من أجل نظرية تربوية عربية جديدة وأصيلة..البيداغوجيا الإبداعية

تمهيــــــد:جرب المغرب بصفة خاصة، والعالم العربي بصفة عامة، عدة نظريات تربوية، كنظريات التربية الحديثة، ونظرية الأهداف السلوكية، ونظرية الجودة، ونظرية الشراكة، وبيداغوجيا المجزوءات، ونظرية الكفايات والإدماج... وما زال البحث مستمرا لإيجاد نظريات تعليمية أخرى موجودة في الساحةالتربوية الغربية من أجل تجريبها في مدارسنا ومؤسساتنا الوطنية تقليدا واستيرادا واستنباتا، قصدتطبيقها وممارستها، وكل ذلك رغبة في التحقق من نجاعتها وفعاليتها. والهدف من هذا البحث الدؤوب عن المستجدات التربوية النظرية والإجرائية هو تجديدالوضع البيداغوجي والديداكتيكي، وإيجاد الحلول الممكنة للمشاكل التي يتخبطفيها تعليمنا من المستوى الابتدائي حتى المستوىالجامعي، والذي أصبح يخرج أفواجا كثيرة من الطلبة الحاصلين على الشهاداتالعليا، ولكن بدون قيمة ولا جدوى، إذ سرعان ما يجدون أنفسهم بعد التخرجعاطلين وبطالين بدونعمل، وبدون كفاءة وظيفية تساعدهم على تدبير شؤون حياتهم، على الرغم من حاجةالمجتمع الماسة إليهم.هذا ما دفع الكثير من الدول العربية، ومنهم المغرب، إلى استيراد النظرياتالتربوية الغربية التي وضعت في سياق غربي، له خصوصياته المميزة، وقد بلورت منهجيا لتكييفها مع الأوضاعالمحلية، واستنباتها بشكل تعسفي لا يراعي خصوصياتها، مع السعي الجاد إلى زرعها في تربةتأبىالاستجابة؛ نظرا لاختلاف بيئة المصدر عن بيئة المستورد الذي يرى في هذه النظريةالمستنبتة حلا سحريا لإنقاذ الوضع التعليمي المتدهور، وذلك تطبيقا للمقولة الرائجة:" يتأثر المغلوب دائما بالغالب".

و ندعو في هذه الدراسة إلى تطبيق نظرية تربوية جديدة في العالم العربي سميناها بالنظريةالإبداعية أو البيداغوجيا الإبداعية. إذاً، ما هي هذه النظرية؟ وما هوسياقها الظرفي؟ وما هي غاياتها وأهدافها؟ وما هي مرجعياتها النظرية ومرتكزاتها المنهجية والتطبيقية ؟ وكيف يتم تنزيل هذه النظرية ديداكتيكيا تخطيطا وتدبيرا وتسييرا؟ هذا ما سوف نرصده في موضوعنا هذا.

 سياق النظرية التربوية الإبداعية:

من المعلوم أن هناك ثلاث مدارس بارزة في المنظومة التربوية العالمية،فهناك مدرسة تغير المجتمع كما هو الحال في اليابان، ومدرسة يغيرهاالمجتمع كما في دول العالم الثالث، ومدرسة تتغير بتغير المجتمع كما هوشأن المدرسة في الدول الغربية.

و إذا أردنا أن نعرف طبيعة المدرسة المغربية فهي مدرسة محافظة بلا شك، تهدف إلىتكوين مواطن صالح بمفهوم السلطة الحاكمة، يحافظ على قيم المجتمع وأعرافه وعاداته وتقاليده. ويعني هذا أن المدرسة المغربية تقوم بالوظيفةالاجتماعية نفسها التي أشار إليها إميل دوركايمE.Durkeim)، والتي تتمثل في التنشئة التربوية والتهذيبية، وتوريث المتعلم القيم الاجتماعية نفسها التي كانت عند آبائه وأجداده، وذلك من أجل التكيف والتأقلممع أوضاع المجتمع وقوانينه. أي: تقوم المدرسة بإدماج الفرد داخل المجتمع، وتسهر على تربيته عبر مؤسسات صغرى وكبرى من أجل الحفاظ على مكتسباتالمجتمع. ومن هنا، فهذه المدرسة بحال من الأحوال مؤسسة محافظة، تكرس القيم الموروثة نفسها، وتعطيالمشروعية للطبقة الحاكمة لكي تستمر في السيطرة على السلطة، دون التفكير فيتغيير المجتمع من أجل اللحاق بالدول المتقدمة. وبالتالي، تنعدم عند هذهالمدرسة الأهداف الوطنية الحقيقية التي تعمل على زرع الوطنية الصادقة فينفوس المواطنين، وبناء الإنسان المبدع الحقيقي، والاحتكام إلى احترام حقوقه، وتمثلالديمقراطية والشورى، والأخذ بفلسفة الحريات الخاصة والعامة. وتفتقد هذهالمدرسة كذلك إلى الأهداف القومية التي تعمل على تطوير الأمة العربية والإسلامية، وتسعى إلى تغيير أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.

ويعني كل هذا أن وظيفة المدرسة تقوم على وظيفتي الحفاظية والمحافظة، والتشديد على جدلية الماضي والحاضر. بمعنى أنالمدرسة وسيلة للتطبيع الاجتماعي، وإعادة إدماج المتعلم داخل المجتمع. أي: تقوم المدرسة بتكييف المتعلم، وجعله قادرا على الاندماج في حضن المجتمع. إذاً، تقوم المدرسة بوظيفة المحافظة والتطبيع، ونقل القيم من جيل إلى آخر عبر المؤسسة التعليمية. ويعني هذا أيضا أن المدرسة وسيلة للمحافظة على الإرث اللغوي والديني والثقافي والحضاري، ووسيلة لتحقيق الانسجام، والتكيف مع المجتمع.أي: تحويل كائن غير اجتماعي إلى إنسان اجتماعي، يشارك في بناء العادات نفسها التي توجد لدى المجتمع. وهذا يؤدي إلى أن تكون المدرسة مؤسسة توحيد وانتقاء واختيار. ويعني هذا كذلك أن المدرسة توحد عبر التكييف الاجتماعي، ولكنها تميز بين الناس عبر الانتقاء والاصطفاء. ومن ثم، فالوظيفة الأولى للمدرسة هو زرع الانضباط المؤسساتي والمجتمعي. ويرى مارسيل بوستيك:" بأن كل نظام مدرسي يتسم بسمة المجتمع الذي أنشأه. وهو منظم حسب مفهوم التصور المعطى للحياة الاجتماعية، ولدواليب الحياة الاقتصادية، والروابط الاجتماعية التي تحرك هذا المجتمع. ولهذا، حلل علماء الاجتماع بصورة مباشرة أو غير مباشرة الصلات بين العلاقة التربوية والنظام الاجتماعي، نظرا لأنهم يعدون التربية بمثابة مؤسسة، مهمتها تكييف الشباب مع حياة الجماعة بواسطة إجراءات معقدة الاستنباط."[1]

ونستخلص من كل هذا أن المدرسة المغربية مدرسة تقليدية محافظة بشكل من الأشكال، تكرس التبعية، وتعمل على تكوين الورثة بمفهوم بيير بورديو P.Bourdieu )، كما يوضح ذلك فيكتابه الورثة Les Héritiers). كما أن الأوضاع الاقتصادية والضغوطاتالاجتماعية والمؤسسات الدولية الخارجية هي التي تغير المدرسة المغربية، وتؤثر فيها سلبا.

و من جهة أخرى، يمكن القول: لقد قطعت المدرسة المغربية عدة أشواط، وعرفت عدة أنماط فيمسارها البيداغوجي والديداكتيكي، ويمكن حصرها في المسارات التالية:

uالمدرسة الاستعماريةالتي ظهرت إبانالحماية من 1912م إلى 1956م، وتهدف هذه المدرسة إلى القضاء على الكتاتيبالدينية والجوامع القرآنية، ومحو ثوابت الأمة المغربية، والتشديد علىالفصل بين البرابرة وإخوانهم العرب، وذلك مع صدور الظهير البربري سنة 1930م، علاوة على محاربة كل النزعات الثورية التحررية التي تسعى إلى استقلالالمغرب. وكانت هذه المدرسة تعمل أيضا على ضرب الوحدة الوطنية، والطعن فياللغة العربية، والتشكيك في الدين والقيم الإسلامية والهوية المغربية عنطريق محاولات التنصير، وفرنسة المؤسسات التعليمية المعاصرة. ومن ثم، يعد التعليم المغربي إبان الحماية تعليما انتقائيا نخبويا تصنيفيا التعليم الإسلامي، والتعليم الأوروبي، والتعليم الإسرائيلي، والتعليم الأمازيغي).

vمرحلة التأسيس وبناء المدرسة الوطنيةالتي ظهرت بعد الاستقلال مباشرة، وذلك بتطبيق نظرية البديل الوطني، أو ما يسمى أيضا بنظرية المبادئ الأربعة، وهي: التعميم، والتوحيد، والتعريب، والمغربة.

wمرحلة الاستواء والعطاء والإنتاجإبانمرحلة السبعينيات من القرن العشرين، إذ ساهمت المدرسة المغربية في تكوين جيلمن الأطر المتميزة والمنفتحة والواعية التي عرفت بالإبداع والمهارة والحذق وجودة الملكات، وتميزت بالمساهمة الكبيرة فيتحريك الاقتصاد المغربي، وإغناء الثقافة العربية، وإثراء الفكر الإنساني.

xمرحلة النكوص والتراجعالتي بدأت مع سياسةالتقويم الهيكلي في منتصف ثمانينيات القرن العشرين، إذ تراجعت المدرسةالمغربية عن جودتها الكمية والكيفية؛ بسبب الأزمات التي كان يتخبط فيهاالمغرب سياسيا واقتصاديا وعسكريا واجتماعيا وثقافيا، خاصة مع حربالصحراء،زيادة على الضغوطات الدولية الخارجية التي تتمظهر بكل وضوح في قراراتالمؤسسات المالية، كمؤسسة البنك العالمي ومؤسسة صندوق النقد الدولي.

