية صعبة التداول بين الناس وبين الباحثين ومخيفة أيضا ؛لأن الناس يتعصبون لأنبيائهم أكثر مما يتعصبون لربهم ,ويعرفون عن نبيهم أكثر مما يعرفون عن ربهم ,وقد يضعون أنبياءهم في مرتبة هي لربهم فيجعلونهم آلهة كما فعلت النصارى والبعض من المسلمين يرفع النبي من مقامه حتى يصل بها إلى مصاف الآلهة ,وهذا ما ورد التحذير منه في الأثر عن النبي :"لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ".

وهنا لا بد من التفكر قليلا .هل الأنبياء وسائل أم غايات ؟ هذا الأمر فيه الكثير من اللبس عند المسلمين وأهل الكتاب. فكل منهم متمسك بنبيه ومعتصم به ,وكأن الخلاف بين الناس فيمن يتبعون لا فيمن يعبدون ,وكأن الله أرسل الرسل ليكونوا مصدر اختلاف عليه أو خلاف بين الناس  .

الحقيقة أن الرسل وسائل وهذا هو اسمهم (رسل ),وهذه هي وظيفتهم ومهمتهم (رسل ),والإيمان بهم وسيلة للتوصل إلى الله وليس غاية في ذاته ,ليس مفرغا من مضمونه ,فإيماننا بالأنبياء هو اعتراف بهم وتصديق لهم .وليس إيمانا لأن الإيمان يقتضي التصديق والعمل. ليس باسم النبي فقط بل برسالته أيضا.

وبذا يمكن أن نقول بأن كل أمة ملزمة بالإيمان برسولها معرفة وتصديقا واتباعا ,ويلزم المتأخر الإيمان برسالة المتقدم والعمل بها ,ما لم يأتي في رسالة المتأخر ما ينفي أو يبطل حكما أو مفهوما أو عملا عند المتقدم .هذا هو الإيمان الحقيقي , ولذلك قال علماؤنا :"شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يخالف شرعنا " هذا هو الإيمان إيمان تصديق وعمل ,وليس مجرد اعتراف بالاسم وإنكار للوظيفة.

 

5- الإيمان بالكتب السماوية السابقة

سادت ثقافة طال زمنها تفرض على المسلمين عدم الاطلاع على الكتب المقدسة التوراة والإنجيل مستندة إلى رواية من السيرة تفيد بأن النبي نهى عمر بن الخطاب عن قراءة التوراة ,وهي قضية ترجع إلى العام الأول الهجري إذ يفترض أن الصحابة اختلطوا باليهود عند هجرتهم إلى المدينة ,وهو أمر جاء بعده ما ينهيه ففي العام الخامس قال النبي لمعاذ :يا معاذ اذهب فاقرأ كتاب يهود, إلا أن هذه الرواية غابت عن المسلمين وفق احتياجات المرحلة من العداوة فكيف نقرأ كتب اليهود والنصارى ونحن في حال حرب وعداوة .الأولى أن لا نقرأ كتبهم وأن لا يقرأوا كتبنا ؟ !!

هذه الأمور الحدية والقطعية لا تصلح لصاحب دعوة يرغب في دعوة الناس إليها وهولا يعرف عنهم شيئا ولا يعرفون شيئا عنه عجيب أمر هذا الداعية ؟!!!

ثم إن هذا الموقف غير متسق مع أصول الإيمان الكلية في حديث جبريل إذا أخذنا برواية مسلم أليس من ضمن الإيمان أن نؤمن بالكتب السماوية ,وأي إيمان هذا الذي يقبل العنوان ويرفض المضمون فنحن نؤمن بالكتب, ولكننا نرفض   الاطلاع عليها أو قراءتها ,ولست أدري ماذا سنفعل بالآيات الكريمة التي تطلب منا صراحة الإيمان الحقيقي بهذه الكتب والاطلاع على ما فيها ,فالقرآن حلقة أخيرة في سلسلة متصلة ,وليس هناك انقطاع بين القرآن والكتب السماوية السابقة قال تعالى :" قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا ,وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ "(84)

وقوله عز وجل :"وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ  وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)

"وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونُ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ ط(47)العنكبوت

"وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ". (110)

 

