Browse: Home / الجلسة الأولى / ظاهرة التطرف الديني والفكري في المجتمعات المسلمة وأثرها على الوحدة والتنمية – د.محمد طاهر منصوري ظاهرة التطرف الديني والفكري في المجتمعات المسلمة وأثرها على الوحدة والتنمية

د.محمد طاهر منصوري

روى عن عائشة رضي الله عنها: “إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق

ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواء” (رواه مسلم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد؛

الإخوة الكرام

في البداية أود أن أتقدم بأسمى آيات الشكر والامتنان لمنظمي المؤتمر لإتاحة الفرصة لي أن أتحدث حول ظاهرة التطرف والعنف والإرهاب في المجتمعات المسلمة وكيف أثرت هذه الظاهرة المؤلمة على وحدة الأمة وكيانها والتنمية الاقتصادية فيها. يسعدني ويشرفني أن أساهم مع إخواني وزملائي المشاركين في هذا المؤتمر العلمي واللقاء التميز في مناقشة جوانب هذا الموضوع. أسأل الله العظيم أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه. ويسدّد خطى الجميع على طريق الخير.

إن الإسلام دين الرحمة والتسامح والوسطية. وقد تميزت هذه الأمة عن غيرها من الأمم بكونها أمة الوسطية، كما قال عز وجل:

“وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهدا على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا” أي خيارا عدولا قد بلغتم الذرى في السمو والشرف. والدلالة الاصطلاحية لمدلول الوسطية تعني التوازن والاعتدال والسمو والرفعة بين طرفي الغلو والتقصير. فالوسطية منزلة بين طرفين كلاهما مذموم.

وتميزّ ديننا بالسماحة والسير ورفع الحرج عن أتباعه ومع هذا الوصف لهذه الأمة والدين، إلا أن أقواما خالفوا مقصد الشارع الحكيم وخرجوا عن سمة أمة الوسط والاعتدال وتنكبوا الطريق السوي وانحرفوا عن المنهج الصحيح ونزعوا إلى الغلو والتشدد.

هذه الظاهرة المؤلمة قد أعطت فرصة لأعداء الإسلام لشن حملة ظالمة من الافتراءات والمزاعم التي أرادت أن تلصق بالإسلام تهم التعصب والإرهاب وعدم التسامح وغير ذلك من الدعاوى التي لا أصل لها في الإسلام ولا سند لها في العلم ولا من الواقع التاريخي. فكان هؤلاء بقصد منهم أو بغير قصد عونا لأعداء هذه الأمة على تحقيق مرادهم في النيل من الإسلام وأهله.

وقد حاولت ف هذا البحث التعريف بظاهرة التطرف الديني والفكري مبينا مظاهرها وأسبابها وموقف الشريعة منها. كما تحدثت فيه عن آثاره السلبية على الوحدة والتنمية في المجتمعات المسلمة وخاصة في المجتمع الباكستاني.

تعريف التطرف الديني:

التطرف هو مجاوزة العدو الغلو في الدين، وهو التصلب فيه والتشدد حتى مجاوزة الحد فهو مجاوزة الاعتدال في الأمر

وأطلق العلماء قديما كلمة التطرف الديني على القائل المخالف للشرع وعلى القول المخالف للشرع وعلى الفعل المخالف للشرع. فهو فهم النصوص الشرعية فهما بعيدا عن مقصود الشارع وروح الإسلام فالتطرف في الدين هو الفهم الذي يؤدي إلى إحدى النتيجتين المكروهتين، وهما الإفراط أو التفريط. والمتطرف في الدين هو المتجاوز حدوده والجافي عن أحكامه وهديه، فكل مغال في دينه متطرف فيه مجاف لوسطيته ويسره.  (التطرف في الدين، دراسة شرعية ــ إعداد: د. محمد بن عبد الرزاق، بحث مقدم للمؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب 2004م ص5، 6).

تعريف الغلو:

والكلمة أخرى ذات الصلة بالتطرف هي الغلو. لقد بيّن العلماء الغلو في الدين. ومن ذلك ما قاله النووي: “الغلو هو الزيادة على ما يطلب شرعا” وقال ابن حجر: هو المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد” لذا ليكن القول: إن الغلو تجاوز ما أمر الله تعالى من جهة التشديد.