yمرحلة الإصلاح التربويالتي بدأت في أواخرالتسعينيات من القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة، وقد استهدفتالدولة ضمن هذه المرحلة إنقاذ الوضع التربوي المغربي المتردي الذي أصبح لاينسجم مع شروط ومعايير المدرسة الدولية ؛مما كان سببا في تراجع مستوى التلاميذ والطلبة، وكان مؤشرا دالا على انعدام مصداقية الشهاداتالمغربية، ولاسيما شهادة الباكلوريا التي تراجع مستواها العلمي الحقيقي.وهذا ما دفعالمسؤولين إلى التفكير بجدية في إصلاح التعليم، وذلك عن طريق إيجاد "الميثاق الوطنيللتربية والتكوين"، مع الاستفادة من بيداغوجيا المجزوءات وبيداغوجياالكفايات والإدماج، ورفع شعار الجودة التربوية. وعلى الرغم من جدية مبادئ الميثاق الوطني للتربية والتكوين"، وأهميتها النظرية والتطبيقية، فلم تتحقق الجودة التي كانت تنادي بهاوزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر في أرض الواقع، إذ كانت الوزارةتشتغل على تحقيق الجودة الكمية على حسابالجودة الكيفية، وهي الجودة الحقيقية، والجودة المطلوبة. ولهذا السبب،أفرزت الوزارة مؤسسات تعليمية متعثرة ماديا وماليا ومعنويا، تفتقد إلى الجودة العلمية، والمشروعية البيداغوجية، والمصداقية الأخلاقية. وبالتالي، فقدانعدمت الثقة لدى المربين والأسر والإداريين في المدرسة المغربية التيأصبحت مدرسة لتفريخ العاطلين واليائسين من مستقبل البلاد.لذلك، فقد اختارالطلبة المتخرجون سبيل الهجرة السرية إلى الضفة الأخرى حلا لمشاكلهم، وملاذاأخيرا لوضع نهاية لحياتهم المأساوية داخل وطنهم، الذي كان يعج بمجموعة من المفارقات والتناقضاتالجدلية على جميع الأصعدة والمستويات.

هذا، وتستلزم كل هذه المراحل التي تؤرخ لتطور السياسة التعليمية، وتطور الفلسفةالتربوية، إعادة النظر في النظام البيداغوجي المغربي، والتفكير في فلسفاتتربوية أخرى، جديرة بإنقاذ المدرسة الوطنية من أزماتها ومشاكلها التي تتخبطفيها، وذلك من أجل تحصيل جودة حقيقية، وتحقيق حداثة تقدمية تؤهل المغرب للحاق بمصافالدول النامية أولا، وبالدول المتقدمة ثانيا.

 ومن النظريات التربوية التي نرى أنها كفيلة بإخراج المغرب من شرنقة التخلف والانحطاط والاستلاب، نختار لكمالنظرية التربويةالإبداعيةLa pédagogie de la créativité). فما هو مفهوم هذه النظرية ياترى ؟

 

مفهوم النظرية الإبداعية لغة واصطلاحا:

تشتق كلمة الإبداعية من فعل بدع وأبدع. فبدع الشيء"يبدعه بدعا وابتدعه - في " لسان العرب" لابن منظور- بمعنى أنشأه وبدأه. وبدع الركية:ستنبطها وأحدثها. وركي بديع: حديثة الحفر، والبدعة: الحدث وما ابتدعمن الدين بعد الإكمال. وفلان بدع في هذا الأمر أي أول ولم يسبقهأحد. وأبدع وابتدع وتبدع: أتى ببدعة. والبديع: من أسماء الله تعالى. والبديع: بمعنى السقاء والحبل. والبديع: الزق الجديد والسقاءالجديد. وأبدعت الإبل كبركت في الطريق من هزال أو داء أو كلاليقال:أبدعت به راحلته إذا ظلعت. ويقال أبدع فلان بفلان إذا قطع به وخذله ولم يقم بحاجته. وأبدعت حجة فلان أي بطلت حجته أي بطلت. وبدعيبدع فهو بديع إذا سمن. وأبدعوا به: ضربوه. وأبدع بالسفر وبالحج:عزم عليه.[2]"

و تدل كلمة الإبداعية Créativité)في القواميس الأجنبية على القدرة علىالإبداع والاختراع والتجديد والإنشاء والتأليف والتكوين والتأسيس والإخراج والخلق. ومن أضداد الإبداع في هذه القواميس التقليد واللاوجود والهدم والتخريب والنقل والنفي[3].

و يفهم من هذه الدلالات اللغوية الاشتقاقية أن الإبداعية تدل علىالخلق والاختراع والاكتشاف والتجديد والتحديث، وتجاوز التقليد والمحاكاة، إلى ما هو أصيل وبناء وهادف. ومن هنا، فالإبداعية هو فعل الإنشاء، وخلق أشياء جديدة، وبلورة تصورات وأفكار ومشاريع أخاذة قائمة على اختراع مفاهيم جديدة، وابتكار مناهج وطرائق حديثة في التعامل مع الظواهر المادية والمعنوية.

و تأخذ كلمة الإبداعية دلالات اصطلاحية تختلف من حقل إلى آخر، فالإبداعية في التصورالديني هو خلق الله للعالم والإنسان من العدم. أي: من لاشيء. ومن ثم،فكلمة الإبداعية ترادف الخلق والإيجاد، وإنشاء الكون. بينما يعني الإبداع فيالمجال الفقهي البدع والمستجدات التي لم يستوجبها الشرع، فكل بدعةضالة، وكل ضلالة في النار، وأصحاب البدع هم أصحاب المستحدثات.

أما في المجال العلمي، فتعني الإبداعية الاختراع والاكتشاف. بينما يقصدبها في مجال الأدب والفن والفلسفة خلق نظريات وتصورات فكرية ومبادئنسقية جديدة منسجمة وغير متناقضة، وتأليف نصوص تمتاز بالحداثة والتجديد والانزياح والغرابة والخرق.

و المقصود بالإبداعية في مجال اللسانيات التوليدية التحويلية، كما عند مؤسسها الأمريكي نوام شومسكي N.Chomsky )، خلق جمل لا متناهيةالعدد بواسطة قواعد متناهية العدد، أو تغيير القواعد النحوية وتبديلها: " إن الإنسان ليس مالكا لدولاب اللغة فحسب، فعند التحدث لا يكتفي بإعادةالجمل، بل يخلق جملا جديدة، ربما لم يسمعها قبل. وبالتالي، فالحديث ليسإعادة لجمل سمعت، بل هو عملية إبداع، ويبدو أن هذا هو المظهر الأساسيالموجود بالقوة.وفي هذا الصدد، يقول الفرنسي نيكولا روفيت Nicolas Ruvet):"إنه من الاستثنائي والنادرإعادة الجمل، فالإبداع المتفق مع نحو اللغة هو القاعدة في الاستعمال العاديللتحدث يوميا. والفكرة القائلة: إن الإنسان يملك رصيدا لغويا، ذخيرة منالبيانات، يأخذ منها كلما استدعت الحاجة لذلك، إنما هي خرافة لا تمت بصلةإلى استعمال اللغة كما نلاحظه. ويميز شومسكي بين نوعين من الإبداع:

أ- إبداع يبدل القواعد النحوية، وهو خاصية الموجود بالفعل.

ب- إبداع يمكننا من إيجاد عدد لا متناه من الجمل، وهو ناتج عن تطبيقالقواعد النحوية. ويسمى هذا الإبداع إبداعا محكوما بالقواعد. ووجوده ممكنبطبيعة القوانين النحوية نفسها التي يمكن لها أن تتوالد إلى ما لا نهاية. وعلى هذا المنوال، يصير الموجود بالقوة كمجموعة مكونة من عدد محدود منالقوانين، وقادرة على إنشاء عدد لا محدود من الجمل. اضف إلى ذلك، أن الإنسان يتميز لسانيا عن الحيوان بالقدرة الإبداعية. في حين، يعتمد الحيوان على ماهو فطري وغريزي تكراري.

 

مفهوم الإبداعية في مجال البيداغوجيا:

يقصد بالنظرية الإبداعية في مجال البيداغوجيا أن يكون المتعلم أو المتمدرسمبدعا قادرا على التأليف، والإنتاج، ومواجهة الوضعيات الصعبة المعقدة بمااكتسبه من تعلمات وخبرات معرفية ومنهجية. وتتمظهر الإبداعية في الاختراع، والاكتشاف، وتركيب ما هو آلي وتقني، وتطوير ما هو موجود ومستورد منالأشياء، وإخراجها في حلة جديدة، وبطريقة أكثر إتقانا ومهارة وجودة. ولا بد أنيكون ما هو مطور قائما على البساطة والمرونة والفعالية التقنية والإلكترونية وسهولة الاستعمال.ويرى عبد الكريم غريب أن البيداغوجيا الإبداعية هي "الأنشطة والعمليات المنظمة التي يقوم بها المتعلم لأجل ابتكار أفكار أو اكتشاف أشياء تتميز بتفردها."[4]

ومن ثم، تستند الإبداعية إلى الذكاءات المتعددة،وامتلاك الكفاءة المهارية، والتسلح بالقدرات الذاتية التعلميةفي مواجهة أسئلة الواقع الموضوعي، وذلك عن طريق تشغيل ما يدرسه المتعلم في مقطع دراسي، ويستوعبهفي السنة الدراسية، أو يكتسبه عبر امتداد الأسلاك الدراسية من أجل التكيف مع الواقع، والتأقلم معه إما محافظة وإما تغييرا.

هذا، وقد تعتمد الإبداعية على تحليل النصوص وفهمها وتفسيرها وتأويلها، والقدرة علىاستنباط معانيها السطحية والثاوية في العمق. وقد تتجاوز الإبداعية هذاالمفهوم التحليلي النصي إلى تقديم تصورات فكرية نسقية جديدة حول الإنسان والمعرفة والكون والقيم، تضاف إلى الأفكار الفلسفية الموجودة في الساحةالثقافية. ويمكن أن تكون الإبداعية هي تجريب نظريات وفرضيات علمية جديدة، والإدلاءبأطروحات منهجية ومعرفية تسعف الإنسان أو الدولة على استثمارها للصالحالعام.