فالقرآن يلزم المسلمين بالإيمان بما أنزل على جميع الأنبياء دون تفريق, وما لزوم الإيمان بما أنزل إليهم؟ إن كان كله محرفا أو مزيدا أو منقوصا أليس الأولى أن يقول الله لنا بأن هذه الكتب باطلة بالجملة ,وعلية لا داعي للتصديق أو الإيمان بها ,لو كان الأمر كذلك ما طلب منا الله أن نسأل أهل الذكر (أهل الكتاب)عن شيء ماداموا غير موثوقين لدينا, وإن كانوا كذلك فماذا نفعل في قوله تعالى:" وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)النحل

وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)الأنبياء فأهل الذكر هم أصحاب الديانات السابقة ولو كانوا كما يظن البعض لا مصداقية لهم ولا صوابية فيما عندهم ما طلب منا القرآن أن نعود إليهم فنسألهم عن شيء .

وما دمنا مطمئنين إلى ما عندنا واثقون بأنه الصواب ,فما يمنعنا من قراءة ما لديهم ومعرفة ما حذف منه وما زيد عليه ,لأنه من نفس المصدر, وعليه يمكننا محاورة غيرنا من أهل الكتاب عن علم لا عن تعسف وتعالٍ .نقول لهم :" يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ,قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ  وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) المائدة

ألم تر أن مناظرة ديدات كانت ناجحة لأنه كان يعرف التوراة والإنجيل وأن غيره ليس كذلك لأنه لا يمتلك نفس القدرات المعرفية ألا ترون أن عزوف علمائنا عن قراءة الكتب السماوية مجاف لوظيفتهم الدعوية فالقرآن غير مبطل لما سبقه من الكتب السماوية بل هو متمم ومهيمن.

 

حكم أهل الكتاب في القرآن

الرؤية تجاه أهل الكتاب والحكم عليهم واضحة في القرآن ,ولكنها غير واضح لدى كثير من المسلمين, فالكثير من المسلمين يحكم على أهل الكتاب بالكفر التام ,وإن كان هذا المفهوم من المفاهيم المتطورة فقد أصبحنا نفرق بين الكفر اعتقادا والكفر تكاسلا ,كما تطور مفهومنا تجاه أهل الكتاب إذ أصبح كفرهم كفر بمحمد ,وليس كفرا بالله ,ومن هنا يمكن الاقتراب من الدائرة الأصوب ,وهي اعتبار كل أهل الديانات السماوية في نفس المحيط, فهم الأقرب من مفاهيم بعضهم ومن المفترض أن بينهم من القواسم المشتركة ما يدعوهم للحوار والنقاش بحيث يقدم كل فريق للآخر ما لديه ويصوب كل شخص لأخيه أو لنفسه ما يراه غير صحيح أو غير مقنع .

أما القرآن فقد جعل أصل الإيمان في أمرين وهما الإيمان بالله واليوم الأخر ثم العمل الصالح, قال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا ,فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)البقرة

والمفسرون يقولون بأن هذه الآية غير منسوخة ,وغيرهم لا يقبل بالنسخ في القرآن ,ولهذه الآية نظائر في القرآن تقبل بنفس الرؤية ,ومن ذلك قوله تعالى:"مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) آل عمران

:" وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَ‍قًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122)النساء

 

حكم أهل الكتاب إن تمسكوا بكتبهم

هناك آيات تشير إلى دعوة أهل الكتاب إلى التمسك بكتبهم وتصحيح المعتقد ومن ذلك قوله عز وجل:" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) المائدة

وقوله تعلى جده  :"وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69)المائدة

 

الإيمان لا يعط الحق في الظلم

كل البشرية مؤمنة و كافرة ستحاسب على أعمالها ولا يسقط حق لصاحب حق لإيمانه أو كفره وهنا نرى العدل المطلق نجد ذلك في قوله تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)الحج

وليس لأحد فضل انتساب إلى دين فينجيه من ذنوبه ومعاصيه أو إلى قوم فيشفعون له إنما الشافع للناس عند الله أعمالهم وما قدموا وليس انتماؤهم لفرقة أو لفكرة قال تعالى :" وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)

 

القواسم المشتركة

أمران قررهما القرآن ولا بد منهما للاتقاء بين أهل الكتب السماوية ,وهما :" أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا

وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ".

