عمر نجيب
حتى نـهاية عقد الثمانينيات كان العدو الرئيسي المعلن للغرب هو النظام الشيوعي والقومية العربية، وفي الدول التي اتبعت الشيوعية مذهباً للحكم كانت الرأسمالية هي الخصم الأساسي، بينما اعتبرت القومية العربية فكراً رجعياً لا يتناسب مع العصر. وقد حارب الغرب بشراسة الشيوعية والقومية العربية فلم ينجح في إضعاف الأولى حتى جاء غورباتشوف إلى السلطة في الكرملين، بينما استطاع إضعاف الثانية على مراحل بعد تفكيك الوحدة السورية المصرية، ثم نكسة 1967م وما تبعها من تكريس الجهود والتآمر من أجل اختلاق الخلافات بين الأقطار العربية، واصطناع النـزاعات بين حكامها، واستبعاد كل فرص التكامل الاقتصادي بينها. ولكن هذه المعطيات تبدلت بعد انـهيار الاتحاد السوفييتي ومعه كل المنظومة الاشتراكية في شرق أوربا، ولم يعد الغرب حتى ينظر إلى العملاق الصيني على أنه تـهديد من منطلق أيديولوجي بل من منطلق قومي، كما قدر أنه قد نجح في إضعاف الفكر القومي العربي على الساحة بشكل شبه كامل، غير أن المخططين لديه يحذرون من إمكانية إحيائه إذا توفرت ظروف ملائمة.ه
والآن والعالم على أبواب الألفية الثالثة برز عدو جديد للقوى العالمية المصنفة في الصفوف الأولى وهذا العدو هو الإسلام، أو كما يقال في بعض الأوساط بالتطرف الإسلامي.ه
تحد مرعب:
يوم الخميس 30 أيلول (سبتمبر) 1999م قال كاردينال بول بوبارد أحد المقربين من البابا يوحنا بولس الثاني: "إن الإسلام يشكل تحدياً مرعباً بالنسبة للغرب، ومشكلاً خطيراً بالنسبة للأمل المسيحي"، معترفاً في الوقت ذاته بأن "لا علاقة للإسلام بالتطرف الإسلامي".ه
وأوضح بوبارد وهو رئيس "المجلس الحبري للثقافة" في حوار أجرته معه صحيفة (لوفيغارو): "أن هذا التحدي يتمثل في كون الإسلام ديناً وثقافة ومجتمعاً ونمطاً للعيش والتفكير والممارسة" مشيراً إلى "أنه أمر حاصل وإلى أن الواقع برهن على أن الإسلام لم يتغير".ه
وأضاف: "أن العديد من المسيحيين الأوربيين وأمام تزايد ضغط المجتمع ونمط العيش وعوامل داخلية أخرى يأملون في تـهميش الكنيسة وينسون الصوم الكبير وعذاب النار ويهتمون في المقابل بل وينبهرون برمضان..".ه
ودعا الكاردينال الذي قال إنه لا يخشى أن تستغل تصريحاته هذه من طرف الخصوم "إلى الوعي أكثر بالحضور المتزايد للإسلام في القارة الأوربية التي أضحت الحدود فيها هشة وأكثر نفاذية".هو في تعليقه على الحوار الإسلامي المسيحي أوضح أنه "بصفته رئيس المجلس الحبري للثقافة كان له مؤخراً شرف التلبية لدعوتين من المغرب وتونس والدخول في حوار صريح مع محاوريه بـهذين البلدين".ه
وخلص الكاردينال بوبارد الذي صدر له مؤخراً كتاب بعنوان "المسيحية في أفق الألفية الثالثة" إلى أن "الحوار ضروري بالنسبة للجميع ومن شأنه المساهمة في إسقاط الأحكام المسبقة".ه
بعد ذلك ويوم الأربعاء 13 أكتوبر 1999م حذر أسقف أزمير الكاثوليكي المونسينيور جوزيبي برنارديني من مخاطر "فتح إسلامي جديد" لأوربا وذلك في مداخلة ألقاها أمام مجمع أساقفة في الفاتيكان حول أوربا نشرت في روما.هوعدد الأسقف الإيطالي الأصل أمام الحبر الأعظم والأساقفة الآخرين في المجمع سلسلة مراحل تؤكد برأيه العزم على إعادة فتح أوربا.هوقال إن العالم الإسلامي سبق أن بدأ يبسط "سيطرته" بفضل دولارات النفط، وأضاف إن "هذه الدولارات لا تستخدم لخلق فرص عمل في الدول الفقيرة في أفريقيا الشمالية أو في الشرق الأوسط بل لبناء مساجد ومراكز ثقافية للمسلمين المهاجرين إلى دول مسيحية بما في ذلك روما عاصمة المسيحية".هوتساءل: "كيف يمكننا أن لا نرى في كل ذلك برنامجاً واضحاً للتوسع والفتح الجديد؟".ه
