التسامح.. ثقافة جديدة تبحث عن طريقها
علاء أوسي
أظهرت الأزمة التي يشهدها المجتمع السوري منذ قرابة العامين ما يعانيه مجتمعنا من مشاكل وما يحويه من نوازع أنانية عززها العنف الذي انتشر في الشارع السوري، فنتج عن ذلك حالات من التعصب والانغلاق وحالات من الهيمنة بأنواعها المختلفة وعلى رأسها السعي للهيمنة الفكرية ما ولد شرخاً في بنية المجتمع وأفسد مناخ التعايش بين مختلف التيارات الفكرية والعقائدية وحتى الدينية.
وأبرزت الأزمة قوى سياسية جديدة متعارضة فيما بينها وذات مصالح اقتصادية متباينة، فبات كل تيار يسعى لبسط نفوذه وتعزيز هيمنته على الآخر في كل المجالات، رافعاً شعار إلغاء الآخر عن طريق تحجميه وتهميشه سعياً إلى إقصائه وتدميره ما ولد ردود أفعال أكثر من سابقتها متخذة من العنف وسيلة ما أدى لنتائج كارثية نشرت دموعاً ودماً وأمواتاً وأشلاء وأرامل ومشردين ومعوقين وقاصرين، فاغتُصبت ذاكرة الوطن وكنوز آثاره ونهبت خيراته وغيب حاضره، متناسين قول السيد المسيح «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر».
وأمام هذا التطرف المنتشر والتعصب الأعمى وما أودى إليه من قتل وتدمير وتجاهل للقيم الإنسانية؛ وانطلاقاً من مسؤولية الهم المعاش في محاولة بناء ثقافة سورية جديدة لسورية أمسى رفع شعار التسامح والتوافق خطوة مهمة في وئد البؤر المشتعلة والمتناثرة على طول البلاد وعرضها، مع السعي لنزع فتيل المواجهات الدموية التي تخلف الدمار والآسى وتصبغ طرقاتنا بدماء أخوة في الوطن يدفعون حياتهم دون أن يستفيد منها أحد، فبات من الواجب بمكان أن نسعى جميعاً إلى مد جسور التحاور ونعمل على إيجاد قنوات للتفاهم وسبل للتواصل بديلاً عن لغة السلاح ونعمل على ترميم الشرخ الاجتماعي الذي ولدته الأزمة وأدى لتصدع المجتمع مولداً خلافات بين الأخوة لاختلافات زرعها الأفرقاء.
فماذا سيكون حال المجتمع الذي تربى على صور الدمار وأصوات الانفجارات ورائحة موت البارود، وماذا سيكون رد فعل من أضحى يعيش متناقلاً بين حدائق المحافظات وطرقاتها بانتظار مساعدات من هنا أو هناك، إضافة لانتشار الثقافات المعارضة التي تعقد الندوات والمنتديات وتطلق التصريحات بالوعيد والتهديد؟!
فالقاسم المشترك لتجاوز ما سبق أن نطلق ثقافة التسامح والتوافق التي يجب أن يتجاوز مفهومها قبول الآخر إلى العمل معه لبناء المجتمع والدولة في سورية، فهل يمكن أن تؤمن مثل هذه الثقافة السياسية الجديدة (التسامح والتوافق) من خلال المؤسسة السياسية على صعيد الحكومة، في وقت يدعو فيه البعض إلى إعلان قانون الطوارئ من جديد!
لماذا يعد الكثيرين ثقافة التسامح والتوافق إشكالية؟ ألأن عالمنا العربي عامة والسوري خاصة بأطيافه ومكوناته الشرقية لم يصل بعد إلى حد القبول بالتسامح كممارسة وما يقال عن ثقافة التسامح هو لمجرد التأثير وليس التغيير، حيث اغتصبت السياسة التعايش والتسامح على امتداد التاريخ العربي والإسلامي وعلى مرأى من التدين أحياناً وبمباركة الدين أحياناً أخرى.
فلنعمل على إطلاق مثل هذه الثقافة التي تعمل مع الآخر، ولا تصادره كما جاء في سورة يونس/99 «ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلّهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين»، وذلك من خلال إقرار كل طرف مهما كانت سلطته ونفوذه، بوجود الطرف أو الأطراف الأخرى، وضمان حق الاختلاف، وحرية التعبير، واحترام الرأي أو الاتجاه المغاير، وحماية الحقوق المشروعة والحريات الأساسية للجميع.
ختاماً فإننا نطمح إلى مستقبل يسوده التسامح والتوافق وقبول الآخر والتعايش معه.. مستقبل نعمل مجتمعين على بناء لبناته الأولى من خلال ثقافة سياسية واجتماعية، وثقافة تعدد لا تفرد متغلبين على كل نزعة أنانية ضيقة.. مع الاحتفاظ بالتمايز والتميز لكل فرد ومجموعة.