و يمكن أن تكون الإبداعية في مجال الفن هو رسم لوحات تشكيلية، ونحت مشخصاتتنم عن تصورات حديثة، أو إخراج فيلم أو مسلسل أو مسرحية فيها الكثير منالإضافات الفنية الجديدة.و من ثم، فالإبداعية نظرية تربوية تهدف إلى تربية التلميذ تربية إبداعية ومهارية وملكاتية، وتعويده علىالخلق والإنتاج والإبداع والابتكار والاختراع والتجديد والتطوير والتركيب والتأليف، بعد الابتداء بالحفظ وتقوية الذاكرة، والاستعانة بعمليات التدريب والتمرين والمحاكاة، وتمثلالمعارف السابقة المخزنة في الذاكرة، وتفتيقها أثناء مواجهة الوضعياتالجديدة في الواقع الميداني والنظري والافتراضي.

 

مرتكـــزات النظريـــة الإبداعيـــة:

تتكئ النظرية الإبداعية التربوية على مجموعة من الأسس والمرتكزات، ومنأهمها: السعي الدائم وراء التحديث والتجديد، وتفادي التكرار والاجترار واستنساخ ماهو موجود سلفا، وتجنب أوهام الحداثة الشكلية والزائفة بالمفهوم الأدونيسي، واعتماد حداثة حقيقيةوظيفية بناءة وهادفة، تنفع الإنسان في صيرورته التاريخية والاجتماعية. ولن تتحقق هذه الحداثة إلا بالتعلم الذاتي، وتطبيق البيداغوجيا اللاتوجيهيةأو المؤسساتية أو الملكاتية، والاسترشاد بنظرية الذكاءات المتعددة، وتمثل تربية القيم والمواطنة وحقوق الإنسان، ودمقرطة الدولة وكل مؤسساتها التابعة لها. ويعني هذا أنالبيداغوجيا الإبداعية لن تنجح في الدول التي تحتكم إلى القوة والحديد، وتسن نظاما ديكتاتوريا مستبدا ؛ لأن الثقافة الإبداعية هي ثقافة تغييريةراديكالية ضد أنظمة التسلط والقهر.

و لا يمكن الحديث أيضا عن النظرية الإبداعية إلا إذا كان هناك تشجيع كبيرلفلسفة التخطيط والبناء والتدبير، وإعادة البناء والاختراع والاكتشاف، وتطويرالبحث العلمي، وتنمية القدرات الذاتية والمادية من أجل مواجهة كل التحديات.

 ومن الشروط التي تستوجبها النظرية الإبداعية الاحتكام الدائم إلى الجودةالحقيقية كما وكيفا، وذلك حسب المقاييس العالمية، والتي لا يمكن الحصول عليها إلا بتخليق المتعلم والمواطن بصفة خاصة، والمجتمع بصفة عامة. ويعد الإتقان من الشروط الأساسية لما هوإبداعي ؛ لأن الإسلام يحث على إتقان العمل، ويحرم الغش والإثراء غير المشروع. ولا بد من ضبط النفس أثناء التجريب، والاختبار، وتنفيذ المشاريع العلمية والتقنية، مع التروي في إبداعاتنا على جميع الأصعدة والمستويات والقطاعاتالإنتاجية، والاشتغال في فريق تربوي متميز كفاءة ومهارة وحذقا وكياسة، والانفتاح على المحيط العالمي قصدالاستفادة من تجارب الآخرين، والمساهمة بدورنا في خدمة الإنسان كيفما كان. ومن هنا، فلابد أن يكون التعليم الإبداعي منفتحا على محيطه، وفي خدمةالتنمية المحلية والجهوية والوطنية والقومية والإنسانية.

هذا، وترفض النظرية الإبداعية التقليد المجاني والمحاكاة السائبة العمياء، والاتكال علىالآخرين، واستيراد كل ما هو جاهز، واستبدال كل ذلك بالتخطيط المعقلن والمدبر، وإنتاج الأفكار والنظريات عن طريق التفكير في الماضي والحاضر والمستقبل، وتمثل التوجهات البراغماتية العملية المفيدة، ولكن بشرط تخليقها لمصلحةالإنسان بصفة عامة.

هذا، وينبغي أن ينصب الإبداع على ما هو أدبي وفني وفكري وعلمي وتقني ومهني وصناعي وإعلامي، وذلك في إطار نسق منسجم ومتناغم لتحقيق التنمية الحقيقية والتقدم والازدهار النافع لوطننا وأمتنا.

و من المعلوم، أن الدول الغربية لم تتقدم إلا بتشجيع الحريات الخاصة والعامة، وإرساء الديمقراطية الحقيقية، وتشجيع العمل الهادف، وتحفيز العاملين ماديا ومعنويا. ومن ثم، تعد فكرة التشجيع والتحفيز، وتقديم المكافآت المادية والرمزية، والاعتداد بالكفاءة الحقيقية، من أهم مقومات هذه البيداغوجيا العمليةالحقيقية، ومن أهم أسس التربية المستقبلية القائمة على الاستكشاف والاختراع والابتكار.

 

المرجعيات النظرية التي تعتمد عليها البيداغوجيا الإبداعية:

تستوحي البيداغوجيا الإبداعية مرتكزاتها النظرية والتطبيقية من نظريةاللسانيات التوليدية التحويلية التي تركز كثير على الإبداعية اللغوية علىمستوى الإنجاز، وتوليد الجمل اللامتناهية العدد من خلال قواعد نهائية ومحددة، واستعمالها بشكل إبداعي متجدد. كما تعتمد النظرية الإبداعية على إيجابيات بيداغوجيا الأهداف والكفايات والمجزوءات ونظرية الجودة التربوية، والتخلي عن سلبياتها المعيقة. ومن ناحية أخرى، تتبنىمبادئ التربية الحديثة والمعاصرة، مع تمثل الفلسفة البراغماتية المخلقة، وتنفيذ مقررات الحياةالمدرسية، والأخذ بفلسفة التنشيط التربوي، والاستهداء بنظرية الذكاءات المتعددة، والاستفادة من مبادىء مدرسة المستقبل، ونظرية الملكات كما لدى الدكتور محمد الدريج[5].

هذا، وتستلهم هذه النظرية التجارب التربوية في الدول الغربيةالمتقدمة التي تربط المدرسة والتعليم بالممارسة العملية، وسوق الشغل، والبحث العلمي، والاختراع الآلي والتقني، وتقرنه كذلك بالتنمية والتقدم والازدهار، وتعتمد أيضا على الطرائق البيداغوجية الفعالة، والتعليم الإقرائي المسرحي، والاستفادة من نظريات التدبير والشراكة والمشاريع، والانفتاح على النظريات المستقبلية، والتوفيق بين الأصالة والمعاصرة، والتأثر بنظريات التربية لدى علمائنا القدامى التي تركز على الحفظ والعقل والنقد والحوار على حد سواء، والتشديد على فلسفة القيم والمواطنة وحقوق الإنسان.

 

فلسفة البيداغوجيا الإبداعية وغاياتها:

تهدف البيداغوجيا الإبداعية إلى تكوين مواطن صالح يغير مجتمعه، ويساهم فيتطويره، والرفع من مراتبه. كما يساهم في الحفاظ على كينونة أمته ومقوماتهاالدينية، ويسعى جاهدا من أجل تنميتها بشريا وماديا، وحمايتها منالمعتدين عن طريق الدفاع عنها بالنفس والنفيس، وإعداد القوة البشرية والعلمية والتقنية من أجل المجابهة والتحصين والدفاع.و يعني هذا أن البيداغوجيا الإبداعية نظرية تعمل على تكوين جيل منالمتعلمين يمتلك العلم والتكنولوجيا، ويكون مؤهلا بالقدرات والملكات الكفائية في جميع التخصصات، وذلك من أجل تسيير دفة المجتمع، وتوجيهه الوجهة الحسنة و السليمة، مع تحلي هذاالجيل بالأخلاق الفاضلة التي تؤهله لخدمة المجتمع والوطن والأمة على حدسواء.

و من أهداف البيداغوجيا الإبداعية العمل على خلق مدرسة عملية نشيطة، يحسفيها التلميذ بالحرية والخلق والإبداع. وبالتالي، تتحول هذه المدرسةإلى ورشات تقنية ومقاولات صناعية ومختبرات علمية ومحترفات أدبية وقاعاتفنية من أجل المساهمة في الاقتصاد الوطني والعالمي.و لا بد أن يتعود التلميذ في هذه المدرسة على التحكم في الآلة تفكيكا وتركيبا وتطويرا، واختراع آلات جديدة لتنمية الاقتصاد، وتحديث الصناعةالوطنية على غرار المدارس الآسيوية في دول التنينات أو اليابان أو المدارسالغربية.

و لا يمكن أن نخلق تلميذا مبدعا إلا إذا كانت الإدارة وهيئة التعليم والإشراف تتوخى التغيير والإبداع، وتهوى التنشيط بكل آلياته المختلفة والمتنوعة، ولها الرغبة الحقيقيةفي العمل الهادف المتنامي، والقدرة على المساهمة في البناء والخلق والتطوير والتجديد من أجل تحقيق الأهداف الوطنية والقومية. ولا يمكنكذلك أن نحصل على هذه الشرائح المبدعة الراغبة في الخلق والتطوير والتحديث، إلا إذا حسنا أوضاعها المادية والمالية، وحفزناها معنويا واجتماعيا ومهنيا، ووضعنا كل شخص في مكانه المناسب اعتمادا على معايير العمل والعلم، مع إبعاد الترقية بالأقدمية والاختيار التي تسيء إلى الفلسفةالإبداعية وبيداغوجيا الخلق والتجديد.

وبناء على ما سبق، تسعى المدرسة الإبداعية إلى استكشاف الجديد، والاهتمام بالمخترعات التكنولوجية، وتجديد المفاهيم الموروثة، وتطوير آليات البحث العلمي معرفيا وتقنيا وصناعيا. ولابد من آلية التسريع في الاكتشاف والاختراع والإبداع. وتعطى الأولوية لتأهيل الموارد البشرية، والابتعاد عن السياسات المركزية، باستشارة الطاقات والكفاءات الجهوية والمحلية، والانتقال من التسيير المركزي إلى التسيير الجهوي والمحلي. والأخذ بالنظام التعليمي النظري والتطبيقي، والأخذ بالتكوين المستمر، وتطوير البيئة الصناعية والتقنية، والأخذ بسياسة التنافس والإنتاجية، وتقدير الكفاءات، وتشجيعها وتحفيزها، والبحث عن المشاريع، وتحويل المدرسة إلى ماركتينغMarketing)، بحثا عن الممولين والمشاريع الإيجابية، واستكشاف أسواق جديدة لتصريف المنتج التربوي والعلمي، والأخد أيضا بالخوصصة التعليمية، وربط المدرسة بسوق الشغل، وذلك عن طريق القضاء على الأمية والجهل والفقر، وأيضا عبر التحكم في الإعلاميات، وإتقان اللغات الأجنبية، وتطوير التجارة الرقمية، وتطوير المنظومة الإعلامية. ولابد من تحويل الخدمات التعليمية إلى وسيلة للتبادل بين الأنظمة التربوية العالمية، وجعل الخدمات التعليمية آلية للتبادل الاقتصادي والتجاري. ولابد أن تكون الشهادات المقدمة من قبل المدرسة الإبداعية معترفا بها عالميا في ضوء الاحتكام إلى مقاييس الجودة والتميز والتفرد، والانضمام إلى المقررات العالمية الموحدة.

اضف إلى ذلك، فلابد أن تكون المدرسة التربوية الإبداعية مؤسسة اجتماعية عادلة ومتوازنة، تجمع أبناء العمال مع أبناء الأطر في فضاء تربوي سعيد، تذوب فيه الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وذلك بتشجيع المواطنة والتضحية وخدمة الأمة، وتطبيق نظرية الذكاءات المتعددة في استكشاف الفوارق الفردية، والاهتمام بذوي الحاجيات الخاصة.

وعلى العموم، تتقادم النظريات العلمية والتربوية بتقادم المجتمع، ويتقادم الجهاز المعرفي والإبستمولوجي للنظام المتحكم في بناء المعرفة وإنتاجها. ومن ثم، لابد للإنسان من التعلم الذاتي والتكوين المهني المستمر ليكون قريبا مما هو مستجد في الساحة الثقافية والأدبية والعلمية والتقنية والفنية والمعرفية. ومن ثم، فأساس النهضة الحقيقية والتنمية المستدامة هو التكوين الحرفي والمهني المستمر القائم على البحث الشخصي، والتعلم الذاتي، والحضور إلى ورشات التكوين والتأهيل؛ لمسايرة مستجدات المعرفة الإنسانية التي تتطور كل يوم بوتيرة سريعة، من الصعب تطويقها والتحكم فيها. ويعني كل هذا أن الإنسان عليه أن يتعلم طول حياته، سواء أكان تلميذا أم طالبا أم موظفا أم حرفيا. فالمعرفة لاتتحدد بوقت معين، بل لابد من متابعة الدروس والمحاضرات طول حياة الإنسان لمسايرة كل ماهو جديد وحديث؛ لأن المعرفة تتقادم بسرعة. لذا، فعلى وزارة التربية والتعليم – مثلا- من إعادة تكوين التلاميذ والمدرسين ورجال الإدارة على حد سواء، بغية تأهيلهم في مختلف حقول المعرفة، سواء أكان ذلك في مادة تخصصهم أم في مواد معرفية أخرى، قريبة أم بعيدة عن مجال اهتمامهم. وكل هذا من أجل تطوير العدة المهنية أو الحرفية، ومن أجل الحفاظ على الإنتاجية، وخلق حياة عملية نشيطة ومحفزة، وتطوير القدرات المهنية والمهارات الحرفية.

 

الإجراء العملي للبيداغوجيا الإبداعية:

يستوجب تحقيق البيداغوجيا الإبداعية المرور بمجموعة من المراحل الأساسية، وذلك حسب مسارالتعلم، وتعاقب أسلاك المدرسة من المستوى الابتدائي حتى المستوى الجامعي.وتبدأ البيداغوجيا الإبداعية منهجيا بمرحلة الحفظ، وهي ملكة تراثية مهمة في تقوية قدرات المتعلم، وصقل ملكاته الذهنية والعقلية. وتأتي بعدها مرحلة التقليد والمحاكاة والتدريب والتمرين، وتمثل ما هو جاهز سلفا في الأسلاك الدراسية الأولى بشكل مؤقت. وبعد ذلك، ننتقل إلى مرحلة التركيب، وإعادة الإنتاج والتوليد، والتجريب فيالأسلاك الدراسية المتوالية، لننتهي بمرحلة الإبداع والخلق والتجديد والتحديث والانزياح، والاستقلال بتصورات ومشاريع علمية وتقنية وفنية وأدبية جديدة، لها مواصفات الملكية القانونية والإبداعية. وتنتهيهذه المراحل كلها بالتطبيق، وإنجاز المشاريع الإبداعية إجرائيا وواقعيا فيالميدان، وربط ما هو نظري بالممارسة والتطبيق الفوري.

وبناء على ماسبق، تعتمد البيداغوجيا الإبداعية على المراحل التالية:

u مرحلة الحفظ، وتكون بتقوية الذاكرة الذهنية لتتسع لكل المعارف المقدمة.

vمرحلة التقليد والمحاكاة والتدريب والمران والتكرار.

wمرحلة التجريب والتركيب وإعادة البناء.

xمرحلة الخلق والإبداع والتجديد والتحديث.

yمرحلة التطبيق والإنجاز والممارسة الميدانية.

هذا، وتستلزم البيداغوجيا الإبداعية، في أثناء وضع المقررات والمناهج والبرامجالدراسية، أن تحترم هذه المراحل كلها مع تحديد خطواتها البيداغوجية والديداكتيكية. ولا بد كذلك من تمثل مبادئ الحياة المدرسية، والأخذ بفلسفة التنشيط المدرسي، وتغييراستعمالات الزمن لتواكب هذه النظرية، وتأهيل الأطر التربوية والإدارية وأطر الإشراف لتكون في مستوى هذه النظرية البيداغوجية الجديدة.

هذا، وننبه المسؤولين عن قطاع التربية والتعليم أن هذه النظرية لا يمكن أنتنجح إلا إذا شيدت مدارس تربوية مركبة، تضم الورشات والمختبرات والمحترفات التطبيقية والأقسام النظرية. أي: لابد أنتكون المدرسة نظرية وتطبيقية، تجمع بين ما هو نظري وما هو مهني وعملي، وتكون بمثابة ورشة تقنية، ومختبر علمي، وقاعة للفنون والآداب، ومتحف لعرضالمنتجات الفنية، ومسبح لتعلم السباحة، وقاعة للرياضة البدنية، بغية خلق أجيالرياضية متميزة، تساهم في رفع راية الوطن في أعالي السماء.

و من هنا،لابد أن يكون الإبداع شاملا ومترابطا ومتناسقا، ولابد أيضامن بناء مؤسسات تربوية خاصة بالمتفوقين والأذكياء والعباقرة، كما هو الشأنفي الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وفي روسيا؛نظرا لما لهؤلاء من قدرات خارقة، يمكناستغلالها في اختراع الأسلحة المتطورة، وإنتاج النظريات العلمية والأدبية والتقنية من أجل تحقيق التقدم والازدهار. وينبغي أن تكون المقررات الدراسية عبارة عن وضعيات إبداعية معقدة وصعبة ذاتمصداقية عملية وعلمية وواقعية، وذات أهداف مفيدة ونافعة في الحاضر والمستقبل.

وعليه، فمن الأكيد أن المدرسة المغربية بظروفها الحالية، وأوضاعها المتردية، وواقعها المحبط، لا يمكن أن تفرض نفسها في عالم اليوم، الذي يتسم بالمنافسة الحادة، والصراع الشرس بين مجموعة من الأقطاب الاقتصادية الكبرى الصين، واليابان، والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، والبرازيل، والتنينات الأربعة...). تلك المنافسة القائمة على العلم والثقافة، وإنتاج المعلومات وتسويقها، وتمثل التكنولوجيا المعاصرة في كل مستوياتها ومجالاتها المتنوعة.ومن ثم، لابد للمدرسة المغربية بصفة خاصة، والمدرسة العربية بصفة عامة، من أن تنمو في محيط إبداعي متفرد، يؤمن بالحرية، والديمقراطية، والجودة، والإنتاجية، واعتماد معايير التنافس، والإتقان، والحداثة، والتميز، والاختراع، والابتكار، وإنتاج النظريات في مختلف مجالاتها المعرفية والعلمية. ويعني هذا الابتعاد عن مدرسة الثكنة المستبدة، واستبدال مدارسنا بمدارس التنشيط الثقافي والعلمي والفني، وتمثل مبادئ الحياة المدرسية، والأخذ بفلسفة الشراكة في تطبيق مشاريع المؤسسة، وتطبيق اللاتوجيهية في التدريس والتوجيه والتعليم، والأخذ ببيداغوجيا الإبداع فلسفة وطريقة ورؤية.

 

التدبيـــر الديداكتيكي الإبداعـــي:

يرتكز التدبير الديداكتيكي في المدرسة الإبداعية على مجموعة من المبادىء والآليات النظرية والتطبيقية، وهي على الشكل التالي:

 

u الانطلاق من الفلسفــــة الإبداعيـــة:

من الضروري أن ينطلق المدرس والمتعلم معا من الفلسفة الإبداعية تصورا ومنهاجا وبرنامجا، فيختار المدرس في جذاذته المجال الإبداعي الذي يريد الاشتغال عليه، أو تنميته نظرية وتطبيقا وتقويما، كأن يكون المجال الإبداعي رياضيا، أو موسيقيا، أو طبيعيا، أو تقنيا، أو إعلاميا، أو أدبيا، أو فنيا، أو تشكيليا...فيختار الآليات والأنشطة التي تحقق هذا المجال على مستوى إعادة الإنتاج كتابة أو شفويا ومهاريا أو صناعيا أو تقنيا. ويقوم العمل الإبداعي داخل القسم على" إعداد وضعيات ديداكتيكية وتنظيمها، تتميز بالخصائص المحددة للنشاط الإبداعي، وهي:

¸ وضع التلاميذ في وضعية تمكنهم من إدراك مشكل، والشعور بالحاجة إلى الإبداع والابتكار.

 ¸تمكين التلميذ من تقديم أكبر قدر من الأفكار والألفاظ. فالفعل الإبداعي يتميز بسيولته الفكرية.أي: إنتاج قدر كبير من الأفكار أو سيولة لفظية. أي: إنتاج قدر من الألفاظ والتسميات.

¸ مرونة النشاط، حيث يتمكن المتعلم من الانتقال من مجال إلى آخر، والتكيف مع معطيات جديدة.

