استشارة الاخر .. فعل تقليدي ام تفريغ نفسي
تبين الدراسات الحديثة في امريكا على الاتي: "يكون الانسان مستعدا" لتبادل وجهات النظر، ويكون ذلك محفزا" للافصاح عن مهاراته وخبراته في الالقاء والحوار والمناقشة، واخفاء العيوب التي ارتكبها بحجة عدم وجود نضوج فكري عندما ارتكب الخطأ او قام بالفعل كونه يعتقد ان المخاطب لايدرك مكامن الضعف لديه وطالب الحاجة اعمى ولايريد سوى تحقيق رغبة ذاتية انطلق منها لاخماد الحديث الداخلي والتكرار الذاتي للجمل والعبارات والحسرة المتواصلة عند انتهاء الحديث عن سبب عدم التحدث بصراحة او اعطاء الافكار الحقيقية للوصول الى الهدف."
فاليوم نرى الكثيرين يحاولون ايجاد متنفسا" للبوح عن مابداخلهم من قضايا اجتماعية او اسرية او حياتية الى الاخر بحجة ايجاد الحل لهم؛ لكن ان الاخر يعاني هو الاخر من البحث عن اكمال الصورة المرسلة له، والاسئلة الكثيرة عن ايجاد المفردات والعبارات والجمل المناسبة والمنمقة في الغالب لاقناع ذلك السائل او صاحب الحاجة. فهو لاينظر الى المقابل من جهات اربعة وانما ينظر اليه من جهة واحدة: السائل يعطي تلميحا" وايحائا" ويخفي الحقائق او القضايا الجوهرية الخاصة بقضيته فيشعر في النهاية ان حديثه وكلامه الطويل لم يكن منتجا" ولا مثمرا" مع ذلك الشخص، لان النهاية تحولت الى ان المقابل يقيس الموضوع مع ذاته ويخرج بنتائج سريعة واجابات مذهلة لكنها منمقة ومطرزة بألوان الخيال وليس الواقع.
يجب على المرء ان يفهم ان وسيلة التفريغ النفسي تحتاج الى اشخاص آمناء على المعلومة والكلام حتى لايتحول ماتم البوح به الى نقاط ضعف يسجلها المخاطب عند وجود ثغرات قوية وجوهرية في المرسل؛ ويقوم بعد ذلك بالبوح بها الى العامة مما يعني اكتشاف مواطن الضعف عند ذلك المسكين الحالم الذي كان يريد ان يجد منفذا" سليما" وآمينا" يلتجأ اليه لتقليل همومه واحزانه ويفرغ مابداخله ليكون مرتاحا" وليس قلقا" بأضافة عوامل خطر اجتماعية وحياتية جديدة له!
اخيرا"، نقول ان المخاطب هو شخصا" مر بتجارب الحياة من قبل ووضع في مصائدها ومصائبها، فلا نجعله يقوم بجعلنا اضحوكة بين يديه او نؤمنه على اسرارنا لان الغالب من الناس يريد، ويكون متلهفا"، ويرغب ان يعرف سلسلة الاحداث عن قضية ما كونه فضوليا" بأمتياز وبطبيعته ولايريد ان يقدم الحلول والوصايا، واذا اراد ان يفعل ذلك فيقدمها بأسلوب الحسد، الغيرة، الانانية، والمنفعة. الحقيقة، اننا نقلد الاخر ونفرغ مانملكه من تجارب بصورة مجانية دون مقابل، وليس المشكلة اننا ندرك بأن الانسان ولد ليكون اجتماعيا" ومتحاورا" مع اخيه ان وجد ...؛ لكن الاستشارة بهذه الصورة ستكون عائقا" وليس حلا" امام القضايا الذاتية وعلى الانسان ان يجد حلا" بنفسه دون الاستشارة في يومنا هذا لان الحياة: الاسد في البيداء، التمساح في الماء، والنسر في السماء، وعلى الانسان ان يجد نقاط الضعف لهذه الحيوانات ليعيش سعيدا" فيها ...
المصدر: http://mail.almothaqaf.com/index.php/qadaya/72079.html