ثقافة التسامح
اطلق مركز دراسات فلسفة الدين في بغداد سلسلة كتاب شهرية تحت عنوان( ثقافة التسامح) بتعضيد من وزارة الثقافة , ويرأس تحريرها عبدالجبار الرفاعي . وتهتم هذه السلسلة بالتثقيف على التسامح, ونفي الإكراه والكراهية في الدين، واشاعة العفو، والسلام, والعدل, والاحسان, والتراحم, والحوار، والحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، والمحبة, والصبر، والمداراة, والصفح الجميل، والهجر الجميل، وغير ذلك من مقولات ومعاني اللين، والسماح، واحترام الآخر, والعيش المشترك.والدعوة للحريات وحقوق الانسان, وتجفيف المنابع التي ترسخ مفاهيم الاستبداد, وتهدر كرامة المواطن, وتعمل على صياغة نفسية العبيد في المجتمع. ونقد منابع التعصب, ونفي الآخر, والعنف, والتحجر, والقراءة الفاشية للدين. واكتشاف الابعاد العقلانية والاخلاقية والانسانية والجمالية والمعنوية السامية في الدين والتراث.
ولخصت سلسلة كتاب ثقافة التسامح اهدافها بمايلي :
1- الدعوة للتعددية والتسامح, وارساء قيم الاختلاف واحترام الآخر.
2- اشاعة ثقافة التعايش والحوار بين الاديان والثقافات.
3- ترسيخ العقلية النقدية الحوارية, وتجاوز العقلية السكونية المغلقة.
4- الاستيعاب النقدي للتراث والمعارف الحديثة.
5- تمثل روح العصر, والانفتاح على المكاسب الراهنة للعلوم, انطلاقا من: الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها التقطها.
6- تطهير التدين من الكراهية والاكراهات.
7- تحرير فهم الدين من المقولات والافكار والمواقف التعصبية والعدوانية.
8- الكشف عن الاثر الايجابي للفهم العقلاني الانساني للدين في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
9- تبني الرؤى والمفاهيم التي تهدف الى مواكبة العصر، وتعزز المصالحة بين المتدين والمحيط الذي يعيش فيه.
10- تجلية الابعاد العقلانية والاخلاقية والانسانية والجمالية والمعنوية المضيئة في الدين والتراث.
11- بناء مجتمع مدني تعددي تسود حياته قيم التسامح والعيش المشترك.
12- التثقيف على الحريات وحقوق الانسان, وكل ما يعزز كرامة الانسان.
13-تجفيف المنابع التي ترسخ مفاهيم الاستبداد, وتعمل على تشويه وتدمير نفسية المواطن .
وقد صدر منها كتاب( فقه العنف المسلح في الاسلام ) للشيخ محمد مهدي شمس الدين
وعالج هذا الكتاب مناخ العنف الذي ساد مفاهيم ومقولات وسلوك الحركات الاصولية, وتحدث عن حالة الانغلاق لديها وما افضت اليه هذه الحالة من محاصرتها , وما ولدته من أفكار ومشاعر كوّنت عند جماعات كثيرة من الحركة الإسلامية مناخ العنف، ومن ثم طبعت (أسلوب) العمل السياسي الذي تمارسه بطابع العنف. فقد اتسم هذا الأسلوب بالعنف في لـهجة ومفردات الخطاب السياسي، والعنف في أشكال السلوك والتعامل الحياتي اليومي، والعنف المسلح.
وقد توجه اهتمام هذه الجماعات لالتماس أساس فقهي لشرعية استعمال العنف المسلح. وقد وقعت الحركة الإسلامية بسبب ذلك في أخطاء كثيرة على مستوى المفاهيم وعلى مستوى التطبيق، كما وقعت ضحية بعض (رجال الدين) الذين استجابوا لبعض نوازعهم وحاجاتهم النفسية أو لفهمهم الخاطئ، فأباحوا العنف المسلح الذي اتسعت رقعة استباحته فوقع ضحيته مسلمون مخلصون فيهم إسلاميون مخلصون أيضاً.
لقد كان من نتيجة مناخ العنف ان رد الحركة الإسلامية على الواقع المكون من القوى الأجنبية الظاهرة والمستترة، وأنظمة الحكم، والقوى السياسية المحلية، والمجتمع، حمل سمة العنف واتسم به. فالخطاب السياسي الموجه إلى الخارج الغربي ، والخطاب الموجه إلى النظام (الوطني) الحاكم، والخطاب الموجه إلى القوى السياسية غير الإسلامية ـــ علمانية كانت أو غير علمانية ـــ والخطاب الموجه إلى المجتمع الأهلي (في كثير من الحالات عند بعض التنظيمات الإسلامية) خطاب عنيف متفجر يتضمن الإدانة والوعيد والتهديد بالقوة، ويستعمل، بالنسبة إلى النظام والقوى السياسية الأخرى، وفي بعض الحالات بالنسبة إلى المجتمع الأهلي نفسه، مقولات الكفر والارتداد والفسق وموالاة الكافرين.
وقد أدّى هذا الأسلوب في الخطاب السياسي إلى تعميق القطيعة بين الحركة الإسلامية وبين الأنظمة الحاكمة، وبينها وبين الأحزاب والقوى السياسية الأخرى التي تقف غالباً في موقع المعارضة للأنظمة الحاكمة. وتعطل الحوار بين الطرفين مع وحدة موقفهما ـــ في كثير من الحالات ـــ من الأنظمة الحاكمة. وهذا ما غذّى حالة الحصار من جهة، ونمّى الشعور بها من جهة أخرى.
واتسم سلوك الحركة الإسلامية وتعاملها مع المجتمع الأهلي بالعنف المتمثل بالنقد الاتهامي العدائي لما عليه المجتمع من عادات وتقاليد وأعراف (لم يثبت حرمة بعضها من الناحية الشرعية، ولا ينتمي بعضها إلى الثقافة الغربية). كما اتسم بالتعالي والتعامل الفوقي.
وقد ولّد هذا الأسلوب في المجتمع الشعور بالانفصال والغربة عن هذه الجماعات، وكوّن حواجز نفسية وعاطفية بين المجتمع وبينها، وهو الأمر الذي أدى إلى المزيد من العزلة والشعور بحالة الحصار.
وقد اعتمد كثير من فصائل الحركة الإسلامية أسلوب العنف المسلح المتمثل بالاغتيال، والقتل العلني، والخطف لأخذ الرهائن، ونسف المؤسسات، والمواجهات القتالية المسلحة.
وزيف الامام شمس الدين ما تسوقه الجماعات الاصولية من مبررات لممارسة العنف والعدوان على الآخر بذرائع متنوعة , باستخدام منطق الاستدلال الفقهي التقليدي الذي تتذرع به تلك الجماعات .
اما الكتاب الثاني الذي صدر في سلسلة ثقافة التسامح , فهو ( دفاعا عن العقل والحداثة) للدكتورمحمد سبيلا رئيس الجمعية الفلسفية المغربية واستاذ الفلسفة بجامعة محمد الخامس بالرباط . اوضح فيه الدكتور سبيلا ان تحقيق الحداثة ليس أمراً بديهياً ولا تلقائياً، بل إنه يتطلب مجهوداً لنقد الذات والتاريخ، والتخلص من الكثير من الأوهام؛ في حين ان مجتمعاتنا ـــ وهذا الأمر لا يخص فقط المجتمعات العربية، بل ربما كل الشعوب المتأخرة ـــ يتوكد لديها نوع من الفكر التبريري والتمجيدي للماضي، الذي يستعيظ عن خواء الحاضر وفشلـه بالارتباط بأمجاد الماضي وباستيهاماته. فالقول والاعتراف بأن الحداثة غربية أو برانية المنشأ وأنها غريبة، لا يعفي أبداً من التعامل معها، ولم لا، «إبداع» حداثة خاصة، وان كان هذا الأمر يبدو مستحيلاً في نظري لأن هناك شكلاً واحداً للحداثة. وهذا تحدي تاريخي وفكري قوي مطروح على هذه الثقافات والمجتمعات الرازحة تحت أثقال التقليد وأكياس رمال الماضي التي تحملـها في عربتها. وهناك عنصر آخر وجب الاعتراف به، وهو ان الآخر الذي أبدع الحداثة، والذي هو سيدها والمسيطر عليها وموجهها، يتحكم فيها ولا يتركها لك إلا بمقدار، إنه يقطرها لك حتى لا تموت وحتى تظل تابعاً وجائعاً طيلة التاريخ، فالذي يمتلك الحداثة، أي يمتلك العلم والتقنية والنظرة للعالم، يمتلك القوة؛ وهو ليس مستعداً للتفريط فيها وتوزيعها، بل يريد ان يجعل الآخرين تابعين أي سوقاً استهلاكية لمنتجاته، حتى يظل هوالسائد والسيد والمسيطر.
ان جوهر الحداثة الغربية، أو أحد جواهرها الأساسية، يتعلق بمسألة الحرية وبالضبط حرية الفرد. فالحداثة الغربية انطلقت مع تحرير الفرد من قوة التقليد الذي يكبل كفاءاته وملكاته، ومن سيطرة التقاليد الجائرة والقامعة؛ وبذلك تم إطلاق حرية الفرد لإعمال عقلـه وممارسة إبداعه ومسؤوليته. لكن مجتمعاتنا لم توفر للفرد شروطاً موضوعية لممارسة الإبداع، فلا يزال الفرد مكبلاً بالتقاليد، بسلطة الدولة الأبوية, وبعشرات المثبطات. إنه مجتمع لا يفسح المجال لأفراده من المواطنين لممارسة فعاليتهم، وهذا شرط أساسي في الحداثة.
اما الكتاب الثالث فجاء بعنوان ( الاسلام المعاصر والديمقراطية ) وهو يتألف من مجموعة مساهمات للدكتور رضوان السيد والدكتور تركي الحمد والدكتور عبده الفيلالي الانصاري ومصطفىملكيان ومحمد مجتهد شيستري وابراهيم العبادي وغالب حسن الشابندر, والسيد هاني فحص الذي قدم للكتاب بالتشديد على أننا لسنا مع الاسلام والديمقراطية، بين نظامين حضاريين، بل نحن مع نظام حضاري اسلامي تاريخي متحرك متجدد على أصوله، نازع بعمق الى استيعاب التعدد وتجاوزه، أي رفعه إلى مستوى أطروحة انسانية على شرط الحرية. ومن هنا تصبح الديمقراطية، التي كانت و ما زالت، تعبيرا عن شوق انساني الى الحضور في المشهد عطفا على الحضور في المعتقد من خلال الانتماء الديني أو الثقافي، تصبح منجزاً تاريخيا دائم الإنجاز، تنجزه لينجزك، تعيد به إنجاز الاسلام فروعا معروضة على اصولها، ويعيد الاسلام إنجازه طريقا تتسع وتضيق وتعتريها الالتواءات والمطبات من مكان لآخر، ومن زمن لآخر. أي أن الديمقراطية تقع نظريا في نظام الأفكار الاسلامي العام، المقاصدي، ولا تتعارض مع قيمه، اما أنها محكومة منشأ بسياق حضاري مختلف، فهذا ظلم للاسلام الذي كان شورويا في الواقع، بصرف النظر عن الخلاف في فهم آيات الشورى في القرآن، إلى ذلك فان الاختلاف الحضاري لم يكن يوما حجة للمسلمين للقطيعة مع الآخر، وإلا فكيف انتشر الإسلام واخترق الحضارات لو لم يكن متفهما لها، وموسعا لشراكة معرفية وتاريخية مع منجزاتها؟ والانسان عموما، والمسلم ليس استثناء، هو في الحصيلة مجموع تراكمات ثقافية تبادلية، والاسلام كدين لا يهدف إلى قطيعة بين المسلمين وغيرهم، والاختلاف ليس مناطا للقطيعة، بل هو مناط للتواصل والتعارف والتثاقف، أي التكامل. والقرآن يعتبر أن الأمة التي يجب الحرص على وحدتها، أو إعادتها إلى الوحدة كمعادل موضوعي للتوحيد، وعلى موجب الايمان واللقاء في الواحد، هي الانسانية جمعاء، وهذا ليس مشروع دولة كونية، تقوم على الإلغاء والمصادرة الشمولية، بل هو مشروع ديمقراطيات تتعدد بتعدد المجتمعات، ولكنها تشترك في فضاء الحرية وتلتقي فيه.
ويصدر في الشهر القادم ( يناير 2005 ) في هذه السلسلة كتاب (الآخر في القرآن ) لغالب حسن الشابندر , وتليه مجموعة كتب في الاشهر القادمة للدكتورطه جابرالعلواني والدكتور محمد الطالبي وماجد الغرباوي وابراهيم العبادي ومصطفى ملكيان وادريس هاني وغيرهم .