¸ أصالة الإنتاج الذي يصدره المتعلم، مثل: الأجوبة غير المألوفة والأفكار الجديدة والخاصة.

¸ إعادة بناء الأشياء والأفكار في شكل جديد.[6]"

علاوة على ذلك، تتميز البيداغوجيا الإبداعية بجعل التلاميذ يواجهون مشكلا يدفعهم إلى الابتكار، مع تقييم المنتجات، واختيار الأفضل منها[7].

ومن جهة أخرى، " تستند هذه البيداغوجيا - حسب نموذج جيلفورد- إلى ثلاثة أنماط من التفكير، وهي:

1- التفكير المغاير أو المتشعب، وفيه تنتج أفكار وآراء متعددة ومتنوعة.

2- التفكير التقييمي، الذي يمكن من الفحص والاختبار والتجريب.

3- التنفكير المماثل أو المتجمع، الذي يتجه فيه التلاميذ إلى الاتفاق حول معطى واحد.

وتتطلب هذه العمليات من المدرس مجموعة من المواقف، مثل: احترام أسئلة التلاميذ، وأفكارهم الأصيلة، وإبراز قيمتها، وفسح الفرصة للعمل الحر، وتجنب إصدار الأحكام."[8]

وعليه، يمكن تسويد الجذاذة المقطعية بمجموعة من المجالات الإبداعية، وإرفاقها بأنشطة استكشافية وإبداعية في شكل وضعيات ومشاكل، تستوجب تشغيل الذهن لحلها عبر آليات الإبداع ومناهج الابتكار والتجديد.

 

تحديث المحتويات وعصرنة المضامين:

تستلزم البيداغوجيا الإبداعية، أثناء وضع المقررات والمناهج والبرامج الدراسية، أن تحترم مرحلة الحفظ، ومرحلة التقليد والمحاكاة، ومرحلة التجريب والتجاوز، ومرحلة الإبداع. ومن جهة أخرى، تبنى المقررات على مبدإ القيم والهوية الإسلامية الأصيلة. ويقصد بالقيم مجموعة من الأخلاق والتمثلات السلوكية والمبادئ الثابتةأو المتغيرة التي ترتبط بشخصية الإنسان إيجابا أو سلبا. وبالتالي، تحددكينونته، وطبيعته، وهويته، انطلاقا من مجموع تصرفاته الأدائيةوالوجدانية والعملية. ومن المعلوم أن كلمة القيم من الناحية الصرفية جمع قيمة. ومن ثم، تحيل كلمةالقيمة على مكانة الإنسان التي يتبوأها بين الناس، وشأنه في المجتمع. كماترتبط هذه القيمة حكما وتقييما بالأفعال البشرية والتصرفاتالإنسانية بشكل ذاتي وموضوعي.

هذا، وتتخذ القيم أبعادا جمالية، وسياسية، واجتماعية، وثقافية، ودينية، وفلسفية. ويعلم كل منا أن الكتب السماوية قد صورت القيم في كل تمظهراتهاالمتناقضة، وقد حثت الإنسان على التمثل بالقيم الفضلى، والالتزامبالأخلاق السامية العليا؛ من أجل الفوز بالجنة، والابتعاد عن النار. وفي المقابل، نهته عن الإتيان بالقيم الأخلاقية المشينة المنافية لمبادئالكتب السماوية، والمتعارضة مع شرائعها الربانية.

ويعني كل هذا أن تجدد المضامين، وتستحدث في ضوء الفلسفة الإبداعية، عن طريق إدراج ما هو جديد وعصري، مع الحفاظ على ما هو هوياتي وأصيل من القيم والأفكار والتصورات.

 

تحديــث الوسائــل الديداكتيكيــة:

تستلزم البيداغوجيا الإبداعية أن نسترشد بالوسائل الديداكتيكية المعاصرة، مثل: الاستعانة بالخطاطات الشكلية والرقمية، وتنويع الملفوظ البياني شرحا وتفسيرا وتأويلا، واستخدام البرهان والحجاج العقلاني للإقناع والتأثير، مع التوسل بكل ماهو روحاني في التعامل مع ماهو ديني وشرعي إيماني، وتطبيق أدوات الإعلاميات والحوسبة، والاستفادة من الصورة الأيقونية والبصرية والأفلام والأقراص الرقمية. وفي الوقت نفسه، نسترشد بآليات الدرس التربوي عند علمائنا المسلمين القدامى، مثل: الإمام الغزالي، وابن خلدون، وابن سحنون، والقابسي، والسمعاني، وابن طفيل، وابن الهيثم... كأن نتمثل الحفظ الذي يقوي الذاكرة، ووينميه إدراكيا، ويعمق الذكاء الدماغي والعصبي. وبعد ذلك، ننتقل إلى آليات الحوار والنقد والمناقشة، وغربلة الأفكار بشكل علمي وموضوعي، مع الانطلاق من الشك المنهجي نحو اليقين العلمي، كما يرى كل من ابن الهيثم، والإمام الغزالي، وابن خلدون، وعلماء الجرح والتعديل...

 

x تحديث الطرائق البيداغوجية:

تستلزم البيداغوجيا الإبداعية تجديد الطرائق البيداغوجية والوسائل الديداكتيكية لمسايرة التطور البيداغوجي، ومتطلبات سوق الشغل، والتطور العلمي والتكنولوجي. وهنا، لابد من الاستفادة من كل الوسائل الإعلامية المتاحة راهنا في الساحة الثقافية والعلمية والتواصلية، وتتبع كل الوسائل الجديدة لتجريبها، قصد تحقيق الحداثة الحقيقية، والمساهمة في إثراء المنظومة التربوية المغربية والعربية على حد سواء.

ولايمكن كذلك لهذه العملية أن تنجح إلا إذا وفرنا للأستاذ فضاء بيداغوجيا ملائما وصالحا كمدرسة التنشيط، ومدرسة الحياة، ومجتمع الشراكة، ومؤسسة المشاريع، وإصلاح الإدارة ودمقرطتها، وإصلاح المجتمع كله، وتحسين الوضعية الاجتماعية للمدرس، وتحفيزه ماديا ومعنويا، والسهر على تكوينه بطريقة مستمرة، وتحسين وسائل التقويم والمراقبة على أسس بيداغوجيا إبداعية كفائية متنوعة المراحل، وتكوين أطر هيئة التفتيش ليقوموا بأدوارهم المنوطة بهم التي تتمثل في تأطير المدرسين المبدعين، وإرشادهم إلى ماهو أحدث وأكفى وأجود. ولايمكن أن ينجح المدرس في عمليته التعليمية – التعلمية إلا إذا سن سياسة الانفتاح والتعاون والحوار، مع العمل في إطار فريق تربوي، يهتم دائما بالبحث العلمي والإنتاج الثقافي؛ لإغناء عدته المعرفية والمنهجية والتواصلية لصالح المتعلم والمدرسة المغربية.[9]

لذا، فمن الضروري أنتخضع الطرائق البيداغوجية لتجديد جذري، يكون الهدفمن وراء ذلك هو تحقيق الجودة الكمية والكيفية، وتأهيل الناشئةالمغربية بطريقة كفائية، لكي تتحمل بنفسها تسيير دواليب الاقتصاد المغربيتسييرا حسنا، وتدبير المقاولات تدبيرا أفضل، ليتلاءم تحكمها الممنهجفي آليات الإدارة والتشغيل، وذلك مع متطلبات سوق العمل، والدخول فيالمنافسة العالمية التي تزداد حدة مع تطور العولمة، وازدياد احتكاراتها العلميةوالتكنولوجية والإعلامية والاقتصادية والثقافية.

ولابد من الانفتاح بشكل من الأشكال على الطرائق البيداغوجية الفعالة لتحقيق تربية إبداعية ذات مردودية ناجعة، وتعويد النشء على الديمقراطية ؛ لاسيما أن هذه الطرائق الفعالة من مقومات التربية الحديثة والمعاصرة في الغرب، كما يقول السيد بلوخ Bloch)، حينما أثبت بأن نجاح المدرسة الفعالة: " لازب من أجل بزوغ مجتمع ديمقراطي لايمكن أن يكون كذلك إلا عن طريق منطوق مؤسساته"[10].

 وقد ظهرت هذه الطرائق الفعالة في أوربا في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مع ماريا مونتيسوري Maria Montessori)، وجون ديويDewey )، وكلاباريد Claparide )، وكرشنشتاير Kerschensteiner)، وفرينيه Freinet)، وكارل روجرز Rogers)، ومكارنكو Makarenko)، وأوليفييه ريبول Reboul)، وفيريير Ferrière)، وجان بياجيه J.Piaget)،...

وتعتمد هذه الطرائق الفعالة الحديثة على عدة مبادئ أساسية ألا وهي: اللعب، وتعلم الحياة عن طريق الحياة، والتعلم الذاتي،والحرية، والمنفعة العملية، وتفتح الشخصية، والاعتماد على السيكولوجيا الحديثة، والاستهداء بالفكر التعاوني، والتسيير الذاتي، وتطبيق اللاتوجيهية، ودمقرطة التربية والتعليم...

هذا، ويؤكد أصحاب الطرائق الفعالة الحديثة بلغة تكاد تكون واحدة رفضهم القاطع للنزعة التسلطية والتلقينية مع ضرورة:" تدعيم ولادة مجتمع ديمقراطي، مادامت المدرسة التقليدية لاتكون الكيان الشخصي، كما لاتحقق الدمج الاجتماعي، بل تؤدي على العكس في آن واحد إلى تمييع المجتمع، وإلى قيام النزعة الفردية الأنانية. ويضيف أولهم، ونعني كلاباريد أن علاج مثل هذه النقيصة لايكون بأن ندخل على هامش الأمر تربية مدنية غريبة عن أي تربية من هذا الطراز التقليدي. وجميعهم يشيد بالقيادة الذاتية لسبب وحيد هو أنهم يريدون أن يحلوا محل النظم الزجرية التي ييسر الترويض ذيوعها وانتشارها، بأخرى جديدة تشتمل على المشاركة والمسؤولية. وبالتالي، على ما ييسر انطلاق الشعور الغيري.

وأخيرا، إنهم يخشون، في حال غياب التدريب المناسب، أن تنحدر الديمقراطية فتغدو حكم التفاهة والضعة."[11]

إذاً، فالطرائق الفعالة والنشيطة التي أفرزتها التربية الحديثة من أهم مقومات ديمقراطية التربية والتعليم، ومن أسس البيداغوجيا الإبداعية الحقيقية.