حكم التطرف والغلو في الإسلام:

لقد ذمت الشريعة التطرف والغلو في الدين. فقال الله تعالى: “قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق) (المائدة:77) يقول ابن كثير رحمه الله “ينهي تعالى أهل الكتاب عن الغلو والإطراء، وهذا كثير في النصارى، فإنهم تجاوزا الحد في عيسى حتى رفعوه فوق المنزلة التي أعطاه الله إياها” (تفسير ابن كثير 1/589.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” هلك المتنطعون”  قالها ثلاثا (شرح النووي على صحيح مسلم 16/220) قال النووي: أي المتعمقون ــ الغالون، المتجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم (اعلام الموقعين، 4/150) قال ابن مسعود: “إياكم والبدع وإياكم والتنطع وإياكم والتعمق وعليكم بالدين العتيق” (اعانة الطالبين 1/131).

قال ابن حجر: وفيه التحذير من الغلو في الديانة والتنطع في العبادة بالحمل على النفس فيما لم يأذن فيه الشرع، وقد وصف الشارع الشريعة بأنها سهلة سمحة. (فتح الباري 12/301).

وقال عليه الصلاة والسلام أيضا: “إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين” (رواه الإمام أحمد 1/215، 247).

قال ابن القيم رحمه الله: “ما أمره الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان إما إلى تفريط وإضاعة وإما إلى إفراط وغلو ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه. فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له، فالغالي فيه مضيع له، هذا بتقصيره عن الحد وهذا بتجاوز الحد (مدارج السالكين 2/496)

ففي هذه النصوص من النهي الصريح عن الغلو واتباع سبيل أهله ما يكفي المسلم في الابتعاد عنه والتحذير من أهله.

أسباب ومظاهر التطرف الديني والفكري:

من أهم أسباب التطرف الديني هو سوء الفهم عن الدين والتعصب للرأي وعدم الاعتراف بالرأي الآخر وخاصة في الأمور الاجتهادية، فبسبب سوء الفهم والتعصب للرأي يجعل المتطرف الأمور الاجتهادية أمورا مقطوعة ليس فيها إلا قولا واحدا وهو قوله ورأيه.

ويقول الدكتور يوسف القرضاوي: “إن أولى دلائل التطرف هي التعصب للرأي تعصبا لا يعترف معه للآخرين بوجود، وجمود الشخص على فهمه جمودا لا يسمح له برؤية واضحة لمصالح الخلق… والعجيب أن من هؤلاء من يجيز لنفسه أن يجتهد في أعوص المسائل وأغمض القضايا ويفتي فيها بما يلوح له من رأي. وافق فيه أو خالف، ولكنه لا يجيز لعلماء العصر المتخصصين، منفردين أو مجتمعين أن يجتهدوا في رأي يخالف ما ذهب إليه”.

(القرضاوي، الصحوة الإسلامية بين الجهود والتطرف الفصل الأول، مظاهر التطرف).

إن التعصب مرض خطير نهى عنه الإسلام نهيا شديدا سواء أكان هذا التعصب في مجال الاعتقاد أو في مجال التحيز لفئة على حساب أخرى أو في مجال التعصب لرأي النفس أو المذهب.

هذا التعصب للرأي وسوء الفهم عن الدين يظهر في اشكال وصور عديدة.  ونذكر هنا أهم هذه المظاهر في المجتمعات المسلمة وخاصة في المجتمع الباكستاني.

أولا: الفكر التكفيري

من أخطر آثار الغلو والتطرف انتشار الفكر التكفيري في المجتمعات المسلمة أن أصحاب هذا الفكر يسرفون في تضليل الناس وتكفيرهم ويستبيحون دمائهم وأموالهم. هؤلاء يقتلون المسلمين الأبرياء لمجرد أنهم يخالفونهم في الرأي ويتوعدون كل من خالفهم في الدين بالإبادة.

ومن هؤلاء من يكفر الحكومات والأنظمة التي تحكم بالقوانين الوضعية ويحكمون بارتداء جميع العاملين في قطاعات القضاء والبرلمان والإدارات الحكومية والجيش والشرطة الذي يبرّر سفك دمائهم ويعتبر هؤلاء الرجوع إلى المحاكم تحاكما إلى الطاغوت.

