الشباب ثروة أم ثورة المستقبل: إشراك الشباب في العملية الإصلاحية للمجتمع
أ.د / عبدالعزيز بن علي بن رشيد الغريب
إن موضوع الإصلاح موضوع حيوي يحظى بمتابعة كبيرة من فئات المجتمع المختلفة، ويتجسد واقعاً مشاهداً في الحياة الاجتماعية لأبناء المجتمع، خاصة مع اهتمام السلطة الرسمية بموضوع الإصلاح منذ وقت مبكر، وازدادت سرعته فيما بعد الألفية الميلادية الجديدة، وفتح الباب للتطوير في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كما أن موضوع الإصلاح في المجتمعات العربية أصبح موضوعاً ساخناً تطالعنا به المصادر الإعلامية بشكل شبه يومي في مختلف تلك الوسائل منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001م، من خلال طرح مبادرات غربية وأمريكية للإصلاح في منطقة الشرق الأوسط والبلدان العربية على وجه التحديد، أو ما سمي بمشروع الشرق الأوسط الكبير، وما تلاه من مشروع الشرق الأوسط الجديد، والذي وجد معارضة كبيرة من أبناء المجتمعات العربية باعتباره تدخلاً في شؤون بلدانهم، وأن المجتمعات العربية يمكن أن تبدأ طريق الإصلاح انطلاقاً من احتياجاتها وظروفها الداخلية، والمعطيات الخارجية.
وفي المجتمع السعودي لم يكن للإصلاح استخدام رسمي وبشكل واضح. أما على مستوى الرأي العام فنجد قلة استخدام مفهوم الإصلاح، ويستعاض عنه عادة بمفاهيم التطوير أو التعديل تحسباً للحرج التي يسببه المعنى الحقيقي للإصلاح المضاد للفساد. ولعلى مملكتنا وهي تضع خطواتها وبثقة على مسيرة إصلاح كبرى بمتابعة وتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله وفقه الله، الذي استحق لقب ملك الإنسانية، وملك الإصلاح.
إلا أن إصلاح بتغييب فئة الشباب اعتقد أنه قد يكون إصلاح أعرج مهما حاول البعض تنميقه. وهو يتساوى في مثل مناقشة المرأة وإصدار قرارات بشأنها وهي غائبة عنها. إن تفعيل مشاركة الشباب كثروة حري بمجتمعنا الالتفات إليه. فهم إما أمل المستقبل، وإما ناراً يخشى من لهيبها ليلتهم ما حوله. وهذا يجعلنا نؤكد على أهمية فئة الشباب ودروهم في مسيرة الإصلاح. إن أهمية فئة الشباب ذاتها تتمثل في طبيعة التغيرات البدنية والنفسية المعروفة التي تتميز بها، وقابلية هذه المرحلة للتأثر بمؤثرات البيئة الاجتماعية والثقافية الداخلية والخارجية، وانعكاس ذلك على اكتساب السلوكيات السلبية التي قد تنجم عن عدم قيام أنساق المجتمع بإشباع احتياجاتهم، ومن ثم حاجتها للتقويم والتعديل. خاصة وأن هذه الفئة تمثل الركن الرئيس لتحقيق عمليات الأمن الاجتماعي سلباً وإيجاباً، باعتبارها مرحلة من أكثر مراحل العمر استجابة للتغيرات الاجتماعية، والأكثر عرضة لتداعياتها. كما أنها أهم فئات المجتمع في مسيرته نحو تحقيق التنمية المنشودة.