 

yتقويـــم إبداعــي جديــد:

يمكن الحديث عن أنواع جديدة من التقويم في البيداغوجيا الإبداعية،ويمكن حصرها فيما يلي:

¸تقويم الذاكرة: ينصب هذا التقويم الأولي على الحفظ، ولاسيما حفظ القرآن الكريم، والمتون الدينية والأشعار الأدبية والنظريات الرياضية والفيزيائية والعلمية والتقنية، فالحفظ ضروري في المدرسة الإبداعية؛ لأنه أس النجاح والإبداع والابتكار. ونحن ندافع عن تأصيل التربية والتعليم مغربيا وعربيا، وعدم الاكتفاء بالتقليد والتجريب فقط، بل لابد من التأسيس التأصيلي لنظامنا التربوي الخاص بنا.

¸ تقويم المحاكاة: ويتم ذلك بالتأكد من مدى نجاح المتعلم في محاكاة النماذج الأدبية أو الفنية أو العلمية أو التقنية؛ لأن المحاكاة طريقة من طرائق الابتكار، استعدادا للانتقال إلى التجريب والإبداع.

¸التقويم التجريبي: يعمد هذا التقويم إلى رصد ما يتم تقديمه تجريبيا على المستويات: الأدبية، والفنية، والفلسفية، والعلمية، والإعلامية، والتقنية...، وتقييمه في ضوء الأسس العلمية الموضوعية، ومقاييس المهارة والجودة والحذق والكياسة.

¸ التقويم الإبداعي: يستند هذا التقويم إلى وضعيات الإبداع، ويطالب المتعلم بإبداع شخصي ذاتي في مجالات عدة: أدبية وفنية وعلمية وتقنية...

ويرتكن هذا التقويم إلى محكات الجودة والمعايير الدولية في تقويم التعلمات البيداغوجية والديداكتيكية، ويكون التقدير كميا ونوعيا أو عدديا وحكميا.

 

zالأخذ بفلسفـــة التنشيط:

من المعروف أن التنشيط تقنية حركية إيجابية وديناميكية، تساهم في إخراج المتعلم من حالة السكون السلبية نحو حالة الفعل الإيجابي، وذلك عن طريق المساهمة والإبداع والابتكار والخلق، وإنجاز التصورات النظرية، وتفعيلها في الواقع الميداني، ليستفيد منها الآخرون.

فكم هي الأنشطة عديدة في مجال التربية والتعليم، لأن المؤسسة التربوية بمثابة مجتمع مصغر! فجميع القضايا والمواضيع التي تؤرق المجتمع، يمكن أن تؤرق المدرسة الإبداعية، مادامت هذه المؤسسة موجودة في حضن المجتمع المكبر. لذا، تعمل هذه المدرسة على إدماج المتعلمين في المجتمع الإبداعي، ليكونوا مواطنين صالحين، ويصبحوا طاقات فاعلة نافعة للوطن والأمة على حد سواء.

ومن أهم الأنشطة التي يمكن أن يقوم بها الفضاء التربوي الإبداعي، يمكن الحديث عن النشاط التربوي، والنشاط الفني، والنشاط الأدبي، والنشاط العلمي، والنشاط الثقافي، والنشاط الإيكولوجي البيئي)، والنشاط الاجتماعي، والنشاط الاقتصادي، والنشاط الديني، والنشاط الخيري، والنشاط السياسي، والنشاط الإعلامي، والنشاط المدني، والنشاط الرياضي، والنشاط السياحي....

وعليه، فللتنشيط أهمية كبرى في مجال التربية والتعليم، لكونه يرفع من المردودية الثقافية والتحصيلية لدى المتمدرس، ويساهم في الحد من السلوكيات العدوانية، مع القضاء على التصرفات الشائنة لدى المتعلمين، كما يقلل من هيمنة بيداغوجيا الإلقاء والتلقين، ويعمل على خلق روح الإبداع، والميل نحو المشاركة الجماعية، والاشتغال في فريق تربوي.

ويمكن إخراج المؤسسة التعليمية، عبر عملية التنشيط الفردي والجماعي، من طابعها العسكري الجامد القاتم القائم على الانضباط والالتزام والتأديب والعقاب، إلى مؤسسة بيداغوجية إيجابية فعالة صالحة ومواطنة، يحس فيها التلاميذ والمدرسون بالسعادة والطمأنينة والمودة والمحبة، ويساهم الكل فيها بشكل جماعي في بنائها ذهنيا ووجدانيا وحركيا، عن طريق خلق الأنشطة الأدبية والفنية والعلمية والتقنية والرياضية، يندمج فيها التلاميذ والأساتذة ورجال الإدارة وجمعيات الآباء ومجلس التدبير والمجتمع المدني.

ومن الضروري في فلسفة التنشيط الجديد، وفي تصورات البيداغوجيا الإبداعية، أن ُتعوض طرائق الإلقاء والتلقين والتوجيه بطرائق بيداغوجية حيوية معاصرة فعالة، تقوم على الفكر التعاوني، وتفعيل بيداغوجية ديناميكية الجماعات، واعتماد التواصل الفعال المنتج، وتطبيق اللاتوجيهية، وتمثل البيداغوجية المؤسساتية، من أجل تحرير المتعلمين من شرنقة التموضع السلبي، والاستلاب المدمر، وقيود بيروقراطية القسم، وتخليصهم من أوامر المدرس المستبد، وتعويض كل ذلك بالمشاركة الديمقراطية القائمة على التنشيط والابتكار والإبداع، وذلك عن طريق تشييد الدولة للمختبرات العلمية، والمحترفات الأدبية، والورشات الفنية، والمقاولات التقنية، وخلق الأندية الرياضية داخل كل مؤسسة تعليمية على حدة. ويمكن للمؤسسة أن تقوم بذلك اعتمادا على نفقاتها ومواردها الذاتية في حالة تطبيق قانون سيـﯖما Sigma) الذي ينص عليه الميثاق الوطني المغربي للتربية والتكوين في المادة 149 ضمن المجال الخامس المتعلق بالتسيير والتدبير.

ومن المعلوم أن للتنشيط التربوي مجموعة من الأهداف العامة والخاصة يمكن تسطيرها في النقط التالية:

§ يساهم التنشيط التعليمي في تثقيف المتعلمين، وتأطيرهم معرفيا ووجدانيا وحركيا.

§ تهذيب الناشئة وتخليقها لتكون في مستوى المسؤولية وأهلية المشاركة والتدبير.

§الانتقال من بيداغوجيا المدرس إلى بيداغوجيا المتعلم.

§تفعيل الحياة المدرسية وتنشيطها.

§إدخال الحيوية والديناميكية على الفعل التربوي والسلوك التعليمي.

§إخضاع الإيقاع المدرسي لمتطلبات التنشيط وشروطه الإيجابية.

§الاهتمام بميول المتعلم السيكوبيداغوجية، والحد من تصرفاته العابثة، واستيعاب تمرده النفسي والاجتماعي، وذلك عن طريق إشراكه في بناء المؤسسة التربوية عن طريق خلق مشاريع إبداعية.

§القضاء على الروتين القاتل، والثبات المدرسي، وذلك عبر عمليات التنشيط الثقافي والأدبي والفني والعلمي والرياضي.

§تطبيق فلسفة البيداغوجية الإبداعية ومبادئها الإنتاجية في التعليم المغربي.

§خلق مؤسسات تربوية نظرية وتطبيقية، وذلك عن طريق إيجاد مرافق تنشيطية، كالمحترف الأدبي والفني وقاعات الرياضة ومختبرات العلوم والتكنولوجيا.

§إيجاد منشطين مؤهلين أكفاء ليقوموا بعمليات التنشيط والتكوين والتأطير داخل المؤسسات التربوية التعليمية.

هذا، وإذا تأملنا فعل التنشيط في إطار الفضاء التربوي الإبداعي، فسنجده يقوم على عدة مرتكزات نظرية وتطبيقية، ثم يستند إلى مجموعة من المفاهيم الإجرائية التي لابد من الاعتماد عليها، وتمثلها أثناء حصص التنشيط. وهذه المرتكزات هي على الشكل التالي:

§ الإيمان بفلسفة الإبداع والاختراع والابتكار.

§ الاتصاف بالمواطنة الصالحة.

§تمثل البعد الإقليمي والجهوي والوطني والقومي والعالمي.

§الانطلاق من التصور الإنساني.

§الاشتغال في فريق جماعي.

§الأخذ بالفلسفة التشاركية.

§الاهتداء بالفكر الديمقراطي المبني على التعاون والاستشارة والتسامح واحترام الآخر.

§ربط النظري بالتطبيقي.

§الارتكاز على الجوانب المعرفية والوجدانية والحركية في الشخصية الإنسانية.

§التسلح بالمعطيات السيكواجتماعية في عمليات التنشيط.

§خلق مؤسسات تربوية ديناميكية.

§تفعيل بنود الحياة المدرسية وتطبيقها ميدانيا.

§خلق أجواء التباري والتنافس والتفوق والريادة والتميز في مجال التعليم.

§ربط المدرسة بالكفاءة والخبرة والجودة الكمية والكيفية.

§تحويل المدرسة من ثكنة عسكرية إلزامية إلى مدرسة الالتزام والمواطنة الحقة والحياة السعيدة.

ومن هنا، يرتكز الفضاء التربوي الإبداعي على تنفيذ مجموعة من الأنشطة التربوية الهادفة والممتعة، والتي نذكر منها:

 

1- النشـــاط الثقافـــي:

 يتمثل هذا النشاط في العناية بخزانة الفصل أو مكتبة النيابة، والاهتمام أيضا بنادي الكتاب، والسهر على إنشاء المجلات الحائطية والمدرسية، وتكوين متحف على صعيد الفصل والمدرسة والنيابة، والمساهمة في البحوث العلمية والدراسية، والمشاركة في عمليات التراسل الداخلي والخارجي، والعناية بالمطبعة، واستخدامها أحسن استخدام في المجال الثقافي، والمشاركة في النوادي الرقمية، والقيام بخرجات سياحية ورحلات ترفيهية هادفة، والعمل على استمرار المسابقات الثقافية بين الفصول الدراسية، أو بين المؤسسات التعليمية فيما بينها محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا ودوليا، وتشجيع المدرسين على عرض مؤلفاتهم وكتبهم الإبداعية والنقدية والبحثية، وخلق مسابقات للمدرسين في المجال الثقافي، وتكريم المتفوقين والمتميزين منهم، وطبع مؤلفاتهم وكتبهم وأبحاثهم ودراساتهم...

 

2- النشـــاط الاجتماعي:

يعنى هذا النشاط بتأسيس التعاونيات المدرسية، والاحتفال بالأعياد الوطنية والدولية، والعمل على خلق شراكات داخلية وخارجية، وإنشاء مشاريع المؤسسة الهادفة، والتي تعمل على توفير الظروف الاجتماعية الحسنة للمتعلمين، وتقديم المساعدات المادية والمعنوية للتلاميذ المرضى والمعوزين، وتشجيع تبادل الزيارات بين التلاميذ، وتوفير الكتب المدرسية، والبذلات، والأدوات المدرسية، والمحافظ، والمنح، ووسائل النقل والمأوى للمستفيدين من الطبقة الاجتماعية الفقيرة والمعوزة، وتزويد هؤلاء المتعلمين المحتاجين بالنظارات وغيرها من الأجهزة التقويمية، علاوة على إشراك التلاميذ في الحفلات المدرسية التي تقام حسب المناسبات التربوية والدينية والوطنية والعالمية.

 

3- النشـــاط الفنــي:

يسعى النشاط الفني إلى إكساب المتعلمين مهارات كفائية نظرية وتطبيقية في مجال الفنون الجميلة، كالأدب، والمسرح، والسينما، والرقص، والنقد الفني، والعناية بالموسيقى والأناشيد، والاهتمام بالتنشيط المسرحي عن طريق تأطير التلاميذ والمدرسين في مجال صنع الكراكيز، والتنشيط بواسطة الدمى المتحركة، وتقديم دروس نظرية وتطبيقية في مجال المسرح القرائي والمسرح المدرسي، والعناية بمعارض الرسم والتشكيل والنحت والصور الفوتوغرافية الثابتة، وجمع الطوابع البريدية، وعرض النقود في سياقاتها السيميائية والتاريخية.

 

4- المعامـــل التربويـــة:

ينبغي للمدرسة الإبداعية أن تعمل على خلق فضاءات للبستنة والتشجير، مع تقديم دروس تكوينية وتحسيسية للمحافظة على البيئة، ومساعدة المتعلمين على كيفية إنشاء جريدة أو مجلة، وذلك عن طريق استغلال معطيات الكمبيوتر، والاستفادة من تقنيات الطباعة، ودفع التلاميذ للاهتمام بتسفير الكتب، وتجويد الخط، والتدريب على التجسيم بالورقيات، وصنع الدمى والكراكيز، والكتابة على الزجاج والخشب والثوب، وتحفيزهم على الأعمال اليدوية فيما يخص أعمال الجبص، وصنع الديكور، والاهتمام بالتلحيم، وإصلاح الكهرباء...

 

5- النشـــاط الرياضي:

يهدف هذا النشاط إلى مساعدة التلاميذ على ممارسة الرياضة المدرسية بكل أنواعها، ولاسيما تلك الرياضات التي تناسب أعمار التلاميذ، وخصوصياتهم العقلية والصحية والنفسية، وتراعي بيئاتهم الاجتماعية والأخلاقية والدينية، مع تنظيم المسابقات والمنافسات الرياضية بين الفصول والمدارس إقليميا وجهويا ووطنيا ودوليا.

 

6- النشــــاط البيئي:

يسعى هذا النشاط إلى دفع المتعلمين والمعلمين معا للاهتمام بالبيئة التي تحيط بنا، سواء أكانت بيئة برية أم بحرية أم جوية؛ وذلك عبر دورات تكوينية وتحسيسية في شكل نصائح وتوجيهات وإرشادات علمية وأخلاقية، وكذلك من خلال عمليات التشجير، والتنظيف، والحفاظ على النباتات، والعناية بالأشجار والحدائق والمنتزهات، والسهر على تنقية الساحات المدرسية، والعناية بمجالها الأخضر، والقيام بزيارات إلى الشواطئ الملوثة القريبة من المدينة لتوعية التلاميذ بخطورة الموقف، وشرح أضرار التلوث، وتبيان نتائجه المستقبلية على الحياة البشرية.

 

7- النشـــاط الديني:

تسعى المدرسة الإبداعية جادة لتوعية المتعلمين في المجال الديني، كتعليم ناشئتنا كيفية الصلاة، وأداء الفرائض الواجبة، وشرح طرائق المعاملة الحسنة مع الآخرين، وتحفيزهم على حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وتعليمهم مبادئ التفسير والتأويل، وتجويد القرآن الكريم، والمشاركة في المسابقات المدرسية الإقليمية والجهوية والوطنية والعالمية في مجال الشؤون الدينية...

 

8- تشجيـــع الهوايــات الفردية والجماعية:

ينبغي للمدرسة الإبداعية أن تتحكم في أوقات الفراغ الموجودة عند التلاميذ، وتنظيم ما يسمى أيضا بالوقت الثالث، عن طريق تشغيل التلاميذ بالعناية بمجموعة من الهوايات المفيدة التي تعود عليهم بالنفع، كالاهتمام بجمع النقود، والحفاظ على المخطوطات، وتسفير الكتب، وجمع الأحجار الكريمة، وتنظيم سجل النباتات، واستجماع المعادن النفيسة، وعرض الطوابع البريدية، وجمع الصور الفوتوغرافية والإشهارية وعينات من الإنتاجات المحلية والوطنية، والاهتمام بالمصنوعات الدالة على كينونتهم وهويتهم الثقافية...

 

9- النشاطات الموسمية:

يحتفل المغرب بصفة خاصة، والعالم بصفة عامة، بمجموعة من المناسبات والأيام والأعياد الدينية والوطنية والدولية. لذا، ينبغي للمدرسة الإبداعية أن تشارك بدورها في هذا الاحتفال، وذلك عن طريق إشراك المعلمين والمتعلمين في توفير جميع الظروف المناسبة لنجاح عملية الاحتفال، كالمشاركة – مثلا- في ذكرى تأسيس هيئة الأمم المتحدة، والاحتفال بعيد الأم والمرأة، والاحتفال باليوم العالمي لحقوق الطفل، والمشاركة في اليوم العالمي للبيئة، والمساهمة في اليوم العالمي للمحافظة على الثروة الغابوية، والاحتفال باليوم العالمي للامتناع عن التدخين، إلخ...

 

{تحويل المدرسة إلى مركبات التربوية:

إذا كانت المقاربة الصراعية لاترى في المدرسة سوى فضاء للتطاحنات الإيديولوجية والطبقية، وفضاء للتفاوت الاجتماعي والثقافي واللغوي والاقتصادي. فقد ترتب منطقيا واستنتاجيا عن كل هذا أن أدى الواقع المنهار بالمدرسة التربوية إلى الفشل والإفلاس اللازمين، حيث صارت المدرسة عند الكثير من الملاحظين مؤسسة الخيبة والمأساة والصراع الجدلي والتناقضات الصارخة. بيد أن هناك من يعارض هذا الطرح الصراعي، فيعتبر المقاربة الصراعية ذات أبعاد سياسية وحزبية ضيقة، تنطلق من تصورات ماركسية أو هيجيلية أو منطلقات ڤيبيرية أو ألتوسيرية، ومن ثم تفتقد هذه التصورات خاصية الموضوعية، والحياد، والتحليل العلمي المنطقي، ومصداقية التحليل المعقلن.

وعليه، فليس من الضروري أن تكون المدرسة فضاء للصراع والتطاحن العرقي واللغوي والثقافي وانعدام تكافؤ الفرص، بل يمكن أن تكون مدرسة ديمقراطية، وفضاء للحرية والإبداع والابتكار، ومكانا لإذابة الفوارق الاجتماعية، وتعايش الطبقات، وتوحيد الرؤى والتطلعات بين المتعلمين. ومن ثم، على المؤسسة التربوية أن تذيب كل الخلافات الموجودة بين التلاميذ على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي واللغوي، وتحرير المتعلمين المنحدرين من الفئة الدنيا من عقدهم الطبقية الشعورية واللاشعورية، وتخليصهم من مركب النقص عن طريق تنفيذ المشاريع المؤسساتية، وتقديم الأنشطة لإمتاع التلاميذ وتسليتهم وترفيههم، وتكوينهم تكوينا ذاتيا يمحي كل الفوارق التي يمكن أن توجد بين المتمدرسين داخل المدرسة الواحدة. ومن أهم الوظائف الأساسية للمدرسة" إيجاد حالة من التوازن بين عناصر البيئة الاجتماعية، وذلك بأن تمنح المدرسة لكل فرد الفرصة لتحريره من قيود طبقته الاجتماعية التي ولد فيها، وأن يكون أكثر اتصالا وتفاعلا مع بيئته الاجتماعية والمذاهب الدينية.".[12]

و لابد أن تساهم المدرسة في خلق علاقات إيجابية مثمرة بين التلاميذ فيما بينهم من جهة، وبين المتعلمين وأطر التربية والإدارة من جهة أخرى، تكون مبنية على التعاون والأخوة والتسامح والتواصل والتآلف والمشاركة الوجدانية والتكامل الإدراكي، ونبذ كل علاقة قائمة على الصراع الجدلي والعدوان والكراهية والإقصاء والتهميش والتنافر والكراهية والتغريب والجمود والتطرف والإرهاب.

ولابد للمدرسة من الاحتكام إلى منطق المساواة، وتوفير العدالة والعمل على تحقيق تكافؤ الفرص، ودمقرطة التعليم من أجل تكوين مواطن صالح ينفع وطنه وأمته، ويحافظ على ثوابت المجتمع، ويعمل جاهدا من أجل تحديث البلد، وتغييره إيجابيا، والرفع من مستواه التنموي، والسير به نحو آفاق أرحب من الازدهار والرفاهية.

