الإسلام دين الله .. فأين الخلل؟
حين شرّع الله تعالى الدين الإسلامي كخاتم لأديانه السماوية، وحين أرسل النبي محمد صلى الله عليه وآله كخاتم لأنبيائه بالرسالة الإسلامية . أراد عزوجل بذلك أن يكون الدين الإسلامي هو المسيّر للحياة عموماً، وهو المنهج الذي يسير عليه الجميع باعتبار أن الجميع يعتنقون الدين الإسلامي، لان الدين يبرز مكنونات الإنسان الراقية والسامية ويظهر جميع جوانبه الايجابية ويستشرف أرقى المثل والقيم لديه.
وفعلاً كانت النظرية الإسلامية في زمن نبيها (ص) هي المنهج وهي الطريق الذي يسير بهديه الناس من المسلمين الذين آمنوا بالرسالة وآمنوا بالرسول ولم يكونوا إلا أناس مطيعين للأوامر الإلهية التي تتنزّل عليهم عن طريق الوحي ولسان الرسول الذي لا ينطق عن الهوى إن هو ألا وحي يوحى.
واستمر الحال حتى فارق النبي الحياة الدنيا حيث بدأت الفتن والمشاكل الداخلية تصيب العمق الإسلامي وتشتت شمل المسلمين الأوائل الذين حوصروا بوابل من الفتن الكبيرة التي كان أولها قضية الخلافة وسقيفة بني ساعدة التي أسست لإسلام جديد ونظرية جديدة باسم هذا الدين تقوم على أساس الغاية تبرر الوسيلة وعلى أساس رفض وتأويل القرآن والأحاديث النبوية بما يتناسب مع المصالح الشخصية والفئوية والقبلية.
ومنذ ذلك العهد وحتى وقتنا الحاضر لم يعش المسلمون حياة هانئة بل أن الحروب والاقتتال الداخلي وصراع الجبابرة والاستعمار الخارجي هو الشيء الذي تعودت عليه الشعوب وكانت بعض الفئات تقوم بين الحين والآخر بثورات وانتفاضات ضد الأنظمة الحاكمة أو ضد الاستعمار الظالم لكهنا كانت تبوء بالفشل بسبب سياسة القتل والحديد والنار التي تتبعها الحكومات الجائرة.
بعد انتهاء فترة الاستعمار الخارجي بدأت الدول الغربية تفكر باستعمار آخر تسيطر به على البلدان الإسلامية دون حروب أو تدخل واضح فاتخذت من صناعة عدد من الرؤساء والملوك والأمراء وسيلة لذلك الهدف الخالد الذي يتمثل بإسقاط النظرية الإسلامية ومحوها من الوجود. وفعلاً استمرت هذه العملية عشرات السنين أي بعد سقوط الاستعمار العثماني على وجه التحديد حيث جيء برؤساء وملوك حسب المقاسات المطلوبة فكانوا أداوت مطيعة للأوامر وكانوا بيادق تحركهم الإدارات الأمريكية والبريطانية حيثما تشاء.
استمرت تلك المرحلة بنجاح حتى ظهر جناح إسلامي أو يدعي الإسلام متمثلاً بالسلفية والوهابية التي ترفع شعار الجهاد ضد المصالح الأمريكية أينما وجدت فكانت ضربة 11 أيلول لأبراج التجارة في أمريكا هي البداية الجديدة للعلاقة بين الإدارة الأمريكية وبين الرؤساء العرب إذ تم إقرار قانون الشرق الأوسط الجديد الذي لم يتم فهمه بالشكل الكامل من قبل المراقب والمحلل وكذلك الإنسان العادي حتى الآن .
إلا أن ما بدأت به الإدارة الأمريكية هو القضاء على تنظيم القاعدة الوهابي وبدأت بحربها ضده من خلال بوابة أفغانستان التي كانت وكراً ومرتعاً لذلك التنظيم الذي يدعي الإسلام.
وفي خضم تلك الحرب الدائرة في أفغانستان تتخذ الإدارة الأمريكية قراراً جريئاً وتاريخياً بضرورة تحرير العراق من حكم صدام متهمة إياه بامتلاك أسلحة دمار شامل ومساعدته لتنظيم القاعدة.
وانتهت صفحة طويلة من العمالة والانصياع للغرب بإعدام صدام بعد دخول القوات الأمريكية للعراق وهزيمة جيش البعث وقواته الأمنية العديدة على يد التحالف الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية والمتكون من 31 دولة .
بدأت مرحلة جديدة في حياة العراقيين متمثلة بوجود حكومة عراقية وبرلمان عراقي اغلب أعضاءه من الإسلاميين وهو الأمر الذي يعتبر بمثابة حلم لأغلب العراقيين أن تكون الدولة العراقية محكومة بالنظرية الإسلامية أي على طراز حكومة الرسول محمد (ص). فكانت الخطوة الأولى من الحاكم المدني بول بريمر تشكيل مجلس حكم يمثل جميع فئات الشعب العراقي وكان يصر على تقسيم العراقيين إلى سنة وشيعة وأكراد وغيرهم من القوميات والأديان بشكل يثير الاستغراب آنذاك إلا أننا فهمناه بعد أن تحول العراق إلى دولة طائفية وحكومات طائفية وشعب طائفي! وهي بداية لتشتيت الفكر ومرحلة للتعمية على مخططات الغرب بإظهار الدين الإسلامي دين مشتت ودين متفسخ ودين لا يستطيع أن يبني دول أو يصنع حكومات.
فبعد عشرة سنوات من حكم الإسلاميين العراق الذين (سيسوا) الدين لمصالحهم ومصالح أحزابهم لم يحصل الفرد العراقي على ابسط الحقوق المنصوصة في النظرية الإسلامية مما حدا بالشعب أن يطالب باستبدالهم وتغييرهم بآخرين حتى لو لم يكونوا إسلاميين لان المهم لدى الشعب هو تقديم الخدمات واحترام الحقوق التي ضاعت في عهد الإسلام الذي اخذ اسماً آخر هو الإسلام السياسي من أجل خلط الدين مع السياسة بصورة تشوه هذا الدين الحنيف الخالد.
بعد أن تم إيصال الشعب العراقي إلى مراحل متقدمة من رفض النظرية الإسلامية ورفض الأحزاب الإسلامية الحاكمة، تحركت الأصابع الخفية لتدير الرفض الشعبي العربي الكبير في عدة دول مثل تونس وليبيا واليمن ومصر بما سمي بالربيع العربي، انتهى بإسقاط حكومات تلك الدولة واستبدالها بحكم إسلامي متطرف وخصوصاً في مصر حيث حكم الإخوان المسلمون وهم كانوا من أشد المعادين لإسرائيل وأمريكا! إلا أن عداءهم اختلف وتحول إلى عداء للحكومات العربية وأنظمتها الأمر الذي دعا رئيس مصر الاخواني المنتخب محمد مرسي أن يقوم بقطع العلاقات مع سوريا ويتهم الشيعة بأبشع التهم والكلام وفي حادثة مروعة وجريمة كبرى تم قتل مجموعة من الشيعة في احد احياء مصر بسبب انتماءهم لمذهب أهل البيت (ع) وكان من بينهم العالم الديني والداعية الإسلامي الشيخ حسن شحاتة. فما كان من الشعب المصري ومن خلفه الأصابع الخفية إلا أن قام بثورة عارمة واعتصام مليوني في ساحة التحرير التي أسقطت قبل سنة حكم حسني مبارك . وبمساعدة الجيش المصري تم عزل الرئيس المصري محمد مرسي وإنهاء حكم الاخوان المسلمين وبالتالي إفشال مصطلح الإسلام أينما وجد.
ومازالت الخارطة تسير وفق ما مخطط لها من قبل الإدارات العالمية التي تخطط لنا وترسم لنا وتسيرنا كيفما تشاء وكيفما ترغب بمساعدة الحكام الخونة والعقول الفاسدة والدكتاتوريات المتعددة.
أتصور أن أمريكا المعروفة بأنها لا تملك أصدقاء ثابتين أو أعداء ثابتين لكنها تحافظ على مصالح ثابتة، قد قررت أن تغير بوصلة الحياة العامة في البلدان الإسلامية وتحولها إلى بلدان غربية الطراز من خلال توفير كل مستلزمات الحضارة الغربية من فضائيات وإعلام وتطور الكتروني وغيره عبر إيجاد منظومة رؤساء ليبراليين وعلمانيين يكونون متوافقين مع توجهات وأفكار الإدارات الغربية مع تحقيقهم لطموحات شعوبهم التي ستكون في ذلك الوقت راضية عنهم ولن تتقبل أن يحكمهم أي شخص باسم الإسلام.
أنا اعتقد أن هذا هو المخطط الأكبر لمواجهة الخطر الأكبر الذي ينتظر الغرب حين يظهر المنقذ المنتظر ليحكم باسم الإسلام والنظرية الإسلامية التي أثبتت الوقائع التاريخية أنها النظرية الأكثر خلوداً من بين جميع النظريات بدليل فشلها جميعاً وانقراضها تماماً باستثناء النظرية الإسلامية التي ستبقى خالدة إلى يوم القيامة. إلا أن من قاموا باسمها لم يكونوا بمستوى النظرية فانا اعتقد وكما قال المفكر الإسلامي محمد باقر الصدر إن الإسلام يقود الحياة.
وأعتقد كذلك إننا نحتاج إلى إعادة بناء وترميم المجتمع العربي وإعادة صياغة ثقافة الحكم والتحكم بمصيرنا لكي نستوعب التبدل والتغيير الذي حصل، وان لا نحكم بعنوان أننا معارضة وأننا محكومون؛ بل نحن الحكام ونحن من نبني البلد، ولا يجب أن نستسلم للدكتاتوريات السائدة التي كانت السبب الرئيس في تشويه صورة الإسلام من خلال فسادها وعدم تطبيق مبادئ الدين الإسلامي.
المصدر: http://mail.almothaqaf.com/index.php/qadaya/76660.html