احترام الاخر وثقافة الحوار البناء
في حقيقة الأمر قد يبدو لبعضنا أن هذا العنوان الفضفاض يستوجب أن يكون هناك حدود ترسم له وتعريف يحدد أطره , فمن هو الآخر المقصود هنا ؟ هل هو الآخر الغربي مثلا باعتبار أننا شرقيون؟ هل هو الآخر الرجل باعتبار أنني امرأة؟ وهل وهل ؟ وفي الحقيقة الآخر هو كل آخر بغض النظر عن الدين, الجنس, العرق أو اللون أو الانتماء.
و ملاحظ جدا في عصرنا الحالي على الرغم من الثورة التقنية الكبيرة ووسائط الاتصال الحسية – إن صح التعبير- إلا أننا مازلنا فاشلين في حوارنا مع الآخر, وان ماتشهده الساحة العالمية من حروب وثقافة كره وإلغاء هو ناتج عن هذا التراكم التاريخي لكره الآخر والرغبة في إقصائه . ففي التاريخ الإنساني كثير من الأمثلة , سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات.
و في الحقيقة اسمحوا لي أن اطرح تساؤل مبني على تجربة قد يكون مر بها أي منا. كثيرا ما نقرأ وسمع عن أقول واتهامات يوجهها الغربيون – وبالتأكيد ليس كلهم- إلى الإسلام واتهامهم إياه بالإرهاب, كما أن من يتصفح تاريخ الفكر الاستشراقي يلاحظ اللغط الذي صار وكيف كانت الصورة التي رسمها الغرب عن" آخره" صورة مجحفة . لكن كما قلت الآخر ليس بالضرورة هو ذاك الآخر الذي تفصلنا عنه حدود جغرافية أو زمنية , فقد يكون الآخر زميلك في العمل أو صديق يختلف عنك لكننكم بالرغم من ذلك أصدقاء!
والتساؤل القائم هنا لماذا نجحت أن تكون صديقه ومخلصا له ويبادلك الشئ ذاته رغم اختلافكما ربما بالمعتقد والانتماء والتصورات المختلفة عن الحياة؟ حسنا الجواب بديهي لأان كلا منكما يحترم الآخر ويحترم اختلافه.
وهذا الاحترام أوجد تلك الأرضية الصلبة من التفاهم والقبول .
واسمحوا لي أن أدرج بعض النقاط التي أعتقد أنها ضرورية لنجاح أية عملية حوار.
أولا لابد من احترام الطرف الآخر مهما كان يبدو غريبا عن السائد وقبوله , والقبول طبعا لا يعني تبني رأيه فقد لا نوافقه الرأي لكننا نحترمه. ومن ثم إيجاد أرضية حوار تعمل بمبدأ الأخذ والعطاء فقد تكون هناك نقاط لا أفهمها وأجهلها أنا وأصر على رأي وبالتالي أكون تعصبت لفكرة خاطئة , لذلك عند قبول الاختلاف سيكون من السهل التحاور وفهم وجهة نظر الشخص الآخر .
وأيضا لابد من الأخذ بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام " رد أخاك ظالما أو مظلوما , فقلنا نرده مظلوما يا رسول الله فكيف نرده ظالما , قال تردونه عن ظلمه" وبالتالي فعندما نحاور الآخرين ولا نتفق معهم لا يجب أن نغلق الحديث وتحشرهم في زاوية وكأنهم جهلة أو خارجين عن العرف والمألوف.
وربما أكثر شئ مهم في ثقافة الحوار هو مساعدة الشخص الآخر على تفهمنا بعد أن يكسب ثقتنا واحترامنا وعندها سيكون سهلا التخاطب معه وإيجاد حوار بناء. وضروري أيضا أن نبحث عن الخصال الحميدة في الأخريين وحتى مهما بدت آراؤهم غريبة ولنقل حتى " شاذة" – مع التحفظ على المعايير التي نصف بها الأشياء شاذة أم غير شاذة- وربما يكون من المفيد في لغة الحوار البناء أيضا عدم استخدام عبارات من قبيل "أنا لا أقبل رأيك , "أتحداك تجد الجواب" والأكثر لا داعي مهما كان لاستخدام كلمات نابية وتقريع أو تجريح , وحقيقة الأمر أصاب بالصدمة عند قراءة مقال يحرص صاحبه رغم ادعاء المعرفة والتحلي بالثقافة على زج كل أسماء الحيوانات ليصف بها الشخص الأخر – استغفر الله- والأكثر تجد منا من يتباهى بفظاظة كلماته.
وأنا هنا لست منظرة ولا داعية ولا احلم بجمهورية أفلاطونية وأنا مجرد عابرة سبيل ومنكم أتعلم وسأبقى أتعلم.
ناهد تاج هاشم ...