ولو تناولنا مفهوم الإصلاح نجد أنه يشير المعني اللغوي للإصلاح Reform كما في لسان العرب لابن منظور إلى أن الإصلاح ضد الفساد ونقيضه، وأنه مأخوذ من الفعل صلح يصلح صلاحاً وصلوحاً، وصلح الشيء أي انضبط وقام. كما يشير المفهوم الشرعي للإصلاح بأنه تحول المجتمع من مجتمع فاسد منحل إلى مجتمع صالح تقوم أنظمته الرئيسة والفرعية وفق أحكام الشريعة الإسلامية. كما يرى ابن الجوزي ت597هـ في باب الصلاح، أن الصلاح يعني التغير إلى الاستقامة في الحال وضده الفساد. كما عدد عدة معاني للإصلاح وردت في القرآن الكريم على عشرة أوجه:-
الأول: الإيمان. ومنه قوله تعالى: ( وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) ( النمل:19).الثاني: علو المنزلة. ومنه قوله تعالى: ( وأنه في الآخرة لمن الصالحين) (البقرة:130).الثالث: الرفق. ومنه قوله تعالى:( اخلفني في قومي وأصلح). ( الأعراف:142).الرابع: تسوية الخلق. ومنه قوله تعالى: ( لئن آتيتنا صالحاً) ( الأعراف:189).الخامس: الإحسان. ومنه قوله تعالى: ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت) ( هود: 88).السادس: الطاعة. ومنه قوله تعالى: ( قالوا إنما نحن مصلحون) ( البقرة:11). وقوله تعالى:( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) ( البروج:11).السابع: أداء الأمانة. ومنه قوله تعالى:( وكان أبوهما صالحاً) ( الكهف:82). الثامن: بر الوالدين. ومنه قوله تعالى: ( ربكم أعلم بما نفوسكم إن تكونوا صالحين) ( :117)، التاسع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومنه قوله تعالى: ( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) ( هود:117). العاشر: النبوة. ومنه قوله تعالى: ( توفني مسلماً وألحقني بالصالحين) ( يوسف:101).
وفي الفكر الاجتماعي يعد مفهوم الإصلاح، مفهوماً أخلاقياً فلسفياً مثاليا أكثر منه مفهوماً واقعياً تطبيقياً، لذلك كان مفهوم المصلح الاجتماعي مرتبط بالحكماء والفلاسفة أكثر من ارتباطه بعلماء الاجتماع بل إن البعض لا يصنفهم ضمن علماء الاجتماع. بينما رأى فريق آخر أنه تعد مبادئ إصلاحية في أساسها تم تطويرها لتصبح نظريات علمية، كما ارتبط هذا المفهوم بمفاهيم أخرى ومنها مفهوم الحركة الاجتماعية، ومفهوم الثورة. ويقول أحد الباحثين في إبراز القيمة الأخلاقية للإصلاح: يعمل المصلحون على أن تكون شؤون أممهم الاجتماعية في نظام وصفاء، ولا تستقيم هذه الشؤون، وتخلص من كل كدر، إلا حيث تكون هذه الأمة قد استوفت وسائل القوة والمنعة، وهي الارتواء من مناهل العرفان، والرسوخ في مكارم الأخلاق، والاعتصام بحبل الائتلاف والاتحاد، وتوفير الأيدي على العمل لكسب الأرزاق. وهذه الوسائل الأربع إنما تعود على النفس بطمأنينة، وتذيقها طعم حياة لذيذة متى سبقها إيمان يضرب بأشعته في كل سبيل.
وقد ارتبط مفهوم الإصلاح Reform بالفكر السياسي كثيراً، خاصة بمفهوم المجتمع المدني الذي استخدم كثيراً في الفكر الغربي منذ بداية القرنين السابع عشر والثامن عشر بعد الانتهاء من أزمة العصور الوسطى، والتي تشير إلى الحالة المدنية للمجتمع والدولة، والتي تتميز بوجود تنظيمات وهيئات سياسية وشعبية قائمة على اتفاق تعاقدي بحيث لا وجود للمراتب الاجتماعية، والتدرج الاجتماعي، وتركيبه الداخلي لا يعرف السيطرة والقدسية والتبعية، والعلاقات داخل المجتمع قائمة على المساواة وتكافؤ الفرص والحرية. والإصلاح يفترض إيجاد الحلول السياسية لثلاث مشكلات رئيسة:
1- التعميم الواسع النطاق للمساهمة الشعبية في الحياة السياسية وعملية اتخاذ القرار السياسي.
2- بناء أمة متلاحمة مندجمة متكاملة كبديل لإجماع الأفراد الموزعين بين القبائل والعشائر والطوائف والأعراق.
3- إنشاء دولة عصرية قادرة وذات فاعلية تؤهلها لقيادة حركة ديناميكية في المجتمع بهدف تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي.
ونتيجة للهزة التي أحدثتها الحضارة الغربية في أسس المجتمع الإسلامي فقد تنادى المصلحون إلى ضرورة إصلاح أوضاع المجتمعات الإسلامية في العصر الحديث، ومن ذلك الشيخ محمد عبده الذي عرف الإصلاح الديني بأنه: ( تصحيح، وإزالة ما طرأ عليه من الخطأ في فهم نصوص الدين، حتى إذا سلمت العقائد من البدع تبعها سلامة الأعمال من الخلل والاضطراب، واستقامت أحوال الأفراد، واستضاءت بصائرهم بالعلوم الحقيقة، دينية ودنيوية، وتهذيب أخلاقهم بالملكات السليمة، وسرى الإصلاح منهم إلى الأمة، فإذا سمعت داعياً يدعو إلى العلم بالدين، فهذا مقصده، أو منادياً يحث على التربية، فهذا غرضه، أو صائحاً ينكر ما عليه المسلمون من المفاسد، فتلك غايته). وهكذا فإن الإصلاح الذي نشده الشيخ محمد عبده هو إصلاح الإسلام، أي الرجوع إلى منابعه الأولى من ناحية، ومن ثم الأخذ بأساليب الحضارة الغربية ومفاهيمها من ناحية أخرى. ولا شك أن نظرة كهذه تتشابه إلى حد كبير مع دعوات أخرى سابقة لها كدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ودعوات معاصرة أو لاحقة لها كدعوة الشيخ جمال الدين الافعاني ومحمد رشيد رضا وغيرهم .
وعمن يقوم بالإصلاح أشار ابن طفيل في رواية ( حي بن يقظان ) بأن تتولى النخبة المؤهلة دينياً وفكرياً وفلسفياً قيادة المجتمع للإصلاح، على أن يتصف القائم بالإصلاح ببعض الصفات؛ من أهمها، الابتعاد عن المبالغة والغموض والتجريد في عرض منهجه ليفهمه العامة، وأن يقتدي بالأنبياء في دعواتهم، وأن يكون مفوهاً في الخطابة يخاطب العقل والعاطفة، وأن يتمتع بقراءة الواقع والمستقبل ليستطيع التكيف مع التغيرات وإحداثها بما يناسب المجتمع، أو تتوفر لدى المصلح القوة اللازمة لفرض الإصلاح إذا اقتضى الأمر ذلك.
من هنا ندرك الجوانب الفكرية لماهية الإصلاح واهدافه التي من خلالها ندرك الطريق الطويل المطلوب لكل مجتمع يبغي الإصلاح أن يسلكه. إلا أنني أعود لموضوعي الرئيس المتمثل في الاستفادة من الشباب في العملية الإصلاحية. و أقول أن الشباب Youth هم ثروة المجتمع الحقيقية. وبالرغم من أن هناك اهتماما في الفترة الحالية بهم وبتنميتهم. فإنه قد لا يكون ليس كافيا. وحتى لانجد هذه الثروة ممزقة بين التعصب أو تقليد الغرب من الضروري إيجاد القنوات الشرعية التي تسمح له بالمشاركة الاجتماعية بصورها المختلفة، وبمعناها الواسع المشاركة المجتمعية. يجب أن يتعرف الشباب علي المجتمع بجميع أركانه سواء الأطر المؤسسية المختلفة أو اتجاهاته السياسية أو ماهية المجتمع المدني ودور كل هؤلاء في التنمية. إن الشباب قد يكون تائهاً وسط الحياة لا يجد أحدا يسمعه, محاصر بأوامر وممنوعات من كل الاتجاهات. ولا يوجد قنوات واضحة للشباب للتعبير عن أنفسهم وما بداخلهم ويشعرون بأنهم مستبعدون من اتخاذ القرارات والحوار. كما أن سبل المعرفة بالنسبة لهم محدودة, كما أن أولويات الشباب تختلف عن أولويات الجهات الرسمية. ولا شك أن هناك احتياجا شديدا لأن نعلم ونثقف شبابنا سياسيا. إذ أن فئات الشباب أكثر فئات المجتمع تعرضاً لهذه التغيرات والتحولات الاجتماعية والثقافي، وذلك بحكم وضعهم الاجتماعي من حيث أنهم فئة تعيش مرحلة انتقالية ساعيه من خلال تحصيل العلم والمعرفة نحو تغيير وضعهم الاجتماعي للأفضل. كما أن الشباب في هذا السن وفي هذه المرحلة التعليمية يشكلون أقوى عوامل التغير الثقافي والاجتماعي لما يحملون من تصورات تخالف بعض جوانبها تلك الرؤى والتصورات لدى الأجيال السابقة.
في مرحلة الشباب يتجه الإنسان إلى التجديد والتغيير، لاسيما وأن ظروف الحياة المدنية تتطور بسرعة هائلة في مجال التقنية والعلوم، والاستخدام العلمي، فينخرط الشباب في العمل السياسي، رغبة في التغيير والإصلاح، والالتحاق بمظاهر التقدم والرقي المدني. كما أن الشاب في مرحلة الشباب يكون لديه الطموح في احتلال دور اجتماعي، والتعبير عن الإرادة بدرجة عالية، مما يدفع الشباب إلى الانضمام إلى الحركات، والتيارات السياسية، لاحتلال موقع اجتماعي، ودور مرموق في المجتمع. والذي قد يؤثر على الأمن الاجتماعي للمجتمع ، كما حدث عندما غرر ببعض الشباب والتي تمثلت في العنف والتطرف والإرهاب الذي قام به شباب من أبناء المجتمع بعد انضمامهم لتيارات فكرية خارجية لأسباب مختلفة قد تكون التغيرات الاجتماعية التي تعيشها هذه الفئة مسبباً لها أو على أقل تقدير جزء من منظومة عوامل تداخلت فيما بينها لتخرج مثل هذه الأحداث. إن الشباب عادة أكثر فئات المجتمع حماساً للتجديد والتغير واستيعاب التحديث، فهم أكثر قدرة على التفاعل والاستجابة للمتغيرات من حوله، وهم أسرع في استيعاب وتقبل المستحدث والريب وتبنيه مع الدعوة إليه والدفاع عنه، وهذا كله يعكس ما لدى الشباب من اقتناع ورغبة في تغيير الواقع الذي أوجده ولم يشارك في صنعه، ويرجع ذلك على خصائص أساسية مميزة لمرحلة الشباب من أهمها، الفضول وحب الاستطلاع، والبحث الدائم عن الجديد، النزعة الاستقلالية تأكيداً لذاته، المرونة والحيوية التي تعكس دياناميته وروح المغامرة والجرأة فيه.
إن تغييب الشباب وإبعادهم عن مسار العملية الإصلاحية لا شك أنه أماني لبعض الفئات والعصابات التي ترى في الشباب طاقة لها وهدفاً تسعى اليه. وعلى وجه التخصيص نراه في عصابات المخدارات، وجماعات الإرهاب التي ترى في الشباب قوتها ويدها التي من خلال تسيطر على مجتمعاتنا. ولعلي هنا أعرض لمثل هاتين المشكلتين التي أخشى ما أخشاها من أن تسهم في قتل الشباب وانهاء اسهامهم في حماية مجتمعهم واعادتهم مرة أخرى للصف الاجتماعي.
أولاً: ادمان الشباب:
غالبا ما يصم المجتمع الإدمان ويسيء فهمه، رغم أن الإدمان قد نشأ من خلال عمليات اجتماعية وأحيانا على يد المجتمع نفسه؟ ووجد أيضا أن المجتمع غالبا ما ينكر مسئوليته عن هذه المشكلة تاركا المدمن يحمل معظم اللوم وآلام نتائج هذه السلوك. إن المجتمع غالباً ما يصم الشخص بوصمة أبدية مشينة وهي ( مدمن ). لذلك نجد أن بعض المدمنين غالبا ما يعيبون على أنفسهم من اجل تلك الوصمة ويخفون مشكلاتهم أو يعزلون أنفسهم عن الآخرين ويرفضون التصريح بما يدول بداخلهم. لذلك نجد من الدراسات ما يشير إلى أهمية تعديل مسمى مدمن واستبداله بمصطلح أكثر قبولا من المجتمع والمدمن ، حيث اقترح أحد العلماء مصطلح ( الشخص الذي يمر بأزمة ) أو ( الشخص الذي يحاول أن يتغلب على الأزمة ). خاصة وان كثر من الخارجين من الإدمان أو ممن يحاول الخروج منه يتمنون لو أن كلمة ( مدمن ) قد اختفت من قواميس العالم. والمجتمع يسعى من جانبه لاستمرارية كلمة ( مدمن ) إذ يرى فيها ردعا على الإدمان، واستشعاراً بالذنب لكل مدمن يحاول العود، أو شخص يريد تجريب التعاطي، وهذا كله جزء من العقاب. وهذا كله قد يكون من مؤشرات أو من أسباب عدم التعافي من الإدمان بشكل كامل. إن مثل هذه القضية لا شك أنها تواجه المتخصصين والمهتمين بل أسرة المدمن وزملائه في العمل وجيرانه وأقاربه بل المجتمع بشكل عام. إن معظم الناس قد اتخذت موقفا سلبيا من المدمن انطلاقا من المفهوم التقليدي للانحراف والجريمة، إذا ظل المدمن ولسنوات طويلة مجرما منحرفا يجب أن يعاقب على إخلاله وتجاوزه المعايير الاجتماعية ، وهذه النظرة تمثل المدرسة الكلاسيكية أو التقليدية، بينما الاتجاهات الحديثة ترى أن الإدمان سلوك متعلم يخضع للتنشئة الاجتماعية، التقصير فيها يعني أن التأثير على المجتمع وليس من المدمن. وأن المدمن ما هو إلا شخص مريض يشترك الجميع في أسباب وقوعه في المرض ، وعليه التدخل لعلاجه.
أسوق هذا الكلام، لأني على أقل تقدير مررت بتجربة من احد الزملاء وهو أستاذ في إحدى الجامعات عندما اكتشف أن ابنه الذي طرده من البيت وقع في المخدرات، وهو ابنه الذي نشرت الصحف صورته وهو نائم حتى كبري في حي البطحاء بالرياض. فعلاج الإدمان لم يعد مسئولية المؤسسات العلاجية فقط، بل على الأسرة والمجتمع الدور لمهم، ولعل أهم تك الأدوار هي المساندة النفسية والقبول الاجتماعي له.
وقد اتخذت المملكة العربية السعودية عدد من الأساليب لمواجهة الظاهرة، أمنيا، وعلاجيا، وتوعويا. حيث تقوم الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بدور مهم في الجانب الأمني لمواجهة هذه الظاهرة والقضاء عليها، وكذلك اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات للجانب التوعوي والوقائي بتنظيم الندوات واللقاءات ونشر الكتيبات التي تسعى لتوعية المجتمع بهذه الفئة الخطيرة. وكذلك لمركز البحوث التابع لوزارة الداخلية دور مهم في إجراء الدراسات والبحوث المتخصصة في مجال الإدمان وللمركز أكثر من عشرة إصدارات متخصصة في قضايا المخدرات وبخاصة انتشارها بين أوساط الشباب. ولعل من أهم وأخر الإجراءات التي اتخذتها السعودية نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية عام 2005م، والذي تضمن في أول بنوده عدم إقامة الدعوى لأي مدمن يتقدم بطلب العلاج، وكذلك ضمان السرية التامة في علاج المدمنين وتشديد العقوبات لمن يفشي أسرار علاجهم. كما تعد مستشفيات الأمل التابعة لوزارة الصحة ( يوجد بالسعودية أربع مستشفيات في الرياض وجده والدمام، والقصيم) والتي تقوم بجهود الرعاية والعلاج الطبي والنفسي والاجتماعي إضافة إلى تقديم برامج الرعاية اللاحقة لمعالجة المدمنين والسعي لإعادة تأهيلهم كأفراد منتجين لمجتمعهم أو ما يعرف علمياً بالمدمن المتعافي Recovered Drug Addict) .
ونظراً لما تتسم به مشكلة الإدمان Addiction على المخدرات Drugs من خطورة بالغة على الفرد والمجتمع ، وما تولده من مشكلات أخرى لها خطورتها على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية ، فقد بذل الباحثون والمتخصصون في مختلف فروع العلم جهودا مكثفة في الكشف عن العوامل الكامنة وراء الإدمان على المخدرات ، وتوصلوا إلى نتائج لها فاعليتها في هذا المجال وذلك في إطار الظروف الاجتماعية المؤدية إلى ذلك.
لقد أصبحت مشكلة إدمان المخدرات من أكثر المشكلات الاجتماعية خطورة ولها تأثير قوي على تقدم أي مجتمع كماً وكيفاً، وتستنفذ هذه المشكلات معظم طاقات الفرد والمجتمع وإمكانياتهما. وقد نالت اهتمام عدد كبير من الباحثين والهيئات العالمية والإقليمية ورصدت الأموال. كما أن مشكلة المخدرات أصبحت من أعقد المشاكل المعاصرة لدى غالب المجتمعات، خاصة وأن هذه المشكلة تمس حياة المدمن الشخصية والاجتماعية من جميع الجوانب سواء كان ذلك يتمثل في صورته أمام نفسه أو بينه وبين أفراد أسرته، وتتمثل أهمية المشكلة بالنسبة للمجتمع في أنها تمس أمن المجتمع واستقراره حيث أدى انتشار الإدمان إلى زيادة نسبة الجرائم والعنف مثل السطو المسلح والسرقة والتشرد وغيرها من الجرائم التي تحدث أغلبها تحت تأثير الإدمان. هذا بالإضافة إلى التأثير على الأداء المعرفي والقدرة الإنتاجية لمؤسسات المجتمع.
ولا شك أن في ذلك تعطيل لقدرات جزء من القوى البشرية المنتجة في المجتمع ، خاصة وأن عدد من الدراسات في عدد من الدول العربية ومجتمعنا السعودي، قد أشارت إلى أن غالبية من تشدهم هذه الظاهرة هم من فئة الشباب والفتيات، وغالبيتهم هم اقل من سن الثلاثين، وهذا بلاشك هدر للطاقة الاجتماعية لفئة الشباب من المتعاطين والمدمنين للمخدرات. كما يترتب على ذلك إنفاق كبير من المال من قبل الدولة في سبيل مكافحة المخدرات من ناحية، وفي تمويل برامج علاج المدمنين من ناحية أخرى.
ثانياً: الشباب وقود الإرهاب:
من ناحية أخرى أو إشكالية اخرى يخشى عند إهمال الشباب الانغماس فيها، خاصة وأن خيوطها الأولى توحي بمثل ذلك وهي مشكلة الإرهاب. فالإرهاب قضية عالمية طالما أرقت الكثير من المجتمعات البشرية في عصرنا الحاضر لما لها من اثر سلبي بالغ على مختلف مظاهر الحياة ، ولما لمصطلح الإرهاب من معاني تتمحور حول العنف والقتل والتدمير والرعب والخوف والتطرف باتت أشبه بمسلمات في أذهان الكثيرين من الناس في أي مجتمع من المجتمعات البشرية حتى تلك التي لم يحدث بها أي عمل إرهابي والسبب في ذلك إنما يرجع إلى ضخامة بعض الحوادث الإرهابية التي حدثت في أنحاء متفرقة من العالم وكان للإعلام دور كبير في إبرازها ونقلها إلى الناس بصورة أكثر دموية وعنف .
لقد لمس الباحثون اهتمام العالم بالإرهاب حيث عقدت من أجله المؤتمرات الدولية والندوات العلمية وحلقات النقاش واختلف العالم حوله واجتمع في آن واحد ، وتفرغ الكثير من المختصين الأكاديميين من العلماء في العلوم الإنسانية والاقتصادية والسياسية لدراسة وسبر أغوار قضية العصر الحديث (( الإرهاب )) وأثريت المكتبة العربية والعالمية بكم هائل من الكتب والدراسات والبحوث. والمملكة العربية السعودية كانت إحدى الدول التي وقعت ضحية للإرهاب حيث شهدت الكثير من الحوادث الإرهابية الدامية والمؤلمة والتي نقلت المجتمع السعودي في فترة زمنية قصيرة إلى مرحلة الإحساس بالإرهاب والخوف منه، الأمر الذي أوجد بيئة خصبة أمام الباحثين والدارسين لتشخيص القضية وطرح الرؤى والتصورات العلمية لواقع المجتمع السعودي في زمن ومرحلة الحدث الإرهابي. حيث عُني الكثيرين ممن كتبوا عن الإرهاب بالنواحي المتعلقة بأسباب الإرهاب والحديث عن كل ما يتعلق بالإرهابيين وخصائصهم وتوجهاتهم وأفكارهم وأهدافهم وغيرها ، في حين اهتم آخرين بالجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بشكل عام. وتؤكد الدراسات الاجتماعية والتربوية على الأهمية الكبرى التي يجب أن توليها المجتمعات لشبابها لأهمية فئة الشباب ذاتها وفي طبيعة التغيرات البدنية والنفسية المعروفة التي تتميز بها، وقابلية هذه المرحلة للتأثر بمؤثرات البيئة الاجتماعية والثقافية الداخلية والخارجية، وانعكس ذلك على اكتساب السلوكيات السلبية التي قد تنجم عن عدم قيام أنساق المجتمع بإشباع احتياجاتهم، ومن ثم حاجتها للتقويم والتعديل. خاصة وأن هذه الفئة تمثل الركن الرئيس لتحقيق عمليات الأمن الاجتماعي سلباً وإيجاباً، باعتبارها مرحلة من أكثر مراحل العمر استجابة للتغيرات الاجتماعية، والأكثر عرضة لتداعياتها. كما أنها أهم فئات المجتمع في مسيرته نحو تحقيق التنمية المنشودة. وتبرز الأهمية في مجتمعنا السعودي حيث تمثل شريحة الشباب أكثر الشرائح السكانية في المجتمع وفق إحصاءات وزارة التخطيط والاقتصاد 2004 نتيجة لزيادة نسبة المواليد والتقدم الصحي والتطور الثقافي والتعليم الذي عاشه ولا زال المجتمع السعودي. حيث بلغت نسبة الشباب في الفئة العمرية ما بين 15-29سنة (48%)، بينما تبلغ النسبة الكلية لأقل من 30 سنة إلى ما يقرب من (65%) من إجمالي السكان.
لذلك ما دور الجامعات في وقاية طلابها من الادمان والارهاب و التطرف، أين مكاتب الإرشاد النفسي والاجتماعي من القيام بدورها، أين دراسة أحوال الطلاب الاجتماعية والاقتصادية، أين البرامج والمناشط التي يرغبون بها..... أين وأين، لم تعد الجامعات للعلوم فقط، بل مؤسسات للتنشئة المتكاملة لمرحلة هامة في مراحل دورة الحياة للإنسان، بل أهم المراحل. دعوة للتفكير بعمق، فلا مؤتمر ينفع، ولا ندوة تفي، بل الدخول في العمق في الشخصيات ذاتها سيكشف عن ما نريده لأبنائنا وطلابنا.
فهل من استيعاب لشبابنا حتى يكون رجال المستقبل متسلحين بقيم سياسية تضمن عدم انزلاقهم مع تيارات الهوى والعبث ولكي لا يكون ثورة في وجه تقدمه واصلاحه ورقيه. ولعلي هناك احي مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، في إتاحة الفرصة لعينة من الشباب والشابات للمشاركة في الملتقى الرابع للحوار، والذي اتضح فيه نضج كثير من شبابنا وشاباتنا وطرحه لكثير من قضايا بصورة حضارية. نريد نقل هذه التجربة في كل اوعية التنشئة الاجتماعية من اسرة ومدارس وجماعات ومنظمات العمل. نريد استيعابا حقيقيا لهذه الثروة حتى لا تتحول الى ثورة عندها لا ينفع ندم ولا يعيد ماضي مجيد.
المصدر: http://faculty.imamu.edu.sa/css/aaalgreeb/Pages/9c6b7aff-f6ed-46f7-8975-...