إسرائيل والإسلام السياسي بين المواجهة والتعايش
عليان الهندي
أعادت الحركة الصهيونية، ومن بعدها دولة إسرائيل كتابة تاريخ العلاقات بين الإسلام واليهودية من جهة، وبين المسلمين والعرب مع اليهود من جهة أخرى، بهدف خلق "إجماع وذاكرة وطنية يهودية" ضد عدو مستقبلي حدد بالعرب والمسلمين. ونتيجة للتاريخ الجديد فقد اليهود مكانتهم الرفيعة والمتقدمة بين العرب في الجزيرة العربية بعد ظهور الرسول الكريم محمد (عليه الصلاة والسلام). كما أشارت المصادر الإسرائيلية المختلفة إلى أصناف التمييز العنصري والعرقي والديني التي مرت على اليهود في العصور الإسلامية المختلفة، متجاهلة في نفس الوقت، أن اليهود عاشوا في ثلاثة عصور ذهبية وفق تصريحات الرئيس الإسرائيلي الأسبق موشيه قصاب هي :الأول، في الاندلس حيث حارب اليهود ولأول مرة بتاريخهم إلى جانب المسلمين، الثاني، في الولايات المتحدة، والثالث، في دولة إسرائيل التي أنشأت بعد تدمير وتشريد الشعب العربي الفلسطيني. كما تجاهل التاريخ المذكور الدور الاجتماعي والثقافي والاقتصادي الذي لعبه اليهود في المجتمعات العربية والإسلامية التي رفضت أن ينغلق اليهود في حاراتهم وأحيائهم.
لكن انهيار الإمبراطورية العثمانية ومعها الإسلام كمرجعية حكم، أعفى الحركة الصهيونية ومن بعدها دولة إسرائيل، من وضع الإسلام والمسلمين بشكل عام في خانة الُمهددين، التي حل مكانها العرب والدول والحركات الوطنية خلال العقود الستة الماضية.
ومع اندلاع الثورات العربية، وبروز تيارات الإسلام السياسي خاصة الأخوان المسلمين كأكبر المنتصرين فيها، عادت إسرائيل إلى إعادة إنتاج روايتها التقليدية عن الإسلام والمسلمين والعرب، معتبرة ما يحدث تهديدا لها، مع بصيص أمل لتعايش فرضته اتفاقيات السلام وغيرها. ويرصد التقرير التالي رؤية إسرائيل لتيارات الإسلام السياسي، وكيف ستتعامل معها في حالة التهديد أو التعايش
تأسيس وتصنيف
تشير المصادر الإسرائيلية المختلفة، أنه لا يوجد للإسلام السياسي جذور تاريخية عميقة في الفكر والحياة الإسلامية، وأنه أسس بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية بعقد من الزمان تقريبا، ولم يقم بأي دور في الصراع العربي الإسرائيلي حتى نهايات العقد السابع من القرن العشرين بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وتشكيل حركة الجهاد الإسلامي وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الضفة الغربية وقطاع غزة في ثمانينيات القرن الماضي . ما دعاها للنظر إليه كتهديد مستقبلي، مفترضة أن تيارات الإسلام السياسي ستكون أحد أهم أطراف الصراع المستقبلي. وازداد الاهتمام الإسرائيلي بهذه التيارات بعد حالة الشيخوخة التي مرت بها الأنظمة العربية في العقدين الأخيرين، التي استغلت هذه التيارات في تحقيق مهمتين تمثلتا في :قمع قوى المعارضة المختلفة، وإخافة الغرب من "الإرهاب الإسلامي". لكن النجاحات الكبيرة التي حققها الإسلاميون بالعقدين الأخيرين في كل انتخابات جرت في الدول العربية (الجزائر وتونس والمغرب ومصر) دعت إسرائيل لدراسة هذه التيارات التي من أهمها:
التيار الإسلامي "المتطرف" :الذي أسس فعليا من قبل المخابرات الباكستانية، التي أنشأت حركة طالبان في ثمانينيات القرن الماضي لمحاربة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان. وانضم لحركة طالبان عشرات ألاف الشبان العرب (40% سعوديون و 30% مصريون و 20% من المغرب العربي و 10% من مسلمي شرق أسيا وبقية العالم). وبعد عودتهم لأوطانهم، أسس أسامة بن لادن في أوائل عام 1990 تنظيم القاعدة (10% من قادته جاؤوا من مدارس دينية و 90% منهم من أصول علمانية و 60% من هذه القيادات سعودية ومصرية و 30% من المغرب العربي و 10% من جنوب شرق أسيا) التي وضعت نصب عينيها إنهاء النفوذ الغربي الصليبي في العالم الإسلامي وتحرير فلسطين وإقامة دولة الخلافة فيها، واتبعت "الإرهاب" الداخلي كأسلوب عمل لتحقيق أهدافها. ورغم الأهداف المذكورة لم يشن التنظيم أية هجمات على إسرائيل ومصالحها المختلفة، ما دعا الدولة العبرية للاهتمام بالبعد الأيديولوجي للتنظيم الذي رفعت فئة قليلة منه لواء الجهاد الإسلامي العالمي مثل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري .
الإسلام السياسي المعتدل (وفق المفاهيم الغربية وليست الإسرائيلية) الذي أسس عام 1928 من قبل حسن البنا أول مرشد عام لحركة الإخوان المسلمين بمدينة الإسماعيلية في مصر، والذي أعطى أفضلية للعمل السياسي للوصول إلى الحكم بوسائل سياسية، من دون عنف الذي نبذه كمنهاج عمل. لكن، قدرة التنظيم على البقاء، وشن تنظيمات إسلامية متشددة هجمات على المصالح الأمريكية والغربية في العقدين الماضيين، وحالة الشيخوخة التي مرت بها الأنظمة العربية، دفعت الغرب للطلب من الأنظمة العربية دمج تيار الإسلام السياسي، خاصة الإخوان المسلمين في الحكم بالوطن العربي بهدف :تليين مواقفهم والمساهمة في اللعبة الديمقراطية، وإشراكهم في مواجهة الحركات الإسلامية المتطرفة. لكن إسرائيل رفضت ذلك، وطلبت الاعتراف بها كشرط مقابل مشاركتهم في الحكم .
ولم يؤخذ موقف الإخوان المسلمين الرافض لاتفاقية كامب ديفيد واعتبار إسرائيل كيان غير شرعي ورفضهم لحقها بالوجود، على أنه تهديد لإسرائيل، نظرا لعدم ترجمة مواقفهم، لفعل عسكري يهدد وجودها. واكتفت بمتابعة تطور ونمو هذه الجماعة إعلاميا وفكريا وشعبيا خارجيا وداخليا، موجهة أسلحتها وقوانينها ضد الحركة الوطنية الفلسطينية بقيادة الشهيد ياسر عرفات.
وفي المقابل، راقبت إسرائيل تطور ونمو تيار الإسلام السياسي الفلسطيني بشقيه داخل فلسطين المحتلة عام 48 وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، الذي يعود بجذوره لحركة الإخوان المسلمين. وكان بداية نشاط هذا التيار في نهايات عام 1979 عندما أسس الشيخ نمر درويش "أسرة الجهاد" بهدف القضاء على دولة إسرائيل. لكن القبض على هذه المجموعة، أنهى الشق العسكري من نشاطهم، وحولهم إلى النشاط الاجتماعي والسياسي الرسمي في إسرائيل. أعقب ذلك انشقاق غير معلن في صفوف الحركة الإسلامية داخل فلسطين عام 1948 بين تيار يدعو للمشاركة في الانتخابات للكنيست الإسرائيلي، وبين تيار أخر يقوده الشيخ رائد صلاح الذي استعان بفتوى من الشيخ يوسف القرضاوي تحرم المشاركة فيها، نظرا لقسم الإخلاص لدولة إسرائيل من قبل أعضاء الكنيست .
وفي نفس الوقت راقبت إسرائيل، تطور ونمو الإسلام السياسي خاصة الجماعات التابعة للإخوان المسلمين في الضفة الغربية وقطاع غزة، الذين لم يشكلوا لها أي تهديد حتى أواخر الثمانينيات، إلى أن شكلت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وتبنت الكفاح المسلح كسبيل وحيد في مواجهة الاحتلال. ما دفعها إلى حظر نشاطاتها واعتبارها خارج القانون. ويمكن القول أن إسرائيل تعاملت مع حركة حماس بعدة مراحل هي :الحظر والمحاربة، وإدارة الصراع، والبحث عن آليات تعاون معها، خاصة بعد فوز الحركات الإسلامية المؤيدة للإخوان المسلمين في الانتخابات التي جرت بعد الربيع العربي في تونس والمغرب ومصر .
وانشق من رحم الإخوان المسلمين في الضفة الغربية وقطاع غزة حركة الجهاد الإسلامي التي أسست عام 1981 من قبل الدكتور فتحي عبد العزيز الشقاقي، مستلهمة في تأسيسها انتصار الثورة الإيرانية. وكانت حركة الجهاد الإسلامي أول تنظيم إسلامي يتبنى الجهاد ضد إسرائيل، وتعتبره من أكثر التنظيمات الفلسطينية "تطرفا"، نظرا لتركيزه على الجهاد ضد إسرائيل، وعدم اهتمامه بالنشاط الدعوي والإجتماعي كالذي تقوم به حماس .
الإسلام السياسي الشيعي :الذي تكون بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ووضع في مقدمة أولوياته محاربة نفوذ الولايات المتحدة (الشيطان الأكبر) في المنطقة وتحرير كل فلسطين. ونظرا للمكانة الدينية والسياسية لرجال الدين خاصة أيات الله في المذهب الشيعي، حذت كل المرجعيات الشيعية غير الإيرانية حذوهم في تحديد الولايات المتحدة وإسرائيل كأعداء للإسلام والمسلمين، بدلا من الاهتمام بالقمع الذي مارسته الأغلبية السنية بحقهم في الوطن العربي . ونتيجة ذلك، أصبحت إيران تهدد إسرائيل في ثلاثة محاور هي :دعم ما تسميه المنظمات "الإرهابية" مثل حزب الله وحماس، البحث عن مكانة إقليمية قائدة تضع على رأس أولوياتها تحرير فلسطين، والمشروع النووي الذي تخشى إسرائيل امتداده لدول المنطقة، ما يشكل تهديدا جديا لوجودها .
ولرغبتها في تصدير الثورة ساعدت إيران في عام 1982 بتأسيس حزب الله الشيعي في لبنان كحركة إسلامية ذات أيديولوجية متطرفة، تؤمن بولاية الفقيه كمقدمة لعودة المهدي المنتظر، وبالجهاد كوسيلة لإقامة الدولة الإسلامية التي لا يمكن لها أن تتحقق سوى في محاربة النفوذ الأمريكي في المنطقة ومسح دولة إسرائيل عن الخارطة التي وصفها أمينها العام حسن نصر الله بـ "بيت العنكبوت" .
الدور الإسرائيلي في تقوية الإسلام السياسي
كانت المطامع الغربية والصهيونية في فلسطين من أهم العناصر التي ساهمت في تأسيس تيارات الإسلام السياسي لمحاربة الأطماع الغربية في الوطن العربي وفي فلسطين على وجه الخصوص. وازدادت هذه التيارات قوة بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان في حرب عام 1967 من قبل إسرائيل وسيطرتها على ثالث أقدس الأماكن عند المسلمين (الحرم القدسي الشريف) وفرض شراكة يهودية في كثير من الأماكن المقدسة للمسلمين مثل الحرم الإبراهيمي الشريف. كما ساهمت الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على المسجد الأقصى في تنظيم الاحتجاجات والمظاهرات التي عززت من قوة التيارات الإسلامية، وفي إظهار عجز الأنظمة العربية في تحرير القدس وفلسطين، ما مكنها من طرح نفسها كبديل لها.
وساهمت الحروب المتكررة التي شنتها إسرائيل في الساحتين اللبنانية والفلسطينية، وقصف المشاريع النووية العربية في العراق وسوريا، والقيام بعمليات اغتيال بحق بعض القيادات الفلسطينية في الدول العربية، في إبراز عجز الأنظمة العربية وإظهارها على أنها متعاونة مع إسرائيل، وهو ما استغلته تيارات الإسلام السياسي في تعزيز مواقعها في الوطن العربي. واللافت للنظر في السياق المذكور، أن إخراج المقاومة الفلسطينية بقيادة الشهيد ياسر عرفات من لبنان، أوجد تيارا لا يقل شراسة في مقاومته لإسرائيل وهو حزب الله. فيما أدى اغتيال الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات عام 2005 إلى تعزيز دور حركة المقاومة الإسلامية "حماس" كأحد التيارات الأساسية في الحكم والمقاومة الفلسطينية .
وأشير هنا أن الشرط الإسرائيلي باعتراف الإسلام السياسي باتفاقيات كامب ديفيد ورفضه لذلك، ساعد في تكوين صورة عند الشعوب العربية أن التيار الإسلامي هو الوحيد القادر على مواجهة النفوذ الغربي في المنطقة، والتصدي للغطرسة الإسرائيلية التي تعتدي بشكل ممنهج على العرب والفلسطينيين.
وأخيرا، لا بد من الإشارة أن إسرائيل وبسماحها لتيار الإسلام السياسي في فلسطين الذي مثله الإخوان المسلمون بحرية العمل وبناء المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والأكاديمية الخاصة بهم في الضفة الغربية وقطاع غزة لمواجهة وإضعاف نفوذ م.ت.ف خلال سبعينيات وحتى أواخر ثمانينيات القرن الماضي، ساهم بتعزيز قوتهم في كل فلسطين التاريخية .
الوصف الإسرائيلي للتيارات الإسلامية
نجحت إسرائيل خلال العقود الثلاثة الماضية في جعل الغرب يتبنى مصطلح "الإرهاب الإسلامي" والتحريض عليه من قبل أجهزة الحكم والنخب السياسية والأطر الأكاديمية وحتى الشعبية. ولم يفرق المفهوم الإسرائيلي بينهم أو يصنفهم ما بين معتدل ومتطرف. ووصل التحريض ذروته بادعاء أن المسلمين في أوروبا البالغ عددهم 20 مليون يسعون إلى تحويل بعض هذه الدول لإسلامية خاصة فرنسا التي يبلغ عدد المسلمين فيها 7 ملايين مسلم تقريبا .
وفي سياق منفصل، وصف العربي بسبب موروثه الاجتماعي وأيديولوجيته الإسلامية التي لم تصل لمستوى الحضارة العالمية، بالتخلف والخضوع لحكام مستبدين .
وعندما اندلعت الثورات العربية، وظهرت القوة الانتخابية لتيارات الإسلام السياسي، تنافس أصحاب القرار والمختصون الإسرائيليين في إطلاق الصفات عليهم مثل المحافظين الجدد والتقليديين والذين لا يؤمنون بالديمقراطية التي يعتبرونها وسيلة للوصول إلى سدة الحكم فقط والبقاء فيها. كما أن تبنيهم شعارات مثل الديمقراطية وحرية الرأي وحقوق الإنسان جاءت لإرضاء الغرب المتخوف من مشاركتهم في الحكم. وأن أهدافهم الحقيقية مبنية بالأساس وفق معتقدات عليا ليس لها علاقة بالواقع . وللتغطية على أهدافهم الحقيقية طور الإسلام السياسي خاصة الإخوان المسلمين في مصر مصطلح "المصلحة" ومنحه بعدا شرعيا ودينيا لمواجهة الواقع .
وإضافة لذلك، وصفت إسرائيل هذه التيارات بأنها تعاني من الحيرة بسبب اعتمادها على الشعارات مثل شعار "الإسلام هو الحل" الذي لم يرافقه أي برنامج عمل. ونفس الوضع ينطبق على مستقبل نظام الحكم الذي يرغبون بقيامه في الدول التي فازوا فيها، حيث يعانون من حيرة في النموذج الأفضل لهم، وهل سيكون تركيا أم إيرانيا، أم عربيا إسلاميا.
كيف تعامل الإسلام السياسي مع المطالب الأمريكية والإسرائيلية
بعد أحداث 11 سبتمبر توصلت الولايات المتحدة إلى قناعة بأن مشاركة الإسلام السياسي خاصة الأخوان المسلمين بالحياة السياسية في الدول العربية من شأنه أن يقلل المخاطر التي تهددها. ونتيجة لذلك دخلت في حوار مع الأخوان المسلمين في العديد من العواصم الأوروبية المختلفة وفي سفارتها بالقاهرة، حددت فيه المطالب الأمريكية والإسرائيلية من الأخوان المسلمين كشروط للمشاركة في الحكم وهي:
1. نبذ العنف والإرهاب.
2. حل التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وإنشاء أحزاب إسلامية قطرية, وبمعنى أدق الموافقة على خارطة سايكس-بيكو التي قسمت الوطن العربي إلى 23 دولة عربية.
3. الالتزام بالمحافظة على اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة الموقعتان مع مصر والأردن.
4. الالتزام بتبادل السلطة، أي الالتزام بالديمقراطية والانتخابات الدورية.
5. المحافظة على حقوق الأقليات.
6. المحافظة على حقوق المرأة .
7. وبعد الانتخابات التي جرت في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 2006 وفوز حركة حماس بها، أضافت اللجنة الرباعية بطلب من الولايات المتحدة وإسرائيل شروطا جديدة للمشاركة في الحياة السياسة الفلسطينية وهي: منع الإرهاب، ووقف إطلاق الصواريخ والالتزام بالاتفاقيات الموقعة بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية، وهي ترجمة للشروط التي فرضت على م.ت.ف عام 1974 للدخول في المسيرة السلمية (نبذ الإرهاب والاعتراف بحق إسرائيل بالوجود وبأن قرار مجلس الأمن 242 هو مرجعية المفاوضات) .
ولم تتوقف الشروط على الإسلام السياسي السني بل امتدت إلى الإسلام السياسي الشيعي الذي تقوده إيران حيث حددت مطالبها منه بالتالي :
1. تفكيك المشروع النووي الإيراني.
2. منع تحويل إيران لقوة إقليمية نتيجة دعمها "للإرهاب" القادم من لبنان وغزة .
3. إضعاف حزب الله وتحويله لحزب سياسي لبناني .
وحول كيفية تعامل التيار الإسلامي مع الشروط الأمريكية والإسرائيلية، أشير أن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين أعلن في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي عن موافقته على مشاركة المرأة في العمل السياسي والموافقة على منهج المشاركة في الحكم وليس المغالبة . وأوجد تعايشا مشتركا بين مفهوم الديمقراطية التي شبهته بالشورى لتضمنه ثلاث حريات أساسية هي: حرية الرأي، حرية التنظيم، وحرية المشاركة. وهي حريات تصونها الشريعة الإسلامية، وبالتالي لم يعد هناك من حرج بالتيار اعتبار الديمقراطية شعار سياسي لهم بعد أن كانت أحد أهم أسس العلمانية الكافرة .
وحول نبذ العنف و"الإرهاب" أعلن التنظيم العالمي أن الإخوان المسلمين حرصوا على نبذ العنف كمنهج سياسي لهم. لكنهم لم يشجبوا العمليات العسكرية ضد المحتل الإسرائيلي ولم يعترفوا بشرط الاعتراف بكامب ديفيد كمدخل للاعتراف بإسرائيل، وهو أهم الشروط الغربية والإسرائيلية، والذي كان سببا في توقف هذه الحوارات بين الفينة والأخرى .
وفي الوقت الذي رفضت فيه حل التنظيم العالمي كأحد الشروط، قامت بتأسيس أحزاب مستقلة في الدول العربية قبل وبعد الثورات العربية مثل حزب الحرية والعدالة في مصر وحزب النهضة في تونس التنمية في المغرب وغيرها من الدول، وذلك في إشارة منهم بموافقتهم على هذا الشرط من دون الإعلان عن ذلك .
وعلى أي حال، وقعت الثورات العربية التي أسقطت حتى اليوم نظامين (تونس ومصر) وثالث بتدخل من حلف شمال الأطلسي (ليبيا) ورئيس (علي عبدالله صالح) وحكومة (المغرب)، وهناك ثورة مندلعة في سوريا، وحراك في الأردن. وجرت انتخابات في ثلاث دول هي المغرب وتونس ومصر أدت لفوز الأحزاب الإسلامية المنتمية للإخوان المسلمين، ما فرض على الغرب وإسرائيل واقعا جديدا يتطلب منها البحث باتجاهين :الحرب أو التعايش.
بين التعايش والمواجهة
التقطت إسرائيل مبكرا حالة الذهول التي اعترت تيارات الإسلام السياسي من فوزه في الانتخابات التي جرت في المغرب وتونس ومصر، حيث بدأ قادة ونشطاء هذه الأحزاب حملة تهدئة داخلية لم يعد يذكر فيها شعار "الإسلام هو الحل"، وحملة تهدئة خارجية وصلت لذروتها في تصريح المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن الإخوان المسلمين في مصر لن يلغوا اتفاقية كامب ديفيد ولن يعرضوها على الاستفتاء العام. وامتدت حملة التهدئة لتشمل المغرب العربي حيث أبلغ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية مجتمعيه من اليهود الأمريكيين وبعض الإسرائيليين في أحد مراكز الأبحاث التابعة للوبي الصهيوني "الايباك" في الولايات المتحدة إلى القول انه لن يسن قانونا يحرم فيه قيام علاقات مع إسرائيل .
لكن هذه التصريحات لم تقلل من المخاوف الإسرائيلية التي وضعت سيناريوهان :الأول، في حالة إلغاء اتفاقيات كامب ديفيد والاستعداد للحرب. والثاني، خالق حالة من التعايش تفرضها الاتفاقيات القائمة مع مصر والأردن والفلسطينيين.
وفيما يتعلق بسيناريو الحرب بدأت إسرائيل في بناء سياج أمني على طول الحدود المصرية بطول 450 كليو متر تقريبا لمواجهة ما تسميه "الإرهاب" القادم من سيناء وغزة، ومنع تسلل المهاجرين الأفارقة إليها .
والأمر الثاني الذي بدأت العمل فيه هو تنفيذ توصيات لجنة برادوت (لبحث أسباب الفشل في حرب لبنان الثانية) الداعية لتحويل كل أموال المساعدات الأمريكية البالغة 30 مليارد دولار من عام 2007-2018 لميزانية وزارة الدفاع بهدف خوض حرب على أكثر من جبهة واحدة. وتتوقع مختلف المصادر الإسرائيلية أن إلغاء اتفاقيات السلام مع مصر والأردن واتفاقية وقف إطلاق النار مع سوريا بعد سقوط النظام إلى اندلاع حرب شاملة يحتاج لفترة تمتد من 5-10 سنوات. لكن إسرائيل بهدف عدم التصعيد العسكري مع الدول العربية المذكورة تنفذ ذلك بهدوء وبشكل تدريجي .
وبخصوص التعايش المنشود إسرائيليا، ترى إسرائيل أنها ستحاط في الأعوام القادمة بالإخوان المسلمين من المغرب حتى اليمن، ويفرض هذا الوضع عليها البحث عن طريقة تتعايش فيها مع الحكومات الجديدة معتمدة في ذلك على اتفاقيات سلام معها، حيث بدأ الحديث فيها عن إمكانية فتح الاتفاقيات وتعديلها بهدف تعزيز السيادة المصرية على سيناء التي ضعفت خلال العقود الثلاثة الماضية خاصة في مناطقB و C. وتتفق المصادر الإسرائيلية المختلفة أن موافقة إسرائيل على تعديل الاتفاقيات مع حكومات إسلامية منتخبة سيمنحها روحا وشرعية جديدة ضعفت خلال العقود الماضية. ’يمكن هذه الحكومات من القول أنها أنجزت ما لم يستطيع النظام السابق إنجازه.
وستحرص إسرائيل على إشراك الولايات المتحدة في مفاوضات تعديل الاتفاقيات مع مصر والأردن، لتكون الطرف المعارض لأي تعديل لا ترضى به. كما تتطلع إسرائيل لتعزيز دور القوات الدولية في سيناء ومنحها صلاحيات جديدة تتعلق بالتنسيق بين الطرفين لتفادي الاحتكاك مع الحم الجدي في مصر .
ولمواجهة الجمود المتزايد في العلاقات الرسمية بين إسرائيل ومصر، ترى إسرائيل أن بالإمكان اقتصارها على علاقات أمنية يقوم بها الجيش والمخابرات المصرية العامة كما كان عليه الحال خلال حكم مبارك الذي سلم فيه ملف العلاقات مع إسرائيل لوزير المخابرات عمر سليمان على المستوى السياسي، وللجيش على المستوى الميداني.
التطلع لإرضاء الإسلام السياسي خاصة الأحزاب التابعة لحركة الإخوان المسلمين، والاعتراف بأن "دولة حماس" في غزة بدأت تتحمل مسئولياتها، وتتصرف في الأشهر الأخيرة بطريقة أفضل من تصرفاتها خلال عهد مبارك، وهي ضابطة للأمور في غزة أكثر من السلطة الوطنية الفلسطينية حتى خلال حكم الشهيد ياسر عرفات، وتتراكم لها مصالح، يلتقي بعضها مع المصالح الإسرائيلية، بدأت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بحث إمكانية التوصل لتفاهمات وإيجاد قنوات اتصال واقعية مع حركة حماس، وتضمن بعض هذه الاقتراحات إمكانية طرح حل مرحلي على حركة حماس في الضفة الغربية من دون الاعتراف بدولة إسرائيل كدولة يهودية، ويكون الحل الجديد شبيه بهدنة حرب عام 1948، وهو الحل المحبب لدى حماس .
وبخصوص العلاقات غير الرسمية التي تقيمها إسرائيل مع المغرب فيمكن حصرها بالعلاقة مع القصر الملكي من دون حدوث أي احتكاك مع الحكومة هناك، ومع تونس هناك تطلع لبقاء مدينة جربة مفتوحة أمام السياحة اليهودية.
أمر آخر ترى إسرائيل أن بالإمكان تعزيز التعايش من خلاله هو التعاون مع الإسلام السياسي السني الذي هو في حالة عداء تاريخي مع الإسلام الشيعي الذي يحاول تطوير برنامج نووي لا يهدد إسرائيل فقط، بل العالم العربي السني أيضا.
وفيما يتعلق بمواجهة الإسلام السياسي الشيعي ترى إسرائيل بأن القضاء على المشروع النووي الإيراني سيساهم في تقويض الإسلام السياسي الشيعي في المنطقة، ويدفع إيران إلى الانكفاء الداخلي، ويمنع تطورها إقليميا وفق الرؤى التي يحملها أيات الله في قم. وعلاوة على الانكفاء الشيعي الذي تتطلع إليه إسرائيل بعد تدمير المشروع النووي، يساهم إسقاط النظام السوري في إضعاف حزب الله ويعيده حزبا لبنانيا داخليا، ما يسمح بتقليل التهديدات التي تواجهها إسرائيل خاصة في مجال ما تسميه الإرهاب.
خلاصة القول هي، أن إسرائيل تدرك أن المحيط والإقليم الاستراتيجي يتغير لغير صالحها، غير انها تحمل مشاعر متناقضة بين الخوف من مستقبل غير واضح لها، مما يدفعها للتسلح والاستعداد لحرب شاملة على أكثر من جبهة، وبين أمل في شرق أوسط لا يختلف كثيرا عن سابقه المتعاون والمشارك والوسيط والضاغط. لكن مشاعر الخوف الغالبة دوما، تدعوها إلى تجميد المسيرة السلمية مع الفلسطينيين ورفض أية مقترحات للعودة إليها بحجة مشاعر الخوف من مستقبل مجهول في الشرق الأوسط، ما يؤدي لتهيئة الأجواء لانتفاضة فلسطينية جديدة خاصة في الضفة الغربية، تفرض واقعا جديدا على الثورات العربية والأنظمة الجديدة ذات الطابع الإسلامي يحدد فيه طبيعة الصراع المستقبلي في المنطقة.