ومن ناحية أخرى، ينبغي أن ترتبط البنية المعمارية للمؤسسة الإبداعية بمدرسة المستقبل، فيجب أن يراعى فيها، تصميما وإنجازا وتجهيزات، مواصفات الجودة ومقوماتها الوظيفية والتنوع، والانفتاح على خصوصيات وحاجات وأنشطة محيطها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي... حيث يتجاوز النظر إلى وظائفها مجرد اعتبارها فضاء للتعليم والتعلم، وإنما فضاء مفتوحا لاحتضان أنشطة وتظاهرات اجتماعية واقتصادية وثقافية من خارجهاأنشطة مؤسسات المجتمع المدني، جمعيات، وجماعات محلية ومؤسسات ثقافية...إلخ)، ولن يتحقق ذلك لهذه المدرسة إلا إذا تم تاسيسها في إطار تخطيط تربوي تشاركي متكامل، وبناء على خريطة مدرسية مندمجة قائمة على معايير علمية وتربوية واجتماعية عقلانية، وعلى اختيارات سياسية واضحة الأهداف والمصالح والرهانات والتوجهات.."[13]

وعليه، تعتمد المدرسة الإبداعية، في تحقيق نجاعتها ومردوديتها الإنتاجية، على المركبات التربوية المتكاملة المتميزة بفضاءاتها الجذابة، والتي تضم مجموعة من الورشات والمحترفات والمختبرات والمعامل والقاعات النظرية والتطبيقية.

 

|شعـــب جديـــدة:

تستلزم البيداغوجيا الإبداعية إضافة شعب أخرى في التعليم الثانوي، كأن تكون هناك شعبة أدبية، وشعبة فنية، وشعبة علمية، وشعبة تقنية، وشعبة اقتصادية، وشعبة التربية البدنية، وشعبة اللغات، وشعبة الفلسفة، وشعبة الإعلاميات، وشعبة الفلسفة، وذلك في إطار تعليم مندمج ومتكامل عموديا وأفقيا ومنهاجيا. علاوة على ذلك، تدرس جميع المواد ضمن شعبة معينة في ضوء المواد المندمجة، ويتم التركيز كثيرا على الإبداع والإنتاج والابتكار والتجريب والمران والاستكشاف والتعلم الذاتي.

 

~الإدارة المبدعـــــة:

تستوجب البيداغوجيا الإبداعية أن تكون الإدارة مبدعة بكل طاقمها التسييري، فلابد أن تتمثل الإدارة التربوية آليات التدبير والتخطيط المعقلنين، باعتماد المقاربة التشاركية، واللامركزية، والاستقلالية، والتسيير الذاتي، وتأهيل الموارد البشرية، وتدبير الموارد المالية، والانفتاح على محيطها المحلي والوطني والعالمي...إلخ. وينضاف إلى ذلك ضرورة تحديث الإدارة شكلا ومضمونا، وعصرنتها بالمعلوميات والحواسيب وأساليب الإدارة المعاصرة.

هذا، ويستند العمل الإداري المبدع، تدبيرا وتسييرا وتوجيها وتنظيما، إلى مجموعة من المقاربات، والتي يمكن حصرها في مايلي:

 

¸المقـــاربة التشاركيــة: تنبني المقاربة التشاركية على الحوار البناء، والديمقراطية العادلة، والجدال الهادف، وإشراك جميع المتعلمين والمؤطرين والمثقفين والمجتمع المدني في التفكير بجدية في إرساء مجتمع تربوي ناجح، يساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المثلى. كما تعمل الإدارة على تعويد جميع أطراف الفضاء التربوي على الفعل التشاركي البناء، من خلال تنفيذ مجموعة من الأنشطة وتطبيقها، وكل ذلك بغية اكتساب مهارات معرفية وتقنية وأدائية لتحسين مستواهم التعليمي – التعلمي.

 ¸المقاربة الإبداعية: ترتكز هذه المقاربة على الإبداع والابتكار والإنتاج، وتطوير التعليم وتجديده،وتحفيز المتعلمين على العطاء والمردودية، ومساعدتهم على التخييل والتنفيذ والاختراع والاكتشاف، وتنفيذ الإنجازات الهامة التي هي في صالح المدرسة المغربية.

¸المقاربة الديمقراطية: تهدف المقاربة الديمقراطية إلى تعويد المنخرطين داخل المؤسسة الإبداعية على فعل التصويت المشروع، والانتخاب الديمقراطي القائم على الكفاءة، واحترام رأي الأغلبية، وعدم احتكار السلطة، وتمثل مبدإ الإنصات والحوار، واحترام الآخر، ونبذ التطرف والكراهية والإقصاء، وتفادي الجدال العقيم المبني على التعصب والتوتر والتشنج.

3- المقاربة الحقوقية: تسعى هذه المقاربة إلى احترام المتعلمين والمعلمين لبعضهم البعض، وذلك على أساس القيم العادلة والمساواة الحقيقية، وخلق أجواء الاحترام المتبادل، ونبذ الخلاف والانشقاق، ومراعاة العمل التعاوني التشاركي، وزرع المواطنة الحقة في نفوس الناشئة، واحترام الحريات الخاصة والعامة، وصيانة حقوق الإنسان.

4- المقاربة التعاقدية: تنبني هذه المقاربة على احترام العقود؛ لأن العقد شريعة المتعاقدين. ويعني هذا أن المتعلمين والمعلمين داخل مؤسسة الإبداع عليهم أن يحترموا العقود والمواثيق في تنفيذ الأنشطة، واحترام الوقت المخصص لذلك.وترتكز هذهالمقاربة أيضا على تحديد مجموعة من الأهداف العامة والخاصة، واختيار وسائل العمل الناجعة، وتبيان عمليات التنفيذ والممارسة والإنجاز، وانتقاء فضاءات العمل التشاركي، والانطلاق من التقويم الإيجابي الهادف والبناء، وتوزيع المسؤوليات والمهام والأدوار بشكل ديمقراطي عادل.

5- مقاربة النوع: تعمل هذه المقاربة على الوقوف بصرامة وحكمة ضد كل أشكال التمييز الجنسي والعنصري واللوني، بخلق أجواء العمل التشاركي الهادف والبناء، مع إذابة كل الفوارق الاجتماعية والطبقية الموجودة في المجتمع داخل وحدة المدرسة الإبداعية، ومواجهة جميع الأحكام الهدامة والمسبقة في حق جنس معين، مع التكيف الإيجابي مع العادات والتقاليد والموروثات القيمية التي تحد من الانفتاح على مؤسسة الإبداع، وتمنع من الإقبال عليها.

6- مقاربة التدبير بالنتائج: تستند هذه المقاربة إلى تحديد المدخلات والأهداف والكفايات المطلوبة، مع التأشير على النتائج المرجوة،وتحديد السبل الحقيقية للوصول إليها، مع إخضاعها لعمليات التقويم والفيدباك والمعالجة والتصحيح الإبداعي.

خاتمــــة:

 يتضح لنا في الأخير، بعد هذا العرض النظري الوجيز، أن البيداغوجياالإبداعية هي نظرية تهدف إلى بناء مستقبل تربوي حداثي، يقوم على الخلق والتطوير والإبداع والاكتشاف والخلق، بعد المرور الضروري من مرحلة الحفظ البناء، ومرحلة التقليد والمحاكاة والتدريب، وكل ذلك من أجل خلق مجتمع متنور كفء، قادر علىمواجهة التحديات الموضوعية والواقعية والدولية على جميع الأصعدة والمستويات والقطاعات الإنتاجية. بيد أن هذه النظرية التربوية الإبداعيةلا يمكن أن تحقق ثمارها المرجوة إلا في مجتمع العمل، والحريات الخاصة والعامة، والديمقراطية المتخلقة.

و لا يمكن تطبيق هذه البيداغوجيا الجديدة إلا إذا أسسنا مدارس الورشات والمختبرات والمحترفات، وعودنا المتعلم/ المتمدرس على حب الآلة والفن والتجريب العلمي، وتطبيق النظريات، ودربناه أيضا على فعل التنشيط التخيلي والرياضي، وساعدناه على تمثل فلسفة المنافسة والتسابق والاختراع، وفعلنا الفلسفة البراغماتية ذات التوجهات العملية والإنسانية والاستكشافية في الحاضر والمستقبل، وخلقناها دينيا وخلقيا من أجل بناءمجتمع إسلامي مزدهر، يساهم في التنمية العالمية، وذلك عن طريق التصنيع، وإنتاجالنظريات، واختراع المركبات الآلية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتصنيعالأسلحة المتطورة الحديثة لتأمين وطننا وأمتنا، والدفاع عنها بالنفس والنفيس، ودرء العدوان الخارجي، والحفاظ على كرامتنا وأنفتنا وسيادتنا، بدلا من الإحساس بالذل والضيم الذي نستشعره اليوم؛ بسبب تخلفنا السيء، وانحطاطنا المتقاعس، وانبطاحنا التاريخي والسياسي والخلقي



[1]- مارسيل بوستيك: العلاقة التربوية، ترجمة: محمد بشير النحاس،المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، 1986م، ص:19.

[2]- ابن منظور: لسان العرب، دار صبح بيروت، لبنان/ وأديسوفت، الدار البيضاء، المغرب/ الطبعة الأولى سنة 2006م، صص:325-326.

[3]- A Regarder:Petit Robert,Paris,1992,p:419.

[4]- عبد الكريم غريب: المنهل التربوي، الجزء الثاني، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2006م، ص:722.

[5]- انظر: محمد الدريج: (ماذا بعد بيداغوجيا الإدماج؟ نموذج التدريس بالملكات)، جريدة الأخبار، المغرب، العدد:62، الثلاثاء 29 يناير 2013م، ص:8.

[6]- عبد الكريم غريب: نفسه، ص:722.

[7]- عبد الكريم غريب: نفسه، ص:722.

[8]- عبد الكريم غريب: نفسه، ص:722.

[9]- الدكتور جميل حمداوي: من قضايا التربية والتعليم، سلسلة شرفات، رقم:19، مطبعة النجاح الجديدة،الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2006م،ص:137-138.

[10]- غي آفانزيني: الجمود والتجديد في التربية المدرسية، ترجمة: الدكتور عبد الله عبد الدائم، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 1981م، ص:280.

[11]- غي آفانزيني: الجمود والتجديد في التربية المدرسية، ص:279.

[12]- أمحمد عليلوش: التربية والتعليم من أجل التنمية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2007م، ص:123.

[13]- مصطفى محسن: مدرسة المسقبل، سلسلة شرفات، رقم: 26، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2009م، ص:55.

المصدر: http://almothaqaf.com/index.php/derasat/72024.html

 

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك