الإسلام السياسي والتغيرات على الساحة السياسية

 لا بد من أن الجماهير ستدرك يوماً بعد يوم مخاطر العودة إلى الحكم الفردي والحزبي الواحد وان كان يدعي انه مفوض باسم الشريعة الإسلامية من الله عز وجل وهنا يبدأ دور القوى التقدمية صاحبة المشروع الوطني الديمقراطي في قيادة عمليات التغيير السلمي من خلال رفع الوعي لدى المواطنين، ومن جوانب عديد أخرى وللعودة إضافة لـ "رابعاً" فهي أي أحزاب الإسلام السياسي ستعجز عن إقامة الدولة الدينية لأسباب داخلية وخارجية

1 ـــ  داخلية وجود الأحزاب الوطنية والديمقراطية والاشتراكية ووضوح برامجها في قضيتين

ــــ  الموقف  من السعي لإقامة الدولة الديمقراطية المدنية والموقف من الحريات المدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان

ـــ  والموقف الايجابي الواضح من مطالب الجماهير الشعبية بخصوص فرص العمل والبطالة  والغلاء والخدمات العامة (الكهرباء، الماء، التربية والتعليم، الصحة، أزمة السكن، الاهتمام بالبيئة وغيرها

2 ـــ  خارجية هو التوجه العام في العالم ضد الأنظمة الشمولية السياسية أو الدينية السياسية وبالضد من الإرهاب والتعصب الديني المتطرف.

 ولا يكفي الوعي الوطني بمفرده  رفض مشروع الدولة الدينية إذا لم يصاحبه وعي اجتماعي متنور، ولا يمكن تحقيق ونجاح مشروعها الديني وإن اعتمد البعض منها على الطائفية كقول نوري المالكي " ليش منو يكدر حتى ننطيها " وهذا الأمر سوف ينعكس على أحزاب الإسلام السياسي في تونس ومصر بالدرجة الأولى (الأحداث الأخيرة تثبت الاستنتاج بعدم إمكانية العودة للقديم بشكل جديد نسبياً) ثم البلدان التي سوف تنتهج النهج نفسه، أما قضية استمرار صعود الإسلام السياسي في الانتخابات القادمة فهي محكومة بشروط ذكرنا البعض منها، كما تقع على عاتق القوى التقدمية الديمقراطية والاشتراكية وحتى الليبرالية مهمات عديدة في مقدمتها التعاون فيما بينها لقيام تجمع على نقاط مشتركة تقف بالضد من محاولات الهيمنة والتفرد ثم إيجاد آليات أكثر نفعاً للاتصال بالجماهير الشعبية المغرر بها لرفع وعيها الوطني والاجتماعي والسياسي والانتخابي، ثم  تجديد خطابها السياسي  ووضع شعارات واقعية تحظي باهتمام الجماهير وبخاصة تلك الشعارات التي تلامس حياتها المعيشية والاقتصادية، وبدورنا نقر بحقيقة  تاريخية لا يمكن إنكار دور البعض من رجال الدين ومفكريه في قضايا التنوير الوطني والاجتماعي والسياسي ومحاولات العديد منهم الخروج من تسييس الدين وفصله عن الدولة لكن ظلت بحدود معينة بسبب المرجعيات الدينية التي أبقت بشكل ما على الالتزام بالشريعة والادعاء بها لخدمة مصالحها الضيقة كونها إلزاماً سماوياً والمصالح الدنيوية حسب اجتهاداتها وآراء القيمين على المرجعيات.

 ومن المهمات الأساسية التي يجب النضال من أجلها فصل الدين عن السياسة والدولة ومن منطلق واضح عدم استغلال المرجعيات الدينية والدين وما جاء في أصول الشريعة قبل وأثناء الانتخابات للقفز على السلطة ثم الدولة برمتها مما يؤدي إلى  تناقض كبير بين بناء الدولة المدنية وبين التوجهات الدينية السياسية وقد تبرز الطائفية في هذا المضمار واستخدامها في الصراع مثلما هو الحال في العراق أو أي دولة أخرى.

