خرافة التسامح الديني

عبد عطشان هاشم

ماهو التسامح الديني؟
تعرف الويكيبديا التسامح الديني بأنه : مصطلح يُقصد منه التسامح بين أتباع الأديان حيث يتم احترام الحرية الشخصية لكل شخص يؤدي شعائره وطقوسه الدينية. والمعنى السائد للتسامح الديني يقوم على مبدأ قبول الآخر باختلافه وتباينه.ونضيف الى ذلك التعريف بان التسامح المذكور لايجب ان يقتصر على اتباع الديانات سواءا كانت سماوية او غير ذلك ، بل يشمل التسامح بين جماعات وطوائف وفرق الدين الواحد ذاته والتي يكون الصراع بينها اشد حدة من الصراع مع بقية الاديان كما هو حاصل بين السنة والشيعة على سبيل المثال.
ومن نافلة القول التأكيد هنا ان الاديان السائدة باطيافها المختلفة في المنطقة العربية وهي : الاسلام والمسيحية واليهودية ، لها جذور تسامحية مزروعة في نصوصها المقدسة فالاسلام مثلا يحمل عشرات النصوص القرانية والاحاديث النبوية التي تدعو الى التسامح والعيش المشترك مع اهل الكتاب وعلى سيبل المثال نورد النصوص القرانية التالية :
( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) ]البقرة : 256[ ، ( وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ )[هود : 118] ، ﴿ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات : 13]. {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}[يونس:99] ، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[الحج:17] وهناك وافر من الاحاديث النبوية التي تتسق مع النصوص القرانية المتقدمة. اما في الجانب المسيحي فنقرأ في الكتاب المقدس مايلي : ( لقد قيل لكم من قبل أن السنّ بالسنّ والأنف بالأنف، وأنا أقول لكم : لا تقاوموا الشرّ بالشرّ بل من ضرب خدّك الأيمن فحوّل إليه الخد الأيسر،ومن أخذ رداءك فأعطه ازارك،ومن سخّرك لتسير معه ميلاً فسر معه ميلين ). ( من استغفر لمن ظلمه فقد هزم الشيطان ). ( عاشروا الناس معاشرة إن عشتم حنّوا إليكم، وإن متّم بكوا عليكم ). في الدين اليهودي هناك : وصايا موسى في التوراة:
- كل ما تكرهُ أن يفعلهُ غيرك بك فإياك أن تفعلهُ أنت بغيرك .
- اغتسلوا وتطهّروا وأزيلوا شرَّ أفكاركم وكفّوا عن الإساءة.
- تعلّموا الإحسان والتمسوا الإنصاف.
وهكذا رغم هذه النصوص ووضوحها في الدعوة الى التسامح والمحبة ، لكنها تحولت الى كراهية مغموسة بالدم على مدى حقب تاريخية كاملة ولازالت فرغم ان المجتمعات المسيحية الحالية هي مجتمعات متسامحة ، الى حد ان البابا اعتذر بنفسه عن بعض اساءات الكنيسة الكاثوليكية ، لكنها لم تصبح هكذا انطلاقا من فهم داخلي خاص بالعقلية الدينية المسيحية بل ان هذا التطور في موقف الكنيسة جاء بفعل تحول المجتمعات تلك الى مجتمعات مدنية علمانية وضعت الكنيسة في اطارها الروحي فقط دون اية سلطة سياسية او فكرية.
اما في الجانب الاسلامي ، فقد تحول لفظ (اهل الكتاب) الى (الكفار المسيحين) او (الكفار اليهود) ايذانا ببدء حقبة مظلمة من الصراع العلني والمستتر، وصار الدعاة يتحدثون علنا عن التسامح الديني في الوقت الذي يغذون الكراهية ضد اتباع الاديان الاخرى بل ضد اتباع المذاهب الاخرى وحتى ضد من يخالفونه الرأي .
لقد تحولت الدعوة الى التسامح الديني الى دعوة شكلية بروتوكولية تخدم رجال الدين انفسهم ، وعانت الاقليات الدينية في المنطقة العربية من التشدد والتطرف والاقصاء بشتى اشكاله ، فلا يمكن توقع التسامح الديني كقيمة اخلاقية عليا من رجال دين متعصبين منغلقي التفكير يعيشون عند تخوم القرن الاول الهجري ، بل ان التسامح الحقيقي لايتحقق الابوجود سلطة مدنية علمانية تنقل المجتمع من ثقافة الرعية الى ثقافة المواطنة ، تحترم كافة الاديان والمعتقدات وتتيح لها حرية التفكير والممارسة وتجعل المناصب الادارية العليا في الدولة متاحة للجميع وفقا للشروط الفنية فقط الخاصة بكل منصب اداري دون اشتراط الانتماء الى دين او مذهب او جماعة دينية بعينها.
وليس ذلك فحسب بل يجب تطوير البيئة التعليمية والمناهج التعليمة لتشيع ثقافة التعدد والتنوع واحترام الاخر والابتعاد عن القوالب النمطية ذات الجذر التاريخي في فهم الاخر ، فالجاهل لايمكن ان يتحاور ولايمكن ان يتسامح . ويجب ان ندرك ان
التسامح طريق مزدوج الاتجاهات، فعلينا أن نتسامح نحن أيضاً إذا كنا نريد من الآخرين أن يتسامحوا معنا.

المصدر: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=348700

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك