الترجمة والدين ترجمة النصوص المقدسة

 لينين لونج

محمد حبيب

كانت الدوافع إلى ترجمة النصوص المقدسة كثيرة ومتنوعة، تراوحت من الدوافع التبشيرية إلى دوافع الفضول، ومن الدوافع الهدّامة إلى دوافع الاحتفاء. ولكن ما الذي يقرر على وجه التحديد قدسية نصٍّ ما؟ وما ذلك الشيء في القدسية الذي يجعلها صعبة الترجمة أو حتى مستحيلة؟ وكيف يتعامل المترجمون مع  ضرورة الترجمة المستحيلة عندما تُفرض عليهم؟
يستحيل في القرن الحادي والعشرين، سواء على الصعيد الدول أم على صعيد المجتمعات، تجاهل نصوص الثقافات الأخرى المقدسة. ولقد استُخدمت كتابات نقّاد المدرسة ما بعد الكولونيالية ( مثل: هومي بابا، وتيجاسويني نيرانجانا( ومنظّري مدرسة النُّظُم ( مثل: جديون توري وإيتامار إيفين زوهار)، كإطار عمل تُناقش داخله قضايا تنشأ من رحم ترجمة النصوص المقدسة. وكان نقد ما بعد الكولونيالية واحداً من الأدوات المستعملة لفهم تعقيد ترجمة النصوص المقدسة بين الثقافات. ففي كتابه موقع الثقافة، نحت هومي بابا، على سبيل المثال، مصطلح "الكولونيالية التبشيرية" للإشارة إلى عمليات الاستعمار الإيديولوجي والديني الذي قامت به القوى الإمبريالية.  أمّا نظرية النُّظُم فكبيرة الفائدة على نحوٍ خاص في فهم موقع الثقافات الأمّ التي خرجت منها النصوص المقدّسة المترجمة. ويستخدم إيفين زوهار مصطلح التداخل الثقافي للإشارة إلى توطين واستيعاب الثقافة الهدف أجزاء من الذخيرة الثقافية للمجتمع المصدر. فمع ازدياد الهجرة والشتات، تصبح النصوص المقدسة على تماس مباشر مع الثقافات الأخرى، كما تصبح وسيلة لإدخال أفكار دينية مختلفة إلى جماهير جديدة. والحال، أنَّ مصطلحات كلٍّ من بابا وإيفين زوهار المفهومية تشكّل معجماً نقدياً يتيح للدارسين والنقّاد أن يفصحوا بواسطته عن مثل هذه المواجهات اللغوية والثقافية.
ما من تواصل ثقافي؛ وما من تداخل أو تبادل، إلا ويقتضي الترجمة، خصوصاً في مجال ما تعتبره كلُّ ثقافة مُعَظَّمَاً أو مقدَّساً. لكنَّ المقدس يقاوم الترجمة، لأن الفضاء الذي يحتاجه في اللغة الهدف غالباً ما يكون ممتلئاً سلفاً بمعجمٍ متاح مسبقاً ومشحون ثقافياً بإحالات محلية. وهذا ما يدفعنا لأن نفهم ذلك السطح البيني الثقافي الذي يحتاج الترجمة، لكنه يتحداها في الوقت ذاته.
إن البحث عن روحانية جديدة، أو السعي وراء الحقيقة، بل وعدم الرضا عن الأديان المألوفة هو ما جعل نصوصاً مقدسةً بديلةً موضع بحث وتمحيص على مرّ العصور الماضية. أمّا اليوم فإنَّ ضرورة فهم كيفية عمل الثقافات الأخرى من أجل العيش معاً بسلام هي التي تجعل قراءة مثل تلك النصوص وترجمتها الدقيقة أمرين حاسمين.
لقد ساعدت النصوص المترجمة من كافة الأنواع، وخصوصاً النصوص المقدسة، في تشكيل الثقافات صورتها على مرّ التاريخ. ويكاد الميراث الثقافي الأوروبي والأمريكي حتى القرن الحالي أن يكون قد تشكّل بتأثير المسيحية-اليهودية على وجه الحصر. وهذا ما جعل منظّري الترجمة الذين يعملون في هذه المنطقة الجغرافية معتادين على اعتبار النصّ المقدّس مرادفاً لـ الكتاب المقدّس ( Bible) المؤلّف من العهدين القديم والجديد. ومن المثير أن بعض القطع الأبعد أثراً في كتابة القرن العشرين حول الترجمة تستخدم كاستعارة للترجمة قصةً من العهد القديم. فالإصحاح 11: 1-9  من سفر التكوين يخبرنا أنَّ أهل الأرض كانوا ينتمون في الأصل إلى قبيلة واحدة وكانوا يتكلمون لغة واحدة. وعندما بدأوا يبنون برجاً لتعزيز قوتهم، أفشل الله عملهم ذاك بأن بلبل ألسنتهم، وجعلهم يتكلمون لغات مختلفة.  
وفي مقالته "أبراج بابل" "Des Tours de Babel"، ينكبّ جاك دريدا، الفيلسوف الفرنسي ومفكك النصوص الفلسفية, على تراث بابل. وفي قراءة دريدا، ينطوي نقض الإله كلّاً من البرج واللغة الوحيدة على استحالة إعادة بناء أي منهما. وبالمقابل، فإنَّ خلق لغات كثيرة يجعل الترجمة أمراً ضرورياً. وكما يقول دريدا، إنّ "الله يفرض الترجمة ويحرمّها في الوقت عينه". إن التبلبل الذي خلقته الأحداث في بابل يعكس ضروب التبلبل التي تحيط بكلٍّ من فعل الترجمة وسيروراته. فالمترجم يعمل لاستعادة التواصل الذي كان الله قد  قضى بتدميره، فيعمل بذلك بعكس المشيئة الإلهية. كما أنّ هنالك بلبلةً في تعدد اللغات التي تصوغ نص الإله: بلبلة ناجمة عن تعدد المعاني والتفسيرات اللتين يجب جمعهما من اللغات. فالتعددية تتضح في القراءات الكثيرة الممكنة للكلمات الفرنسية في عنوان مقالة دريدا "Des Tours de Babel"، التي غالباً ما تترك بلا ترجمة فتثبت صحة كثيرٍ من دعاويه. فبما أنَّ صيغة الجمع من أداة التعريف تُبهم جنس الاسم، فإنَّ عبارة "des tours" يمكن أن تعني "بعض الخدع"، أو "بعض الأدوار"، أو "بعض الرحلات" بالإضافة إلى المعني الأساسي "الأبراج"، "حول الأبراج"، أو "بعض الأبراج".  ثم إنَّ لفظة " des Tours " هي نفس لفظ " detours "، وتعني الانحراف عن الطريق أو حتى تفكيك البرج. ألهذا السبب يوجد كثير من الجدل حول  ترجمة النص المقدس؟ هناك كثير من التفسيرات المحتملة للحقيقة، والكثير من القراءات المحتملة لكلام الله. ألهذا السبب تقاوم النصوص المقدسة الترجمة؟
واللافت في منظور دريدا فيما يتعلّق بالنصوص المقدسة هو فكرته بأن الله قد قاوم بفعالية خدعة القوة الواحدة واللغة الواحدة ( والحقيقة الواحدة؟). لذلك تلزمنا بابل بأن نواجه تعددية في الترجمات، وأن نخاطب لغات ونصوصاً مقدسة مغايرة للغتنا ونصّنا المقدّس إذا كنا نريد أن نرى صورة العالم كاملة، الأمر الذي ينبغي أن نحاول القيام به. ولعلّنا لا نزال مبلبلين ما إذا كانت بابل تجيز الترجمة كفاعلية أو حتى تحتفي بها؛ ما نعرفه هو أن هناك إمكانية لترجمة نصـ (ـوص) الإله ترجمات متعددة وأن هذه الترجمات ستكون منقوصة. ولا يسعنا أن نعوِّل على غير التعليق المتفائل الذي أطلقه أوغسطين: "لقد ساعد هذا التعدد على الفهم في حقيقة الأمر ولم يُعقه، وعلى القرّاء أن يتبيّنوا ذلك وحسب".
ينتقد دريدا، في المقالة ذاتها، مقالة فالتر بنيامين  Die Alifgabe des Obersetzers"  ("مهمة المترجم") ويتحدى فكرته القائلة بأنَّ ترجمة النصوص الشعرية أو المقدّسة لا تبتغي التواصل مع القارئ على الدوام. ويرى بنيامين أنَّ قابلية الترجمة هي واحدة من الخاصيات الموروثة في النصّ الكلاسيكي، حيث أنَّ الترجمة تضمن للنص حياةً أخرى فتضمن بذلك بقاءه. والنص الذي يمكن تسميته نصاً كلاسيكياً هو النص الذي ينطوي في داخله على قابلية الترجمة. فالترجمة مسألة حاسمة بالنسبة إلى فكرة بقاء أي نص حياً على مرّ الزمان، لكن هذا النص يصبح مهماً على نحو خاص عندما يتكئ في منزلته على سلطته القديمة، كما هي حال معظم النصوص المقدسة. ويشير بنيامين إلى خصيصة تنزع استقرار عملية الترجمة. يقول بنيامين: "في حياته الأخرى... يخضع الأصل لتغيير". ومترجمو النصّ المقدس الذين يبحثون عن هادٍ إلهي في النصوص التي يترجمونها لا يريدون الدخول إلى فكرة التغيير عبر الترجمة.    
أمّا جورج شتاينر، من جهة أخرى، فيرى إلى الترجمة على أنّها "متضمنة حتى في التواصل الأولي". وعمل شتاينر الأساسيّ بعد بابل يستكشف الترجمة على نحوٍ منهجي باعتبارها عملية تفسير وفهم على خلفيةِ تفاعلٍ لغويٍّ معقّد. وهو يعرض لحركة التأويل، وعملية تحويل المعنى، وتحدي بابل، بكلّ تعقيداتها وعثراتها. ورؤيته لميراث بابل لا تسهّل القراءة على مترجم النص المقدس بقدر ما تؤكد على تنوع التفسيرات الممكنة. وما تقدّمه هو دعم لمقاربة سياقية، تجمع بين التحليل اللغوي والسياق الثقافي. ويسلط شتاينر الضوء، في نهاية الكتاب، على ما يسميه عالمية "internationalisation" اللغة الإنكليزية. وبعبارة أخرى، فقد استُخدمت الإنكليزية اصطناعياً كلغة اتصال لكنها خُلعت من أساسها الثقافي. ولا مناص من حدوث هذا النوع ذاته من الخلع مع النصوص المقدسة القديمة: فعندما تترجم، تخلع اللغة التي كتبت بها عن بيئتها الأصلية وعن كل وشائجها المرافقة وتداعيات الذاكرة والسياق الثقافي. وتغدو استعادة السياق واحدة من أصعب المهام على عاتق المترجم. ويبدو شتاينر متجاذباً في حلوله لهذه المشكلة الترجمية. يقول: "إنها لمفارقة ساخرة أن يكون الردّ على بابل نوع من الرطانة الخليط وليس لغة عيد العنصرة".
أفكار دريدا الفلسفية عن اللغة، وتصور بنيامين للترجمة على أنّها حياة أخرى، وتصور شتاينر للمعنى والفهم بالعلاقة مع الترجمة، كلُّ ذلك جدير بالتناول. فقد كان لأفكارهم تأثير كبير على الاتجاه الذي اتّخذته دراسات الترجمة كفرع معرفيّ، كما أثبتت أنها إطار مفيد إذ تقوم إزاءه ضروب التحقق من عمليات الترجمة.
وفي القرن الحادي والعشرين، لم يعد بالإمكان قصر نماذج الترجمة على الثقافات المسيحية: ففي أزمنة السفر الكوني والتبادل الثقافي هذه، خبرت معظم المجتمعات التداخل الثقافي الذي يعرِّضها لطرق أخرى من العيش ويعرّضها عبر ذلك إلى كتب مقدسة أخرى. هذا الوجه البينيّ أساسي لنمو المجتمع، يكتب إيفين زوهار: " لا يمكن لأي ثقافة أن تتدبّر أمورها من دون التداخل في هذه الفترة أو تلك من فترات تاريخها". فقد تضافر كلٌ من الهجرة والاقتلاع والاستعمار لقلب نماذج التوزّع الديني الجغرافية ولَفْت انتباه جمهور أوسع إلى تشكيلة أكبر من النصوص المقدسة. فالترجمة المادية لجماعةٍ ما من مكان إلى آخر تحتاج في نهاية المطاف إلى ترجمة النصوص المقدسة لتلك الجماعة إلى اللغة الهدف المضيفة إذ تندمج الأجيال في المجتمع المضيف. وكذلك، فقد أدّت الدينامية التبشيرية/ الاستعمارية إلى ترجمة بالاتجاه المعاكس: حيث تُفرض نصوصٌ على اللغة المضيفة من خارجها.
في الوقت نفسه، اتخذت دراسات الترجمة، كفرع معرفي، اتجاهات أخرى إضافةً إلى النماذج اللغوية المألوفة. وباستخدامه دراسات لغوية أساسية مثل دراسات نعوم تشومسكي ( 1957) وإي. سي. كاتفورد ( 1965)، طوّر يوجين نايدا مقاربةً سياقية لترجمة النص المقدس، مقدِّماً ما دعاه في البدء باسم "المكافئ  الدينامي" كبديل ممكن للنموذج القديم القائم على الأمانة الحرفيّة للنص المصدر كلمة مقابل كلمة. ولقد زوّد مفهوم المكافئ الدينامي أو الوظيفي، كما صار يُدعى، مترجمي النصّ المقدّس عند نايدا بإمكانية اتّباع سبل مختلفة ممكنة عبر المتاهة الثقافية. وكان لمنزلة النصّ في سياق ترجمة الكتاب المقدس أن تجعل المكافئ الوظيفي خطوة متقدمة جداً قياساً ببعض الشرّاح اللاهوتيين أمثال ديفيد كلاود (2001)، الذي كان مهتمّاً بالمرجعية والموثوقية. والحال، أنَّه كان لتوسّع الترجمة وامتدادها من حقل علم اللغة إلى عوالم الفلسفة والنظرية الثقافية أن يفتح منظورات جديدة ومفيدة.
جرت "الانعطافة الثقافية" في دراسات الترجمة عبر إدراك أنَّ النماذج اللغوية ليست كافية لالتقاط السياق اللغوي. وكانت ميري سنيل هورنباي السباقة إلى تقديم مفهوم تداخل الفروع المعرفية في نظرية الترجمة. فالنظريات اللغوية لم تقدم استراتيجيات مقنعة قادرة على التعامل مع مجالات مثل ترجمة الاستعارة أو النصوص ذات الطبقات الإيديولوجية، وهي مناطق تكثر في النصوص المقدسة. فإذا ما كانت الأولوية لإيصال المعنى، فلعلَّ المكافئات الثقافية أن تقدّم الحلّ الأمثل في بعض الأحيان.  ذلك أنَّ طبقات التفسير تتراكم بمرور الوقت في أي عمل أدبي ينتمي إلى التراث المُعْتَمَد والمُكَرَّس؛ بل إنَّ طبقات التفسير هذه تكون مرّسخةً لاهوتياً في النصوص المقدسة. وما تنطوي عليه الترجمة من تغيير لا يمكن إنجازه بسهولة إن كان يمكن أن يترتب عليه انزياح في التفسير. وعلاوة على ذلك، فإنَّ النصوص المقدسة تُلْحَق بمصطلحات شعائرية وثقافية معينة؛ وغالباً ما تكون هذه الأماكن في اللغة الهدف مشغولة سلفاً، فكيف إذن يستطيع المترجم أن يمضي في ترجمته من دون أن يدلّ ضمناً على بعده أو قربه من المصطلحات الموجودة سلفاً في اللغة الهدف؟
لم تولّد "الانعطافة الثقافية" اهتماماً بتسييق الترجمات وحسب بل وضعت أيضاً فعل الترجمة ذاته في سياق اجتماعي وأدبي. وما كان يحرزه البحث متعدد النُّظُم من تطور على يدي إيفين زوهار دعمه وشذّبه جيديون توري الذي يتفحّص الترجمة بوصفها نشاطاً  ثقافياً-اجتماعياً، ووسيلة لتعزيز لغة محدودة الانتشار أو بناء ثقافة، أو كليهما معاً. ويورد توري مثال الفريزيين في هولندا أوائل القرن العشرين الذين ساقهم تركيزهم على التسويق وعلى منزلة النصوص المرغوبة إلى ترجمة  الكتاب المقدس وأدب الأطفال الكلاسيكي الحديث كخطوة أولى باتجاه تجديد الثقافة الفريزيانية والارتقاء بها. وهناك أمثلة أخرى، سابقة. ولا يمكن أن تكون مجرد مصادفة أنَّ كلاً من الكتاب المقدس وكتاب  بوثيوس عزاء الفلسفة ( وهو نص فلسفي لاتيني رفيع المستوى) قد تُرجما إلى الكتالانية ( التي يُنطَق بها في شمال شرق أسبانيا) بين 1470 و 1480.
وعادةً ما تحتل الكتب المقدسة مكانة مركزية في أنظمتها الأدبية المتعددة. وسواء كانت مترجمةً أم لا، فإنّها سرعان ما تتخذ منزلة الأصل. وكان عمل أندريه لوفيفر الباكر على النصوص والثقافات  المركزية، وعمله على الرعاية، قد شجّعا التقصي عن كثب لقضايا مثل اختيار النصوص وتسويقها، وملكيتها،... وناشريها، وتأليفها وحقوق مؤلّفيها. وتتميّز النصوص المقدسة بتعقيدٍ شبيه بتعقيد الدعاوى المؤسساتية: فالبنية التراتبية التي تدعم كل دين يُتوقَّع منها أن تضبط ترجمة نصـ(ـوصه) الأساسية، على الأقل فيما يتعلق بتوزيعها بين المؤمنين. وفي العام 1963، خلال انعقاد المجلس الثاني للفاتيكان، وعندما أٌقِرَّ اعتماد اللغة المحلية بدلاً من اللاتينية في طقوس الكنائس الكاثوليكية، تم تشكيل اللجنة الدولية للطقوس بالإنكليزية. وقد جرى تعيين أعضائها من قبل الفاتيكان، الذي يصدر بانتظام وثائق تنصح بأسلوب ترجمة للكتب المقدسة والطقوس. وفيما يلي خلاصة أصالة الطقوس، وهي وثيقة حول استخدام اللهجة المحلية في الطقوس:
   
...... يجب الانتباه منذ البداية إلى أنَّ ترجمة النصوص الطقسية الرومانية ليست بالعمل الإبداعي المُبْتَكَر بقدر ما هي ترجمةٌ للنصوص الأصلية بدقة وأمانة إلى اللغة المحلّية. وبينما يُسمح بترتيب الكلمات والقواعد والأسلوب بطريقة تجعل النص في اللغة المحلية مناسباً لإيقاع الصلاة  الشعبية، فإنَّ النص الأصلي يجب يترجم كلّه، قدر الإمكان، وبأدقّ أسلوب دون أن تُسْقَط من محتوياته مفردات أو تُزاد عليها مفردات، ودون إعادة سبك أو شرح.  وأي تكييف للغات العامية المختلفة يجب أن يكون رصيناً و حذراً.

وغالباً ما تغوص جمعية الكتاب المقدس الأمريكي في مشاكل الترجمة النظرية واللغوية، فهي ملتزمة "تقديم ترجمة للكتب المقدسة مخلصة لترتيب الكلمات الأصلي في اللغة الأصلية لنصوص الكتاب المقدّس". ويتمحور الاهتمام الطاغي لدى الجمعيتين حول الإخلاص للأصل والاتساق العقائدي. ذلك أنَّ الترجمة يمكن أن تكون وسيلة جديّة في تحدي قراءات النص المقدّس الأرثوذكسية، أو وسيلة لخلق هوية ثقافية جديدة عبر الانفصال عن التقاليد الراسخة. فالتزمت، والعنصرية، ومعاداة المؤسسات، ومعاداة المساواة بين الجنسين وسوى ذلك من مجالات النزاع، يمكن التعبير عنها من خلال الخيارات المتاحة أثناء عملية الترجمة. فلا عجب إذاً أن تمارس الهيئات الكهنوتية سيطرة محكمة.
لا تحظى كلّ النصوص المقدسة بحواضن مؤسساتية. وقد أعاق موقف المؤسساتيين تاريخياً مقاربتها وترجمتها؛ لكن هذا الدور تقلص في العصور الحديثة بفعل الأهواء التجارية والرعاية التي تجلت في هيئة الناشر. كما ناهض الإنترنيت تلك الحصرية إلى حد ما. و من جهة أخرى، تبقى، في عديد من المناطق ، فكرة الطبعة "الموثوقة" أو الترجمة "المرخّصة" من النص المقدس. لذلك يقوم بعض أتباع الدين الموثوقين والمتحمسين بإنجاز ترجمات من أجل المؤمنين: وقد ينجزها أكاديميون من أجل بحوثهم أو كجزء من برنامج يطلقه ناشر مستعد لاستغلال سوق محدد.
يميل التعامل مع نصوص مقدسة متموضعة على هامش ثقافة أدبية متعددة النُّظُم لأن يكون أكثر تحرراً من التعامل مع النصوص المركزية، وهي عادةً ما تحظى بأهمية أقلّ في الترجمة ما لم تطرأ أسباب سياسية ما. فقد تؤدّي مواجهات سياسية مع دول ذات عقائد دينية مختلفة أو يفضي تبشيرٌ داخلي إلى اهتمام مؤقت بترجمة نصوص مقدسة ذات صلة ونشرها. وقد يكون تدفق المهاجرين أو اللاجئين المحفز المستقبلي لترجمة نصوص مقدسة كانت هامشية فيما مضى إلى اللغة المضيفة. ويترجّح هذا الوضع بين مدٍّ وجزر على مرّ التاريخ وفقاً لهجرة البشر عبر العالم. ولدى البشر نزعة للارتباط الوثيق مع ما يجري في رقعتهم الجغرافية الضيقة إلى درجة يصعب عليهم معها أن يربطوا حالتهم بتغيرات في مناطق أخرى من العالم ويُصدمون إذا ما واجهوا إيديولوجيات مغايرة. والحال، إن مسألة ملكية النص، وتأليفه، وموقعه في النُّظُم المتعددة المصدر والهدف، والدافع وراء ترجمته، وإيديولوجية المترجم، وطريقة تسويق النص، ومقروئيته المتوخّاة، كلُّ ذلك يؤثّر على الطريقة التي تُقَارَب بها الترجمة.
وبالنظر إلى تعقيدات عملية الترجمة، من الضروري أن يدرك قرّاء النصوص المقدسة ضروب التحولات والعمليات التي يمكن أن تحدث. وممارسي الترجمة ومنظّريها هم في موقع فريد يمكنهم من الوصول إلى محتوى النصوص المقدسة مع بعض الفهم للطريقة التي تؤثّر بها إجراءات الترجمة على النقل بين لغتين.

المصدر: http://syrbook.gov.sy/content/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85%D8%A9...

 

الحوار الخارجي: 
أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك