الإصلاح بالقوة أو التعايش مع الإنهيار ؟! أحلام عن مسقبل الإصلاح السوري وأوهام في عالميته
فراس سعد
تتّسم نهايات الدورات التاريخية بحالة أقرب إلى الفوضى منها إلى الجمود والسكون , تتساوى في ذلك الدول و المؤسسات مع المجتمعات , نحن هنا لا نتحدث انطلاقاً من نظرية نهاية التاريخ و إنما استلهاماً لنظرية ابن خلدون التي نرى أنها أكثر واقعية بما يخص ينات .التشكيلات الأجتماعية و الأجتماسية ...
يقع الوضع السوري اليوم من الناحية الأجتماسية في طور النهاية غير المكتملة في وقت جاء فيه رئيس جديد لأكمال العهد السابق , جاء كمصلح لمواقع الفساد الضخمة , الفساد الذي تحوّل إلى قناعة و سلوك يومي لدى كثيرين و هو لدى شريحة في الحكم و خارجه تحوّل إلى إديولوجيا , هذه الحالة لا تساعد الرئيس الشاب و لا يحسده عليها أحد فهو جاء في منتصف النهاية أو ما قبلها على كل حال , الأمر الذي يهدّد كل مشروعه الأصلاحي بالفشل , فإما أن ينتظر بضع سنوات أخرى لتكتمل النهاية , نهاية المرحلة التاريخية للنظام السوري البعثي _ لأن النهايات جارفة في قوتها , و لاتعترف بأصلاح أو تحديث ومستعدّه لجرف كل شيء معها _ من ثم يبدأ المرحلة التاريخية الثانية من العهد البعثي , أو أنه يبدأ باستخدام القوة لأنجاز الأصلاح و تحديث النظام السوري باتجاه الدولة المدنية الحديثة القائمة على القوانين و المؤسسات .
لكن استخدام القوة الآن و نحن على أعتاب نهاية دورة أجتماسية يجب أن يرافقه تأييد من قبل عناصر و قوى داخل النظام كي يتم الأصلاح بسرعة و بشكل صحيح لا تشوبه الثغرات , و هذا أمر مستبعد لأن معظم الممسكين بزمام الأمور هم أباطرة الفساد و الأفساد الذين دأبوا طوال السنوات الثلاث من حكم الرئيس بشار الأسد على تطهير مفاصل الدولة من العناصر المخلصة و الكفوءة والوطنية , و ما يعيق الأصلاح هو المنطلق النظري الذي أعلنه د. بشار الأسد رئيس الجمهورية و هو منطلق أكمال العهد السابق من منطلق الأستمرارية و ليس القطع أو التباين و هو أمر يلاحظ في تصريحات و خطب الأسد الأبن , فما العمل إذاً , هل ننتظر ريثما تنضج ثمرة الفساد و شجرة الشر فتنحر ذاتها بذاتها و تتآكل من داخلها و هو أمر يستغرق سنوات و قد يهدّد الوجود السوري من جذوره بما يعني ذلك الأجهاز على مؤسسات الدولة واحدة وراء الأخرى و بناء تحالف مع العولمة لبيع كل شيء بما فيه تراب الوطن و التنازل عن الحقوق الشرعية في الجولان و سواه و ربما تقسيم البلاد إلى دويلات طائفية و لغوية .. أم نحسم الأمور في أسرع وقت ممكن مع معرفتنا المسبقة أن أدوات مكافحة الفساد و بناء الأصلاح تتآكل يوماً بعد يوم فلا يبقى الاّ كل طويل عمر ؟!
في الحالات الحرجة التي يقف فيها الأنسان أمام خيارين : خيار أنقاذ البلاد بالعنف ,أو خيار ضياع البلاد بهدوء و دون تضحيات في صفوف النظام الفاسد , سوف يكون لشخصية صاحب القرار الدور الحاسم في تفضيل خيار على الآخر , و شخصية الرئيس الأسد هادئة وعلمية لا تميل إلى الحسم السريع للأمور التي تتميز بها شخصية العسكري الذي يمكن أن يختار العنف , فهو نشأ في جو علمي أكاديمي بعيد عن الجو العسكري , أي أنه يمكن أن يشخّص الحالة السورية جيداّ كطبيب ماهر لكنه من الصعب عليه أن يجري العمل الجراحي بنفسه , و هنا في رأينا المتواضع و الذي قد يكون خاطيء جداً , إذا أخذ الرئيس الأسد القرار بحرب الأصلاح فلن يكون قائد الحرب و إنما قيادات ذات نفسية عسكرية تتعامل بعنف مع أعداء الأصلاح و المفسدين , و تتحمل هذه القيادات كل ردود الأفعال التي قد تكون عنيفة داخلياً و خارجياً , بما في ذلك مناوشات صغيرة تكون قادرة على إدارتها بكفاءة , فالأصلاح الحقيقي الجذري الذي تحتاجه البلاد لن يتم دون عنف أي دون دماء و خسائر , لكن أيّاً كانت خسائر عملية الأصلاح الحقيقي السريع الذي نحتاجه , فهي لن تكون بحجم الخسائر الكارثية التاريخية الذي دفعناها بسبب الفساد و التخريب المنظم طوال عشرين عام , و لن تكون بحجم الخسائر التي سنتعرض لهل مع بقاء الفساد و الخوف من الأصلاح الحقيقي .
إن الخوف من شيء ما لا يعالج إلاّ باقتحام هذا الشيء كما يقول علي بن أبي طالب ( كرم) و الخوف من الأصلاح علاجه القيام بالأصلاح , و لنكون منصفين يجب أن نعترف أن الأمر لا يتوقف فقط على قرار الرئيس , إنما مطلوب من كل الشرفاء في البلاد و خارجها العمل على المطالبة بالأصلاح بوضوح وألحاح و توجيه ضربات أعلامية سياسية على الأقل لأعداء الأصلاح و فضحهم أمام الرأي العام العربي و الدولي , لحشد هذا الرأي العام وراء مشروع الرئيس الأصلاحي للوصول إلى حالة من التوازن بين قوى الفساد و دعاة الأصلاح , فكما أن المفسدين لديهم دعم دولي فعلى المصلحين أن يحصلوا على هذا الدعم , و يجب أن نخرج من أوهام عدم استخدام الخارج في قضايانا الوطنية بدعوى الحفاظ على السيادة الوطنية , لأنه لا توجد دولة في العالم تتخلى عن دعم الخارج أو تستطيع منعه عن تدخله في قضاياها الوطنية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية فالرئيس الأمريكي يحدّده المال اليهودي الصهيوني و لأسرائيل دور في هذا المال مثلما للصين كما انتشر في الأعلام الأمريكي منذ سنة أو أكثر , أما في العالم الثالث والثاني فلا يمكن أن يتم التوافق على الرئيس دون موافقة أمريكية إضافة لموافقات الدول الكبرى التي لها مصالح في هذه الدول , كذلك فالقوى الأقليمية تلعب دوراً مستمراً في المسائل الداخلية للدول التي تجاورها , كما بالنسبة لسورية في لبنان و كما بالنسبة لمصر في فلسطين ( غزة تحديداً ) و السودان , وكذلك لا ننسى الدور السعودي بالنسبة لدول الخليج , وهذا أمر طبيعي , لذلك فعلى العاملين على تحديث البلاد و مكافحي الفساد طلب الدعم العربي و الدولي بكل أشكاله التي لا تؤثر على وحدة البلاد لأن المستفيد الوحيد من أفساد البلاد و تخريبها و أضعافها على كل المستويات هي أسرائيل واللصوص و أصدقاءهم و أبناءهم , وفي المقابل فإن المستفيد من أصلاح و تحديث و تقوية سورية هم أبناءها و أشقاءها و أصدقاءها الذين يريدون العيش بسلام في إطار أسرة دولية متعاونة و متفاهمة .
إن ما يجري في سورية لا يهم أهلها فحسب إنما يهم العالم أجمع لأنها تقع ضمن جغرافية الأصول الأولى , جغرافية الرمز , و سقوطها في فخ الفساد و الأستسلام يعني الكثير على الصعيد الدولي كما كان الحال منذ التقسيم الكبير منذ تسعين عام , الأمر الذي انعكس على شكل توترات و صراعات في العلاقات الدولية , و سقوط سورية أو استسلامها يعني بداية النهاية و الحرب الأخيرة على الأقل بالنسبة لأولئك المتدينين الأمريكيين من جماعة القيامة الذرية و " هرمجدو " الذين يضبطون ساعاتهم على توقيت دمشق ؟! .
هكذا تصبح مسألة الفساد و الأنهيار أو الأصلاح و البناء في سورية مسألة كونية و ليست مسألة داخلية , فعلى أساسها يتحدّد مصير الكوكب بالمعنى الرمزي و بالنسبة لكثيرين بالمعنى الحقيقي الواقعي , و كل صراع من هذا النوع يتحّدد بنتيجته مصير الكوكب هكذا كان الأمر دوماً منذ أن وجدت قوى السلب و الأيجاب , لكن هذه المرة قد تكون المسألة جديّة . أخيراً وليس آخراً ماذا يمكن أن نقول لأهل الفساد – و القول سلاح الضعفاء لكنه السلاح الوحيد المتوفر لدينا _ سوى إن لم تخافوا الله فخافوا الوطن الذي لن يسامحكم أبداً لا في الحياة و لا الموت .