وأكد الأسقف برنارديني أن "كلمات الحوار والعدل والمعاملة بالمثل أو مفاهيم مثل حقوق الإنسان والديموقراطية تتضمن في الإسلام معاني تختلف تماماً عن مفهومنا لها".هوأضاف إن ذلك قد يجعل من الحوار بين المسيحيين والمسلمين "حوار طرشان".هوتابع إن "الجميع يدرك أنه يجب التمييز بين الأقلية المتعصبة والأكثرية الهادئة والمعتدلة، لكن علينا ألا ننسى بأن الأكثرية ستقف وقفة الرجل الواحد وستستجيب دون تردد لأوامر تصدر باسم الله أو القرآن".ه
وطلب برنارديني من البابا السماح بتنظيم ندوة تكلف بـ "دراسة مشكلة المهاجرين المسلمين في الدول المسيحية بعمق، وإيجاد استراتيجية مشتركة للبحث فيها وتسويتها بطريقة مسيحية وموضوعية".هوأكد أسقف تورنتو الإيطالي المونسينيور لويدج بابا خلال مؤتمر صحافي حول المجمع أن الكثير من الكاثوليك يشاطرون رأي برنارديني وأنه من الضروري أن تطلق الكنيسة حواراً.ه
يوم الأحد 26 سبتمبر 1999م وجه رئيس الجبهة الوطنية اليمينية في فرنسا جون ماري لوبن في كلمة بمناسبة استئنافه النشاط السياسي تحذيراً من الإسلام، وأعلن أن حزبه سيعقد مؤتمراً في "ربيع العام ألفين". وقال لوبن إن "الغالبية العظمى من المسلمين في فرنسا تجهل الاندماج أو ترفضه، وأنـها تتأثر ربما بنفوذ بعض الدول أو الحركات الأجنبية التي نعرف أنـها لا تتردد في القيام بعمل إرهابي أو سلوك وحشي".وأضاف رئيس الجبهة الوطنية "الأمر لا يتعلق بمنع تحرك هؤلاء الرجال بل بمراقبتهم لمنع الاستيطان الديموغرافي: كل شعب في بلده وكل دين في دائرته الجغرافية".ه
ويواجه لوبن داخل قيادة حركته نزاعاً بين تيار يدعو إلى إطلاق حملة جديدة ضد الهجرة، وآخر توصل إلى استنتاج بأن فرنسا أصبحت "بلداً متعدد الأديان"، وكان متخصصون أشاروا إلى أنه بمعدلات النمو الديموغرافي الحالية والمنتظرة في فرنسا سيشكل المسلمون أكثر من 50% من السكان حوالي سنة 2050.ه
واعتبر لوبن أن فرنسا "يجب أن تعالج بشكل عاجل مشكلة حوض المتوسط الهائلة بكاملها".ه
ومضى يقول: "عندما تكون الأجراس في الشمال والمساجد في الجنوب تصبح الأمور واضحة والتوجه أفضل وتختفي التوترات ويستتب الأمن".ه
قنبلة القوقاز الموقوتة:ه
قبل ذلك ويوم الجمعة 1 أكتوبر 1999 أنشأت الدول الاثنتا عشرة الأعضاء في مجموعة الدول المستقلة مركزاً لمكافحة الإرهاب من أجل التنسيق في محاربة المتمردين الإسلاميين الناشطين في روسيا وفي عدة جمهوريات سوفييتية سابقة.هفقد أعلن وزير الداخلية الروسي فلاديمير روشايلو في مؤتمر صحافي "لقد أنشأنا بنية مؤقتة ستكلف بمسائل التنظيم والتنسيق وسبل مكافحة الإرهاب على أراضي دول المجموعة المستقلة".هوفضلاً عن الوزير الروسي وقع الوثيقة وزراء داخلية أوكرانيا وجورجيا وأذربيجان وأرمينيا وكازاخستان وقرغيرستان وأوزبكستان ومولدافيا وبيلاروس، الذين اجتمعوا في كييف لإعداد استراتيجية مشتركة لمكافحة الإرهاب.هوأكد روشايلو "لدينا نفس المواقف في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب" مضيفاً أن "البنية" الدقيقة لمركز مكافحة الإرهاب لم تحدد بعد.هوقد جاء تشكيل هذه الوحدة بعد أن حذر محللون بروسيا في تقرير رفع إلى الكرملين يوم الاثنين 30 أغسطس من أن المجموعات المسلحة من التيار الوهابي وغيره من التيارات الإسلامية تمثل تـهديداً يتزايد خطراً على استقرار منطقة القوقاز وآسيا الوسطى كما أكدت ذلك حركات الثورة التي شهدتـها وتشهدها جمهورية داغستان وقرغيزستان.ه