إذا اتفقنا على هذين المبدأين العبودية لله أولا والحرية للبشر ثانيا وأن لا يستعبد بشر بشرا تحت أي عنوان أو فكرة أو سلطة فإننا سنتفق على الخير وستهدينا عقولنا وفطرتنا إلى الصواب والحق والخير وما فيه صلاح الدنيا والآخرة على أن لا يتدخل أصحاب النفود في تقييد حرياتنا لتلبية مصالحهم أو أصحاب السلطان الفكري القمعي في توجيه مصائرنا .هذا هو الخطاب الرباني :"قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ

أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا

وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)آل عمران

هذه هي المبادئ العامة والغايات الكبرى والأهداف التي ينبغي السعي للالتفاف حولها أما من حيث الأسلوب فتوجيه القرآن حاضر أيضا في قوله تعالى :"وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ(46) العنكبوت

الجدال والحوار بالحسنى والحسنى من الحسن أي بالأسلوب الحسن أو الأحسن وليس شيئا أقل من ذلك .

أما الأمور التي يجب الجدال فيها وتصحيحها فمنها:

-أمور عقدية

هي أمور لها علاقة بمفهوم التوحيد عند النصارى واليهود, وقد عرض القرآن صور شركهم وقدم الإجابة عليها ومن ذلك :

- الاعتقاد بأن الله كالبشر يتزوج وينجب , وقد جاء في  ذلك قوله عز وجل :" وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) يونس

وجاء ذلك أيضا في قوله تعالى :" وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ

وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ

ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ   (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّه وَالْمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ

وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)   التوبة

- الاعتقاد بأن الله يمكن أن يتمثل في بشر أو أن يتمثل به بشر جاء ذلك في قوله  عز وجل :"لقد كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ بْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَواتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)المائدة

وقوله :" لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ بْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)المائدة

- الاعتقاد بأن الله له شركاء وليس فردا واحدا جاء ذلك في قوله جل ذكره :" لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)

أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)

مَا الْمَسِيحُ بْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75)

قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) المائدة

وقال تعالى جده :" إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ

فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ

إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَد  . ٌ

لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171)

لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ

وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172)

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ

وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا.

 

مخالفات تصورية

- ذنوب متعلقة بالتصور في صفات الله ومنها قول اليهود " وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوابَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ(64)المائدة

-  مخالفات سلوكية

ذّكر القرآن  أهل الكتاب في زمن التنزيل ببعض المخالفات  السلوكية في حق الغير ,ومن ذلك قوله عز وجل :" وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62)

لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63)...

 

مخالفات سلوكية اجتماعية :

الأصل في المجتمعات المتماسكة أن تصلح الأخطاء التي يقع فيها أبناؤها ولا تسكت عليها خشية أن يستشري الفساد في المجتمع  "عقوبات متعلقة بالمعاصي و الذنوب دون أمر بمعروف أو نهي عن منكر :"لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)المائدة

 

العقوبات على قدر الذنوب

ينص القرآن الكريم على عقوبات نزلت بحق اليهود جاء ذلك في قوله عز وجل :" فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ

وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160)

وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ

وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ

وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161)

لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162) النساء

وقوله :"كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إٍسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95)

نقض المواثيق وتحريف المعاني عن دلالاتها

فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123) البقرة).

استغلال السلطة الدينية

:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)التوبة

 

وفي النهاية أهل الكتاب ليسوا نموذجا واحدا:

" منهم المؤمنون ومنهم الفاسقون"

:" وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82)

وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85)المائدة

 

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)

 

المواقف القومية

تحول أهل الكتب السماوية في مواقفهم من بعضهم إلى مواقف أهل القوميات المتناحرة ,وأصبح كل فريق منهم يحارب الآخر على كل المستويات بما في ذلك حرمانهم من عفو الله واستحقاقهم لعقوبته ,فأخذ كل فريق منهم يصدر أحكاما بتكفير الآخر والتشكيك في عقيدته , وقد سجل القرآن هذه الظاهرة حيث زعمت  اليهود أنها على العقيدة الصحيحة ,وعليه فهي المستحقة للجنة وكذلك زعم النصارى أنهم أصحاب نفس الظاهرة , قال تعالى :" وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ

وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ

كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ

فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة

وقالت اليهود والنصارى بأن المسلمين أيضا ليسوا على شيء :" وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ, قُلْ :هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111 البقرة ) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) البقرة

 

وأخيرا جاء دور المسلمين في نفس السياق إذ حكمهم على أهل الكتاب لا يختلف عن حكم أهل الكتاب عليهم ,ولهم من الحجج ما ليس لغيرهم فهم أصحاب آخر ديانة ,وأصح ديانة ,وآخر نبي ,وأفضل نبي ,وغيرهم ليس كذلك فيما يعتقدون ,ولذلك أجازوا  لأنفسهم ما لم يجوزوا لغيرهم :" لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)النساء

الأصل في قبول الإيمان من الناس هو إقرارهم بوحدانية الله ولا شيء غير وكل ما قيل غير ذلك هو زيادة في أصل الإيمان ومن ثم العمل الصالح وكل ما زيد على ذلك هو أيضا زيادة والقيد على كل هذا هو الإيمان باليوم الأخر قال عز جلاله :" إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) ...النساء

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَ‍قًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) لنساء

هذا هو حكم الله ليس بأمانيكم ولا بأماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به هذا هو التعبير القرآني المحكم ,لا  تصير الأمور بالرغبات بل تحال المصائر إلى أصل الإيمان والعمل الصالح والعلم باليوم الأخر والعمل له  .

 

الولاء والانتماء للجماعة والمنافسة والأحقاد المتبادلة

كل أهل الكتب السماوية يشعرون بالعزة والعلو و يعتقدون بأنهم يمتلكون الحقيقة  و لا يرضون من غيرهم نصحا ولا توجيها لأنهم اعتقدوا أن سلطتهم على الخلق والكون ربانية هذا حال اليهود والنصارى ابتداء ثم هو سلوكهم الذي أفضي إلى رفض كل مخالف لما عندهم ومحاولة هدمه قال تعالى :"وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)

مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ألَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106)البقرة

وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69)آل عمران

 

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)

وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78)

وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)البقرة

وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)

) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)

لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا

قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)

وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57)

 

الأصل في أهل الكتب السماوية أن يكون ولاؤهم واحد لما بينهم من القواسم المشتركة ولا يجوز لهم موالاة غير كتابي من المشركين ليعادوا به كتابيا أو ينصروا مشركا على كتابي ,قال تعالى :"تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80)

وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) المائدة.

 

الإسلام  دين جميع الأنبياء

غالبا ما نحاجج في كفر أهل الكتاب بكونهم غير مسلمين استدلالا بقوله تعالى :" قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) آل عمران

وهذه القضية أيضا من القضايا المتطورة في فهمنا المعاصر إذ كنا نعتقد بأن الإسلام هو دين محمد عليه السلام ودين  أمة محمد لا غير ثم أدركنا بأن الإسلام هو دين جميع الأنبياء وهذا ما يؤكده القرآن الكريم في أكثر من موضع ومن ذلك :"  أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) البقرة

وقوله:"  قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) البقرة

وقوله:" فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)آل عمران

وقوله :" وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)النساء

(66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)

 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)النساء

 

الخلاصة

في ختام هذا البحث نقول بأن دراسة القضايا المتعلقة بأمور وردت في القرآن يجب العودة فيها للقرآن وبخاصة إذا كانت هذه القضية من القضايا التي عني بها القرآن واستفاض في استعراضها .

أهم النتائج

توصلت الدراسة إلى النتائج التالية

على أهل الكتاب التمسك بدينهم وأن يقيموا التوراة والإنجيل في حياتهم .

على أهل الكتاب تصحيح ما لحق بدياناتهم من أخطاء في التصور أو السلوك .

أصول الإيمان ثلاثة وهي الإيمان بالله واليوم الأخر والعمل الصالح .

كل الناس مجزيون بأعمالهم ومحاسبون عليها المؤمن والكافر ولا يحق لمؤمن أن يتطاول فيظلم كافرا وإن فعل فسيجزى بعمله .

لا يحق لمؤمن صاحب كتاب سماوي  أن ينصر كافرا على مؤمن .

الـأصل في معالجة القضايا في القرآن هو التوجه للفعل ومناقشته وتصويبه وليس صاحب الفعل .

المصدر: http://www.adam.ps/adam/index.php?option=com_content&view=article&id=382...

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك