كيف ننمي ثقافة التسامح بدل ثقافة العنف
حسن محمد طوالبة
بات العنف المجتمعي يثير قلق المسئولين والكتاب وأصحاب القرار, وصارت أنباء المشاجرات داخل أروقة الجامعات, وفي الشوارع في المدن تتصدر صفحات الصحف اليومية, ويأخذ حيزا من أخبار الفضائيات العربية.
إن تصاعد وتيرة العنف الطلابي والمجتمعي بات يشكل ظاهرة خطيرة, وتثير اهتمام كل غيور على الوطن ومواطنيه, كما يثير تساؤلات عن الجهة المسئولة عن هذا العنف,
أهي الدولة بكل مؤسساتها وخاصة المؤسسات الأمنية , أم العشائرية , التي باتت بنظر كثيرين هي من أقوى الأسباب التي تشجع على العنف , ويركز البعض على القضاء العشائري , حيث يتخلص الجاني من جريمته بصك عطوة وفنجان قهوة , وتحويل النفقات على التأمين .
قبل الخوض في الأسباب وطرق العلاج لابد من الوقوف على تعريف اولي للعنف . فهو فرض إرادة الأقوياء على الضعفاء, وإجبارهم على عمل لا يريدونه. أما الإيذاء النفسي فهو إشعار الفرد بالدونية وتحقيره أمام أقرانه في العمل أو في الدراسة.
العنف من الناحية النفسية ( السايكوبات ) هو ميل الفرد للعنف بالفطرة , ويشكل هذا الميل( 5% ) بالمائة في حياة الأفراد , ومثل هؤلاء لا يجدي معهم العنف المقابل من الدولة وأجهزتها الأمنية , فسجن هؤلاء يزيدهم خبرة في استخدام العنف .ومن صفاتهم العصبية , والإصرار على رد الاعتبار , أو رد الصاع صاعين , وتأهب عصبي مستمر, واستعداد لاستعراض القوة ونبذ القانون , وتحبيذ لقانون الغاب , والبقاء للأقوى , ولو حصل الطوفان .
لقد اجتهد كل حسب اختصاصه في تبيان أسباب العنف في الجامعات وفي المجتمع بشكل عام
1 . أول الأسباب آتية من الأسرة حيث يسود فيها عقلية التسلط ألذكوري التي لا ترضى إلا بأخذ الحق بالقوة تعبيرا عن" المرجلة" . ومن هذه البيئة انتشرت الجريمة داخل الأسرة الواحدة , وقراءة الصحف اليومية تكشف عن مستوى وحجم الجرائم التي تحدث داخل الأسر , وتحمل معها خطورة الابتعاد عن الالتزام بروح الدين , إضافة لما تشكله من خلخلة في بنية المجتمع , وتفكك نسيج الأسرة الواحدة , وهذا سبب اختفاء ثقافة التسامح , وتغييب روح الحوار ,واني أركز على الحوار الذي يبدأ من الأسرة ,فالأب لا يسمح لأبنائه بالحديث عن مشكلاتهم وهمومهم في المدرسة ومع الجيران وفي الشارع , إذا جلس معهم طول النهار نظرا لانشغاله في العمل وتأمين لقمة العيش لعائلته .
الأسرة هي منبع العنف أو السبب الرئيسي له ,فعندما تمنح الأسرة طفلها الدلال وتوفر له كل سبل الرفاهية فانه يشعر بالتميز على إقرانه وبالتعالي عليهم , وإذا فقد سمة الوداعة الاجتماعية فانه يميل إلى العنف , وينسحب هذا الأمر على الأبناء والموظفين والعمال عندما يميز الأب بين أبنائه ورب العمل بين عماله والمسئول بين موظفيه , وبفعل هذا التميز يقتل الطالب زملاؤه في المدرسة , ويقتل الجندي زملاؤه في الوحدة العسكرية , كما حصل في مدارس أمريكا , وكما حصل في الهند وباكستان حيث قتل غاندي من قبل حارسه , وقتل حاكم ولاية باكستانية من قبل حارسه الشخصي, وما يحصل في بلادنا أيضا .
الأسرة الفقيرة قلما تهتم بتربية أبناءها على الأخلاق والقيم والمبادئ الرفيعة.وأما الأسر الغنية فإنها تمنح أبناءها الدلال ,وتدخلهم في مدارس خاصة ويحصلون على معدلات تؤهلهم دخول كليات علمية , أو يخلفون آباؤهم في التجارة أو الصناعة أو في قطاع الخدمات .
2 .المدرسة مسئولة أيضا من خلال مناهجها التي تعتمد التلقين والحفظ , ولا تعتمد منهج الحوار والمذاكرة ,ولا تنمي الشخصية والاعتماد على الذات ,كما أن القبول في الجامعات يعتمد المحاصصة والمحسوبية لبعض العائلات او الشخصيات , وتقديم الامتيازات لهذه الشرائح يثير الحنق عند الفئات التي لم تنل مثل هذه الامتيازات , ولذلك يبرز الاحتقان والعصبية في أول مشاجرة في الجامعة ,وعليه فان العدالة وتكافؤ الفرص بين الطلبة ,وتعزيز المنظومة القيمية بينهم , والتخطيط الاستراتيجي للمناهج والإدارة التربوية , وتوعية الطلبة بالقضايا التي تهم الوطن , ومعايشتهم مشكلات البيئة المحلية , وحقوق الإنسان والمجاعة والتصحر , ومخاطر الطاقة والكوارث وغيرها من المشكلات , كلها تنمي الوعي والمواطنة لدى الطلبة .
3 . أما الدولة فهي مسئولة عن كل المواطنين , ومسئولة عن وضع الحلول المناسبة لاحتواء العنف بكل أشكاله , إضافة إلى مسؤولية المواطنين وهيئات المجتمع المحلي .فالمطلوب من الحكومات أن تلتزم مبدأ العدالة, وفرض سيادة القانون, وتحقيق المساواة بين المواطنين, إضافة إلى وضع قوانيين تأخذ مصالحهم بعين الاعتبار.
ونظرة على الأحداث اليومية تبرز لنا حجم الاحتقان لدى المواطنين ,لأنهم يشعرون بالغبن وعدم المساواة , والفقر والبطالة وارتفاع الأسعار , إضافة لما أفرزته السنوات الماضية من أنماط الفساد والمحسوبية وتركز السلطة في يد عدد محدود من شرائح المجتمع وإهمال الأكثرية الصامتة والمهمشة من أبناء هذا المجتمع .
العنف لا يأكل إلا الشباب وضحاياه من الشباب وذلك خسارة على المجتمع والدولة أيضا, وعلاج العنف بكل أشكاله من مسؤولية الجميع وتتحمل الدولة المسؤولية الأكبر , فلابد من سيادة القانون , , في حل المنازعات ,وإصلاح ذات البين , وأن تبقى سلطة القانون هي السلطة العليا وهي المرجع لإحقاق الحق وإيقاع الجزاء العادل بالمجرمين .