وبدأت كل من أوزبكستان وطاجيكستان وكازاخستان وقرغيزستان حرباً مفتوحة على الإسلاميين وتم اعتقال المئات وحكم على العديد منهم بالسجن كما جرى إبعاد عدد من "شيوخ الدعوة" الأجانب من باكستانيين وسودانيين وأردنيين وسعوديين.ه
وقد كان على موسكو أن تشن حرباً شاملة على مدى أسبوعين لكي تستعيد القرى الداغستانية وتبعد المقاتلين الإسلاميين.ه
وتكرر السيناريو نفسة في قرغيزستان مع تسلل عناصر من مئات الإسلاميين المسلحين قدموا من طاجيكستان المجاورة.هومعظم هؤلاء الإسلاميين من الأوزبك الذين قاتلوا إلى جانب الإسلاميين في الحرب الأهلية في طاجيكستان عام 1992، واستمروا هناك غير خاضعين لأي سلطة يتزعمهم جمعة نامانغاني الذي قاتل في طاجيكستان وقبلها في أفغانستان في صفوف حركة طالبان.هواعتبر وزراء خارجية ودفاع كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزستان الذين التقوا في بيشيكك عاصمة قرغيزستان أن هذه المجموعات المسلحة باتت تشكل "تـهديداً لجميع دول المنطقة".ه
وتتألف هذه المجموعات من قدامى المقاتلين المحترفين في حرب أفغانستان يضاف إليهم عدد من الشبان الذين وقفت الأوضاع الاقتصادية الصعبة والفساد وراء توجههم نحو الدعوة الإسلامية أو نحو حركات أخرى كحزب التحرير الإسلامي في أوزبكستان.ه
وقد اعترفت موسكو إبان التمرد الذي انطلق في داغستان أن نسبة 10% من السكان مع الدعوة الإسلامية معتبرة أن انتشار الدعوة مرده تدهور الأوضاع الاجتماعية في المنطقة حيث تبلغ نسبة البطالة الثمانين في المائة.هكما أقرت موسكو أن هناك مناطق في غرب داغستان خصوصاً كاراماخي وتشابانماخي مستقلة تماماً عن السلطة المركزية وتطبق الشريعة الإسلامية في حياتـها اليومية، وسيكون على السلطات أن تواجه السكان بالقوة هناك لكي يتخلوا عن أسلحتهم وهذا ما بدأته فعلاً.ه
ويحذر المسؤولون في القوقاز وآسيا الوسطى بأن الإسلاميين يسعون إلى إقامة دولة إسلامية بالقوة، وهم يدركون أن لهؤلاء امتداداً مكنهم على سبيل المثال من اغتيال مفتى داغستان المعروف بعدائه للتيار الوهابي سعدي محمد أبو بكرو بسيارة مفخخة عام 1998.ه
ويتهم الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف صراحة عناصر حزب التحرير الإسلامي بأنـهم وراء الاعتداءات التي استهدفته وأوقعت 16 قتيلاً في مارس الماضي في طشقند، وقد حكم على ستة إسلاميين بالإعدام في هذه القضية.ه
وأبدى الرئيس الأنغوشي رسلان أوشيف تخوفه من أن "الوهابيين يريدون التوجه في مرحلة لاحقة إلى أنغوشيا وسائر الجمهوريات الإسلامية لإقامة جيوب إسلامية من بحر قزوين إلى البحر الأسود".هويرى المختصون في الشؤون الإسلامية أن التيار الوهابي دخل منطقة القوقاز وآسيا الوسطى نـهاية الثمانينيات وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي مع عدد من شيوخ الدعوة العرب.ه
روسيا لا تخوض المعركة في القوقاز منفردة رغم أن أحداً لا يمكن أن ينكر أن الكثير من الدول الغربية لن تذرف الدموع إزاء تمزق الإمبراطورية الروسية، فقد ذكرت صحيفة "فريميا" الروسية يوم الخميس 19 أغسطس 1999م، أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الموساد سيساعد روسيا في محاربة الإسلاميين في شمال القوقاز، حيث أن وزير الخارجية الإسرائيلي ديفيد ليفي أكد للسفير الروسي ميخائيل بوغدانوف أن الموساد سيقدم لموسكو معلومات عن الإسلاميين في روسيا. وقد رفضت وزارة الخارجية الروسية وجهاز الاستخبارات الخارجية رداً على أسئلة لوكالة فرانس برس، التعليق على هذا النبأ. ونقلت "فريميا" عن دبلوماسيين روس تأكيدهم وجود إسلاميين أردنيين وفلسطينيين في القوقاز.ه
وقد أكدت السلطات الروسية عدة مرات أن الإسلاميين المتمركزين في القوقاز وخصوصاً في الشيشان وداغستان يضمون في صفوفهم عدداً كبيراً من المتطوعين من الدول العربية وآسيا الوسطى.ه
يقول محلل اقتصادي في باريس أن الاقتصاد الروسي المريض لا يمكنه أن يمول حرب الشيشان التي تكلف يومياً ما يزيد على خمسة ملايين دولار، وبما أنه من الواضح أن قيادة الكرملين ليست في عجلة من أمرها لحسم الحرب، كما أنه في غيبة أي تأثير سلبي ظاهر لتكلفة الحرب المرتفعة على الوضع المالي الهش في روسيا، لابد من الإقرار بأن هناك مصادر تمويل أخرى.ه
منذ يوم الجمعة 8 أكتوبر 1999 يواجه صندوق النقد الدولي اتـهامات جديدة وهي أن أمواله تستخدم في تمويل حرب موسكو في القوقاز، خاصة بعدما قامت لجنة المصالحة الروسية المكلفة بتنقيح مشروع موازنة العام المقبل برفع المبلغ المخصص للدفاع والأمن الوطنيين بأكثر من مليار دولار عن التوقعات الأولية، في وقت يتعين فيه على روسيا أن تسدد لصندوق النقد الدولي 369 مليون دولار في أكتوبر 1999 و 800 مليون في ديسمبر المقبل.ه
وتتحدث الأخبار الواردة من العواصم الغربية عن أن وزير المالية الروسي ميخائيل كاسيانوف حصل مؤخراً وسراً على وعد تلقي أكثر من مليار دولار من الهيئات الدائنة الدولية، فقد وعدت اليابان ودائنون دوليون آخرون بـ 350 مليوناً، ويفترض أن يمنح صندوق النقد الدولي موسكو القسم الثاني من قرضه البالغ 640 مليون دولار.ه
وفي الإجمال، ما زال على صندوق النقد أن يقرض روسيا حوالي 4 مليارات دولار قبل نـهاية العام 2000 مشترطاً بعض النتائج الاقتصادية، وهناك ثلاثة مليارات أخرى من البنك الدولي واليابان مشروطة بمساعدة من صندوق النقد الدولي.ه
وليست هذه هي المرة الأولى التي يتهم فيها صندوق النقد الدولي بتمويل الحروب الروسية فقد اعتبرت يافوليتا سشتيريفا الخبيرة الاقتصادية في شركة ام. كاي رنيسانس للسمسرة أن حرب الشيشان الأولى التي أوقعت بين ديسمبر 1994 إلى أغسطس 1996 حوالي 800 ألف قتيل "مولت بفضل صندوق النقد الدولي وتراوحت تقديرات كلفة الحرب في تلك الفترة ما بين 6 و 8 مليارات دولار.هوقال فيكتور بوريسوك المحلل في المعهد الاقتصادي العالمي والعلاقات الدولية: "لا أعتقد أن العمليات الحالية أقل كلفة من الحرب السابقة".ه
شبه القارة الهندية:
غير بعيد عن القوقاز هناك حرب أخرى تتضمن تحالفات غريبة. في منتصف صيف 1999 وبالضبط يوم الخميس 12 أغسطس وخلال ذروة المعارك في القطاع الذي تسيطر عليه الهند في كشمير أوردت صحيفة "هآرتس" أن إسرائيل أسرعت بعملية تسليم طلبية أسلحة ومعدات عسكرية إلى الهند.هوأضافت الصحيفة أن الحكومة الهندية طلبت مؤخراً من إسرائيل تسريع تسليم الأسلحة قبل تصاعد حدة التوتر في كشمير، وأن المسؤولين في وزارة الدفاع الإسرائيلية استجابوا لهذا الطلب.هيذكر أن إسرائيل أقامت تعاوناً وثيقاً مع الهند على الصعيد العسكري في السنوات الأخيرة، وقد توجه قائد القوات البرية الهندية الجنرال باراكاش مالك في آذار (مارس) 1998 إلى إسرائيل. وفي العام الماضي، عين الطرفان للمرة الأولى ملحقين عسكريين في سفارتيهما في تل أبيب ونيودلهي.ه
وأضافت الصحيفة أن إسرائيل وقعت مؤخراً اتفاقاً لبيع الهند معدات الكترونية متطورة، وكانت هذه الصفقة قد أرجئت لسنوات عدة بسبب معارضة الولايات المتحدة لها. إلا أن واشنطن التي حققت تقارباً من الهند مؤخراً رفعت القيود التي فرضتها على بيع الأسلحة إلى هذا البلد بعد التجارب النووية التي أجرتـها نيودلهي في أيار (مايو) 1998 والتي تلتها تجارب مماثلة في باكستان.ه
وأشارت الصحيفة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد أيهود باراك يؤيد تنمية العلاقات بين الطرفين ومن المقرر أن يقوم بزيارة إلى نيودلهي العام المقبل بعد الانتخابات الهندية.ه
وتشير الإحصاءات الإسرائيلية إلى أن المبادلات التجارية المدنية بين الطرفين تبلغ حالياً 700 مليون دولار سنوياً، في حين تبقى الأرقام الخاصة بالتعاون العسكري سرية، وإن كان بعض الخبراء يحددونـها ما بين 300 و 400 مليون دولار سنوياً.ه
ولا تخفي تل أبيب أن تعاونـها العسكري والاقتصادي مع الهند يهدف إلى الحد من نمو القوة الباكستانية التي تحسب إلى جانب العرب، وقبل تفجير إسلام آباد لقنبلتها النووية الأولى تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية مراراً عن وضع إسرائيل خططاً مشتركة مع نيودلهي لشن غارة جوية على منشآت باكستان النووية لإجهاض برنامجها. وخلال معارك كشمير الأخيرة زودت واشنطن نيودلهي عن طريق أطراف ثالثة بصور دقيقة من الأقمار الصناعية عن مواقع القوات المعادية على قسم جبال كشمير، وذلك قبل أن يجبر البيت الأبيض رئيس وزراء باكستان نواز شريف على الضغط لسحب المقاتلين المسلمين من المنطقة.ه
أغلب الحروب:
يعترف خبير في معهد الدراسات الإستراتيجية في لندن أن الجزء الأكبر من الحروب التي يخوضها الغرب بشكل مباشر أو غير مباشر الآن في نـهاية عقد التسعينيات موجهة ضد خصوم محسوبين على المعسكر الإسلامي، ويضيف أن الحرب المستمرة في جنوب السودان لا تستهدف سوى تقسيمه وإقامة دولة مسيحية وثنية في جنوبه تكون حاجزاً أمام المد الإسلامي الذي يخيف الغرب نحو وسط أفريقيا، كما أن النجاح في فصل تيمور الشرقية عن أندونيسيا يشكل خطوة أولى لإضعاف أكبر بلد إسلامي من حيث تعداد السكان، وكذلك لتشجيع الحركات الانفصالية الأخرى، خاصة وأن القوى الغربية الرئيسية ترقب بتحفظ تحول بلد الثلاثة آلاف جزيرة إلى قوة اقتصادية وعسكرية هامة في جنوب آسيا.هنفس الخبير يشير إلى التحالف الغريب بين العديد من القوى الغربية وتلك المحسوبة على الشرق ضد حركات وقوى تحسب في المعسكر الإسلامي.ه
فموسكو ونيودلهي وواشنطن وباريس ولندن وغيرها تساند خصوم حركة طالبان في أفغانستان وتتدخل بكثافة مادياً كلما أوشكت قوات طالبان على سحق آخر جيوب المقاومة المعارضة في شمالها، وقبل أشهر سمحت موسكو بإقامة جسر جوي عبر أراضيها لنقل عتاد عسكري من قواعد غربية في أوربا ومن الولايات المتحدة نفسها إلى شمال أفغانستان، والآن توضع قواعد مواجهة أكثر شمولية.ه
حصار دولي جديد:
قرر مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة 15 تشرين الأول )أكتوبر) 1999م فرض حظر جوي وعقوبات مالية على حركة طالبان إذا لم تسلم قبل 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 1999 أسامة بن لادن المتهم بتزعم شبكة مسلحة دولية، وحظي القرار رقم 1967 الذي قدمته الولايات المتحدة على إجماع أعضاء المجلس الخمسة عشر.ويطالب القرار حركة طالبان "بتسليم أسامة بن لادن بدون تأخير" إلى بلد مستعد لمحاكمته.ه
وتتهم الولايات المتحدة الثري السعودي الأصل بتدبير الاعتداءين اللذين استهدفا سفارتيها في دار السلام ونيروبي في آب (أغسطس) 1998 حيث قتل 224 شخصاً وأصيب مئات بجروح. ويحظر القرار على أي طائرة تابعة لطالبان أو تستخدم باسمها الإقلاع أو الهبوط في أرض أي من الدول الأعضاء.هويستهدف الحظر عملياً شركة الخطوط الجوية الأفغانية "أريانا" التي تنظم رحلات دولية إلى دبي فقط، ويلحظ القرار استثناء رحلات الحجاج إلى مكة. ولكنه يفرض تجميد الحسابات المصرفية والممتلكات الأخرى التي تملكها الحركة الحاكمة في كابول منذ 1996.ه
إذا كانت أولويات روسيا في حربـها ضد العدو الجديد توجد في منطقة القوقاز والجمهوريات الإسلامية السابقة في الاتحاد السوفييتي فإن أولويات أمريكا توجد في الشرق الأوسط وخاصة في السودان والعراق.ه
يوم الجمعة 22 تشرين الأول (أكتوبر) 1999 وفي نيروبي أكدت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت أن الولايات المتحدة تدعم بشكل حصري جهود الدول الأعضاء في الهيئات الحكومية للتنمية ومكافحة التصحر إيغاد لتحقيق السلام في السودان.هوتضم إيغاد التي تقوم بوساطة بين الصومال والسودان كلاً من جيبوتي وأرتيريا وأثيوبيا وكينيا وأوغندا والسودان ونظرياً الصومال التي لا تتمتع بحكومة مركزية منذ 1991م. ويرأس الرئيس الكيني دانيل أراب موي مجموعة فرعية تضم أربع دول تسعى إلى إيجاد حل سلمي للحرب في السودان، وتضم هذه المجموعة أوغندا وأرتيريا وأثيوبيا والبلدان الأخيران يتواجهان في حرب.ه
وقالت أولبرايت التي التقت مع جون قرنق زعيم الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي يقاتل لفصل جنوب السودان: "نظن أن العملية التي تقوم بـها إيغاد هي الوسيلة الفضلى للتقدم ونحن لا ندعم أي جهود أخرى يقترحها البعض مثل مصر وليبيا". وجاءت تصريحات وجولة أولبرايت في وقت خصصت فيه أموال جديدة لدعم قرنق عسكرياً في محاولة لوقف تقدم الخرطوم في جهودها لإضعاف التمرد ولقطع الطريق على تسوية عربية تحفظ وحدة السودان. وفي الوقت الذي كانت فيه وزيرة الخارجية الأمريكية تضع في أفريقيا أسس تنفيذ المخططات الأمريكية كان وزير الدفاع الأمريكي وليام كوهين يضع قواعد تنفيذ مشاريع مماثلة في الشرق العربي. فيوم الاثنين 18 تشرين الأول (أكتوبر) وفي المنامة أكد أن الولايات المتحدة ستستمر في تشجيعها لتغيير النظام في العراق. وصرح كوهين أنه يأمل في أن تتوصل المعارضة لصدام حسين داخل البلاد إلى تغيير النظام يوماً ما، واعتبر أن الاضطرابات الأخيرة التي يشار إليها على وجه منتظم في جنوب العراق وغيرها من الإشارات، تحمل إلى الاعتقاد بأن صدام حسين "لم يعد يتحكم بيد من حديد ببعض الأمور كما كانت الحال في السابق".ه
وأضاف كوهين أن المعارضين "يشعرون بالإحباط لما يتطلب ذلك من الوقت ولكنهم يدركون أنه ينبغي عليهم أن يواصلوا جهودهم وإلا فسيخرج صدام حسين من قلعته ويهدد المنطقة من جديد".ه
ودافع كوهين عن سياسة الاحتواء الأمريكية وقال: "أعتقد بأن جميع دول المنطقة تدرك بأن صدام لا يستطيع أن يخرج من داخل العلبة الموجود فيها".ه
إن معالم معارك ومواجهات المستقبل قد بدأت تتضح .ه
|