وغني عن البيان أن دولة باكستان بنيت على اسم الإسلام التي اتخذت الإسلام منهجا ودستورا لها، وقد تم أسلمة القوانين في عهود مختلفة من الحكم الباكستاني وتمت مراجعة عدة قوانين وضعية وحذف منها ما كان مخالفا للشريعة فلا يمكن وصف مراجعة المواطنين الباكستانيين للمحاكم الباكستانية بانه التحاكم إلى الطاغوت ويكفر المسلم بالرجوع إلى هذه المحاكم.

من الواضح أن هذه الفتاوى تمثل تطرفا واضحا في الفكر والمنهج تناقضها نصوص الشرع الصريحة ومنهج أهل السنة والجماعة

ومما يجدر التنويه به أن التكفير مبدأ يرفضه الدين ويحذر منه، ويكفي أن لدينا عددا من النصوص الصحيحة الصريحة المتواترة في التحذير عن التكفير ومنها على سبيل المثال:

عن أبى هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما”

وعن أبى ذر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من دعا رجلا بالكفر أو قال عَدُوَّا الله وليس كذلك إلا حارَ عليه”.

وعن ثابت بن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم قالك لعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله”.

هذه النصوص صريحة في التحذير من تكفير المسلمين. ومن الأصول العقدية التي دلت عليها نصوص كثيرة من الكتاب والسنة وأجمعت عليها الأمة عدم تكفير مرتكب المعصية التي دون الشرك بالله ما لم يستحلها، أو يدل دليل قاطع على كفر مرتكبها، وأنه ليس كل من فعل الكفر أو قاله يكون كافرا، لأنه قد يكون جاهلا أو متأولا أو مكرها أو مخطأ.

ومما يلاحظ أن الخوارج هم أول من أظهر التكفير في الأمة، فكفروا المسلم بالذنوب واستحلوا دمه وماله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ولهذا يجب الاحتراز من تكفير المسلمين بالذنوب والخطايا، فإنه اول بدعة ظهرت في الإسلام فكفر اهلها المسلمين واستحلوا دمائهم وأموالهم” (انظر: مجموع الفتاوى 13/91).

وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي: ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله، ولا نقول لا يضر مع الإمام ذنب لمن عمله (شرح العقيدة الطحاوية، ص55).

ثانيا: اتهام جهود الإصلاح عن طريق السياسة بالكفر والزندقة:

إن اتهاد جهود الإصلاح عن طريق الإسهام في الفعاليات السياسية المختلفة فهم مجانب للوسطية الإسلامية، وحقيقة هذا الدين، ومن هذا القبيل قولهم إن الديمقراطية والمشاركة في فعاليات النظام الديمقراطي كفر، وهذا الامر قد تكلم فيه الشيخ القرضاوي حيث بين أن الديمقراطية ليس مناقضا وضدا للإسلام بل الديمقراطية تصنف ضد الاستبداد وأن أهم مبادئ الديمقراطية هو حق الشعب في انتخاب القيادة السياسية، وفي محاسبة المسؤولين وعزلهم، وإعادة دور المؤسسات المدنية في الضغط على السلطة السياسية لتكون متوافقة مع تطلعات الشعب وتوجهاته، والذي لا يجوز في ذلك هو الاتفاق على تشريع الأحكام المخالفة لشرع الله عز وجل، وهذا ما لا يقول به مسلم، ولكن ما وراء ذلك فإن الشعوب الإسلامية بحاجة إلى الخروج من حلقات الاستبداد السياسي الذي هو من اهم أسباب تخلف المجتمعات الإسلامية.

إن المشاركة السياسية لأجل التغيير نحو الأحسن في مجالات الحياة المختلفة قد تغيب عن العقلية المتدينة المتشددة التي ابتعدت عن الفهم الوسطى للدين الإسلامي، فاتخذت العنف وسيلة لكل تغيير في المجتمع، بينما آليات المشاركة السياسية سواء أكان في مجال المجالس التشريعية والنيابية أو مؤسسات المجتمع المدني يكون اكثر تأثيرا في واقع الشأن الباكستاني من القيام باعمال العنف، حيث إن العمل من خلال المؤسسات السياسية والتشريعية القائمة لاجل التغيير والقيام بالإصلاحات يكون أكثر عمليا ولا يسبب أضرار على مستقبل البلد ولا يهدد أمن البلد واستقراره.

ثالثا: التعامل مع غير المسلمين:

إن الإسلام لا يكره أحدا على الاعتناق بدين الإسلام (لا إكراه في الدين) كما أن الرأي الغالب في الفقه الإسلامي كما بينه الدكتور وهبة الزحيلي أن القتال في الإسلام له ثلاثة اسباب (دفع الاعتداء، نصرة المظلوم، وتأمين حرية العقيدة) والإسلام قد ركز على التعايش السلمي بين الأديان، وصحيفة المدينة المنورة (بين المسلمين واليهود) هو خير دليل على ذلك بينما بعض الجهلة بحقيقة الدين الإسلامي يشيع في الأوساط المتدينين أن مجرد الكفر هو سبب كاف لاستباحة الدماء وهذا جهل بالدين يناقضه صريح الآيات من القرآن الكريم والسنة النبوية والخبرة العملية للتاريخ الإسلامي.

ومما يجب التنويه به أن الإسلام لا يمانع من بر غير المسلمين ما داموا مسالمين فقال تعالى: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”.

رابعا: سوء الفهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

إن عدم فهم حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أدى إلى إشكالات كبيرة في ساحة العمل الإسلامي في باكستان، حيث إن فئة من الذين يسعون إلى تغيير المنكرات في المجتمع عمدوا إلى استخدام القوة في تغيير المنكر، فقاموا باستخدام العنف من قبيل التدمير والإحراق للمباني وقتل الأفراد واختطافهم، وظنت هذه الفئة ان الجماعات الإسلامية لها الحق في إقامة الحدود واخذ الناس بالقوة على الأحكام الشرعية، ويوجد لها من الصلاحيات الشرعية التي توجد للدولة الإسلامية، فلها أن تعاقب المجرمين، ولها أن يقوم بإقفال أو حرق الأماكن التجارية التي يتم الاستفادة منها في نشاط مشبوه أو غير شرعي، ومن هذا القبيل كسر أماكن بيع اشرطة الكاسيت التي بها اغاني وافلام، أو كسر المسجلات في السوق أو كسر المسجلات في السيارات التي تقوم بتشغيل الأغاني في سياراتهم أو يشاهدون الافلام في تلك السيارات. وهذا الفهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان من أهم أسباب الحادثة المؤلمة التي حدثت في لال مسجد في مدينة إسلام آباد في عام 2007م.

خامسا: الموقف تجاه مشاركة المرأة:

إن بعض المتدينين يقفون حجر عثرة في وجه مشاركة المرأة في بناء المجتمع، مع أن الله عز وجل خلق الإنسان ذكرا وأنثى في هذه الحياة الدنيا لعبادته وهي حركة الإنسان وفق شرع الله في تذكية النفس، وتنظيم المجتمع، وعمارة الأرضن، وإن تعطيل القدرات والطاقات عن تحقيق ذلك المقاصد عمل مخالف لشرع الله عز وجل، كما أن المرأة هي نصف المجتمع وإن فاعليتها وقيامها بوظائفها المجتمعية تجعل المجتمع أكثر قدرة على الشهود الحضاري والعيش على مستوى التحدي والتفوق في العطاء والتأثير في المجتمعات الأخرى، كما أن قعودها عن وظائفها المجتمعية وبذل قدراتها وطاقاتها لتحقيق اهداف مجتمعية يكون سببا في ركود المجتمع وتخلفها عن ركب الحضارة والعطاء الإنساني، والأمة الإسلامية قد خسرت كثيرا في العصور المتأخرة عندما لم تفلح في الاستفادة من قدراتها البشرية بصورة مثلى لامنها القومي وشهودها الحضاري، وبالأخص إقعادها المرأة عن مسؤولياتها المجتمعية باسم الدين، ناسية في ذلك الوظائف المجتمعية التي لا يمكن القيام بها بوجه أمثل إلا بعد المشاركة الفاعلة من الرجال والنساء على السواء. وإن النظرة الدينية الضيقة حول المرأة والمطالبة بحبسها في البيت قد أضرت الصحوة الإسلامية المعاصرة وأضرت بمشروع الأمن القومي والاستفادة من الطاقات والقدرات.

إن غياب المرأة في العالم الإسلام عن تحمل مسؤولياتها المجتمعية بصورة مقبولة قد أعطى لأعداء الدين فرصة لاتهام الإسلام بهضم حقوق المرأة ومنعها من العمل، وحتى بعض السذج من أبناء المسلمين وقعوا ضحية لهذه الفرية على الدين ونسبوا غياب المرأة عن ميادين العمل الكثيرة إلى الدين حيث قد حرمت باسم التدين أو التقاليد عن كثير من الحقوق التي قد أعطاها الله عز وجل، وهذا قد جعل كثير من المسلمات تدبر إلى الدين وتنخرط في الحركات المناهضة للدين ظنا منهن أن الدين لم يعط لهن حقوقهن وأن الدين يمنعهن من العمل والعطاء للمجتمع وظنا منهن أن الدين يخالف تنمية قدراتهن وطاقاتهن، ولكن الحقيقة عكس ذلك إذا رجعنا للعصور الإسلامية الزاهرة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا مشاركة المرأة الفاعلة في قضايا المجتمع ووعي المراة وكفاءتها في التعامل مع قضايا الإصلاح والبناء، وحرمان المرأة عن التفاعل مع قضايا المجتمع وإبعادها وإقعادها عن المشاركة العملية في قضايا البناء والإصلاح للمجتمع إن هي إلا رواسب عصور التخلف والجمود والتقليد، ولا بد من تجاوزها.

ولذلك فإن تفعيل دور المرأة في العمل المجتمعي بجوار عدم غيابها عن عملها ووظيفتها التربوية في البيت يعتبر من الضرورات الاستراتيجية للدعوة الإسلامية في العصر الحاضر حتى تقدم ردا عمليا على تلك الشبه والمزاعم الكاذبة التي نسبت للدين.

إن تكليف المرأة بالعمل تدخل في عموم التكاليف الشرعية التي تشمل مجالات الحياة المتعددة، إلا إذا نُص على تخصيصها، وإن الامتثال لهذه التكاليف بسعتها وشمولها يقتضى التفاعل مع كل قضايا المجتمع والمشاركة في معالجتها رجالا ونساء، وهو الأمر الذي لا بد وأن تسبقه تهيئة البيئة التاهيلية لتكوين الوعي والقدرة على تحليل الواقع وفهم أبعاده.

وإن العمل المطلوب للنهوض والرقى مسؤولية الرجال والنساء على السواء مع مراعاة الفوارق بين الرجال والنساء في طبيعة الأعمال التي يمكن أن يقوموا بها ومع مراعاة الأهلية الوظيفية لكل من الرجل والمرأة، فقد تكون المرأة أكثر أهلية لوظيفة معينة من الرجل في ذلك المجال.

إن مبررات التأكيد على عمل المرأة والاستفادة من قدراتها تتجاوز حدود الضرورات الأسرية لتحسين الوضع المعيشي بل ولا بد أن يكون الأساس والمعيار هو حاجة الأمة وسد ثغراتها بالاستفادة من الطاقات والقدرات الموجودة في شرائح المجتمع رجالا ونساء، بغض النظر عن حاجة الأسرة للمكسب المالي.

التطرف الفكري وأثره على على التنمية:

إن تفاقم أعمال العنف في المجتمع المسلم وخاصة في باكستان قد ترك البصمات السالبة على وحدة المجتمع وتنميته ونبين ذلك في النقاط التالية:

  1. الإزدياد في الإنفاق العسكري والأمني:     حيث إن الإنفاق الحكومي على القضايا الأمنية والعسكرية قد ارتفع إلى أضعاف ما كان عليه قبل تردي الأوضاع الامنية، وهذا الأمر قد أثّر في الاهتمام برعاية القطاعات الأخرى في المجتمع، حيث أن جل الميزانية وجل التفكير في النخبة السياسية والتخطيطية قد انحصر في البحث عن الوسائل والأساليب للتصدي للأوضاع الأمنية وكيفية احتوائها.
  2. ارتفاع التضخم: إن واقع الأوضاع الأمنية المتمردية في باكستان قد أثر على ميزان الاقتصادي وتشير الإحصائيات أن معدل التضخم في فبراير من عام 2010م قد ارتفع في باكستان إلى 16.8% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وهذه تعتبر إشكالية بينها وبين صندوق النقد الدولي الذي يطالب الحكومة الباكستانية باتخاذ إجراءات لخفض التضخم للحصول على مساعدات مالية، تساهم في تنمية الوطن.
  3. تعرض المصالح العامة للهجمات وتأثرها سلبا على تنمية البلد: حيث إن المصالح الحكومية والعامة التي أقيمت في الولايات الباكستانية المختلفة لخدمة المواطنين قد تعرضت للهجمات من قبل المسلحين وتم تدمير المباني والمصانع والمدارس… وهذا ما ترك آثاره على التنمية، حيث إن ميزانية الدولة سوف يتم امتصاصها في إعادة الإعمار، بدل التفكير في إمداد الخدمات لمجالات الحياة المختلفة، الأمر الذي يقعد باكستان عن تمثل دور تنموي موازي للحركة التنمية والاقتصادية في المنطقة، وبالتالي فإن باكستان سوف يعجز عن استيعاب وحل المشكلات التي تتفاقم يوما بعد يوم بسبب زيادة السكان، وقلة الدخل، وكثرة الأمراض، وضعف التعليمن وكثرة الوفيات في العناصر الشابة والمهمة تنمويا.
  4. تأثيره على التبادل التجاري وحركة المال: إن الحالة الأمنية المتردية ترك أثره على التبادل التجاري حيث كثير من أصحاب المال قد نقلوا استثماراتهم للدول اكثر أمنا، وهذا الأمر كان وراء التضخم المالي الذي ارتفع خلال عام واحد لحوالي سبعة عشر في المائة، ونتج عنه الغلاء في المعيشة والسكن والمواد الاستهلاكية.
  5. تعطل مشارع التنمية:  وهذا واضح، حيث أن معظم المال الآن يذهب إلى الجهود الحربي وقتال الخارجين على نظام الدولية، وهذا قد أدّى إلى استنزاف الثروات، وتعطل الانتاح، وتأخر التنمية.
  6. هجرة رؤوس الأموال:  حيث انه من المعلوم ان رأس المال جبان فحيث وجد الأمن، انجذبت إليه رؤوس الأموال، وحيث فقد الأمن، فقدت رؤوس الأموال، وهذا ما نال باكستان بنتيجة لهذه الأحداث، حيث هاجرت الكثير من رؤوس الأموال الضرورية للاستثمار والقيام بالمشاريع الكبرى التي توفر فرص العمل وتقوي اقتصاد البلد، نعم هاجرت إلى خارج باكستان إلى أماكن الأمن والاستقرار.

إن الغلو والتطرف لخطر عظيم على كيان الأمة الإسلامية. فقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم آثارها بكلمة جامعة بليغة بقوله: “فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين” فهو هلاك في كل شيء على مستوى الأفراد وعلى مستوى المجتمعات إنه هلاك للأنفس والممتلكات والبلاد والعباد. لذا يجب معالجة التطرف والغلو بأساليب مختلفة، وفيما يلي نذكر بعض هذه الأساليب:

  1. محاربة الجهل وزيادة التفقه في الدين ونشر العلم الصحيح بين أفراد المجتمع خاصة فيما يتعلق بقضايا الولاء والبراء وتكفير المسلم، وحقوق ولي الأمر المسلم ومعادلة غير المسلمين ودور المرأة في الحياة الاجتماعية العامة وغيرها من القضايا المعاصرة ويجب أن تتصدى مناهج التعليم في العالم الإسلامي لمشكلة التطرف بشكل علمي فيجب أن تتناول قضايا ومسائل مثل سماحة الإسلام ويسره ووسطيته وحقوق الولاة، وحقوق الوطن وحقوق المسلمين وحرمة دماء المسلمين وأعراضهم وأحوالهم.

هذه بعض الأساليب والوسائل التي يمكن بها القضاء على التطرف والغلو، فنسأل الله تعالى أن يسدد خطى الجميع على طريق الخير ويحفظ بلادنا وأوطان المسلمين من كل سوء وشر وفتنة إنه سميع مجيب.

وأكرر شكري لإتاحة الفرصة لي بأن أسهم في هذا اللقاء العلمي

المصدر: http://www.wasatia.org/2010/04/27/%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1-%D8%A7%D9%84%...

الأكثر مشاركة في الفيس بوك