وتبقى آفاق عملية صعود  الإسلام السياسي  وأحزابه محكومة بالظروف لكل بلد من البلدان وبخاصة محدودية تنفيذها لقضايا الجماهير ومطالبها المشروعة،  كما أن العامل الذاتي للقوى الوطنية والديمقراطية وتوسع نفوذه والتفاف الجماهير حوله سوف يساهم بتقوية فرص هذا التيار وبالنتيجة ستنحسر تدريجياً تأثيرات أحزاب الإسلام السياسي لا بل ستجد نفسها مضطرة إلى توافقات فيما يخص برامجها وقبولها بتبادل السلطة سلمياً وهو نجاح كبير للعملية الديمقراطية للتخلص من المفهوم الدكتاتوري لقيادة الدولة والمجتمع،  وتقع على عاتق القوى الوطنية والديمقراطية مهمات النشاط الجماهيري ومدى تأثيرها ونشر برامجها ونشاطها بين الجماهير، وبالتأكيد أن الجماهير ستعرف آجلاً أم عاجلاً أنها أمام حالة مماثلة للماضي ومن هذا المنطلق  ستجري مقارنات على ارض الواقع  مع بلورة الوعي الاجتماعي وفق الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعندما تدرك الجماهير أن أحزاب الإسلام السياسي  عاجزة عن تحقيق مطالبها الأولية في قضايا ذات اهتمام مشترك وفي مقدمتها القضايا المعيشية والبطالة والفقر والخدمات والاستقرار الأمني وتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية فذلك من أوليات إيقاف صعود الإسلام السياسي بمفهومه التسلطي لقيادة الدولة.

إن المنعطف التاريخي الذي تجلى بعد فترة من الغموض النسبي  والذي أحدث تساؤلات عديدة عن إمكانية الشعوب والذي لم يتوقعها البعض من الذين كانوا يؤمنون بقدراتها السلمية واستمرارها على التحدي مهما كانت التضحيات وقد أدى هذا المنعطف التاريخي بالنتيجة إلى تغييرات عميقة وتحولات نحو آفاق جديدة من العمل للدفاع عن الحقوق المشروعة وبالذات الحريات العامة والديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع ولقد شهدت البعض من الدول "مصر وتونس" تراجعات واضحة عن الوعود التي قطعوها على أنفسهم قبل وصول حركة الإخوان المسلمين وحزب النهضة الإسلامي في تونس ومنها العمل مع القوى السياسية بمختلف أنواعها لقيام الدولة المدنية بعد سن دستور مدني إلا أن الموضوع اختلف تماماً فقد برزت أفكار وتداعيات تدعوا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وحاول الرئيس المصري محمد مرسي ومن خلفه حزب الإخوان المسلمين تمرير دستور بمواد غير مقبولة فضلاً عن مراسيم من قبل رئيس الجمهورية  ولقد بدأت الجماهير تدرك أن حركة الإخوان المسلمين تحاول أخونة مصر على طريقتها مستفيدة من نتائج الانتخابات التشريعية ثم انتخابات رئيس الجمهورية بدون التفكير والتمعن إن هناك قوى كبيرة أيضا تستطيع تفويت الفرصة ومع استمرار الأوضاع بالتداعي وإصرار محمد مرسي خرجت الاحتجاجات مرة أخرى إلى الشارع وما نشهده من انشقاق واضح في الشارع المصري وتوسع الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات دليل على عدم استطاعة حركة الإخوان المسلمين  الهيمنة بالمطلق على الأوضاع السياسية وبالتالي تحقيق مشروعهم الديني وكما يتوقع الكثير من المتابعين أن هناك انسلاخ واضح من قاعدة حركة الإخوان المسلمين وتوسع الخلافات في حزب السلفيين حزب النور وسوف تستمر هذه الحالة ويتصاعد الحراك الشعبي للوقوف أمام المخططات للعودة إلى سياسة الحزب الواحد والرئيس الذي يحكم بالمطلق أما في تونس فان الحراك الجماهيري مازال مستمراً وان اختلف مع الحراك المصري وهناك موقف مضاد من حركة النهضة الإسلامية التونسية وحزب التحرير الإسلامي الذي يدعو قيام دولة الخلافة وقد ظهرت بوادر الاحتجاجات المضادة وتوسعت بعد اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد الذي هاجمه بعد اغتياله أبو عياض التونسي زعيم تنظيم أنصار الشريعة السلفي ألجهادي بالقول" ندعو جميع المسلمين الذين ترحموا على ملحد معادي للإسلام واعتبروه شهيدا أن يتوبوا إلى الله وان يراجعوا دينهم" وكأن مئات الآلاف من التونسيين الذي خرجوا للتشيع والذين لم يخرجوا لبعد المكان على حسب قول هذا السلفي ألجهادي بدون دين وعليهم العودة لدينهم أي عقلية هذه وهي ترى بأم عينها مئات الآلاف من المعارضين لإقامة الدولة الدينية وهم يسعون لبناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تضمن حقوق الجميع بما فيها حرية المعتقد والعبادة وغيرهما، لقد كانت ردة الفعل الجماهيرية قد هزت الحكومة بعد أخبار عن انسحاب جميع وزراء حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وعددهم خمسة من الحكومة وأدت إلى خلق تداعيات استقالتها وتشكيل حكومة تكنوقراط بدلاً عن حكومة المحاصصة الحزبية وهذا ما صرح به رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي وأكد بالاستقالة إذا لم يتم ذلك وأشار أن ذلك  " إحساسا منه بالمسؤولية الوطنية "  وهذا التطور الواضح بالرغم من المظاهرات المؤيدة لحركة النهضة وحزب التحرير الإسلامي والسلفيين دليل على مدى اتساع الوعي الجماهيري والشعور بالمخاطر المحدقة بالبلاد بإقامة مشروع الدولة الدينية التي تدعو إليه بكل صراحة البعض من قوى الإسلام السياسي في مصر أو تونس وقد تكون سوريا على الطريق إذا ما خرجت من محنتها المأساوية.

أن الحراك الشعبي الواسع والمظاهرات والاحتجاجات المستمرة من قبل معارضي أحزاب الإسلام السياسي ليس هبة جماهيرية وقتية بل أنها دليل حي على أن هناك نهوض جديد من اجل ترسيخ مبادئ الدولة المدنية الضامنة لحقوق المواطنين، وأن أفواجاً جديدة من الناس بدأت تدرك أن المشروع الظلامي المتربص بهم سوف يعيدهم  للمربع الأول وما يحمله من تقيد للحريات والتجاوز على الحقوق وحرمانهم من ابسط المائل الحياتية الطبيعية، كما أن الجماهير من غير الحزبين الإسلاميين المنتمين لأحزاب الإسلام السياسي خبرت بفشل هذه الأحزاب حل المشكلات التي واجهتها سابقاً ولها أيضا تجربة فيما يجري في العراق بعد أن استلم السلطة حزب سياسي ديني إسلامي طائفي وهو حزب الدعوة وحلفائه  الذين ينتمون لطائفة واحدة ويبدو أنهم لا يقبلون إلا منها كأعضاء في أحزابهم ومنظماتهم وهذه التجربة قد أغنت مفهوم تحقيق الديمقراطية وفصل الدين عن الدولة، وتتجلى يوم بعد آخر التوجهات الدينية السياسية لدى أحزاب الإسلام السياسي بأنها كالت بمكيالين فعندما كانت في المعارضة استخدمت خطاب متوازن حول حقوق المواطنين جميعهم والابتعاد عن الإكراه وإقامة الدولة بشكل حضاري والاعتراف بانتقال السلطة سلمياً وعدم فرض سياسة الحزب الواحد كما كان ولكنها بعد إزاحة الحكومات السابقة واستلامها السلطة بطرق عديدة أشهرت عن خطاب جديد ملتوي تحاول فيه خداع المواطنين وفرض مفهومها الخاص وتعميمه كأنه عام للجميع

المصدر: http://almothaqaf.com/index.php/qadaya/71624.html

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك